علماء الدين يجيبون: هل يحق للزوجات إصلاح أزواجهن بهجر الفراش؟
إذا كان الشرع قد أقر حق الزوج في هجر زوجته الناشز كطريقة لتأديبها، فهل يحق للزوجة اللجوء الى الطريقة نفسها لمعاقبة الزوج إذا أخطأ وأصر على خطئه وكرره كثيراً؟ أم أن الهجر حق للزوج وحده؟ وماذا عن الهجر في الكلام وليس في الفراش؟ هل يكون أفضل وأقل خطورة من هجر الفراش وما قد يستتبع ذلك من عناء ومشاكل؟
تفجرت القضية عندما اتصلت زوجة بأحد برامج الإفتاء التلفزيوني قائلةً: "أنا امرأة ملتزمة بدينها، وزوجي لا يحافظ على الصلاة أحياناً ويدمن مشاهدة الأفلام الإباحية، فهل من حقي أن أهجره وأنام في غرفة أطفالي أو أي مكان آخر بعيداً عن غرفة النوم الخاصة بنا كزوجين، حتى يرتدع ويتقي الله ويتوقف عن هذه الأفعال المخالفة للدين والعرف والأخلاق والفطرة السوية؟".
أجابتها على الهواء الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد– جامعة الأزهر بقولها: "إن من تمام التزام الزوجة بدينها ألا تهجر فراش زوجها، حتى وإن كان عاصياً، بل يجب عليها شرعاً أن تذكّره بالله عزّ وجل، وتبين له أنه عليه أن يحافظ على التكاليف الشرعية التي سيحاسبه الله عليها، وخاصة الصلاة التي إذا خشع فيها المسلم نهته عن كل المعاصي، ما ظهر منها وما بطن، ولهذا وصفها الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) بقوله: "من حافظ عليها– الصلاة– كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيّ بن خلف".
القدوة
ووجهت الدكتورة عبلة كلامها الى هذا الزوج وأمثاله من الأزواج الذين يستفزون الزوجات، بأن عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ويعلموا أن الأصل أن يكونوا قدوة لأهل بيوتهم، بل إن الله يعطيهم الثواب الكبير على العلاقة الزوجية، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): "وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
ووجّهت الدكتورة عبلة نصيحة الى الزوجة المتصلة ومثيلاتها، قائلةً: "يجب على الزوجة أن تملأ وقت زوجها بالسعادة الحسية والمعنوية، وأن تلبي رغبته وتحسن تقديم نفسها، لأنها البديل الحلال للغريزة، ولها على هذا الفعل الثواب الكبير من الله، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنّة من أي أبواب الجنة شئت".
وأنهت الدكتورة عبلة كلامها، مؤكدة أن تقصير أحد الزوجين في حق الآخر وعدم أداء ما عليه من حقوق قبل المطالبة بالواجبات، قد يؤديان إلى انصراف شريك حياته إلى الحرام بكل أشكاله، ولهذا وصف القرآن ما يقوم به هؤلاء في قول الله تعالى: "وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ" (آية 24) سورة "النمل".
أنواع الهجر
يعرّف الدكتور صبري عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، معنى الهجر قائلاً: "تعريفه في اللغة هو القطع ومعناه ضد الوصل، وقد كثر كلام الفقهاء عنه في مسألة النشوز الزوجي، وخاصةً نشوز الزوجة، واعتبار الهجر وسيلة من وسائل التأديب للزوجة الناشز، وذلك في قول الله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" (آية 34) سورة "النساء".
وأوضح الدكتور صبري، أن الهجر الزوجي نوعان، أولهما هجر في الكلام، وقد يكون هذا الهجر من الزوج لزوجته أو من الزوجة لزوجها، وقد ذهب جمهور العلماء الى أن هذا الهجر مقيد بألا يتجاوز ثلاثة أيام لقول رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالكلام".
وأشار الدكتور صبري إلى أن النوع الثاني من الهجر هو في المضاجع أو فراش الزوجية، وقد اختلف العلماء في كيفيته، حيث يرى البعض أنه الامتناع عن العلاقة الزوجية لفترة محددة، في حين يرى آخرون أنه إبداء عدم الرغبة في العلاقة أو الفتور فيها، بما لا يتعارض مع توفير العفّة للآخر.
ويرى الدكتور صبري أن غالبية الفقهاء يرون الهجر في الفراش حقاً للزوج دون الزوجة، حتى لا تتفاقم المشكلات بينهما، إذا امتنعت الزوجة عن زوجها، الذي عادةً ما تكون بداية الرغبة في العلاقة الزوجية منه هو، لأن الحياء يمنع كثيراً من الزوجات حتى لو كنَّ يرغبن في البدء بالعلاقة الزوجية.
ثلاث ليالٍ
تشير الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى أن غالبية الفقهاء يرون النهي عن هجر المسلم أكثر من ثلاث ليالٍ، محافظةً على بقاء الود ومحاربةً للجفاء والجفوة، وقالوا يدخل في إطار ذلك الهجر الزوجي، سواء كان هجراً كلامياً أو في الفراش من الزوج لزوجته، أو حتى من الزوجة لزوجها إذا اشتعلت المشكلات بينهما وكان هو المخطئ يقيناً، لأن الإسلام يعمل على تنشيط عوامل التقارب بحيث لا يزيد الهجر بين الزوجين عن هذه المدة القصيرة من الأيام، وبالتالي لا يجوز شرعاً أن يمتد الهجر شهوراً وسنوات كما يفعل بعض الأزواج والزوجات.
وحذرت الدكتورة مريم الدغستاني من أن تكرار أخطاء الزوج قد يجعل الزوجة تكره البقاء معه في غرفة واحدة. ولهذا يجب على الزوج أن يأتي إليها لترضيتها ولو بشكل تدريجي، لأن الزوج الطبيعي يعمل على تصحيح تصرفاته والرجوع عن أخطائه، سواء بالاعتذار المباشر أو غير المباشر، بالقول أو الفعل، وهذا لا يتنافى مع كرامته وقوامته عليها، لأن هذا تصرف إنساني ومراعاة للمشاعر وتطييب للخاطر، حتى تعود الحياة الزوجية إلى دفئها وحرارتها، وتكون آية من آيات الله الذي وصفها بقوله: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (آية 21) سورة "الروم".
مغامرة
أما الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتشير إلى أنه ينبغي أن تفهم كل زوجة طبيعة زوجها إذا فكرت في هجره، سواء كان هجراً كلامياً أو في الفراش، لأن تصرفات الأزواج تختلف في رد فعلهم في موضوع هجر الزوجة لهم. فمن الأزواج من قد يفكر في تطليقها أو ضربها أو طردها إلى بيت أبيها إذا هجرته، وهنا يجب العمل بقاعدة "دفع الضرر الأكبر مقدم على دفع الضرر الأصغر". وفي الحديث النبوي، قال (صلّى الله عليه وسلّم): "لا ضرر ولا ضرار".
وأوضحت الدكتورة سعاد أن تفكير الزوجة في هجر فراش زوجها قضية تحمل مخاطر من الناحية النفسية والاجتماعية، لأنه وقت اشتعال رغبة الزوج وامتناع زوجته عنه بدعوى هجرانها له، قد يؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها، والأفضل أن تخبر الزوجة الزوج بأسباب غضبها منه، ليتصافيا بعد العتاب الرقيق، فهذا أفضل من المغامرة بالهجر في الفراش.
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها، مؤكدةً أن الهجر الكلامي من الزوجة لزوجها قد يكون أخف وطأةً وتأثيراً من الهجر في الفراش، وعلى الزوجة أن تتصف بالحكمة والتأني في علاج مشكلتها، بحيث لا تعالج مشكلة أصغر بأخرى أكبر منها، وعليها أن تستعين بمبدأ الترغيب قبل الترهيب، حتى لا تفسد حياتها الزوجية ويكون الثمن فادحاً، وخاصة إذا كان الزوج من النوعية العصبية جداً الذي يؤدي هجره – ولو بالكلام – إلى عناده أكثر.
ضوابط
ويحذر الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، من سوء فهم بعض الأزواج والزوجات لقضية الهجر في الفراش كوسيلة تأديبية أو عقابية من أي طرف من الزوجين للآخر، لأن هذا قد يؤدي إلى خراب البيوت، فيكون مثل من قال الله تعالى فيهم: "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" من (الآية 2) سورة "الحشر".
وأوضح الدكتور عمر هاشم أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وضع ضوابط لقضية الهجر، حتى لا تتحول من وسيلة تأديب وإصلاح إلى وسيلة تجبّر وانتقام، فأمر الزوج بألا يهجر زوجته إلا في بيت الزوجية، أي لا يتركها وينام خارج المنزل أو يطردها إلى بيت أبيها، فهذا مخالف للشرع، ولهذا سأل أحد الصحابة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ فقال له الرسول: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح ولا تهجر إلا في البيت".
وينبّه الدكتور عمر هاشم إلى خطورة التفكير المستمر في الهجر - سواء من جانب الزوج أو الزوجة – لأنه قد يؤدي في ظل العناد إلى سيطرة روح الانتقام والإضرار بالطرف الآخر ومنعه من حقوقه. ولهذا فليس الهجر هو العلاج الوحيد للنشوز، وإنما هناك وسائل أخرى يفضل اللجوء إليها لتقليل المخاطر على استقرار الحياة الزوجية، لأن الهجر في الفراش مخاطرة كبيرة غير مضمونة العواقب.
وأنهى الدكتور عمر هاشم كلامه، مؤكداً أن الهدف من الهجر ليس تصفية الحسابات والانتقام، وإنما تحقيق المصلحة ومنع حدوث المفسدة. ولهذا كلما قلّ التفكير في الهجر أو قلّت مدته إذا حدث، يكون هذا أفضل بكثير، ويجب عليهم أن يتذكروا دائماً قول الله تعالى للمطلقين: "... وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" من (الآية 237) سورة "البقرة". فما بالنا بمن بينهما حياة زوجية قائمة وعشرة مستمرة.
إساءة استخدام
كشف الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن قضية الهجر خطيرة جداً نظراً الى ما قد يُسبِّبه الهجران الطويل، أو استخدامه بمناسبة أو من دونها، من القطيعة والنفور، ولهذا فسره بعض المفسرين بهجر الكلام وليس العلاقة الزوجية، وألا يزيد الهجر الكلامي حتى على فراش الزوجية عن ثلاثة أيام، لأن هذا الهجر في المضجع يشق الزوجين إذا كانا متحابين.
وأوضح الدكتور مبروك عطية، أن الهجر الزوجي سلاح ذو حدين، قد يحسن البعض استخدامه بضوابطه الشرعية فينصلح حاله وتستقر حياته، وقد يسيء البعض الآخر استخدامه بما يصاحبه من غلظة فيدمر حياته الزوجية بيده، ولهذا علينا أن نتأمل قول الله سبحانه وتعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آية 159) سورة "آل عمران".
شاركالأكثر قراءة
أخبار النجوم
سيدني سويني تكشف حقيقة خضوعها لعملية تكبير...
إطلالات المشاهير
صورة تجمع الملكة رانيا والعائلة الملكية بأناقة...
إطلالات النجوم
كيم كارداشيان تواصل الجرأة وتتخلى عن حقيبة اليد
إطلالات النجوم
إطلالة نادين نسيب نجيم الجريئة ببودي الليوبارد...
إطلالات المشاهير
دانا الحلاني بصيحة الفستان الأسود القصير
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
