السمنة لدى الأطفال والمراهقين كابوس يؤرق الأهل

السمنة,الأطفال,السمنة لدى الأطفال,المراهقين,السمنة لدى المراهقين,الأهل

عزيزة نوفل (جدة ) 06 سبتمبر 2015

حُرموا من الركض طلقاء، تخنقهم أنفاسهم المتصارعة ونبضاتهم التي تكاد تخترق صدورهم. ليس العمر أو المرض ما حكم عليهم بهذه الحالة، فخطواتهم الثقيلة تُحمّلهم أوزار الأمراض والأزمات التي تفوق إمكاناتهم وأعمارهم، وتنبذهم عن باقي البشر خوفاً من نظرات الازدراء والسخرية... هم أطفال ومراهقون، لكن بأجساد ضخمة مكللة بالدهون، ينظر البعض إليهم على أنهم ضحية إهمال الأهل، وقد يبرر البعض الآخر بدانتهم بأسباب وراثية أو قد تكون طبيعة الجسد أو قلة الحركة التي تحكمها رفاهية المعيشة. ازدياد مستمر في معدلات السمنة لدى الأطفال والمراهقين محلياً يستنفر الجهود للعلاج والوقاية من هذا الداء... حالات من الواقع وحلول يقدّمها اختصاصيون في هذا التحقيق...


الحل الأخير والوحيد هو الجراحة
أبو عصام (53 عاماً) أب لخمسة أبناء، على خلاف مستمر مع زوجته بسبب ابنته الصغرى التي تبلغ من العمر 14 عاماً. فوزنها الذي يكاد يتجاوز الـ 130 كيلوغراماً يُثقل حركتها ويشوّه مظهرها الخارجي. ويؤكد أبو عصام أن السبب هو شهية ابنته المفتوحة على الدوام.
ورغم خضوعها للكثير من الفحوصات التي شملت عمل الغدد وإفراز الهورمونات، والتي لم يتبين في نتيجتها أي خلل، يُرجّح الوالد أن دلال أمها ومسايرتها لها في تناول كل ما تريد هما السبب الرئيس في زيادة وزن الابنة بهذا الشكل الغريب.
وعلى رغم محاولاته المستمرة لتعديل نمط تغذية ابنته وتحفيزها على اتباع حمية وممارسة رياضة المشي، باءت جهوده بالفشل، ليزيد وزن ابنته كل سنه ما بين 5 و 8 كيلوغرامات، وهو يفكر حالياً بإخضاع ابنته المراهقة لعملية تصغير للمعدة كحل نهائي لمشكلة تزايد وزنها.


طبيعة جسمها تختلف عن إخوتها الأكبر سناً
خالفت كل التوقعات... هذا ما عبّرت عنه أم حسن (48 عاماً)، أم لأربعة أبناء، حيث إن أبناءها الثلاثة الكبار يتمتعون بأجسام نحيلة جداً رغم شهيتهم المفتوحة وتناولهم كميات وافرة من الطعام، ويعطي مظهرهم انطباعاً بأنهم لا يأكلون كثيراً، على عكس ابنتها الصغرى التي بدت مثل إخوتها الأكبر سناً بالنسبة الى شهيتها وإقبالها على الطعام، إلا أن طبيعة جسمها كانت مختلفة تماماً، بحيث ازداد وزنها بشكل لافت وهي في سن صغيرة، ولم تستطع أم حسن تدارك ذلك ومنعها من تناول ما تريد، كون إخوتها يتناولون الكمية نفسها التي تلتهمها هي من الطعام ولا تتأثر أوزانهم. لكن ما يحزن الأم أكثر، أن ابنتها التي تبلغ 13 عاماً والتي يتجاوز وزنها الـ 90 كيلوغراماً، تفقد ثقتها بنفسها وبمظهرها، ما يجعلها لا تعيش مرحلتها العمرية كما هو مفترض.


أبنائي يتناولون الطعام خفيةً عني
عدم وعي الأبناء، وعنادهم في مرحلة المراهقة يجعلان إسداء النصح اليهم صعباً للغاية. ذلك ما تعانيه السيدة نادية عزام (39 عاماً)، حيث يرفض أبناؤها المراهقون الالتزام بتوجيهاتها أو تقبّل نصائحها بتناول الطعام الصحي.
ورغم حزمها في البيت وتحديد مواعيد الوجبات وكمياتها، فإن ذلك لم يجد نفعاً، حيث دائماً ما تكتشف أن أبناءها يتناولون الكثير من المأكولات السريعة ورقائق البطاطس خارج المنزل أو خفية عنها أثناء الليل، ما يجعل من مسألة السيطرة على نظامهم الغذائي أمراً في غاية الصعوبة، ولذلك تقف عاجزة ويائسة أمام ازدياد أوزان أبنائها المراهقين الذين يبلغ أكبرهم  الـ 20 عاماً. وتعتقد نادية أن لا بد من أن تنبع الرغبة والقوة من داخلهم حتى يتمكنوا من التخلص من مشكلة السمنة.


السمنة عند الذكور مقبولة أكثر من الإناث محلياً
وعن الثقافة المحلية السائدة، تقول أم فيصل (35 عاماً): «للأسف، يسيطر على مجتمعنا الكثير من الأفكار المغلوطة في ما يتعلق بالمظهر العام، فيتفق الكثيرون على أن لا بأس في أن يكون الذكر سميناً ووزنه زائداً، كون ذلك لا يعيبه أو يمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي، بينما لا بد من تدارك الأمر عند الأنثى التي قد تشوّه السمنة مظهرها وتمنعها من الزواج وأحياناً كثيرة من الإنجاب. وعن تجربتي الشخصية، شكّلت السمنة أحد أكبر مخاوفي، فكنت على الدوام ألحّ على ابنتي التي لم تتجاوز الـ16 عاماً للذهاب الى اختصاصي تغذية والاشتراك في نادٍ رياضي، وأحاول إغراءها بالملابس الجميلة التي سترتديها عند خفض وزنها. لكن للأسف، فرغم كل تلك المحاولات، لا يزال وزن ابنتي على حاله، إذ اكتشفت أنها تتناول بالخفاء الكثير من ألواح الشوكولاته ورقائق البطاطس، متجاهلة النصائح، وغير مدركة سلبيات انصياعها وراء شهيتها المفتوحة».


الوسائل السلبية التي يتبعها الأهل في علاج مشاكل السمنة لدى أطفالهم
عن تفاقم تلك المشكلة، يرى الدكتور نزار رمضان رائد التنمية البشرية لدى الأطفال والكاتب الصحافي، أن المرحلة العمرية التي تتراوح ما بين 9 و 15 عاماً هي فترة تتكون فيها الميول والاتجاهات، فإذا كان الأهل جادين تربوياً، عليهم الحزم بفرض عادات البيت مثل مواعيد الطعام والنوم وكذلك التعامل مع التقنية، كما أن القدوة الأبوية الحسنة ضرورية لتكوين أسس صحية لتناول الغذاء بالنسبة الى الأبناء.
ولكن الشائع للأسف هو محاولة علاج مشاكل السمنة واضطرابات الأكل بعد فوات الأوان ومن خلال وسائل سلبية، أهمها المقارنة بحيث يُقارن الطفل أو المراهق بأقرانه، وهذه الطريقة تؤثر سلباً في نفسية المراهق وتُشعره بالإحباط والدونية، كما أن اللجوء الى التعنيف والتهديد لا يجدي نفعاً بل يزيد الأمور سوءاً.
وأضاف د. رمضان، أن الشائع أيضاً في علاج مشاكل السمنة، هو تعديل الكثير من الأمهات النمط الغذائي وتشجيع الأبناء على الغذاء الصحي، ولكن من دون نتائج مرجوة كون الطفل أو المراهق يقوم بمضاعفة ما يأكله خارج البيت بعيداً عن الأنظار.
ومن منطلق غرس القيم والمبادئ في الأطفال والمراهقين، يرى الدكتور رمضان أن لا بد من أن يتبع الأهل أسلوب (المناصفة) بمشاركة المربين بالتساوي في تحديد أسباب المشكلة ومعالجتها، ولا بد من الوعي بمسألة القدوة والعمل على إصلاح النفس أولاً، ومن الضروري أن يعلم المربون والأهل أن السمات الشخصية مكتسبة، وليس هناك جينات تتعلق بالنمط الغذائي أو تفضيل نوع معين من الطعام.
لذا يُعد هذا الأمر مكتسباً من خلال ما يراه أطفالنا ويتلقونه من خبرات، وهو قابل للتغيير من خلال التدريب والتجريب والتعلم، على يد المربّي نفسه الذي لا بد من أن يبدع في تهيئة المناخ التربوي وانتقاء الوسيلة الأمثل.
وقبل البدء بتحفيز المراهقين والأطفال على اتباع نظام غذائي صحي، لا بد أولاً من تحديد الهدف والتركيز عليه لمدة 21 يوماً فقط من خلال ملصق أو نشيد تذكيري، ومحاولة ربط مفهوم الرشاقة أو الجسم السليم بقيمنا وتاريخنا.
كما أن أسلوب العرض ضروري من طريق مشاهد أو صور تحفزهم على المضي في علاجهم مشكلة السمنة وزيادة الوزن... كذلك مشاركة هذه المسألة مع الأقارب أو الأصدقاء تقوّي لديهم روح العزيمة وتدفعهم الى الالتزام ومراقبة النفس. والأهم من ذلك، ان رؤية الإنجازات مجسّدة على أرض الواقع، تحفز الطفل على الاستمرار.


وسائل الإعلام وإعلانات الوجبات السريعة من مسببات السمنة لدى المراهقين
وتعليقاً على هذه المرحلة العمرية وتغيراتها الفيزيولوجية، يشير الدكتور خالد المدني استشاري التغذية العلاجية ونائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء والتغذية، الى أن في فترة المراهقة يحدث نمو جسدي سريع بحيث يزيد الوزن بمعدل 50 في المئة ويزيد الطول أيضاً بمعدل 20 في المئة. وتبعاً لذلك، لا بد من زيادة الوزن في هذه المرحلة العمرية نتيجة نمو العظام في الحجم والشكل وكذلك كتلة العضلات بالنسبة الى الأولاد، وتجمع الدهون بالنسبة الى الإناث.
وبناءً عليه، تتطلب هذه المرحلة العمرية الكثير من الاحتياجات الغذائية والعناصر المهمة للنمو والطاقة الحرارية. ومع تغير نمط الحياة السريع وارتفاع مستوى المعيشة وانتشار الوجبات الجاهزة التي تحتوي على المأكولات المقلية والمشروبات الغازية والتي تغري المراهق لسرعة انتقائها وسهولة الحصول عليها بثمن زهيد، ازدادت نسبة السمنة في أوساط الأطفال والمراهقين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
ولعل أكثر ما يؤثر في زيادة طلب المراهقين تلك الوجبات هو انتشار الإعلانات التي تصور للمراهق أن هذه المأكولات ستُكسبه قوه عضلية أو قدرات معينة، إضافة إلى تحفيزه على تناول كميات كبيرة منها من باب التحدي. كما قد يساهم الأصدقاء والاقارب في تعزيز النمط الغذائي لدى الأطفال والمراهقين.
ومن هذا المنطلق، يعد التخطيط للوجبات من أهم الأسس لتكوين عائلة صحية وسليمة، فعلى ربة البيت أن تكون ملمّة باحتياجات أُسرتها الغذائية وفق المرحلة العمرية التي يمرون بها، إذ إن للأطفال احتياجات مختلفة عن المراهقين أو كبار السن، كما أن التنويع في هذه الوجبات مطلوب وفق دخل الأسرة، لذلك لا بد من وضع جدول أسبوعي للوجبات، حرصاً على التنويع وتعميم الفائدة على كل أفراد العائلة.


نصائح لجيل من دون سمنة
وعن التوصيات الضرورية للحفاظ على جيل سليم من السمنة، يؤكد الدكتور خالد المدني أن «الأساس في التغذية السليمة يبدأ من مرحلة الرضاعة وما قبل المدرسة، كون ذلك يؤهل الطفل قبل دخوله المدرسة ويصقل تكوينه الجسدي ومدركاته العقلية.
ومن بعدها يأتي دور المدرسة في الإرشاد والتوعية بنمط غذاء صحي من خلال لوحات إرشادية تشجّع الطلبة على إحضار وجبة الإفطار من المنزل، بهدف مراقبة الأسرة البرنامج الغذائي بالشكل الذي يريدونه. كما أن تنويع الأطعمة المقدمة في المدرسة مهم جداً حتى لا يشعر الطلاب بالملل، مع تقويم العادات الغذائية من خلال تحفيزهم على تناول الخضار والفواكه وتجنب الحلويات والمأكولات غير الصحية».
 

الحلول الجراحية وعمليات إنقاص الوزن
أما بالنسبة الى الحلول الجراحية لعلاج مشاكل السمنة المفرطة لدى الأطفال والمراهقين، فيشاركنا الرأي الدكتور محمد عبدالرحمن باوهاب رئيس قسم الجراحة في كلية الطب في جامعة الملك خالد، واستشاري جراحات الجهاز الهضمي وجراحة المناظير المتقدمة، إذ يؤكد أن الخوض في عملية جراحية لعلاج مشاكل السمنة عند الأطفال والمراهقين لا بد من أن يخضع للكثير من الدراسات والفحوصات، سواء كانت جراحة لتصغير المعدة أو تغيير مسار أو تقنية البالون يفضل إجراء هذه العمليات لمن تجاوزوا الـ15 عاماً، ولكن هناك استثناءات بالنسبة الى الأطفال والمراهقين الذين يعانون زيادة مفرطة في الوزن قد تعوّق حركتهم أو تسبب لهم مشاكل صحية خطيرة، فيتم حينها إخضاعهم لفحوصات طبية دقيقة للتأكد من فعالية هذا النوع من العمليات بالنسبة اليهم.