نسبة تفوق المعدلات العالمية الطلاق ظاهرة مقلقة في السعودية

طلاق, المملكة العربية السعودية, المحاكم الشرعية, الزواج, زواج القاصرات, علم النفس

25 يناير 2014

تزدحم أروقة المحاكم الشرعية في السعودية بالمتنازعين في قضايا الطلاق التي تشكل ظاهرة مقلقة تهدد المجتمع، وتبقى فيها المرأة الطرف الأضعف الذي يحاول إنهاء علاقة استحال فيها الاستمرار، لأسبابٍ عديدة ومختلفة. ففي دراسة سعودية، ووفقا لبيانات صادرة عن وزارة العدل، أن حالات الطلاق في السعودية ارتفعت إلى أكثر من 35 ألف حالة خلال عام 2012، لتبلغ 82 حالة في اليوم، بمعدل ثلاث حالات طلاق في الساعة الواحدة تقريباً، وهو أعلى من المعدل العالمي الذي يتراوح بين 18و22 في المئة. وفي وقت سابق أصدرت وزارة العدل تقريراً إحصائياً أفادت فيه بأن هناك أربع حالات خلع يومياً على مستوى المملكة، لتشير الدراسات إلى أن غالبية حالات الطلاق تحدث في السنوات الأولى من الزواج أو بعد مرور فترة قصيرة من عمر الزواج. فيما يرى مختصون أن أغلب حالات الطلاق تقع في السنة الأولى لفقدان الانسجام والحوار الهادئ بين الزوجين. «لها» تلقي في هذا التحقيق الضوء على الأسباب التي تقف وراء ازدياد معدلات الطلاق في السعودية، وتسأل هل للدورات التأهيلية المتبعة حديثاً من جانب بعض الجهات المختصة دور في الحد منه؟


أم خالد معلمة وأم لأربعة أبناء، تعيش في مدينة جدة، وهي إحدى المراجعات الدائمات للمحكمة الشرعية. صبرت على ظلم زوجها وتعسفه لتسع سنوات، لعل حاله يستقيم... تقول: «تحملت سوء المعاملة والضرب، حتى أنه يستولي على راتبي، وعندما كنت أشتكي لعائلتي كان والداي يقنعانني بضرورة التحمل، والصبر من أجل أولادي».
لم يزدد الأمر إلا سوءاً، فبعدما أقدم زوجها على الزواج بأخرى دافعاً مهرها من راتب أم خالد، كان ذلك «القشة التي قصمت ظهر البعير، فسارعت بالذهاب إلى المحكمة، وتقدمت بدعوى طلاق، لا يزال ملفها مُعلقاً، وأصبحت من المراجعات الدائمات في المحكمة. فكرت في الخُلع، لكن من لا تملك دخلاً مادياً كبيراً لن تقوى على الخلاص من ظلم الزوج بشكل أسرع». وفسرت تأخر النطق بالحكم في قضية طلاقها بعدم التزام زوجها الحضور إلى المحكمة، وتباطؤ المحامي، لعدم دفع الأتعاب، وهي على يقين بأن زوجها على معرفة بالقاضي لذلك هي تعاني، على حسب قولها.

ولفتت أم خالد إلى وجود أعداد كبيرة لنساء مُعلقات في المحاكم الشرعية ينتظرن فقط صك إثبات الطلاق. تقول:» في البداية كنت أعتقد أني الوحيدة التي طال بتّ قضيتها، لكني ومع تكرار الزيارة للمحكمة، وجدت أن هناك الكثيرات، ممن ينتظرن كلمة حق من قاضٍ لإنصافهن». وما زال هناك الكثيرات من السيدات اللواتي ينتظرن في أروقة المحاكم، وإن اختلفت الأسباب، تبقى المرأة الحلقة الأضعف في هذه المعادلة...


د. العبد القادر: أسلوب الوعظ

من جانبه، قال المدير العام لجمعية «وئام» الخيرية للمساعدة على الزواج الدكتور محمد العبد القادر إن «الدراسات الميدانية تثبت أن الدورات التأهيلية تبني فكراً يثمر سلوكاً واعياً، ونضجاً مؤثراً في السلوك الزوجي والأسري. ففي استطلاع على عينة من 756 شاباً قدمت «وئام» لهم البرنامج التأهيلي، تبين أن هناك خمس حالات طلاق أي ما نسبته 0,5 في المئة. ورغم أن البعض يعتقد أن هذه الدورات التأهيلية تستخدم أسلوب الوعظ، فإن الوعظ هو في الواقع من الأساليب الرائعة، في تقويم بعض الخلل الذي قد يحصل في الأسرة عموماً».
وذكر العبد القادر أن هذه الدورات تقوم على محاور، منها «آداب الخطبة والدخلة، والحقوق الشرعية للطرفين، والتركيز على الخصائص السيكولوجية للرجل والمرأة وكيف نتعامل معها، والمهارات الزوجية، وفن الحوار وحل المشكلات، وفنون إدارة ميزانية الأسرة. وتستمر هذه الدورات للرجال ثلاثة أيام، وللنساء أربعة ، مع فريق مختص من الاستشاريين النفسيين والاجتماعيين، والمُرشدين الأسريين».


د. المُعبي: لا بد أن تستمر

قال عضو المحكمين الشرعيين والمأذون الشرعي الدكتور أحمد المُعبي أن الطلاق يُعد ظاهرة اجتماعية لها أبعادها المختلفة، وأسبابها الاجتماعية والنفسية، والاقتصادية، مضيفاً: «تشير الإحصاءات إلى أن معدلات هذه الظاهرة تتجه إلى الارتفاع، مما يجعلنا بحاجة إلى إستراتيجية ملائمة لمواجهتها، تهتم بالجوانب الوقائية والعلاجية»، مبيناً أن الطلاق في معناه لغة «الإطلاق ورفع القيد مطلقاً، سواء كان هذا القيد حسياً، أو معنوياً أو هو رفع قيد النكاح، أو هو انفصال الزوجين عن بعضهما عند استحالة استمرار الحياة المشتركة بينهما. وتختلف مدة الانفصال حسب درجة الطلاق الذي يبدأ بطلقة واحدة، وهي البينونة الصغرى، ويصل إلى ثلاث طلقات وهي البينونة الكبرى».

وحول الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات الطلاق في الآونة الأخيرة، ذكر المُعبي أن لوسائل التواصل الحديثة والانفتاح على العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، الدور الأكبر في تنامي هذه المعدلات، من خلال طرق التعارف الميسرة، إضافة إلى انتشار المسميات الجديدة للزواج بين فئات الشباب، كالمسيار، والهاتف، وغيرهما. فمن خلالها يتعرف الشاب على الفتاة، ويتطور الأمر بينهما إلى أن يصلا إلى باب الزواج، وهما في الحقيقة لا يعرفان الكثير عن بعضهما. ويخبر: «جاءني زوج عقد قرانه قبل أسبوعين يطلبني لأباشر معاملة الطلاق. وعند الحديث معه أخبرني بأنه لم يصارحها منذ الخطبة برغبته في تغطيتها وجهها، الأمر الذي فاجأ الفتاة، وطلبت من بعده الطلاق».

ويلفت المعبي إلى أن «عدم التوافق من جميع الجوانب من أكبر الأسباب الدافعة للطلاق، سواء عدم التوافق المادي والفكري والتعليمي والبيئي والاجتماعي، وعدم التوافق في العمر، فمن أحبها جميلة ولم يلتفت إلا إلى الجمال الخارجي دون النظر إلى الجوهر، قد يتعرض لطلاق مُبكر. وقد تكون الأسرة أحد أسباب الطلاق، كعدم رضاء الأم عن الفتاة، وتدخل الأهل في شؤون الزوجين...».  ويؤكد أن الدورات التأهيلية لها دور كبير في الحد من ارتفاع نسبة الطلاق في السعودية، قائلاُ:» هذه الدورات بدأت على استحياء، لتأخذ دوراً مهماً في الحد من الطلاق بين الأزواج، وقد تكون بنسبة واحد في المئة، لأنها لم تُعمم، وبالتالي هي فكرة بدأت ونتمنى أن تستمر على نطاق أوسع».


زهران: زواج القاصرات

قالت المحامية والمستشارة القانونية بيان زهران إن المرأة التي تتجه إلى المحكمة طالبة الطلاق تكون قد وصلت إلى استحالة استمرار الحياة الزوجية بينها وبين زوجها. ولفتت إلى أن المعاناة الرئيسية التي تقع على كاهل المرأة هي الإطالة في النطق بالحُكم، فعدتها الشرعية عند الطلاق هي ثلاثة أشهر، فكيف لها أن تُراجع قضية طلاقها في المحكمة إن استمر النطق بالحكم لمدة سنة أو ربما أكثر كما يحدث مع الكثير من المُطلقات في أروقة المحاكم؟ لذا نطالب بالإسراع في كل ما يتعلق بأمور الطلاق والحضانة، لأنها تتعلق بمستقبل المرأة». وتحدثت زهران عن قضايا الطلاق التي تصل إلى مكتبها كمحامية: « لست جهة رسمية، لكن تصل إلى مكتبي شهرياً سيدات يطلبن الطلاق ويبلغ عددهن بين 10 و15 سيدة. وفي 2009 - 2010 كنت أترافع يومياً عن ثلاث إلى أربع حالات طلاق. ومنذ عام 2009 كانت أسباب الطلاق تشير إلى سوء المعاملة، أو أن السيدة تتزوج في عمر صغير (قاصر)، وبالتالي يبدأ التصادم والنزاعات بين الطرفين، ليقع الطلاق. لذا، أرى أن زواج القاصرات من أهم أسباب الطلاق».


طيب: طلب وتنفيذ

أشار المستشار الاجتماعي وصاحب «مكتب إحسان طيب للدراسات والاستشارات الاجتماعية» إحسان صالح طيب إلى أن الطلاق في الآونة الأخيرة ازداد على نحو ملحوظ، قائلاُ: «رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، هناك نسب مرتفعة نتيجة وجود الشيطان بين الطرفين عند حدوث أول النزاعات والخلافات، إضافة إلى وجود الأسر النووية التي انعدم فيها التدخل السليم من الأهل أو وسطاء الخير للعمل على وقف التدهور الناتج عن الخلافات الزوجية. فما أن تطلب المرأة الطلاق حتى يُنفذ لها الزوج الأمر، وينتهي الزواج بسبب كلمة أو موقف كان من الممكن حله بتروٍ أكثر». وأضاف أن حالات الطلاق تكثر، ليس فقط بين المقبلين على الزواج، بل أيضاً بين أزواج كبار في السن، وذلك يعود إلى أسباب وعوامل عدة، منها انشغال الزوجة عن الأب الكبير وانصرافها إلى الأبناء والأحفاد.


د. المعبي: الجهل

وقالت اختصاصية علم النفس في الإرشاد والتوجيه الأسري، والمستشارة الأسرية النفسية والاجتماعي في مركز إيلاف ومركز تطوير الذات الدكتورة زهرة المعبي، إن «تدخلات الأهل بين الزوجين تُعمّق الفجوة بينهما، إضافة إلى الجهل بأساسيات الزواج، وغطرسة أحد الطرفين، من بين الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق. وقد تلجأ بعض الزوجات إلى مقارنة أنفسهن بزوجات الآخرين، أو أحد الأقرباء، وهذه المقارنة قد تؤثر في نفسية الرجل وتؤذيه، فإما أن يلبي طلبها، وإما تتصاعد المشاكل بينهما لتؤدي إلى الطلاق».
وأضافت أن للدورات التأهيلية والبرامج المقدمة من الجهات المختصة كالجمعيات المساعدة على الزواج، ومن بعض الاستشاريين الأسريين، الدور الأكبر في الحد من الطلاق، وقالت: «أشرفت على إحدى هذه الدورات، ووجدت بين الحاضرات سيدات مُطلقات، بدأن مراجعة أنفسهن حول الأخطاء التي أنهت حياتهن الزوجية، لأنهن أدركن أن هناك الكثير من الحقوق والواجبات المُغيبة عنهن، والتي قد تساعدهن في الاستمرار مع أزواجهن».

CREDITS

تصوير : محمد يحيى