حملة «جنسيتي حقّ لي ولأسرتي» انطلقت شعلتها من لبنان وطبّقت في أغلب الدول العربية باستثناء لبنان
غادة احمد كعكاتي الحدق
كريمة شبو
لينا ابو حبيب
مريم نعيم غزال
منذ ما يقارب 15 عاماً، انطلقت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» التي تطالب بحق النساء المتزوجات بإعطاء أزواجهن وأولادهن جنسيتهن، ومساواتهن بالرجل في ما يتعلّق بقانون منح الجنسية. ما يقارب تسع دول عربية عدّلت قوانينها لمصلحة المرأة، إلا لبنان البلد الذي انطلقت منه هذه الشعلة ما زال يرفض إقرار القانون، ومساواة المرأة بالرجل، لاعتبارات سياسية وطائفية وديموغرافية لا دخل للمرأة اللبنانية بها. مجلة «لها» التقت منسّقة الحملة لينا أبو حبيب، ومنسّقة الحملة القانونية كريمة شبو، وسيدات متزوجات من أجانب: سميرة حميدو، غادة كعكاتي الحدق ومريم نعيم غزال، اللواتي شرحن أهداف الحملة، ومعاناة النساء وأسرهن بسبب الامتناع عن إقرار قانون الجنسية... وكان هذا التحقيق.
المديرة التنفيذية لمجموعة الأبحاث والتدريب على العمل التنموي ومنسقة حملة «جنسيتي» لينا ابو حبيب
تفيد لينا ابو حبيب بأن حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» انطلقت في العام 2001 من لبنان، وشملت معظم الدول العربية، إذ كانت غالبيتها لا تعطي المرأة الحق بمنح الجنسية لأولادها. وبعد دراسات وعمل دؤوب لمعرفة حجم المشكلة على المستوى القانوني والاجتماعي في كل الدول العربية، والتي شارك في إعدادها كل من الأستاذ كمال فغالي، والمحامي زياد بارود، وإجراء اتصالات وتواصل مع النساء المعنيات، ومنظمات المجتمع المدني، والقيام بحملات توعية، بدأت التغييرات والبوادر الايجابية تظهر.
وترى أبو حبيب أن إنكار حق النساء اللبنانيات بمنح جنسيتهن إلى الزوج والأولاد، ينتهك حقوق النساء الأساسية كمواطنات ويضعهن في خانة مواطنات من درجة ثانية، ويمنع بالتالي أسرهن من التمتع بالحقوق الاجتماعية (صحة وتعليم وضمان اجتماعي)، كما يمارس تأثيراً سلبياً على أسرهن لجهة حقوق التملك والإقامة والعمل والسكن والمشاركة في الحياة السياسية والوطنية... ويؤدي الى تهميش وإقصاء اجتماعي للأسرة ويضعها في حالة هشاشة اقتصادية. كما يؤثر في أمن واستقرار الاسر ويجعل افرادها غير اللبنانيين عرضة للترحيل.
وتضيف: «ان حرمان المرأة من حقها بإعطاء أولادها الجنسية، يكرّس حالة التمييز بين المرأة والرجل. فالدول العربية في تلك الفترة لم تكن تعتبر النساء مواطنات، وكانت تميز بينهن وبين الرجل». وتعلّق: «من المضحك- المبكي أن الحملة انطلقت من لبنان في العام 2001، وأن غالبية الدول العربية غيرت قوانينها وعدّلتها، ومنحت المرأة الحق بإعطاء جنسيتها لأولادها، إلا لبنان».
وتقول: «لكن منذ انطلاق الحملة إلى الآن حصلت نقاط عدة مهمة، يمكن اعتبارها إنجازاً بالنسبة الى المرأة. إذ زادت نسبة الوعي في ما يتعلّق بهذا الموضوع، وظهرت قضية النساء إلى العلن، وباتت النساء يتحدثن عن مشاكلهن ويطالبن بحقوقهن من دون خوف. كما تم طرح حلول عدة للموضوع. بالاضافة إلى التحركات الدائمة التي كانت تحصل في الشارع. هذه النقاط حرّكت الرأي العام، وأثرت في المعنيين، ودفعت الوزير زياد بارود للقيام بخطوة ايجابية في هذا المجال، إذ قدّم في العام 2010 مشروع قانون إقامة المجاملة، الذي أقرّ في ما بعد، وبات يمكن بموجبه أزواج وأولاد اللبنانية المتزوجة من أجنبي الإقامة معها في لبنان، من دون عوائق وشروط تحديد السن والعمل. ولم تعد المرأة اللبنانية تدفع مقابل إقامة أولادها في لبنان. وبناء على هذا القانون، بادر الوزير شربل نحاس في العام 2011 (كان وزير عمل) إلى تسهيل أذونات العمل لأزواج اللبنانيات».
تفيد أبو حبيب بأن الدول التي منحت النساء حق إعطاء الجنسية لأولادهن هي: مصر 2004، الجزائر 2005، المغرب 2007، فلسطين 2010، ليبيا 2010، اليمن 2010 ، الإمارات المتحدة 2011 مع استثناء الزوج والاولاد عند بلوغ سن 18 والسعودية 2012 مع استثناء الزوج والحصول على الجنسية للأولاد بتجميع عدد معين من النقاط. أما لبنان الذي انطلقت الحملة منه فلم يقر هذا القانون بعد. وترى أن الدولة تراهن على اننا سنملّ ونتوقف عن المطالبة، ونحن نقول لهم ان النساء يعانين، وأننا لن نسكت، وإذا كانوا هم لا يريدون التحرّك فنحن سنتحرك ونطالب بحقوقنا. وتختتم حديثها بالقول: «ان حق المرأة بإعطاء جنسيتها لأولادها، يخص كل النساء وليس فقط المتزوجات من أجانب، لأن كل امرأة معنية بهذا الحق، ومن المهين لها أن تُحرم منه وتُميّز عن الرجل».
المنسقة القانونية لحملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، كريمة شبو
تؤكد منسقة الحملة كريمة شبو «أن الوحدة القانونية في حملة «جنسيتي» أُنشئت في العام 2007، من أجل تقديم الخدمات الاستشارية القانونية للنساء المعنيات وأسرهن ومساعدتهن على تسوية أوضاعهن القانونية والإجرائية في لبنان، كآلية تسجيل الزواج والاولاد بصورة رسمية، شروط الإقامة في لبنان، والحصول على إجازة عمل، وتملك الاجانب»...
وتضيف: «قبل صدور قانون المجاملة، وحتى تاريخ صدوره، كان هناك الكثير من المشاكل التي تستدعي رفع حالة الطوارئ، وإجراء متابعات فردية وخاصة للحالات. فمثلاً، هناك حالات كثيرة لا تستطيع الأم إبقاء أولادها معها في لبنان، أو تسجيلهم في المدارس، وكان عليها تسفيرهم كل فترة وإدخالهم من جديد كي يتم تجديد إقامتهم. وهذا الامر شاق ومكلف جداً. فقبل اقرار قانون إقامة المجاملة، كانت أكبر معاناة تواجه اللبنانيات المتزوجات من أجانب، هي مشكلة الإقامة».
كانت هذه العوائق تسبّب الكثير من المشاكل النفسية والعائلية، وتثير حساسية الزوج والأولاد، وتجعلهم يشعرون بالتمييز والعنصرية. تعلق شبو: «ان اطلاق الحملة، وإقرار قانون المجاملة يعدان إنجازاً في لبنان. هذه الخطوة سهّلت أموراً كثيرة أمام العائلات، وأوقفت الكثير من الترحيلات التي كانت تحصل. فكان يحدث الكثير من الانسلاخ والتشتت والتشرذم بين العائلات بسبب الإقامة».
وترى شبو أن مشاكل اللبنانيات المتزوجات من أجانب كثيرة، ولا يمكن حلّها ما لم يقر قانون التجنيس لأولادهن وأزواجهن، أسوة بالرجل. فالمرأة بسبب هذا التمييز، يكتب عليها الدخول في دوامة الدوائر الرسمية، منذ لحظة زواجها من أجنبي، لأن ما من شيء واضح يرشدها، ماذا عليها أن تفعل، وإلى اين يجب أن تتوجه؟
وتفيد شبو بأن هناك نشاطات وتحركات مقبلة ستقوم بها الجمعية قريباً، وستطالب فيها بحق المرأة اللبنانية بإعطاء زوجها وأولادها الجنسية. وتدعو شبو جميع اللبنانيات الى المشاركة بهذا النشاط، لأنهن جميعاً معنيات وليس فقط المتزوجات من أجانب. فهذا القانون يمس كل لبنانية ويميزها في حال اختارت الزواج من غير جنسيتها. وتضيف ان من العار تكريس النظرة الدونية التي يتم من خلالها التعاطي مع المرأة، إذ لا يحق للمرأة اعطاء أولادها الجنسية إلا في حالة واحدة، أي عندما يكونون غير شرعيين، أو مجهولي الأب. هذا الوضع معيب جداً، ويشجع النساء على اللجوء إلى الحالات الشاذة كي يمنحن اولادهن الجنسية. كثير من النساء يتصلن ويسألن عن كيفية الاستفادة من هذا الوضع، ويحاولن التحايل على القانون كي يفدن أولادهن، إلا أننا ننصحهن بعدم سلوك هذه الطرق لأنها تعرضهن وأولادهن لمشاكل قانونية واجتماعية كبيرة.
وتعلّق بالقول: «ان المرأة الاجنبية المتزوجة من لبناني تتمتع بحقوق أفضل من اللبنانية المتزوجة من أجنبي، إذ تحصل الاولى على الجنسية بعد الزواج، وتعطي جنسيتها لأولادها حتى لو كانوا من والد غير لبناني. كما يحق لها بعد وفاة زوجها اللبناني، وفي حال تزوجت من رجل أجنبي وأنجبت منه، منح أولادها الجنسية اللبنانية. فهذا القانون يبين أن وضع المرأة الأجنبية المتزوجة من رجل لبناني، أفضل بكثير من المرأة اللبنانية، ويدعونا الى التساؤل عن الاسباب التي أدت إلى هذا التمييز والإجحاف بحق اللبنانية».
سميرة حميدو (متزوجة من إيراني): إبني لا يعرف من جنسيتي إلا اسمها
تزوجت سميرة حميدو من رجل إيراني الجنسية في العام 2000، ولم تفكر أبداً بمسألة الجنسية. هو ابن خالتها، والجميع حولها نصحوها بالزواج منه، خصوصاً أن موضوع حل مشكلة أولاد اللبنانية المتزوجة من أجنبي كان بدأ يظهر إلى العلن. تقول سميرة: «تأملت خيراً عندما سمعت أن قانون تجنيس أولاد اللبنانية سيصدر، وكنت أظن أن الوضع سهل، ولو كنت أعرف تفاصيل هذه المعاناة، لفكّرت ألف مرة قبل زواجي من أجنبي».
بدأت معاناة سميرة منذ بداية زواجها، ودخلت في مشاكل كبيرة بسبب هذا الزواج، فهي لم توفق مع زوجها، وانفصلت عنه بعد مرور ستة أشهر من زواجهما. عاشت معه تلك الفترة في الكويت، وحملت منه بصبي، وعادت إلى لبنان قبل أن تلد، وعند الولادة صدمت بكارثة كبرى. تشرح سميرة: «صدمت بأنني لا يحق لي تسجيل ابني، ولا اصدار هوية أو إخراج قيد له، لا من السفارة الإيرانية، ولا من لبنان. الشخص الوحيد المخوّل تسجيله وإصدار أوراقه القانونية هو والده فقط. ولما كنت على خلاف مع زوجي، رفض الحضور إلى لبنان لتسجيل ابنه، كما رفض أن يطلّقني. وبقي ابني من دون أوراق ثبوتية أو قيد ما يقارب 12 عاماً. كما بقيت أنا على ذمته ما يقارب العشر سنوات».
لم يرض قاضي المحكمة المدنية رفع دعوى طلاق غيابية على الزوج لأنه أجنبي، علماً أنهما تزوجا في لبنان. ووفق ما تفيد سميرة، فإن قاضي الشرع سجل في وثيقة الزواج حق المحكمة بإجراء الطلاق في حال اختلفا. ولكن لم يُعمل بهذا القانون لأن الزوج أجنبي. حتى السفارة الايرانية رفضت الفصل بهذا الموضوع أو تسجيل الولد ومنحه هوية. لقد عاش الولد ما يقارب 12 سنة من دون قيد أو هوية أو أي شيء يثبت انه موجود سوى وثيقة الولادة. كما لم يكن بإمكانه التنقل، أو الطبابة، أو السفر، أو ممارسة أي نشاط اجتماعي.
تقول سميرة: «كنا نعيش على (الصبحانية)، ليس في يدي حيلة لأن الرجل بيده كل شيء، وكان يرفض التعاون معنا لحل هذه المشكلة. بقيت على هذه الحال ما يقارب العشر سنوات، ولم يوافق على الطلاق إلا بعد أن تنازلت له عن كل شيء حتى ابني. هو لم يكن يريد الولد، ولا يهتم لأمره، خصوصاً أنه لم يسع ولو مرة واحده لرؤيته، حتى اهله لم يسألوا عنه، كان همه الوحيد تنازلي عن حقوقي. ولما تنازلت، وقع الطلاق، وأرسل لي وثيقة توكيل يمكنني عبرها تسجيل ابني وتسهيل أموره».
معاناة سميرة بسبب زواجها من أجنبي لم تتوقف عند هذا الحد، بل بدأت تتزايد وتتفاقم كلما كبر ابنها. فإصدار جواز سفر له، وتجديد اقامته بشكل دوري، والتكاليف السنوية التي كانت تتكبدها، كانت جميعها مصدر ضغط وقلق وعدم رضى عن الذات وعما يحصل معها.
شعرت سميرة بالارتياح قليلاً بعد صدور قانون المجاملة، إذ خفف عنها وعن والدها الذي يرعاهما مصاريف كثيرة كانت هي بغنى عنها، خصوصاً انها المسؤولة عن كامل نفقات ابنها، من مدرسة وطبابة وتعليم. وبالرغم من ذلك، بقيت المعاناة بسبب الجنسية، فابنها لا يمكنه اختيار الاختصاص الذي يحبه، وإن فعل فلن يستطيع ممارسة المهنة لأنه أجنبي ولا يحق له العمل باختصاصات تابعة لنقابات. هو يقول: «أنا لبناني ولدت وعشت في لبنان ولا أعرف شيئاً عن البلد الذي أحمل جنسيته سوى الاسم، حتى والدي لا أعرفه، ومن الظلم أن أحمل جنسية غير جنسية أمي».
في بداية العام الدراسي، قالت سميرة: «أصدر وزير التربية قراراً يمنع فيه تسجيل الأولاد الأجانب في المدارس الرسمية، بسبب اللاجئين السوريين، وهذا القرار طبّق على ابن سميرة وعلى جميع اولاد اللبنانيات المتزوجات من أجانب. ورفضت كل المدارس الرسمية تسجيله، ولم يستطع الدخول إلى المدرسة إلا بعد شهر تقريباً من بدء العام الدراسي، وبعد أن تدخلت جمعية «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، ولفتت نظر وزير التربية الى أن هذا القانون ظلم أولاد جميع اللبنانيات المتزوجات من أجانب، استدرك وأصدر استثناء بحقهم». وأضافت: «آلمتني هذه الحادثة، كما آلمت ابني. وما زلت أذكر انطباع مديرة المدرسة ورد فعلها تجاهي عندما عرفت أن ابني إيراني، لقد صرخت وقالت لي باستغراب، إيراني!! هذه سابقة... وانطباعها هذا لم يكن الوحيد، فكثير من الناس يشهقون ويظهرون انطباعاً سلبياً تجاه الولد عندما يعرفون جنسيته، وهذا يؤثر جداً في نفسيته».
يشعر ابن سميرة دائماً بالعنصرية والتمييز، ولو كان يحمل جنسية والدته لما تعرض لكل هذه المواقف السلبية. تعلق سميرة: «لو اعطتنا الدولة حقنا بتجنيس أولادنا لما كنا عانينا ما نعانيه اليوم. نحن نقوم بكامل واجباتنا نحوها، ونحو بلدنا، فلماذا لا يعطوننا حقوقنا؟». تتمنى سميرة أن تثمر تحركات حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، ويحصل جميع أبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب على الجنسية اللبنانية، لأن لا حل لمشاكلهم من دون حصولهم على الجنسية».
غادة احمد كعكاتي الحدق (متزوجة من فلسطيني): بكيت عندما كتب على هوية ابنتي لاجئة
غادة احمد كعكاتي الحدق مواطنة لبنانية متزوجة من شخص فلسطيني الجنسية ولها منه أربعة أولاد. لم تفكر غادة في بداية زواجها بموضوع جنسية الزوج، ولم تقف عند هذه النقطة. ففي الماضي لم يكن التعصب والتمييز موجودين بالنسبة الى الاشخاص غير اللبنانيين كما اليوم. تقول غادة: «تزوجت وسافرت إلى الكويت، حيث كان يعمل زوجي، ولم يخطر في بالي يوماً أن أولادي سيتعرضون للمضايقة بسبب جنسيتهم، هناك كان كل شيء طبيعياً، ولم نشعر بأي مضايقة أو تمييز».
أول صدمة تلقتها غادة كما تقول، كانت عند انجابها أول طفلة لها، إذ عند اصدار هوية لها كُتب عليها لاجئة، «هذه العبارة أبكتني، فكيف تكون ابنتي لاجئة وهي ولدت في بيتها وبين أهلها وفي بلدها؟ كنت أظن أن اللاجئ هو الشخص الذي هجر من بيته ويعيش في خيمة». الصدمة الثانية كانت منع غادة من وضع اسم طفلتها على جواز سفرها، وعدم السماح لها بالسفر والتنقل معها لأن والدها أجنبي.
مع ولادة كل طفل كانت هذه المضايقات والعقبات تتكرر وتتجدد مع غادة وعائلتها، وبدأت تتزايد عندما قررت غادة وعائلتها العودة إلى لبنان والاستقرار فيه بسبب حرب العراق على الكويت. إذ لم يكن يحق لأولادها ما يحق لأولاد أي مواطنة لبنانية أخرى. تقول غادة: «حاولت أنا وزوجي تجاوز أغلب المعوقات الحياتية بواسطة المال. فبالنسبة الى الطبابة اعتمدنا نظام التأمين الخاص. وبالنسبة الى المدارس والجامعات سجلنا أولادنا في مدارس وجامعات خاصة أيضاً. لم تكن لدينا مشكلة مع الإقامة، لأن وضع الفلسطيني في لبنان يختلف عن غيره، ولديه بطاقة تسهيل مرور وإقامة». وتضيف: «عندما كبر أولادي وتخرجوا بدأت المعاناة، بسبب الوظيفة، فهم وبالرغم من تخرجهم في الجامعة الأميركية، لم يجدوا فرصة عمل جيدة كغيرهم من الشباب، فأغلب الوظائف التي كانت تعرض عليهم، معاشاتها متدنية مقارنة بغيرهم، والسبب يعود الى أنهم ليسوا لبنانيين. إضافة إلى أنهم كانوا محرومين من الضمان الصحي والاجتماعي، ولا يحق لهم الانتساب إلى الجمعيات والنقابات المهنية».
بسبب هذه الاوضاع والمعاناة سافر كل أولاد غادة، فابنتها الكبرى سافرت إلى كندا، والثانية إلى قطر، والثالث إلى دبي ولم يبق لها سوى شاب واحد يعيش معها في لبنان، لأنه لا يزال متعلقاً بالعيش في لبنان رغم قساوة الحياة فيه، وهم ينصحونه بترك البلد واللحاق بإخوته.
وتعلّق غادة: «حال زوجي هنا ليس أفضل من حال اولاده، فهو عندما ترك العمل في الكويت، وعاد للاستقرار في لبنان، عانى الكثير بسبب العمل، إذ لم يجد عملاً بسهولة. وكان ينتقل من شركة الى أخرى، ولو لم يكن لديه رصيد مالي جيد لما استطعنا العيش بكرامة». وتضيف: «العقبة الثانية التي واجهها، هي عدم أحقيته بالتملك في لبنان، فهو عندما عاد من الكويت وأراد أن يشتري بيتاً لنسكن فيه، لم يستطع تسجيله باسمه لأن القانون اللبناني يمنع الفلسطيني من التملك». لقد سجل زوج غادة أغلب ممتلكاته باسم زوجته، وهي الآن تواجه مشكلة عدم قدرتها على توريث أولادها، لأنهم فلسطينيو الجنسية. وهذه المعضلة لا حل لها ما لم يقر حق إعطاء الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية.
تأسف غادة كثيراً لما يحصل معها ومع أولادها وزوجها، وتقول: «أنا لبنانية، ولدت وعشت في هذا البلد، وأقوم بكامل واجباتي تجاهه وتجاه الدولة اللبنانية. أنجبت أولادي فيه وربيتهم على حبه، وعلّمتهم أفضل تعليم، ومن المجحف ألا يحق لهم الاستفادة من حقوقهم مثلي ومثل أولاد أي مواطنة أو مواطن لبناني آخر. أنا أريد حقي وحق أولادي في هذا البلد، وأناشد دائماً بهذا الحق، وسأبقى أطالب به حتى آخر لحظة في حياتي. لن أملّ من المطالبة لأنني لبنانية ويحق لي الحصول على كامل حقوقي مثل جميع الللبنانيين من دون تمييز».
مريم نعيم غزال (متزوجة من سوري): فقدت ابنتي بسبب رمانها حق الطبابة
تزوجت مريم من رجل سوري الجنسية، وأنجبت منه ستة أولاد، فتاتين وأربعة شبان، وعاشت معه بداية خارج لبنان بسبب ظروف عمله. لكن بعدما أنجبت وكبر أولادها اضطرت للعودة إلى لبنان، بهدف تعليم أولادها. تقول مريم: «بدأت معاناتي عندما استقريت في لبنان، وكانت أول عقبة أواجهها هي مشكلة الإقامة، إذ كان علي كل 6 اشهر اخراج أولادي من لبنان، وإدخالهم من جديد لأجدد لهم إقامتهم، لأنه لم يكن هناك قانون إقامة المجاملة الخاص بأولاد المرأة اللبنانية وزوجها. العقبة الثانية كانت مع الاولاد في المدرسة، إذ كان أولادي يشعرون بالتمييز، وبأن وضع اللبناني غير وضع السوري، وكانوا يطلبون مني عدم التصريح عن جنسيتهم، مما دفعني الى الطلب من إدارة المدرسة عدم إحراجهم والتكتم على جنسيتهم، والاتصال بي مباشرة لأي سبب يتعلق بهم».
كانت معاناة مريم تكبر كلما كبر أولادها، فهي تعاني لتحميهم وتحافظ عليهم معها. فمثلاً اولادها الشبان طُلبوا للتجنيد الإجباري في سورية، وكانت تسافر دائماً وتجري تأجيلاً لهم لأنهم يتابعون دراستهم، ولكن بعد ان انهوا دراستهم الجامعية، لم يعد لديهم حجة، وكان مفروضاً عليهم التنفيذ، إلا ان مريم رفضت ومنعتهم. تقول مريم: «بعد هذه الازمة واجهنا أزمة فرص العمل بعد التخرج، ابنتي الكبرى درست التمريض، ولم تستطع العمل في المستشفيات اللبنانية، لأنها بحاجة الى إجازة عمل من سورية، مما اضطرها الى العمل ممرضة خاصة في البيوت. وبعد فترة أُصيبت بمرض سرطان الثدي، ولم تكن مضمونة من الدولة، ووزارة الصحة رفضت معالجتها لأنها غير لبنانية، مما اضطرنا إلى صرف كل ما لدينا من أموال لعلاجها. لم يساعدنا أحد، لا في الطبابة ولا في ثمن الدواء الذي كان باهظاً جداً. حتى السفارة السورية رفضت تأمين الدواء لها، ونصحتني بأخذها الى سورية ومعالجتها هناك. عانينا معها ما يقارب الست سنوات وتوفيت بسبب القانون المجحف والعنصري».
وتضيف: «لم يعاملونا كمواطنين لبنانيين، لنا ولأولادنا الحق بالطبابة والعمل كغيرنا، اعتبرونا درجة ثالثة، وميّزوا الرجل عنا. من المؤسف أن دولتنا تعطي الرجل كل شيء، وتحرم المرأة من حماية أولادها، أين المساواة؟ أريد مساواة مع الرجل في الحقوق وفي الواجبات. فأنا مثله مواطنة أقوم بكل واجباتي أمام الدولة اللبنانية، فلماذا لا تقوم هي بواجبها تجاهي وتجاه أولادي. في كل دول العالم يحصل الولد على جنسية والدته، ويحمل اسمها، إلا في لبنان يتم التعاطي مع المرأة وأولادها بشكل عنصري».
أولاد مريم الشبان لا يمكنهم السفر إلى سورية، لأنهم مطلوبون للتجنيد الإجباري، وهي لا تريد ان تعرّضهم للخطر، وفي لبنان يعانون من عدم قدرتهم على العمل، لأنهم أجانب وغير منتسبين ال النقابات المهنية، وبالتالي هم ممنوعون من ممارسة الاختصاصات التي درسوها. أما في حال ارادوا العمل بغير اختصاصاتهم فسيعاملون أيضاً بعنصرية، وسيتم توظيفهم بمعاش متدنٍ لأنهم غير لبنانيين، ومن دون ضمانات، أو تعويضات. هذا الواقع الأليم يدفع مريم وأسرتها الى التفكير بالهجرة والسفر إلى بلد آخر، «أفكر ببيع كل شيء هنا، والسفر إلى دولة تحترمنا، وتقدّرنا، وتعطينا حقوقنا كبشر، وتعاملنا كمواطنين». لم تندم مريم لأنها تزوجت من رجل غير لبناني، بل لأنها ولدت في هذا البلد الذي لا يعترف بحقوقها وحقوق أولادها كمواطنين. «لا دخل لزوجي في الموضوع، لأن من حقي أن أتزوج بمن أريد، ومن واجب دولتي إنصافي ومعاملتي بطريقة لائقة، ومساواتي بغيري من المواطنين». وتختتم حديثها بالقول: «من حقي أن أُعامل كمواطنة، وأرفض أن يعامل أولادي بعنصرية، ويشعروا بالذل والاهانة، ولذلك سأهاجر وأترك كل شيء».
شاركالأكثر قراءة
أخبار النجوم
أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد له بعد...
إطلالات المشاهير
الملكة رانيا العبدالله تتألق بفستان كحلي بتصميم...
إطلالات النجوم
نجمات السعودية ومصر ولبنان وسوريا يتنافسن في...
أخبار النجوم
أحمد فهمي يحسم جدل ارتباطه بأسماء جلال (فيديو)
أخبار النجوم
عبير صبري تدعم شقيقتها في أزمتها مع دينا...
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
