هل أنت FOMO أم JOMO على مواقع التواصل الاجتماعي؟

فرح جهمي - فرنسا 01 ديسمبر 2021

في ظل سيطرة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وهوس جيل كامل بالإنترنت والمواقع الإلكترونية، يبرز العديد من المصطلحات الجديدة والعادات والظواهر الاجتماعية المختلفة التي لا بدّ من التنبّه إليها ومتابعتها بهدوء لفهم الأمور التي تحدث من حولنا. هل أنت FOMO أم JOMO؟ سؤال بات من الضروري طرحه بجدّ على أنفسنا ومراقبة تصرفاتنا لمعرفة إلى أيٍ من هاتين الظاهرتين الجديدتين على المجتمع ننتمي. فإذا كنتَ تتابع الأخبار وكل ما يجري حول العالم عن كثب وتخشى أن تفقد أياً من تلك الأحداث عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فأنت من فئة الـ FOMO وهي اختصار لعبارة "Fear of missing out"، أي الخوف من فقدان شيء ما. أما إذا كنت تبحث عن نظام حياة مختلف وتسعى للاستمتاع بكل لحظة بعيداً من السوشيال ميديا فأنت حتماً من فئة الـ JOMO وهي اختصار لعبارة "Joy of Missing Out"، أي متعة فقدان شيء ما.


ما الفارق بين الـ FOMO والـ JOMO؟

منذ أكثر من عقد من الزمن، يتحدث العلماء عن الحدود بين العالمين الحقيقي والافتراضي، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يصبح العالم الأخير بهذه الواقعية والحقيقية بالنسبة الى جيل كامل بمختلف أعماره ومن كل دول العالم، وهذا يشكّل المرآة الحقيقية لمتلازمة الـ FOMO الشائعة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وقد أطلق عليها هذه التسمية خبير التسويق دان هيرمان، وهي تتمثل بالخوف من فقدان الأحداث والأخبار والتفاصيل الحياتية لباقي الأشخاص والأمور التي تحصل معهم في الحياة الافتراضية، وهو ما يجعل هذه الظاهرة في غاية الخطورة، ولا بدّ من ملاحظتها والسعي للتخفيف منها من خلال الحصول على نظام رقمي صحي وسليم للاستمتاع بكل لحظة مع العائلة وتحسين مستوى الرفاهية في الحياة والانتقال إلى فئة الـJOMO، وهو اختصار اخترعه رجل الأعمال Anil Dash، ويدعو الجميع إلى نسيان كل شيء والتوقف عن السؤال كل 5 دقائق عن الأحداث، والإسراع الى الإمساك بالهاتف وإلقاء نظرة خاطفة على ما يفعله الآخرون والاقتناع بأن هناك دائماً شيئاً مهماً وممتعاً يمكن رؤيته والقيام به في أي موقف نعيشه بعيداً من العالم الافتراضي.


مبادرات جادّة لحضّ الناس على الانضمام إلى فئة الـJOMO

تدعو فئة الـJOMO جميع الأشخاص إلى الحدّ من استخدام التكنولوجيا والانغماس بالعالم الافتراضي والاستمتاع بوقتهم وحياتهم الحقيقية من دون رؤيتها فقط من خلال شاشة الهاتف الخليوي. وتتفق هذه الفئة مع مجموعة كبيرة من علماء النفس الذين يؤكدون أن الحدّ من استخدام التكنولوجيا يساهم في التخفيف من حالات القلق والتوتر التي يعيشها غالبية البشر، إضافة إلى أنه يساعد في التخلص من مشاهد الحزن والاكتئاب والنقص وفقدان الثقة بالنفس، خاصة لدى المراهقين الذين باتوا يقيمون داخل غرفهم لمواكبة الموضة العشوائية المعروضة عليهم وحياة الفاشينيستات واليوتيوبرز حول العالم، والشعور في كل مرة بالنقص لعدم قدرتهم في الحصول على كل ما يرونه أمامهم في العالم الافتراضي، علماً أن أغلبهم يصدّقون ما يُقدَّم لهم وهم على يقين بأنه حقيقة وواقع. كذلك أطلقت شركةGoogle مبادرات عدة لحضّ الناس على تحويل بعض العادات السيئة والإدمان على السوشيال ميديا إلى شيء مفيد في العالم الحقيقي، وأوضحت الشركة العالمية موقفها من الأمر عبر صفحتها الرقمية الخاصة بها إذ قالت: "يجب أن تعمل التكنولوجيا المتطوّرة على تحسين الحياة، وليس تشتيت انتباهنا عنها، وهذا الأمر يرتبط بالاستخدام الواعي للتكنولوجيا لا بالعودة إلى أيام الكهف"، في إشارة إلى أن سيطرة العالم الافتراضي باتت تشتت تفكير الناس وتجعلهم يقلّدون الأمور ويتابعون أشخاصاً يعتمدون على الإبهار والتمثيل للحصول على المال. ورغم إدراكهم الجيد لهذا التفصيل، يواصل هؤلاء متابعتهم عن كثب ويتمنّون لو يكونون مكانهم.

سبب الإدمان على العالم الافتراضي

تُعَد متلازمةFOMO من أكثر الحالات انتشاراً في العالم نظراً للتوسع الهائل في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وسرعة تطوّره، حيث أعلن مارك زوكربيرغ مؤسّس شركة "ميتا"، "فيسبوك" سابقاً عن ابتكار ثوري جديد من شأنه تعزيز تجربة العالم الافتراضي التي أعلن عنها تحت اسم "ميتافيرس"، لافتاً إلى أن فريق أبحاث الذكاء الاصطناعي في شركته أجرى أبحاثاً جديدة مثيرة للاهتمام يمكن من خلالها إدراك العالم من خلال اللمس، وصمّموا مستشعر لمس عالي الدقة لإنشاء ما يمكن وصفه بالجلد الروبوتي الرقيق، ومن شأن هذا الاختراع أن يزيد من تعلّق هذا الجيل بالعالم الافتراضي ويجعله أكثر خوفاً من فقدان الأشياء، وبالتالي يؤجّج رغبة الأشخاص في أن يكونوا على اتصال دائم بالإنترنت، ما يُسبّب قلقاً قهرياً وخوفاً من فقدان حدثٍ ما لا يشاركون فيه. ويشير بعض العلماء إلى أن السبب في تحوّل وسائل التواصل الاجتماعي: "فيسبوك"، "إنستغرام"، "تويتر" وغيرها إلى ما يشبه الإدمان عند البعض هو أن العقل يفرز مادة "الدوبامين" المسؤولة عن السعادة، والشخص يشعر بها كلما تلقى إشعاراً بالإعجاب على أحد منشوراته أو صوره، وكذلك حين يحقق فيديو خاص به على "يوتيوب" نسبة مشاهدة عالية أو يُعاد نشره بشكل واسع أو التعليق عليه، لذا يظل هؤلاء الأشخاص متيقظين ومستعدّين لأي أمر ليتلقوا المزيد من الإعجابات والتعليقات على منشوراتهم.

كيف نتخلص من متلازمة الـ FOMO الخطِرة؟

في الحقيقة، يُنظر إلى متلازمة الـ FOMO على أنها سيئة وتؤثّر سلباً في صحة الإنسان النفسية لأنها قد تسبب الشعور بالدونية والاكتئاب والقلق الدائم، وقد ترتبط أيضاً بظهور حالات صعبة من الإدمان والتي يشعر خلالها الشخص بأعراض الانسحاب والمزاج السلبي فتتحوّل كل حواسه فقط الى الرغبة في تصفّح المزيد على الإنترنت والخوف من أن يفوته أي شيء من الصفحات التي يتابعها .ونظراً لخطورة هذه الفئة وانتشارها بشكل واسع في مختلف دول العالم، أطلقت مجموعة من العلماء المشجّعين على الـJOMO العديد من المبادرات والتدريبات لمعالجة بعض حالات الإدمان التي تحصل بشكل لا إرادي على السوشيال ميديا، مؤكدين أن الحلّ صعب ولكنه في الوقت عينه بسيط للغاية، ويتمثل في بناء السعادة الخاصة بكل شخص ليتمكّن من التوقف عن مطاردة الأشياء الافتراضية، وذلك من خلال بعض الخطوات التي تضمن تحوّل الأشخاص من الـ FOMOإلى فئة الـJOMO، وإليكم بعضها:

أولاً: لا تنخدع بما تراه على السوشيال ميديا ولا تثق بكل ما يقدَّم لك، لأن ثمة أشخاصاً يحاولون دائماً أن يثبتوا لك أن حياتهم مثالية وهي الأفضل، لذا هناك أمر واحد يجب ألاّ تنساه أبداً، وهو أن مَن تتابعهم يُظهرون لك فقط ما يريدون إظهاره للحصول على تفاعلك ولا يعرضون ما يحدث بالفعل في حياتهم اليومية.

ثانياً: تذكّر دائماً أن كل ما تتابعه سيصبح قديماً بعد فترة قصيرة، وهذا ما يحصل بالفعل عبر منصات التواصل، إذ إن أي "ترند" على "تيك توك" يبقى لأيام أو لأسابيع فقط، يأتي بعده "ترند" آخر يقضي عليه. وكذلك الأمر بالنسبة الى المواقع الإلكترونية، ففي السابق كان الجميع يظن أن موقع MySpace هو الأهم في العالم إلى أن فقدت المنصة أهميتها تدريجاً وحمل "فيسبوك" الشُّعلة وبات الشبكة العصرية التي يجب على الجميع التواجد فيها، وها هو الآن يفقد أهميته على حساب الـ"تيك توك" الذي يزداد شعبيةً مع الوقت.

ثالثاً: تدرّب على التخيّل، حيث يرى أتباع هذه النظرية أن تخيّل فقدان الأشياء التي تُعتبر من المسلَّمات مثل الراحة والصحة والحالة النفسية، يساهم في إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، فيقوم عندها الأشخاص بخطوة التغيير للعيش برضا وامتنان.

في المحصّلة، إذا راقب كل شخص اهتماماته ومدى تعلّقه بهاتفه الخليوي وبالعالم الافتراضي الذي يتابعه، سيتمكن من رفع الحاجز ومعرفة ما يحدث بالفعل، وسيلاحظ حُكماً أن خلف كل صورة أو مقطع فيديو مميّز في بلد ما الكثير من عدم الأمان، وسيدرك أن سبب تقدير الناس للإعجاب والتعليقات هو أنهم وحيدون ويحتاجون الى من يتابعهم، وهم في الحقيقة أشخاص غير قادرين على عيش اللحظة والاستمتاع بتجاربهم في عالم الواقع من دون نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.


هل تشعر بالتوتر الدائم أو أنك فقدت شيئاً ما إذا بقيت من دون هاتفك الخليوي وصفحاتك على السوشيال ميديا لفترة؟ هل تشعر بالتشتت والحاجة لأن تكون متصلاً دائماً بصفحاتك لتعرف ما يحدث مع أصدقائك الافتراضيين وصفحات المشاهير والفاشينيستات واليوتيوبرز التي تتابعها؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يكون لديك حالة FOMO ويجب أن تبحث عن حلّ لها وعلاج.