الكاتب والناقد والأديب السوري نواف يونس: «الصحافة الثقافية حرّة أكثر من السياسة»

إسماعيل فقيه (بيروت) 03 سبتمبر 2017

يتميز الأديب الكاتب السوري نواف يونس، بقدرته على احتواء الكتابة بتنوّعها الإبداعي، فهو الى جانب تمرّسه في الصحافة المكتوبة، يشغل اليوم رئاسة تحرير مجلة «الشارقة الثقافية»، فقد كتب القصة والمسرح والنقد والمقالة الصحافية، وله كتب وإصدارات في النقد الأدبي والمسرحي والقصصي. كما أنه نال جائزة شخصية العام الثقافية في الشارقة. تنقل بين المدن العربية وحمل الكثير من ملامحها الثقافية. ويختصر يونس تجربته ورحلته مع الكتابة قائلاً: «الشاعر الراحل محمد الماغوط ود. عيدابي علماني الدرس الأول في الصحافة والأدب... أنا صاحب رسالة وليس لي أي هدف في الحياة... أكتب من دون خوف وأنحاز إلى هموم المواطن العربي ووجعه... الأدب ليس انعكاساً للواقع بل صياغة جديدة له... الكتابة هي المتنفس المتاح وسط هذا المسكوت عنه... أبطالي من «لحم ودم» يعيشون الحياة يحبون ويكرهون مثقفون وجهلة فقراء وأغنياء.. أكتب ما أؤمن به بلغة أدبية ولا أصدر بيانات سياسية... نظلم الحب عندما نقيّده بالعلاقة العاطفية بين رجل وامرأة... الصحافة الثقافية لديها مساحة حرية أكثر من السياسة... لم أفهم حتى الآن العلاقة بين قلب المرأة والقصر المسحور...». وفي حواره مع «لها»، يقول نواف يونس ما هو أكثر ويشرح ما هو أبعد، فماذا يقول؟


- نبدأ بسؤال تعارف إلى الكاتب نواف يونس، كيف تقدم نفسك للقارئ، من أنت اليوم، وبالأمس؟
الآن، وبعد مسيرة أربعة عقود من العمل الأدبي والصحافي، أتسلم إدارة تحرير مجلة «الشارقة الثقافية»، وهي أحد روافد مشروع الشارقة الثقافي، وتتبناه دائرة الثقافة في الشارقة، والذي بدأ بريقه الأول مع بدايات الثمانينات من القرن الفائت، وقد توج أخيراً باختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب في العام ٢٠١٩، وكنت خلال هذه المسيرة شاهد عيان على هذا المشروع، وكذلك كنت مشاركاً في فعالياته ونشاطاته ومهرجاناته وملتقياته بصفتي الصحافية والأدبية، إلى أن شرفني الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بجائزة شخصية العام الثقافية.
أما بالأمس، فأنا كنت ولا أزال، ذلك الإنسان العربي المحمّل بهموم وإحباطات وأحلام وانتصارات وانكسارات وطموحات هذه الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج، وتنقلت خلال مسيرتي للعيش أو العمل بين دمشق وبيروت والقاهرة والجزائر والشارقة، وقد حملت من ملامح هذه المدن والعواصم بعضاً من ثقافتها وشخصيتها وهويتها.

- شاعر تكتب القصيدة الحديثة، ناقد وقاص وإعلامي، كأن الكتابة مهنتك قبل أن تقرر خطوتك الأولى في الحياة.
غالباً، لا نستطيع تشكيل الحياة كما نريدها، إنما نخضع لما تريده منا الحياة، نحن ما تصنعه الحياة وكما يطلبه الآخرون، أحياناً وبصدق أتساءل: أين أنا من كل ما أفعله، ما هو المطلوب مني؟ وغالباً ما تكون النتيجة أنني أتصرف كما يريد الأهل والأقارب والرؤساء والجيران والأصدقاء والغرباء.. والرقباء.
والحق أقول لك إنني بدأت مثل كل الشباب العربي بكتابة الشعر، ثم اتجهت إلى القصة القصيرة، أما المسرح؛ فقد كتبت مبكراً عن ذلك، والسبب عملي المبكر في بدايات الثمانينات في القسم الثقافي بجريدة الخليج، مع الشاعر الكبير محمد الماغوط والمسرحي د. يوسف عيدابي، فقد تتلمذت على أيديهما صحافياً ونقدياً وأدبياً، لأنهما أسندا لي متابعة الفعاليات والنشاطات الأدبية والمسرحية والتشكيلية إلى جانب قراءة الإصدارات الأدبية والفنية، وهو ما تطلب مني ثقافة عامة، كنت قد حصلت عليها من بيئتي الخاصة، فأنا من بيت علم وأدب وسياسة، إلى جانب تنقلي مبكراً بين المشاهد الثقافية العربية، وصداقاتي مع كبار الكتاب والأدباء والمسرحيين العرب، حيث اكتسبت منهم الكثير من النضج الفني في كتاباتي الأدبية، لذلك أنا من هذا النسيج العربي الثقافي في جزئيته وكليته، بكل تناقضاته وسلبياته وإيجابياته.

- كيف تأسس الناقد في داخلك، هل النقد قادك إلى الكتابة الإبداعية، أم العكس، أم ربما الكتابة الصحافية هي الأساس في مشروع الكتابة الذي اخترته؟
أنا أعتقد (من إحكام العقدة وليس الظن) أنني لا أسعى وراء هدف معين، لكنني صاحب رسالة، هذه الرسالة مضمونها الحق والخير والجمال، لهذا كنت ملتزماً عند ممارسة هذه الأجناس الأدبية والنقدية معاً بهذه المعاني، فثقافتي تأسست من خلال اطلاعي وقراءاتي المتنوعة والكثيرة من الفلسفة اليونانية مروراً بتطور المسرح الغربي على يد شكسبير وموليير وصولاً إلى الأدب الروسي، مع هضمي للسلالة القوية من الكتاب العرب أمثال حنا مينه ويوسف إدريس وعبدالسلام العجيلي وطعمة فرمان والطيب صالح وحيدر حيدر وعبدالرحمن منيف والسياب ونازك الملائكة ونجيب محفوظ وأدونيس ومحمود درويش وممدوح عدوان ويحيى حقي ونبيل سليمان وتوفيق يوسف عواد وأنسي الحاج، ناهيك عن تراثنا العربي شعراً وسرداً وتصوفاً، لذا فخلاصة ما تعلمته هو أن أكتب من دون خوف، فقط أختار قضية تهم الناس والمجتمع، وأدافع عنها بمبدأ وصدق وأمانة انطلاقاً من أنني أنتمي كصحافي وناقد وقاص ومسرحي إلى هموم رجل الشارع، ووجعه ومعاناته في هذا العالم المتأزم.

- كتبت للمسرح، ماذا كتبت في هذا المجال، وأين استقرت كتاباتك المسرحية، ماذا قلت، ولماذا كتبت المسرح، ما الدافع والأساس؟
يتعدى الأدب دوره بأن يكون مجرد مرآة تعكس واقع الإنسان والمجتمع، إلى تحويل هذا الواقع الى عالم فني، لأنه بذلك يعيد صياغة الحياة من جديد بوعي يستشرف الغد من هذا الواقع، وحقيقة أن الفكرة هي التي تفرض نفسها على الكاتب، فأحياناً تبدو قماشة جيدة لقصة أو رواية، وأحياناً لنص مسرحي، وثالثة تبدو حالة شعرية فتكون القصيدة، أما الدافع للكتابة عموماً فكونها المتنفس الذي أجيده وسط هذا المسكوت عنه والمستقبل اللامفكر فيه، أو ربما الكتابة هي نوع من المواجهة.
ولا أخفي عليك أنني بدأت عالم الكتابة مبكراً وأنا في المرحلة الابتدائية، عندما ألفت مسرحية للاحتفال بنهاية العام الدراسي عام ١٩٦٢ في مدرسة الاتحاد القومي في القاهرة، وقد اختاروني لتفوّقي باللغة العربية وكلفوني بكتابة المسرحية، كما اختاروا هاني شاكر للغناء ومعالي زايد للتمثيل في تابلوهات الحفل، كنا أطفالاً ولكنهم زرعوا فينا حب المسرح والأدب والفن.
بعد ذلك، كتبت العديد من المسرحيات الطويلة والمونودراما، منها مسرحية «الرحيل» التي قدمت على المسرح الجامعي في البحرين، وتتناول فكرة الموت الذي نتفاجأ به، رغم أننا يومياً نودع أحبتنا وأصدقاءنا وأهلنا إلى حيث هم وحدهم يعلمون، وركزت فيها على انتهازية الإنسان في لحظة مواجهته الموت.
أما مسرحية «ملك ليوم واحد»، فقد قدمها الفنان المخرج عبدالله صالح على خشبة مسرح دبي الشعبي، وفيها أرصد علاقة الحاكم بشعبه، وكيف أن المسؤولية تتوزع عليهما معاً، الحاكم بغيابه عن قضايا شعبه، والشعب بسكوته وعدم المطالبة بحقه.

-  وماذا عن كتابة القصة القصيرة؟
كل الأبطال في قصصي ونصوصي المسرحية هم شخصية «برهوم» الإنسان العربي المثقل بالألم والتهميش، وأبطال من لحم ودم، أشخاص مثلنا يعيشون الحياة، يحبون ويكرهون، يغارون، منتصرون ومنهزمون، فقراء وأغنياء، مثقفون وجهلة، وهم في الغالب ضحايا أولئك الوحوش الذين يغتالون كل شيء جميل في حياتهم. وأصدقك القول إنني أديب ولست سياسياّ؛ لذلك أنا أكتب ما أريده وما أؤمن به باحترام كامل لفنيات الجنس الأدبي الذي أكتبه، سواء كان شعراً أو قصة أو مسرحية، ولا أصدر بيانات سياسية.

- هل كتبت الحب؟ وماذا قالت كلماتك في الحب والمرأة والإنسان؟
نعم، رغم أن الحب الخالص في عالمنا المعاصر مجرد لحظات، لا نعرف متى تأتي ولا كيف ولا متى تنتهي، وعندما تأتي (هذه اللحظات) يتصور الرجل والمرأة أنهما يملكان العالم، يصنعان فيها أحلامهما، ويسبحان على أمواجها في سعادة. في هذه اللحظات، يشعر الإنسان بأن عروقه امتلأت بالحياة وبأنه امتلك كل شيء: القوة، التفاؤل، الحماسة والرغبة، وفجأة، يتسرب كل شيء من بين الأصابع، فتهرب المرأة ويصرخ الرجل.
كتبت أيضاً كرجل إنسان عن الحب والمرأة، وأعتقد أننا نظلم الحب عندما نقيده دائماً بالعلاقة العاطفية بين رجل وامرأة، لأن الحب أسمى من ذلك، فالحب قد يكون بين الإنسان والحياة نفسها، أو بين الإنسان والطبيعة أو جزء معين منها، ربيعاً كان أم خريفاً، لأن الحب الخالص لا يرتبط بمنفعة حسية أو لذة، إنه قيمة جمالية إنسانية تزيدنا سمواً، والتي تضعنا أمام حقيقة الحياة بكل ما تحمله من آلام وارتعاشات وخوف ومتعة ومحبة وخير، لكنني أعترف بأنني ما زلت عاجزاً عن فهم العلاقة بين قلب المرأة والقصر المسحور.

- بصفتك كاتباً إعلامياً، كيف تقيم الكتابة الصحافية في تجربتك، أين نجحت؟ وهل أخفقت؟
أنا على عتبة السبعين من العمر، ولم أشعر للحظة بأنني أنهيت ما بدأته، رسالتي لا تزال مستمرة، أحاول أن أكون شفافاً عامراً بروح التجديد، داعياً إلى أهمية وجود ثقافة جديدة مؤثرة وفاعلة عربياً، تخرج هذا الإنسان العربي من دائرة الإهمال والتهميش والإتباع، إلى ساحة الثقافة والإبداع لهذا الإنسان المطحون الجدير بها، والذي تُفرض عليه قيم وأخلاقيات لا تتوافق مع وجوده وشخصيته وهويته وحيّزه الروحي.
الدرس الأول الذي تعلمته في عملي الصحافي يتلخص في مقولة «للحقيقة من دون خوف وللواقع من دون زيف»، لكن الجميع يعلم كيف دُجّن الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في وطننا الكبير، لكن من حسن حظي أن الصحافة الثقافية لديها مساحة أكبر من حرية التعبير والتناول عن الصحافة السياسية والاقتصادية، لكون خطابها ليس مباشراً، بل يعتمد على لغة أدبية تحمل في طياتها الكثير من الرمزية والدلالات والتأويلات.
أما النجاح والإخفاق، فهذا متروك للقارئ وحكمه على مسيرتي.