The Royal Family العرش البريطاني: حكاية صمود وإصرار على العصرية

جولي صليبا 09 ديسمبر 2017

أكثر من خمسة وستين عاماً مضت على تولي الملكة إليزابيت الثانية زمام العرش البريطاني، متخطية بذلك الرقم القياسي الذي سجلته الملكة فيكتوريا في القرن التاسع عشر. لكن العرش البريطاني تبدل كثيراً بين قرن وآخر، وبات عصرياً وشعبياً جداً في القرن الحادي والعشرين، مع حفاظه طبعاً على المبادئ الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها في البروتوكول الملكي.


تظهر استطلاعات الرأي التي تجرى في بريطانيا أن 70 في المئة تقريباً من البريطانيين يعتبرون النظام الملكي جيداً للبلاد، مما يعني أن الشعب البريطاني بمعظمه راضٍ عن العائلة الملكية الحاكمة وأدائها. وهذه نتيجة مذهلة حتماً بالنسبة إلى ملكة تحكم بلادها منذ خمسة وستين عاماً تقريباً.


ما سرّ صمود العرش البريطاني؟

حتى القرن الثامن عشر، كانت معظم الدول الأوروبية تعتمد النظام الملكي. إلا أن بريطانيا كانت من أولى الدول الأوروبية التي ألغت هذا النظام. بعد الحرب الأهلية، بدءاً من العام 1649، أصبحت انكلترا جمهورية عرفت باسم الكومونويلث. لكن في العام 1660، قرر البرلمان استعادة النظام الملكي على أن يكون تحت وصايته. بالفعل، أطلق البرلمانيون «الثورة المجيدة» عام 1688 وطلبوا من الأمير الهولندي غيوم دورانج استلام العرش البريطاني، على أن يكون الحكم الملكي خاضعاً لوصاية البرلمان. ولا شك في أن هذا الأمر كان أحد أسرار صمود العرش البريطاني.

في بداية القرن التاسع عشر، شهد العرش البريطاني بعض الأوقات العصيبة أثناء حكم الملكين جورج الرابع وويليام الرابع، لكن لم تحدث زعزعة كبيرة في العرش. وعند حصول الثورة الفرنسية عام 1848، لم يشأ البريطانيون التخلي عن ملكتهم فيكتوريا، التي لم تكن تملك أية سلطة حقيقية.

في العام 1952، بعد سبعة أعوام على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصلت حفيدة الملك جورج الخامس، إليزابيت، إلى العرش، ولا تزال الملكة الحاكمة حتى كتابة هذه السطور.

يعتبر البريطانيون أن العائلة الملكية بعيدة كل البعد عن الضوضاء السياسية، وتكتسب قيمة عظيمة لا يستطيع أي رئيس جمهورية بلوغها. وقد أصبحت الملكة إليزابيت الثانية بمثابة جدة لكل البريطانيين الذين يعبرون عن رضاهم وفخرهم بكل ما أنجزته الملكة طوال سنوات حكمها رغم تقدمها في العمر.


عائلة ملكية شعبية

تعتبر الملكة إليزابيت الثانية، والأمير ويليام وزوجته كايت، والأمير هاري من أكثر الأشخاص شعبية في بريطانيا، وربما في العالم أجمع.

لم تكن الملكة إليزابيت شعبية كثيراً في السابق. فعند موت الأميرة ديانا، فقدت العائلة الملكية الكثير من الهيبة. وعند مقارنتها بالأميرة ديانا، بدت الملكة إليزابيت باردة وبعيدة عن الناس. احتاجت العائلة الملكية إلى ثلاث أو أربع سنوات لإعادة تلميع صورتها واستعادة تعاطف البريطانيين.

في المستقبل القريب، سيأتي وقت تتخلى فيه الملكة إليزابيت عن العرش البريطاني ليستلمه خلفها. لا شك في أن الأمير تشارلز، ابنها البكر، هو من سيخلفها. لكن الأمير تشارلز بات اليوم في عمر 69 عاماً، أي في عمر يرغب فيه معظم الأشخاص في التقاعد والاستراحة. فهل يستلم الأمير تشارلز زمام العرش ويصبح الملك الجديد، أم يتخلى عن العرش لصالح ابنه الأمير ويليام؟

تظهر استطلاعات الرأي الحديثة أن معظم البريطانيين يفضلون انتقال العرش مباشرة من الجدة إليزابيت إلى الحفيد ويليام. فالأمير الشاب يحظى بشعبية كبيرة، ويدرك الشعب البريطاني أنه إنسان كفوء وجدي، وقادر على استلام العرش البريطاني بجدارة.

ولعل الشعبية التي يحظى بها الأمير ويليام تعود إلى عائلته الصغيرة التي كوّنها مع زوجته كايت، دوقة كامبريدج. يحذو الأمير ويليام حذوه والدته الأميرة ديانا لناحية أسلوبه الودي في التعاطي مع الأشخاص، وإصراره على مناصرة الضعفاء والمعوزين. ولا يتوانى الأمير ويليام عن التبرع بالملايين لمساعدة الجمعيات الخيرية، معززاً بذلك مكانة العرش البريطاني الذي يعود إلى ثلاث مئة عام.


الأميران ويليام وهاري... أفضل مثال للعصرية

لم يتوان الأميران ويليام وهاري عن الوقوع في حب امرأتين من عامة الشعب. فقد أغرم الأمير ويليام بكايت ميدلتون، التي درست تاريخ الفن في اسكتلندا في جامعة سان أندروز، حيث التقت بويليام عام 2001. تزوج ويليام وكايت في 29 نيسان/أبريل 2011، وقد منحت الملكة إليزابيث الثانية حفيدها الأمير ويليام وعروسه كايت لقب دوقة ودوق كامبريدج.

لكايت تأثير كبير في الموضة البريطانية والأميركية، بما اصطلح على تسميته «تأثير كايت ميدلتون». وفي العام 2012، تم اختيار كايت كواحدة من «أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم» من قبل مجلة تايم.

أما الأمير هاري، الملتزم تماماً بواجباته الملكية وبكل أصول البروتوكول، فيستفيد أيضاً من حياته الشخصية. وقد وقع منذ عام تقريباً في غرام الممثلة الأميركية ميغان ماركل، على رغم كونها مطلقة. فقد كانت ماركل متزوجة من تريفور إينغلسون، الذي واعدته منذ العام 2004 وتزوجته في 10 أيلول/سبتمبر 2011. لكنهما انفصلا في أيار/مايو 2013 وجرى الطلاق الرسمي في شهر آب/أغسطس 2013.

التقى الأمير هاري بحبيبته ميغان ماركل في تورونتو، كندا، خلال دورة ألعاب Invictus Games. وكانت العلاقة بين هاري وميغان جدية للغاية، بحيث أعلن القصر الملكي خطوبة الشابين في شهر نوفمبر على أن تتم مراسم الزفاف في ربيع 2018. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن موافقة الملكة إليزابيت على زواج حفيدها الأمير هاري بسيدة مطلقة هو بحد ذاته دليل على مدى الانفتاح الذي بات سائداً في العائلة الملكية البريطانية.

تجدر الإشارة إلى أن الأمير هاري أكد مراراً أن أفراد العائلة الملكية مستعدون جميعاً لأداء واجبهم. ويسعون كلهم إلى إضافة الطابع العصري على العرش البريطاني. «نحن لا نفعل ذلك من أجلنا فقط، وإنما من أجل رفاهة البريطانيين جميعاً».