هل صحيح أن الكذب ملح الرجال؟

01 يناير 2018

دوافع الكذب لدى الناس كثيرة ومتنوعة، ومعظمها يكون للدفاع عن النفس إزاء خطأ ارتكب ولا يريد صاحبه ان يتحمَّل مسؤوليته، ومن الكذب ما ينطوي على غشّ للآخر أو اساءة إليه أو الى غيره، ومنه ما يسمى بـ «الكذب الأبيض» الذي لاتترتب عليه نتائج سيئة. والرجال والنساء يلجأون الى الكذب لأسباب متعددة. والبعض منهم يدمنونه ويتحول عندهم الى عادة. وموضوعنا في هذا التحقيق هو الكذب عند الرجل.
فمتى يكذب الرجل؟ ولماذا يكذب؟ وما هي أساليبه في الكذب؟ وماذا يقول علماء النفس والإجتماع والدين عن الكذب؟

لماذا يكذب الناس؟
من مصر يرى استشاري الطب النفسي الدكتور أحمد البحيري أن الكذب هو أحد الأدوات التي يحاول الإنسان التغلب بها على خوفه من شيء ما، كما أنه يُعبر عن ضعف في الشخصية وعدم القدرة على التواصل الإنساني بطريقة سليمة، وعادة ما يستخدم الإنسان الكذب لمداراة الأخطاء الموجودة والتي لا يقوى على معالجتها بالمواجهة.
ويفيد استشاري الطب النفسي بأن كذب الرجل، قد يكون مبرراً بمواقف سيئة وضع فيها، ولكن الصدق أفضل بكثير.
أما المشكلة الكبرى فهي أن يتحول هذا الكذب إلى حالة مرضية، كما يفيد البحيري، يطلق عليها في الطب النفسي مصطلح «كذب المنطق الخيالي». ومشكلة هذا المرض أن الإنسان من كثرة وقوعه في فخ الكذب لا يستطيع التفرقة بين الكذب والحقيقة، فهو كإنسان سوي قد يكذب لتحقيق مصلحة ما، لكن في مرحلة المرض يكذب دون أسباب. وهنا يجب التدخل الفوري لعلاج هذا المريض بجلسات وبرامج تأهيلية تشبه التربية النفسية، خاصة وأن مريض الكذب يعاني الآخرون من كذبه ويتعذبون بسببه.

ضعيف اجتماعياً
ومن مصر أيضاً يرجع أستاذ علم الاجتماع  الدكتور رفعت عبدالباسط أسباب الكذب لدى الجنسين إلى التنشئة الاجتماعية، فإنه يؤكد أن الكذّاب شخص ضعيف اجتماعياً وغير مقبول في المجتمع لأنه يزّيف الحقائق، مشيراً إلى أن الرجل من الممكن أن يكذب إذا وضع في موقف حرج فيكذب ليكون في مظهر لائق، ويبرر ذلك بأنه كذب أبيض. ويضيف: «المواجهة هي أفضل حل، وإذا كنا نقول الكذب نجاة فإن الصدق أنجى، والاعتراف بالحق فضيلة خاصة أن الرجل لا يكون سعيداً عندما يبرر لزوجته أسباب تأخره الواهية أو يبرر لأي شخص مواقف أخرى، وعلينا أن نتذكر أن الكذب ليس له ألوان».
ويرى عبد الباسط أن علاج الكذب يجب أن يبدأ من التنشئة الاجتماعية في الأسرة أولاً ثم المدرسة، مع الحفاظ على الوازع الديني، لأن جميع الأديان السماوية ترفض الكذب والكذّابين.

رد فعل طبيعي
وحول هذا الموضوع قالت اخصائية علم النفس السورية نجوى حيدر ان الكذب رد فعل طبيعي قد يكون ناتجاً عن الخوف، الخوف الناتج عن عدم قبول الناس والمجتمع لنا وهو يختلف باختلاف الاعمار والشخصية. ومن هنا تأتي الكذبة البيضاء، الكذبة غير المؤذية تجنبا لإغضاب الآخرين والخوف من زعزعة العلاقة معهم. ‏
وأوضحت الاختصاصية ان يكذب الفرد حتى يحبه الناس خصوصاً اذا كان يعاني من عقدة ما يولد لديه شعورابأنه أقل شأنا من غيره. لكنها أشارت الى ان هناك أنواعاً من الكذب أسبابه مرضية عائدة الى اضطرابات نفسية لكن هذا لايعني ان كل مريض يكذب. ‏
كما أنها أشارت الى ان الشخص الذي يبدأ حياته بالكذب ينتهي بالفشل والدمار مؤكدة ان الصدق هو افضل وسيلة للاستمرار في الحياة دون أزمات.

البيئة المتساهلة
ويرى الاختصاصي النفسي الاماراتي الدكتور عامر سعد الدين، «الكذب هو نتيجة الخوف، وهو سلوك يتعلمه الإنسان منذ طفولته وتحدده البيئة الاجتماعية التي ينمو فيها حينما يرى أن الكذب شيء مقبول في المنزل، فيعتقد انه أمر طبيعي. وهنا يجب على الأسرة أن تكون على وعي ودراية بسلوك أبنائها. أما الشخص الصريح إذا كذب فإنه يصاب بالاكتئاب نتيجة تأنيب الضمير. وبعض الأشخاص يكذبون فقط للكذب وليس لإخفاء شيء، وهو أخطر أنواع الكذب، والإنسان وهو في حالة الكذب يظهر عليه جفاف الحلق وابتلاع الريق».

الكذب في ميزان الدين: مرفوض شرعاً
الكذب هو الكذب سواء كان «أبيض أو أخضر أو برتقالياً»، فلا يوجد تصنيف للكذب. هكذا بدأت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية في جامعة الأزهر، حديثها عن الكذب.
وتابعت: «المرأة تكذب في بعض التفاصيل مثل إخفاء عمرها بإصباغ شعرها أو ببعض وسائل التجميل وبعض عمليات التجميل التي انتشرت في أوساط الفنانين وأصحاب المال والوجاهة، فأصبحت المرأة تُخفي عمرها الحقيقي، ولكن هذا من أنواع الكذب. أيضاً تحب المرأة التجمل أمام زوجها وتمعن في ذلك بشكل مبالغ فيه ببراعة فتلجأ إلى الكذب. وبعدما انخرطت المرأة في  العمل انعكس عليها ذلك بنوع من الجدية وتغير كذبها من القالب الرومانسي إلى شكل آخر تريد أن تكسب به رضا رئيسها في العمل، وهنا تستخدم قوة الاستشعار النسائية، ونجد ان الكذب ينتشر في أوساط العمل النسائية على حسب طبيعة كل امرأة وطبيعة زملائها ورؤسائها في العمل».
وتُكمل نصير: «كذب الرجل يكون أكبر من كذب المرأة، وغالباً المرأة تكذب في تفاصيل صغيرة، أما الرجل فيكذب في المواضيع والقضايا الكبيرة. وأحياناً يكذب الرجل عندما يصل إلى مرحلة المراهقة المتأخرة، وتكون له تصرفات غير مقبولة فيضطر للكذب بشأنها. لكن في كل الأحوال الكذب هو الكذب سواء كان من الرجل أو المرأة، وبغض النظر عن أسبابه فهو مرفوض شرعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «آيات المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان».