اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن

فرح جهمي - فرنسا 01 فبراير 2022

رغم الأزمات السياسية المتتالية والانهيار الاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان، تواصل حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" نضالها المحق من أجل الحصول على كل الحقوق الطبيعية للأمهات بإعطاء جنسيتهن لأطفالهن، والمطالبة بإقرار قانون جديد يلغي قانون الجنسية اللبناني الصادر عام 1925، والذي يعتبر ليس فقط من القوانين التمييزية بأحكامه وبنوده التي تحرم المرأة اللبنانية من إعطاء الجنسية لأسرتها، إنما أيضاً يتنافى مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 والذي سبقه بسنوات كثيرة، مما يشكل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ولالتزامات لبنان في القرارات الدولية الموقّع عليها. وتواصل الحملة من دون كلل أو ملل مطالبتها بمساواة المرأة مع الرجل في إعطاء الجنسية على قاعدة أن القضية حق وليست استجداء أو مِنّة من الزعماء والسياسيين اللبنانيين الرافضين لهذا الحق لاعتبارات طائفية ومصالح سياسية ضيّقة، علماً أن مضمون قانون الجنسية الساري في لبنان لا يتوافق مع الدستور اللبناني لناحية المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات، وهو ما تحدّثنا عنه مديرة الحملة السيدة كريمة شبو.


- مع بداية العام الجديد، ما هي آخر تطورات حملة "جنسيتي" المستمرة منذ سنوات؟

إن حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" مستمرة منذ أكثر من 20 سنة للمطالبة بالمساواة بين الرجال والنساء في حق منح الجنسية لأسرهم بعد الزواج من أجنبي، ونحن نطالب بهذا الحق بالكامل ومن دون أي استثناء. وهذه الحملة ستواصل رفع الصوت عالياً لحين تحقيق المطلب الأساسي، وتنفيذ كل المطالب عبر القانون وتطبيقها على أرض الواقع. وإلى حين الحصول على هذا الحق سنبقى بالمرصاد من أجل رصد كل الانتهاكات التي تحصل يومياً بسبب قانون الجنسية المجحف، وأيضاً للضغط على المسؤولين والسياسيين بكل الوسائل والأساليب القانونية من أجل الدفع لتغيير القانون 1925 وتعديله، ومواكبة النساء المعنيّات وأسرهن. المعارضون لهذا الحق يراهنون على فشلنا، ولكن نَفَسنا طويل جداً ولن نشعر بالملل أو نفقد الأمل بالتغيير مهما وضعوا أمامنا من عراقيل، ولن نتراجع أبداً لإيماننا بأحقية هذه المطالب.

- حملة "حقوقي مش إكرامية"، ماذا تخبرينا عنها وإلى أين وصلت؟

أطلقت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مبادرة "حقي مش إكرامية" للتأكيد أن هذه الحقوق طبيعية وليست مِنّة من أحد. نحن لا نتسوّل هذه الحقوق بل هي أساسية لكل امرأة بأن تمنح جنسيتها لأسرتها، ولكننا لا نزال نصطدم بالكثير ممن يعارضون هذا الحق ويرفضون إعطاء أسرة اللبنانية المتزوجة من أجنبي أبسط حقوقها، وفي مقدّمها الحق بالتعليم، العمل، الصحة... وغيرها من الحقوق التي يجب أن تكون تلقائية لكل إنسان. هناك في لبنان من يسعى دائماً لمنع هذه الحقوق عن أسر اللبنانيات بذريعة قانون الجنسية المجحف، وحملة "حقي مش إكرامية" انطلقت للتأكيد على هذا الحق الموجود في كل التشريعات الدوليّة وكل المعاهدات والمواثيق التي وافق ووقّع عليها لبنان ولكنه لا يطبّقها ويخالف كل التشريعات وينتهكها بحجج طائفية واهية، في حين أن الدستور ينص بوضوح على العدالة الاجتماعية، ويعطي المرأة اللبنانية هذا الحق بالتساوي مع الرجل، وبالتالي فأي تعديلات على هذا الواقع مرفوضة.


- هل من بوادر لتغيير قانون 1925 في ظل المشاكل السياسية الحاصلة؟

في البداية، إن قانون 1925 أو القانون البالي والعفِن، يعود الى فترة الانتداب الفرنسي والاستعمار ولكنه لا يزال يفرض على النساء هذا الظلم، علماً أنه قانون غير دستوري لأنه سابق للدستور اللبناني وللإعلان العالمي لحقوق الانسان، فهو لا يراعي أي مساواة للحقوق بين الجنسين. في الحقيقة يجب أن نخجل بأننا لا نزال نطبّق قوانين بالية صادرة قبل نحو 100 سنة عن سلطة انتداب في حين أصبحنا نعيش اليوم في عصر مختلف تماماً، ولكن السلطة اللبنانية تصرّ على تكريس هذا القانون التمييزي المجحف، وهذا أمر مرفوض وغير منطقي ولا يمكن أن يكون هناك استقلالية للدولة بوجود قوانين تطبَّق منذ زمن الانتداب ولم تلحظ أي تغيير إلى الآن.

نحن نواصل المطالبة بالتغيير، وقد كان هناك مقترحان اثنان لتعديل قانون الجنسية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في العام 2018، مقترح القانون الأول قدّمه النائب هادي أبو الحسن عام 2018، والثاني قدّمته النائب رولا الطبش عام 2019 وينصّ على منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأبنائها، استناداً إلى مبدأ المساواة الدستوري ولرفع الغبن عنها، ونحن نطالب مجلس النواب بوضع هذين المقترحين على جدول جلساته في أقرب وقت ممكن وتحويلهما إلى اللجان المتخصصة لأخذ التدابير التشريعية اللازمة وليسلكا مسارهما التشريعي من أجل إقرار هذا القانون.

- ما تعليقكم على اقتراح منح الجنسية فقط للأولاد الذين سيولدون بعد إقرار القانون المعدّل؟

أي مقترحات تمييزية واستنسابية تسعى للتشويش على الحق الأساسي والكامل للمرأة مرفوضة، لأن الحق لا يتجزّأ وغير قابل للتصرّف ولا يمكن أحداً أن يفصّله على قياس طائفة معينة أو مصلحة سياسية آنيّة. فالقانون الذي قدّمته الهيئة الوطنية عام 2019 رفضته الحملة وكل النساء، لأنه يُبدع بالتمييز ويخلق فوارق إضافية في القانون الموجود. هناك من يحاول تزيين القانون الحالي بغطاء تحقيق العدالة والمساواة، ولكن لا يجوز اقتراح قانون يزيد من هذه الانتهاكات ويخترق حقوق الكثير من الأسر من دون أي مفعول رجعي، ويحرم الكثير من النساء اللواتي يناضلن منذ أكثر من 20 عاماً حق إعطاء أسرهن الجنسية، خصوصاً أن القانون المقترح يفرض شروطاً تعجيزية وتمييزية وغير مقبولة، إضافة إلى أنه سيحرم الكثير من الأولاد جنسية والدتهم، ويفرض الكثير من الشروط الاستنسابية التعجيزية. نحن نطالب بقانون ثابت لا يخضع لاستنسابية القرارات، وكذلك نرفض أن يكون الحصول على الحق عبر الطوابير وتقديم الطلبات والتفضيل بينها، والدخول في مسار استغلال هذا الحق من خلال الوساطة أو الابتزاز المادي والمعنوي والطائفي والمناطقي. هناك الكثير من الأمور المرفوضة لأنها تنتهك خصوصية الأمهات وأولادهن. المطلوب الحق بالجنسية كما هو للرجل وبالشروط نفسها الموضوعة للرجل اللبناني عندما يتزوج بأجنبية من دون محسوبيات أو تمييز.


- برأيكم، مَن المستفيد مِن إقرار قانون كهذا؟

عندما يكون هناك أي اقتراحات ناقصة أو تمييزية، فالمستفيد منها هو السلطة السياسية التي تسعى دائماً وراء مصلحتها، وبالتالي لا يمكن المطالبة بالحق مع مراعاة مخاوف السلطة وهواجس البعض الطائفية. الحق يعلو على كل الهرطقات التي يضعونها كعوائق لمساومة النساء على أساس وجودهن والسعي لمساومتهن بحسب الدين والطائفة واللون والعرق والمذهب وغيرها من الأمور. الجنسية حق ولا يمكن أن تكون لخدمة السلطة.

في الواقع، ليس مطلوباً من أي جهة كي تظهر فاعلة على الأرض أمام المجتمع الدولي أو أمام المموّلين أن تصدّر اقتراحات قوانين للاستعراض. لا نريد هذا الأمر ولا ينقصنا هيئات تستعرض أمامنا بحلول مريضة تعتدي وتنتهك حقوق النساء وأسرهن كي يظهروا بمظاهر تقدّمية أمام المموّل، وغالباً ما يكون عنوان مقترحهم عريضاً ومغرياً ولكن بمضمون تضليلي ويحمل مقترحات سيئة لا يمكن أحداً تجميلها أو تمريرها. نحن لسنا في سيرك ولا يوجد استعراض، ولا يمكننا أن نموّه الحقيقة كي نمرّر بعض القوانين التي تراعي المعارضين وتساوم على حق المرأة وأسرتها بالجنسية بما يتماهى مع السلطتين السياسية والطائفية السائدة في البلاد.

- تمكنت الحملة من تحصيل أحد مطالبها وهو السماح لأبناء اللبنانيات المتزوّجات من أجانب بالعمل، كيف تنظرون إلى هذا القرار؟

إن تحصيل بعض الحقوق الأساسية، إن كان في العمل أو في التعليم، وحتى هذه الإجراءات التي لطالما طالبنا بها بالتوازي مع مطالباتنا بالجنسية ستلغي كل المشاكل الأخرى، لأن أبناء اللبنانيات سيصبحون كباقي المواطنين اللبنانيين يتمتعون بكل الحقوق والواجبات. هذا القرار أساسي ولكنه ليس بديلاً للحق الكامل. كانت جرأة من وزير العمل مصطفى بيرم إعطاء هذا الحق لأبناء الأمهات المتزوّجات من أجنبي، رغم أنه لم يسلم أيضاً من الكثير من المعارضين له داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية وخارجهما.

نحن سنستمر في سعينا ولن نغفل عن مراقبة كل المراسيم والتعاميم والإجراءات الصادرة عن السلطة السياسية، كما سنتابع عن كثب كل القرارات التي تصدر وتنتقص من أسر اللبنانيات المتزوّجات من أجنبي لأنها حقوق بديهية وأساسية، ويبقى المطلب الأساسي هو الجنسية، وهذا يجب أن يتحقق بأقرب وقت مهما كانت الظروف ولا يمكن تأجيله أكثر.


قانون الجنسية اللبناني الصادر عام 1925 يسمح لزوجات اللبنانيين الأجنبيات، ولكن ليس للأزواج الأجانب للبنانيات، بالحصول على الجنسية اللبنانية بعد مرور سنة على تسجيل الزواج. ويمنح هذا القانون التمييزي الجنسية لكل طفل مولود لأب لبناني، ولكل طفل مولود على الأراضي اللبنانية لوالدين مجهولَي الجنسية، وبالتالي فإن أطفال اللبنانيات من آباء مجهولين لديهم الفرصة في الحصول على الجنسية أكثر من الأطفال المسجّلين بأسماء آباء أجانب.