طالبات يكشفن المستور: المدرّس تحرّش بيّ!

أحمد سالم (القاهرة ) 30 سبتمبر 2017

رغم أن الكثير من المدرّسين يؤدّون رسالتهم التعليمية على أكمل وجه، نجد بعض المدرسين وقد انحرفوا عن رسالتهم وتحولوا إلى متحرشين بالطالبات في مختلف مراحل التعليم.
ورغم أن غالبية الطالبات يخشين التبليغ عن تعرضهن للتحرش داخل المدرسة أو الجامعة، خوفاً من الفضيحة أو انتقام المعلم، فقد كشف «هاشتاغ» أطلقته إحدى الناشطات بعنوان «#المدرس_اتحرش_بيا» الكثير من تلك الحالات التي تضعنا في مواجهة ظاهرة خطيرة.


#المدرّس_اتحرش_بيا
في البداية، تقول الناشطة النسوية هادية عبدالفتاح: «التحرش آفة تهاجم الفتيات في مجتمعنا بشراسة، لكنّ أبرز ما يؤرق أولياء الأمور ويهدد قيمنا ومبادئنا، هو التحرش بالطالبات في المراكز التعليمية، لا سيما التحرش من جانب المعلّمين، لذا فكرت في تدشين «هاشتاغ» بعنوان #المدرس_اتحرش_بيا»، كبوابة للفتيات للكشف عن حوادث التحرش التي يتعرضن لها داخل المدارس والجامعات، ولعل أكثر ما دفعني لتدشينه هو الفضيحة الشهيرة التي كان بطلها أحد الأساتذة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، والذي نُشر له تسجيل صوتي يبتز فيه إحدى الفتيات بعدما طلب منها التقاط الصور وهي عارية، ونشرت هذه الفتاة التسجيل الصوتي ثم اختفت بعدها خوفاً من الفضيحة أو من انتقام أستاذها الجامعي.
وتضيف هادية: «هناك الكثير من حوادث التحرش التي تقع بصورة شبه يومية في المدارس، والتي لا تستطيع الفتيات الإفصاح عنها لسببين، أولهما الخوف من المجتمع أو من الفضيحة، وثانيهما الخوف من رد فعل المعلم نفسه وتفكيره في الانتقام من الطالبة، مما يؤدي الى تفاقم الظاهرة وتمادي المعلمين في أفعالهم الخبيثة. والمرعب أن هناك رسائل وصلتني عبر «الهاشتاغ» وتتحدث عن تحرش معلم بطالباته في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وللأسف فإن هذا المعلم الذي لا يصلح أن يكون قدوةً لطلابه وطالباته، يستقوي على الطالبات لأنه يعلم جيداً أنهن لن يستطعن البوح بما في داخلهن، ومتأكد من أنه لن يُفتضح أمره، لكن نتمنى أن تبوح الفتيات بما في داخلهن عبر هذا «الهاشتاغ»، فيكون البداية للقضاء على هذا النوع من التحرش».
وتؤكد هادية أن مبادرتها «مش هنسكت على التحرش» تركز على أهمية نشر الوعي لدى الفتيات للتصدي للتحرش وعدم السكوت عنه، وذلك من خلال عقد ندوات داخل المدارس والجامعات لتوعية الطالبات بضرورة الوقوف في وجوه المتحرشين عموماً، وفي الأماكن التعليمية خصوصاً، إلى جانب المطالبة بقانون رادع يحمي الطالبات، في حال قررن التبليغ عن وقائع التحرش، وينتقم لهن من الجُناة.

تحرش داخل الصف!
عبر «الهاشتاغ»، تسرد إحدى الطالبات وتدعى آلاء مجدي، قصتها مع التحرش، قائلةً: «كان أحد مدرّسي مادة الرياضيات يتحرش بيّ وبزميلاتي في الصف، فيتعمّد أن يطرح علينا مسائل صعبة لئلا نتمكن من حلّها، ثم يعاقبنا بالضرب في أماكن متفرقة من أجسامنا بيديه وليس بالعصا، ويكرر هذا الفعل باستمرار، لدرجة أنه كان يتقصّد ضربنا في أماكن حساسة، بحجّة أن الضرب في هذه الأماكن يجعلنا لا ننسى الخطأ الذي ارتكبناه. وطبعاً كنا نخاف البوح لأحد بما يحدث معنا، ونكتفي بالتغيّب عن حصة هذا المدرّس بعد أن كرهنا المدرسة بسبب أفعاله المشينة. كذلك اشتكت إحدى زميلاتي من مدرّس آخر، كان يدرّسها في منزلها، مؤكدةً أنه حين يجلس كان يتعمّد أن تلامس قدمه قدمها، لكنها لم تتمكن من صدّه خوفاً من رد فعله العنيف».

محاولة اغتصاب
طالبة أخرى تدعى سارة عبدالرحيم، وهي في المرحلة الثانوية في مدرسة في مدينة الإسكندرية، تسرد قصتها قائلةً: «كانت لي قصة مع تحرش الأساتذة، حيث حاول مدرّس اللغة الإنكليزية الاعتداء عليَّ مراراً، وفي إحدى المرات اتصل بي مؤكداً أن هناك حصة في المركز التعليمي الخاص به، فذهبت إلى هناك لكنني لم أجد أحداً من الطالبات، وعندما سألته ما الأمر؟ أجابني بأنه يريد أن يجلس معي لبعض الوقت، وبالفعل أسمعني عبارات جنسية ومن ثم تحرّش بي فلمس جسدي محاولاً التهجم عليَّ واغتصابي، ولأن المركز كان خالياً من الطالبات، قاومت بكل ما أوتيت من قوة وظللت أصرخ، والحمد لله لم يتمكن إلا من ملامسة أجزاء من جسمي... وبعد الحادثة، لم يتركني، فبقي طوال حصته التعليمية ينظر إليّ ويحاول التكلّم معي، حتى أن الطالبات لاحظن ما يحدث، وأُشيع في المدرسة بأن هناك علاقة تجمعني بهذا المدرّس، وعلمت بعدها أنه يفعل الأمر نفسه مع طالبات أخريات، حتى عندما شكوته لمديرة المدرسة، لم تتخذ موقفاً، وقالت لي إن ليس هناك دليل، وثمة فارق كبير في السنّ بيني وبين هذا المدرّس، وأنه يعاملني كابنته ليس أكثر، وطبعاً هذا الاستهتار الواضح من إدارة المدرسة يجعل المدرّسين يتمادون في تحرّشهم بالطالبات».

مدارس وجامعات آمنة
تقول مديرة الاتصال في مؤسسة «خريطة التحرش»، علياء سليمان: «نعمل من خلال مبادرة «مدارس وجامعات آمنة»، على التصدّي لظاهرة التحرش بالطالبات داخل المدارس، وهي أماكن من المفترض ألا تشهد حوادث تحرش، نظراً لقيمها ومبادئها، كما نعمل على توعية الطالبات والطلاب والأساتذة وحتى الموظفين والعاملين، بخطورة التحرش وندرّبهم على أن يكون لهم دور فاعل في القضاء على هذه الآفة، كما نقوم بأنشطة وورش دورية في المدارس والجامعات، للتذكير بضرورة مواجهة كل أشكال التحرّش بالطالبات».
وتضيف: «في عام 2014 أعددنا منشوراً للقضاء على التحرش في الجامعات، وتبنت جامعة القاهرة هذا المنشور رسمياً، فمن خلاله نطالب بوضع قوانين صارمة لمواجهة التحرش في المراكز التعليمية، وإنزال أشدّ العقوبات في من يرتكب مثل هذه الأفعال المشينة، كما نقوم بتجنيد متطوعين ومتطوعات من داخل المدرسة أو الجامعة نفسها ونبقى على تواصل دائم معهم للتأكد من سيادة الأمان داخل المؤسسة التعليمية، والوقوف الى جانب الطالبات في حال تعرّضن للتحرش».

الأخطر
تؤكد الدكتورة رباب الششتاوي أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، أن ظاهرة التحرش عالمية، وتختلف درجاتها من دولة الى أخرى باختلاف «منظومة الأخلاق» فيها، فكلما كان هناك «أزمة أخلاق وقيم» زاد التحرش والعكس صحيح، وتزداد المأساة إذا انتقل التحرش من الشارع إلى حقل التعليم، خاصة في المرحلة التي يكون غالبية الطلاب فيها من المراهقين.
وتُنبّه الدكتورة رباب إلى أن أخطر أنواع التحرش هو ما يصدر من الأساتذة باعتبارهم القدوة للطلاب والطالبات، فيُهدم هذا المثل الأعلى بتصرفات صبيانية أو مراهقة متأخرة أو ما يطلق عليه «أزمة منتصف العمر»، وهي مرحلة يحاول فيها المعلّم الأربعيني والخمسيني «التصابي»، ويعبّر عن ذلك من خلال التحرش، وهذا الأمر لا يقتصر على الطالبات فقط، بل يطاول المعلمات أيضاً.
وتختتم الدكتورة رباب كلامها مؤكدةً أن المعلم الذي يتحرش بطالباته يكون في الغالب يعاني كبتاً جنسياً وخللاً في منظومة القيم وعدم الإحساس بالمسؤولية في إعداد أجيال صالحة، ولذلك فهو عضو فاسد يجب بتره وإبعاده من منظومة التعليم، مهما بلغت كفاءاته العلمية، لأن التربية والأخلاق يسبقان التعليم، وفاقد الشيء لا يعطيه.

عبرة لمن يعتبر
تحلّل الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الظاهرة قائلةً: «فتّش عن الخلل الذي أصاب منظومة التربية والتعليم، بدءاً من الأسرة التي تعاني حالات تحرش لا بل تشهد علاقات محرّمة بين المحارم، وصولاً الى الخلل في المدارس والجامعات، بحيث لم يعد فيها لا تعليم ولا تربية، وإذا تهدّمت هذه الأسس فلن نستبعد تحول «المعلم» من قدوة إلى «ذئب» مفترس لغياب الوازع الديني والأخلاقي عنده.
وتحذّر الدكتورة سامية من تحول قطاع التعليم إلى «بيزنس»، بعد أن سيطرت عليه المادة وتحول «المعلم الأمين» إلى «تاجر جشع»، لا يكتفي بابتزاز أولياء الأمور في أموالهم، وإنما امتد الأمر إلى أعراضهم من خلال التحرش ببناتهم، ويلعب الإعلام المتفلت دوراً كبيراً في تحطيم القيم والأخلاق، وتكون النتيجة الانتقال من سيئ إلى أسوأ.
وتطالب الدكتورة سامية بضرورة إقصاء المعلم غير الأمين في أي مرحلة تعليمية، لأنه عضو فاسد ومخرب أخطر من الإرهابي والمتطرف، ذلك أن الانحلال الأخلاقي لا يقل خطورةً عن التطرف الديني والفكري، ولهذا لا بد من الردع من خلال سنّ قوانين صارمة، وإنزال العقوبة بكل من تسوّله نفسه التحرش، وفي الوقت نفسه تشجيع الطالبات على التبليغ عن أي فعل لا أخلاقي يرتكبه معلم لفضحه، وليكون عبرة لمن يعتبر.