في اليوم العالمي لسرطان الأطفال...
آثار نفسية, مركز سرطان الأطفال, الأعراض, علاج كيميائي, حياتك اليومية, العائلة, مشكلة / مشاكل مادية, خيارات المعالجة, الدراسة, ألم / آلام جسدية, المضاعفات, مكافحة السرطان, أمراض سرطانية
16 فبراير 2011الطفلة كريستينا طنّوس (3 سنوات)
عندما رأيت طفلة الثلاث سنوات كريستينا الملقّبة بـ «أميرة المركز» بابتسامتها الجميلة وشعرها الأشقر الجميل، لم تبد لي مريضة، خصوصاً في ظل الأجواء الفرحة التي تم تأمينها للأطفال. وقد تم تشخيص المرض لدى كريستينا قبل سنتين وباتت في مرحلة أكثر سهولة من العلاج لمدة سنة باقية. بدت مفعمة بالحيوية ولا تهدأ فيما تلعب بكل الألعاب التي وضعت أمامها مع رفاقها الصغار في المركز. وقد بدت متحمسة للتصوير فهي تعشق الصور لكن والدتها فضلت عدم تصويرها. بدت والدة كريستينا هادئة بعدما تخطت ابنتها المرحلة الصعبة للمرض، فقد تم تشخيص المرض لدى الطفلة وسنّها لا تتخطى سنة وشهرين ولا تزال أمامها سنة واحدة قبل انتهاء العلاج.
- كيف ظهرت أعراض المرض على كريستينا؟
في تلك المرحلة، كنا نعيش في أبو ظبي حيث مكان عمل زوجي. لاحظت خلال فترة معينة اصفراراً في وجه كريستينا وشحوباً كما بدأت تفقد الشهية وارتفعت حرارتها. وكان قد أجري لها لقاح وبعده بشهرين ظهرت هذه الأعراض. أجريت لها فحوص كفحص بول وغيره من التحاليل خلال فترة إلى أن أجري لها فحص دم تبيّن فيه أنها مصابة بسرطان دم. عدنا مباشرةً إلى بيروت لتتلقى كريستينا العلاج المناسب.
- كيف كان وقع الخبر عليكم؟
شكل الخبر صدمة كبيرة لي، خصوصاً أني أنجبت كريستينا بعد طول انتظار وكنت متعلّقة بها كثيراً فهي طفلتي الوحيدة. لذلك شعرت بأن الحياة انتهت بالنسبة إلي وأن لا شيء سيعود كالسابق.
- هل بدأت العلاج مباشرةً بعد تشخيص الحالة لديها؟
صحيح أننا عدنا إلى لبنان ما أن تم تشخيص حالتها، ودخلت مباشرةً مركز معالجة سرطان الأطفال، لكن حالتها كانت سيئة جداً ودخلت العناية الفائقة حيث مكثت يومين وبدأت جلسات العلاج الكيميائي المكثفة مباشرةً ومكثت في المستشفى شهراً كاملاً. بعدها صارت تخضع لجلسة علاج مرة كل أسبوع.
- هل عانت كثيراً من مضاعفات العلاج الكيميائي؟
كانت تعاني كأي شخص آخر من مضاعفات العلاج كالتقيؤ وتساقط الشعر والأوجاع وارتفاع الحرارة. لكنها كانت تعطى الأدوية لتخفيفها. أما الآن فبعد أن أصبح العلاج أسهل صارت تتقبله بسهولة كبرى، وكونها أصبحت تعرف أن تعبر تقول إن بطنها أو ظهرها يؤلمها.
- وأنت كأم كيف كنت تحاولين التخفيف عنها؟
في الواقع كانت كريستينا في سن صغيرة جداً ولا يمكن فعل الكثير لأخفف عنها. كنت أقف حائرة دون أن أجد سبيلاً لمساعدتها. كنت أنتظر تعليمات الأطباء وليس بيدي إلا العاطفة والحنان للتخفيف عنها، خصوصاً أنها في سنها لم تكن تدري ما يحصل لها وهذا ما كان يؤلمني أكثر.
- أين أصبحت الآن من العلاج؟
تحسنت حالتها الآن وتبقى أمامنا سنة واحدة. لكن العلاج صار أسهل والجرعات أخف ولم تعد تعاني كالسابق. حتى أن نسبة تساقط شعرها صارت أخف ونموها أفضل. ففي المرحلة الماضية كان نموها بطيئاً بسبب المرض والعلاج.
- هل تتقبل كريستينا بسهولة المجيء للمعالجة؟
كونها صغيرة في السن هي لا تدرك وضعها. ولا تعرف ما يحصل لها. كما أنها تنزعج من العلاج بنسبة أقل من السابق .على العكس تفرح بالمجيء إلى المركز حيث تلعب وتشارك في النشاطات الترفيهية. ومن الطبيعي ألا تنزعج لأنتها تأتي إلى المركز من الطفولة وقد اعتادت على ذلك وتجد فيه مكاناً للتسلية.
- كيف تم إرشادكم لكي تتعاملوا مع مرض كريستينا في المنزل؟
من البداية قدّمت لنا الممرضة بعض التعليمات والإرشادات الخاصة ومنها الحالات التي تستدعي الطوارئ كالأعراض الصعبة وارتفاع الحرارة. أما في حال تعرضها لأوجاع بسيطة معينة فيمكن أن نعطيها الParacetamol . كما تم تثقيفنا لنعرف طريقة التعامل مع كريستينا في المنزل. وإذا تعرضت لمشكلة بسيطة أتصل بالطبيبة لتعطيني الإرشادات عبر الهاتف.
تعتبر وطأة السرطان صعبة على الكل، لكن عندما يتعلّق الأمر بطفل صغير لا حول له ولا قوة، يصعب تقبّل الأمر، خصوصاً بالنسبة إلى الأهل الذين يبدو لهم أن الحياة قد توقفت ما أن عرفوا أن طفلهم مصاب بمرض خبيث. مرحلة الفحوص والعلاج والمستشفيات تشكل عبئاً مهماً على العائلة من النواحي النفسية والجسدية والمادية. في المقابل، ينسى الأهل كل المعاناة والعذاب ما أن يشاهدوا ابتسامة جميلة من طفلهم الذي يعيش تجربة صعبة. لكن في الوقت نفسه يؤكد الأطباء أن الطفل هو بالفعل أقوى مما نتصوّر فهو يعي ما يحصل له ويتقبله بتفاؤل وأمل، خصوصاً بوجود من يدعمه ويحيط به ويشجعه، فعندها يمد أهله بالقوة. كما يطمئن الأهل عندما يعرفون أن 7 من 10 أطفال مرضى بالسرطان يشفون.
لمناسبة اليوم العالمي لسرطان الأطفال في 15 شباط/فبراير، زرنا مركز سرطان الأطفال في لبنان Children's Cancer Center of Lebanon لمعالجة سرطان الأطفال في بيروت حيث قابلنا أهالي أطفال يتلقون العلاج في أجواء تطغى عليها الألوان والترفيه واللعب ليتخطوا هذه المرحلة الصعبة في حياتهم بذكريات جميلة تبقى لديهم بدلاً من تلك التي يمكن أن يتركها الألم والعذاب. وعلى الرغم من ألم الأهل الصامت أمام آلام أطفالهم، بدوا شديدي التفاؤل وكلّهم أمل في أن تنتهي هذه المحنة ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
صلاح قصيباني (9 سنوات)
لا يزال صلاح في بداية الطريق، إذ لم يظهر المرض لديه إلا منذ 4 أشهر. عندما رأيته قادماً مع والدته باتجاهي شعرت بأسى شديد لرؤيته متألماً يكاد يعجز عن المشي بسبب آلام ظهره. جلس على الكرسي يسند نفسه إلى والدته التي بدت قوية جداً وموضوعية تنتظر مرور هذه المرحلة الصعبة في حياة العائلة حتى يشفى صلاح ويعود كل شيء كما كان.
- ما الأعراض التي لاحظتها والتي ساعدت على اكتشاف مرض صلاح؟
عندما ارتفعت حرارة صلاح لفترة طويلة ولاحظت اصفراراً في وجهه وبدأ يفقد شهيته، كما ظهرت لديه قشرة صفراء في فروة الرأس. استشرت أحد الأطباء الذي أكد لي أن صلاح لا يعاني أي مشكلة، لكني بطبيعتي أخاف كثيراً على أطفالي وأفضل أن آخذ أكثر من رأي واحد. ذهبت إلى طبيب آخر أجرى له الفحوص اللازمة ونصحني بأخذه إلى المستشفى. توجهت عندها إلى مركز معالجة سرطان الأطفال St Jude.
- هل كنت متفائلة منذ بداية اكتشاف المرض؟
لم أكن هادئة أبداً عندما تلقيت الخبر، بل كانت أكبر صدمة في حياتي.
- هل كان المرض في مرحلة متقدمة؟
كلا كان المرض في مراحله الأولى، ومكث صلاح في البداية في المركز شهراً ونصف الشهر. كانت عندها حالته مقبولة.
- هل كان العلاج مزعجاً وصعباً؟
لم ينزعج في البداية من العلاج ولم يشعر بأي أعراض بل تقبله بسهولة. وعندما يتألم يعطى أدوية خاصة تخفف الألم لكنه يتألم أحياناً من بطنه وظهره حيث يحقن. لكن في الجلستين الأخيرتين بدأ يتألم أكثر، وسيعطَى أدوية أقوى من تلك التي يحصل عليها.
- هل تبدل التعامل مع صلاح كونه مريضاً؟
المشكلة الكبرى التي واجهتها معه في البداية هي أنهم في المركز أفرطوا في تدليله فأصبح متطلباً ويريد كل شيء له ولا حدود لطلباته. كان هذا صعباً فأنا لا أريد أن أفسده بسبب مرضه، بل أريده أن يبقى طبيعياً كما ربيته. لذلك سرعان ما أصلحت الوضع بالحوار وتخطيته وأصبح كل شيء كالسابق.
- هل من إجراءات معينة اتخذتها في المنزل لحمايته بسبب مرضه؟
احرص على نظافة الأكل، كما أنفّذ التعليمات. فلا أعطيه إلا الأكل الطازج المحضر مباشرةً. مع الإشارة إلى أنه اصبح يفرط في الأكل ووزنه ازداد منذ بداية العلاج.
- هل أمامه مرحلة طويلة من العلاج؟
سيتسغرق العلاج ثلاث سنوات ونصف السنة.
عندها انتفض صلاح ونسي ألمه قائلا لوالدته إن العلاج قد لا يستمر طوال هذه الفترة. فأكدت له أنه إذا تحسن بسرعة يمكن أن ينتهي العلاج قبل ذلك. بدأ يشعر بالارتياح وكأن الألم قد زال بعصا سحرية وباشر الحديث معنا بذكائه الواضح في عينيه، وظهرت ابتسامته الجميلة التي زينت ملامحه الناعمة التي لم يؤثر فيها شحوبه الناتج عن المرض.
- هل يتابع صلاح الدراسة؟
لا يذهب حالياً إلى المدرسة لأني أخشى من أن يلتقط الأمراض، لكن في المقابل يتابع الدروس الخاصة في المركز حيث يتوافر الأساتذة ويخضع للامتحانات وهو متفوق في نتائجه فهو أصلاً من الأوائل في المدرسة ولا يزال كذلك . إنه مجتهد جداً ولم يتغير وهذا ما يسعدني.
- ألا يسمح له بلقاء الأولاد ليلعب معهم؟
عندما تكون مناعته مرتفعة أرسله ليلعب مع رفاقه فهو يفتقد ذلك. يذهب ليلعب كرة القدم التي يعشقها وغيرها من أنواع الرياضة.
هنا تدخّل صلاح بحيوية لافتة مشبهاً نفسه باللاعب الأرجنتيني ميسي مؤكداً أنه سيصبح لاعب كرة قدم معروفاً مثله تماماً. ويخبرني قصة ميسي الذي كان مريضاً مثله وعولج وبرع في كرة القدم. لذلك فهو يأمل في أن يصبح عندما يكبر لاعب كرة قدم، شارحاً أنه لا يفضل أن يكون لاعب هجوم. فوجئت بكل المعلومات التي يحملها صلاح في سنّه الصغيرة، خصوصاً في مختلف أنواع الرياضة وفرحت في الوقت نفسه لأن عشقه هذا ينسيه المحنة التي يمر بها والألم الذي يعانيه.
بلال الصفا (20 عاماً)
بدأت رحلة بلال مع المرض قبل 3 سنوات عندما ظهرت لديه أعراض تبين على أثر الفحوص أنها ناتجة عن إصابته بالليمفوما من نوع Hodgkin-s Disease . صحيح أن مشوار علاج بلال كان طويلاً، لكنه بدا شديد التفاؤل وينتظر بفارغ الصبر موعد انتهاء العلاج الذي بات قريباً لينهي دراسته الجامعية التي بدأها في فترة العلاج ويبدأ بالعمل لأنه لم يعد يريد الاتكال على أهله، كما قال. أما والدته فلم تتمكن من تمالك أعصابها وحبس دموعها، فمع كل سؤال تجهش بالبكاء عاجزةً عن قول كلمة، فيحاول بلال تهدئتها.
- كيف اكتشفت إصابتك بالليمفوما؟
كنت امارس الرياضة في أحد النوادي الرياضية، شعرت في إحدى المراحل بالتعب وأني ألهث وأعجز عن القيام بجهد قوي. كما بدأت ترتفع حرارتي واتعرّق ليلاً. أيضاً من أهم الاعراض التي عانيتها، والتي تبين لاحقاً أنها من أعراض Hodgkin-s Disease الأساسية، الحكاك في الساقين حتى النزف. وعندما أجرينا الفحوص وصورة للصدر، تبيّن أني مصاب بالمرض في مرحلة ثالثة.
- كيف تقبلت الخبر؟
كان وقع الخبر صعباً جداً علي، وشكل صدمة لي. لكني كنت آمل أن أشفى. وكانت المشكلة في الظروف الصعبة التي كنت فيها لوجودي في مستشفى غير مؤهل لمعالجة حالتي ويكثر فيه الكبار في السن. وكان الدواء يعطى لي في يدي فيسبب لي الألم بدلاً من إعطائه من خلال الجهاز، كما يحصل الآن في مركز معالجة سرطان الأطفال.
- هل كانت مرحلة العلاج صعبة عليك؟
كنت أخضع لجلسة علاج كيميائي كل أسبوعين أعاني بعدها الغثيان والتقيؤ وآلاماً في الساقين.
- هل تساقط شعرك من بداية العلاج؟
تساقط شعري بدءاً من الجلسة الثانية لكن ذلك لم يشكل مشكلة عندي. تقبلت الأمر ببساطة.
وهنا توضح والدة بلال أنها لم تتقبل مرض ابنها بسهولة، خصوصاً أن شقيقته أصيبت بالمرض نفسه قبل 5 سنوات وعولجت خلال ستة أشهر من العلاج الكيميائي ثم العلاج بالأشعة. وتقول: «كنا قد اكتشفنا حالة أخت بلال وقد أصابها المرض في الرئة، فتم استئصال قسم منها. وقد شكل ذلك صدمة كبيرة لنا». وتستغرب أن علاج بلال طال إلى هذا الدرجة وتتساءل لمَ اختلفت حالته عن حالة شقيقته التي كانت أصغر سناً منه عندما مرضت.
- هل قيل لكم إن المرض وراثي؟
بلال: يبدو أنه وراثي لأنه إضافةً إلى شقيقتي، ثمة حالات عدة في عائلة والدتي.
- هل كنت تخاف من أن يقضي عليك المرض؟
لم أكن خائفاً بل كنت آمل في الشفاء باستمرار.
- إلى أي مدى شكل المرض عائقاً في حياتك؟
لا شك أن روتين العلاج يشكل عائقاً، لكن خلال هذه المرحلة تابعت حياتي الطبيعية وتابعت دراستي ضمن المركز وحصلت على البكالوريا وبدأت دراستي الجامعية في اختصاص إدارة المستشفيات. وهذا ما ساعدني لأكون مرتاحاً نفسياً.
- في أي مرحلة من العلاج أصبحت الآن؟
أنهيت العلاج الكيميائي وبدأت جلسات الأشعة وتبقى لي 6 جلسات لأنهي علاجي نهائياً. انتظر بفارغ الصبر أن أنتهي من العلاج لأتابع حياتي وأنهي دراستي الجامعية وأعمل حتى لا أستمر في الاتكال على أهلي.