بين الطبع والتطبّع... إنه العنف عند الطفل

ديانا حدّارة 11 نوفمبر 2017

في مواجهة طفل يصرخ ويضرب، يتصرف بعنف، لا يعرف الكثير من الأهل كيف يتصرفون معه، هل يعاقبونه؟ هل يقابلون عنفه بعنف مضاد؟ ولماذا يتصرف الطفل بعدوانية؟ ومتى يكون عنفه مقبولاً؟ ومتى يصبح سلوكًا خطرًا على الطفل نفسه؟ وكيف يمكن تفسير العنف عند الطفل؟

هل العنف طبع أم تصرف مكتسب؟
كل طفل لديه لحظات يتصرّف خلالها بعنف، خصوصًا عندما يكون صغيرًا جدًا. فالطفل الذي لم يكتسب بعد الكلمات الضرورية ليعبّر عن حاجاته، لديه ميل ليركل أو يعضّ.
إذ يجب أن يضع الأهل في بالهم دائمًا أن الأطفال يتصرّفون بالوسائل المتاحة لهم، والتي توفر لهم الاستجابة الفورية لطلباتهم، التي يسألون الراشدين عنها. وتصرفهم هذا ليس رهيبًا في حد ذاته، وإنما يحوّله الراشدون إلى سلوك يمارسه الطفل.
فإذا كان في كل مرة يرتكب الطفل حماقة يُصفع، سوف ينتهي به الأمر إلى الاعتقاد بأن الصفع هو رد الفعل الطبيعي عندما لا نكون سعداء. وفي المرة المقبلة التي لا يكون فيها الطفل سعيدًا سوف يعبّر عن ذلك بالضرب.
لذا فإن تصرف الطفل بعنف لم يأتِ من لا شيء، بل هو يرى أو يتعرض للعنف، وبالتالي يقلّد الآخرين ويتصرف على أساس أن العنف مسألة طبيعية نعبّر من خلاله عن مشاعر الانزعاج والغضب.

هل يمكن القول إنه طفل قاسٍ؟
القسوة هي فعل مبني على الإصرار. فيما الأطفال الذين يتصرفون بعنف هم أطفال يعانون ألمًا شديدًا. وهناك أسباب كثيرة لذلك، وغالبًا ما يكون مصدرَها اختيارات أو قرارت أو أحداثٌ فُرضت عليهم وكان الراشدون سببها مثل قدوم مولود جديد أو مشكلات أو شجار بين الزوجين.
إذًا هناك دائمًا سبب وراء تصرف الطفل بقسوة وعنف، وفي كل الحالات فالعنف أو القسوة جرس إنذار ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد.
فالأطفال الذين لا يشعرون بالأمان، ويعانون في داخلهم، يستجيبون للسخط الكامن في أنفسهم فيكونون عنيفين إما تجاه أنفسهم أو تجاه الآخرين. فهم يشعرون بحزن وألم شديدين يتحوّلان إلى غضب موجّه إلى العالم المحيط بهم.

كيف يجدر بالأهل التعامل مع التصرف العنيف الذي يقوم به ابنهم؟
منذ أن يلاحظ الأهل تصرفًا عنيفًا، عليهم فورًا وضع حد ومن دون شروط. فالطفل الذي يتصرف بعنف بحسب اختصاصيي علم نفس الطفل، هو في خطر، وعلى الأهل منعه من ذلك تمامًا مثلما يتصرفون بسرعة لتجنيب طفلهم خطر الصدمة الكهربائية حين يمسك بشاحن كهربائي.
فهم سيحذّرونه ويقولون له «لا» ممنوع اللمس بشكل قاطع، رغم أنه يحاول لمس الشريط الكهربائي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التصرف العنيف إذ يحاول الطفل أن يختبر رد فعل أهله، ومسؤوليتهم هنا في ردعه، والقول له: ممنوع التصرف بعنف.

هل يجب معاقبته؟
يجب البدء بتحذير الطفل: «من الآن فصاعدًا لن يمر هذا التصرف العنيف من دون عقاب»، ومن ثم عليهم الالتزام بتحذيره بشكل نهائي، والتمسك بالوعيد وبأنهم سيعاقبونه، فمن الضروري المحافظة على صدقية السلطة في نظر الطفل.
ومن ثم فدرجة العقاب يجب أن تكون مناسبة لسن الطفل. مثلاً عندما تطلب الأم من طفلها الصغير أن يجلس على الكرسي ربع ساعة من دون حراك لأنه تصرّف بشكل سيئ، فإن هذا الطفل يشعر بأن ربع الساعة هذا دهر، لأنه لا يفهم بعد معنى الزمن، لذا يعود ويتصرف بعدوانية، لذا على الأم أن تعاقبه عقابًا منطقيًا، كما يجب أن يكون مرتبطًا بالفعل السيئ الذي قام به، أي معاقبته على تصرفه السيئ وليس لأنه ولد سيئ.
فغالبًا ما يخلط الأهل بين التصرف وشخصية الطفل. فهناك فارق بين القول له «أنت ولد سيئ»، والقول له «تصرفك كان سيئًا».

كيف يجدر بالأهل التصرف تجاه السلوك العنيف المتكرر؟
في السنوات الأولى من حياته، يكتشف الطفل أنه لا يملك العالم المحيط به، وبالتالي لا يمكنه املاء إرادته ورغباته عليه، وأن عليه الخضوع لقواعده التي لم يخترها، وكذلك فهذا الطفل لا يفهم هذه القوانين والقواعد، والتي يظن أنها غير عادلة.
وحتى سن الثالثة يعبّر عن توتره بتطوير بعض أشكال أو مظاهر العدوانية. وبعد سن الثالثة تخف هذه العدوانية تدريجًا، أما إذا استمرت وتحوّلت إلى عنف، فمن المهم تفهّم الأسباب لمساعدة الطفل على السيطرة على مشاعره.

ما هي مراحل العدوانية؟
يعبّر الطفل ما دون السنتين عن عدوانيته بالركل أو اللكم. فهو في سن لا تسمح له بعد بالتعبير عن رغباته ومشاعره بالكلام. وعند بلوغه حوالى السنتين يبدأ بمرحلة الـ «لا».
فالطفل يعلن استقلاليته وقدرته على تدبّر شؤونه، ويردّ تلقائيًا بكلمة «لا» عندما يكون غاضبًا أو متوترًا.
وفي الثالثة تقلّ العدوانية الجسدية لأن الطفل يفهم سلطة الكلمات وقوتها، فيطوّر العدوانية اللفظية، ويعتمد على مبدأ التفاوض والتهديد ويحدّد طريقه في الكلام.
أمّا إذا استمر الطفل بعد سنه الثالثة في عدوانيته، وتحوّل إلى عنيف مع والدته وأصدقائه، وكذلك تجاه نفسه، فهذا ربما يكون مؤشراً لألم داخلي يشعر به، والذي يجدر بالأهل معرفة سببه، فإذا عرف السبب بطُل العجب، فتفهّم تصرف الطفل العنيف يرشدهم الى كيفية التعامل معه ومساعدته على التخلص منه.

ما هي أسباب العدوانية؟
هناك أسباب عدة للعدوانية والعنف. فعندما يكون الطفل عنيفًا في تصرفاته فربما يشعر بأنه مهمل ولا أحد يكترث له، ويشعر بنقص في اهتمام أهله.
على سبيل المثال، عند مجيء مولود جديد، قد يكون هذا الصغير مصدر قلق وتوتر لشقيقه. وبالتالي فإنه يتصرف بغضب وعدوانية ليلفت الانتباه إليه. وكذلك عندما تكون ثقته بنفسه ضعيفة فإنه يدافع عن نفسه بأسلوب الهجوم.
كما أن نشوء الطفل في محيط عائلي تسيطر عليه الصراعات، والأجواء المتوترة والعلاقات غير الجيدة بين الإخوة، فإن كل هذا يبدو له مؤشرات إلى أن العدوانية جزء طبيعي في الحياة. ويمكن أيضًا أن يفهم أن الراشدين قد يخضعون عندما يتصرف معهم بعنف، وهذا يعزّز تصرفه.
كما يمكن أن يكون سبب العدوانية معاملة سيئة يتعرض لها الطفل، أو فشل في الدراسة، وكذلك إذا كان الوالدان غير قادرَين على الشرح لابنهما أبسط قواعد الحياة، وأخيرًا قد يكون العنف وسيلة تعبير عن وجوده وهويته.

                       
نصائح لمساعدة الطفل على التخلص من السلوك العنيف

الشرح للطفل بوضوح وحزم قوانين الحياة: عندما يتصرف الطفل بعنف، على الأم أن تجعله يفهم بوضوح وحزم، ولكن بهدوء، أنها غير راضية عن تصرفه هذا، وأنه تصرف ليس حسنًا. ومن ثم تشرح له أهمية القواعد والقوانين التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة الاجتماعية، ومن ثم تبيّن له أنها تطبّق على الجميع بمن فيهم هي ووالده.

تبنّي التصرف الهادئ: من المعلوم أن الطفل يقلد ويتماهى بالراشدين المحيطين به. لذا على الأهل التصرّف بهدوء في حال كانوا يخالفونه الرأي أو يخالفون آخرين. فهو سوف يستنتج بنفسه أن العدوانية ليست الحل الوحيد للصراعات.

اللعب مع الطفل لعبة تبادل الأدوار: لجعل الطفل يفهم أن سلوكه غير لائق، يمكن وضعه في موقف لعبة تبادل الأدوار، مما يضع كل شخص في موقف الآخر، وبالتالي سوف يتفهم مشاعره. ثم تطرح الأم الأسئلة: مثلاً ماذا كان على الشخص أن يفعل؟ هل يحق له أن يغضب؟ لو فعل كذا وكذا، هل كان سيغضب؟

تسجيله في نشاط رياضي: يمكن الاقتراح على الطفل القيام بنشاط رياضي أو فني، وهذه وسيلة جيدة لتقنين الطاقة الموجودة لديه، وتساعده في تفريغ كل مكبوتاته.

مدحه على السلوك الجيد: كثيرًا ما يتعرّض الطفل الذي يتصرف بعنف للنقد والإدانة بدل المدح. فيما على الأهل ألا ينسوا أن تهنئته أو مدحه عندما يتصرف بشكل لائق في موقف ما، كان من الممكن أن يجعله متوترًا وغاضبًا. فتشجيعه على تطوير سلوكه نحو الأفضل ومحاولته التخلص من التصرف العنيف، يسمحان له باستعادة الثقة بنفسه، ويعزّزان التغييرات الإيجابية في تصرفاته.

تخصيص وقت للجلوس معه: من المهم أن تحاول الأم مشاركة طفلها لحظات هدوء ومنحه كل اهتمامها، فتصغي إليه، وتسمح له بالتعبير عن نفسه، وتساعده على تحديد مشاعره بالكلمات، فهذا يساهم في الحد من عنفه، ويسمح للأم بفهم أسباب تصرفه العنيف.