فنانة الأداء سماح حمدي: تحملت 100 جلدة حقيقية لأعكس معاناة المرأة في المجتمع الذكوري

فادية عبود (لقاهرة) 27 يناير 2018

«نظراتكم تخترق أجسامنا كالسهام، وتحكّماتكم الذكورية تقع على نفوسنا كالجلد بالسوط، فماذا لو تبادلنا المقاعد؟ هل ستكونون سعداء!»... كانت هذه رسالة فنانة الأداء سماح حمدي في عرضها «كرباج»، الذي تلقت فيه 100 جلدة بالسوط من جانب رجلين، ولكن هذه المرة لم تكن الأكثر جرأةً في أعمالها، بحيث إنها في باكورة إنتاجها لـ«عرض الأداء» ارتدت فستان زفاف لتجوب به شوارع القاهرة بدون عريس، وفي عملها الثاني سكنت في «بيت الكلاب» في حديقة الحيوان، لتقدم رسالة عن انقراض الجنس البشري. «لها» حاورت سماح حمدي التي أكدت أن المرأة العربية تُعامل من جانب المجتمع الذكوري كمواطن من الدرجة الثانية، فضلاً عن كونها ضحية عنف نفسي وجسدي في هذا المجتمع.


- في البداية، كيف تقدّمين نفسك؟
فتاة تعيش في مجتمع ذكوري ثائرة عليه، وحاصلة على بكالوريوس في ديكور المسرح عام 2009 بتقدير جيد جداً، وفي 2016 حصلتْ على ماجستير موضوعه «الصورة المرئية في عروض فن الأداء» بتقدير امتياز.

- فن الأداء الذي تقدمينه نوع جديد في مصر، ولكنَّ الكثيرين يخلطون بينه وبين المسرح أو فن الشارع، فما الفارق؟
صحيح أن فن الأداء جديد في مصر، لكنه ليس جديداً في العالم، وتحديداً الغرب، فهو ظهر في أوروبا وأميركا منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكنه ازدهر كثيراً في الستينيات. ورغم أن الكثيرين في مصر بدأوا يسمعون به أخيراً، إلا أن فن الأداء ظهر في مصر منذ التسعينيات، وكانت أسباب ظهوره في مصر والغرب متشابهة على المستوى الإنساني، حيث جاءت كنوع من الاعتراض والثورة، حيث إن الفنانين التشكيليين ملّوا من علاقتهم الخارجية باللوحة التي يرسمونها، والتي تنتهي بمجرد الانتهاء من الرسم. وفي المقابل، ملّ فنانو المسرح من المسرح الكلاسيكي، فكان فن الأداء هو الوسيلة الفضلى للتعبير بالنسبة إليهم. وسبب خلط الكثيرين بين فن الأداء والمسرح يعود إلى كونه فناً جديداً نسبياً في مصر، لكن الفارق بينهما كبير وواضح، ففي المسرح يلعب الفنان دور شخصية مكتوبة في سياق درامي لا علاقة بينها وبين شخصيته الحقيقية، أما في فن الأداء فالبطل غالباً ما يكون هو صاحب الفكرة ومخرجها، ويظهر بشخصيته الحقيقية وفي الزمن الحاضر، وكذلك يتحرر من الديكور، ويُقام العرض في مكان حقيقي من دون تأهيله، وبالتالي يكون الفعل نفسه حقيقياً، وله علاقة بشخصية المؤدي الحقيقية، ولكن بصورة تمس اهتمامات المشاهدين.

- لماذا اخترت تقديم عروض فن الأداء تحديداً؟ وهل لذلك علاقة بشخصيتك المتمردة؟
تعرفت على فن الأداء بالصدفة، ذلك عندما قررت تقديم عرض «هل لديكم رغبات أخرى»، وارتديت فستان زفاف لأجوب به شوارع القاهرة بدون عريس، مع رصد ردود فعل الناس عندما يرون الفتاة عروساً ترتدي فستان زفاف، فمارست حياتي الطبيعية في التنزّه والتجول في الشوارع والذهاب إلى العمل وركوب المواصلات العامة (الروتين اليومي) وأنا أرتدي فستان الزفاف. حينذاك كنت على علم بسيط بفن الأداء، ولكن ما دفعني الى تقديمه هو تجربتي الشخصية التي تمثّلت في إلحاح أهلي، وخصوصاً أمي على ضرورة زواجي، وأؤكد أن لفن الأداء علاقة وطيدة بشخصيتي، كما لا يمكنني القول إنني ثائرة ومتمردة على المجتمع، ولكنني أحب إعادة صوغ التقاليد والموروثات بما يتوافق مع قناعاتي وثقافتي.

- بناء على تأكيدك أن العرض يمس شخصيتك وتفكيرك، لماذا اخترت «بيت الكلاب» في حديقة الحيوان لتقدّمي فيه عرضك الثاني؟
للأمانة، عرض «كرباج» كانت فكرته موجودة أولاً، ولكن إحساسي بأن الإنسانية على وشك الانقراض، جعلني أقدّم عرض حديقة الحيوان أولاً، وكانت له علاقة بازدياد تعنيف الإنسان للحيوانات، خصوصاً قتل الكلاب وتسميمها في الشوارع، فالناس ينظرون بازدراء الى الكائنات الحيّة، ومن هنا جاءت فكرة أن يكون العرض في بيت الكلاب بالأسلوب المعاكس، وقد اخترت حديقة الحيوان تحديداً لأنها بالنسبة إليّ تمثّل فكرة رأسمالية تماماً، إذ يأخذون الحيوانات من بيئتها الطبيعية من أجل أن يشاهدها الجمهور ويدفع الأموال. ومن هنا قررت أن أعكس المشهد، وفي الواقع تعامل الناس معنا كما تعاملوا بالضبط مع الحيوانات في القفص، ولكن البعض رفض طريقة تعامل حارس الحديقة معنا وإرهابنا بالعصا التي يرهب بها الكلاب.

- كيف ترين حال المرأة في الوطن العربي؟
المرأة العربية في حال يرثى لها، فهي تعامل من المجتمع الذكوري على أنها مخلوق من الدرجة الثانية، أو أنها نصف كائن تحتاج الى وصي عليها، ولا يحق لها الاستقلال بحياتها، كما أن القوانين في الدول العربية لا تنصف المرأة على الإطلاق، فمثلاً قوانين جرائم الشرف في مصر والأردن وسوريا وفلسطين تناصر الرجل وتخفف من حكم القتل، حتى ولو كان الدافع للقتل هو الشك، وكذلك قوانين التحرش التي أُقرّت أخيراً في مصر تم تشريعها من أجل الوجاهة القانونية في المجتمع الدولي، والحقيقة أنها لا تُطبّق أبداً، فبمجرد أن تُمسك الفتاة بمتحرش وتذهب به الى قسم الشرطة، يتم نهرها ومساومتها أو إحباطها وطردها، لئلا تتقدم ببلاغ بسبب أنه لا يوجد شهود معها، وأحياناً تتعرض للتحرش داخل قسم الشرطة، وبالتالي حتى القوانين المُنصفة لا تطبّق. هذه الفكرة كانت معكوسة في عرض «كرباج»، حيث تضمنت رسالتي أن المرأة تتحمل أخطاء الجميع، ومن هنا جاءت فكرة صلب المرأة وجلدها في أثناء العرض.

- لماذا تؤكدين في كل تصريحاتك أن المجتمع ذكوري؟
لأن المرأة غير مُنصَفة على الإطلاق، لا في المنزل ولا في العمل ولا في القوانين، وإذا قررت الخروج عن سلطة المجتمع الذكوري، يُشاع عنها الانحراف الأخلاقي وتوصم بالعار.

- هل تصنّفين نفسك فنانة نسوية؟
البعض يصنفونني كفنانة نسوية، ولكنني أرفض ذلك، بسبب متاجرة البعض بالفن النسوي، فأنا أحبذ الخروج عن أي تصنيف، وأرغب في تقديم فن يسلّط الضوء على قضايا تمسّني كامرأة، سواء كانت القضية سياسية أو اجتماعية أو إنسانية، كما أعترض على تصنيف المرأة كائناً مختلفاً، رغم أنها إنسان يتأثر بكل الأحداث، فالسياسة مثلاً ليست حكراً على الرجال وحدهم، وبالتالي من الممكن أن أقدّم عروض أداء لها علاقة بالسياسة في حال تأثرت بها.


كرباج

- كيف استوحيت فكرة عرض «كرباج»؟
بصفتنا نساء، نمر بأوقات نفقد فيها قدرتنا على الخروج إلى الشارع ومواجهة المجتمع، وقد يصل بنا الأمر إلى الشعور بالرغبة في تكسير عظام الجسم، من دون سبب عضوي واضح، والسبب الحقيقي هو مقاومة الجسم للعنف النفسي الواقع عليه، فنحن كنساء نتعرض إلى نوعين من العنف: الأول جسدي والثاني ناعم وغير ملحوظ، يندرج تحت السلطة الأبوية الممارسة من الأهل أو الزوج أو الشريك لتأطير المرأة في قالبٍ ما يحبونه. لذا، أشعر بأن كل نوع من العنف الممارس ضدي كامرأة ينزل عليَّ كضربة السوط، ومن هنا جاءت فكرة عرض «كرباج» الذي قدمته على مدار يومين، حيث مسك رجلان في اليوم الأول للعرض أداة تعذيب ذكورية، وهي الكرباج ليجلداني 100 جلدة، وفي اليوم الثاني تبادلنا المواقف فرُبط رجل بالطريقة المهينة نفسها وجلدته بمساعدة فتاة أخرى 100 جلدة، وكانت الرسالة هي تبادل الأدوار... كرجل، ماذا لو تعرضتَ للعنف الجسدي الذي تتعرض له النساء؟ ماذا لو انتُهكت نفسياً بصورة يومية بسبب التحرش الجسدي واللفظي في الشوارع والمواصلات العامة، فهل ستكون قادراً على التحمّل؟ هل ستكون سعيداً بذلك؟ أم إن مشاعر الإيذاء لها وقع واحد على الإنسان، بغض النظر عن نوعه الاجتماعي؟

- كيف تحمّلت الجلد في «بروفات» العرض؟
في العادة، لا أقوم بأي بروفات، لأن عروض الأداء بشكل عام تعتمد على المشاعر الحقيقية التي هي وليدة اللحظة، والبروفات تفقدني الشعور الأول وتحيلني إلى نوع من التمثيل، بسبب توقع سيناريو العرض والضربات التي أتلقاها، ولكن في هذا العرض تحديداً تدرّبتُ على كيفية الضرب بالسوط، فهناك أماكن في الجسم لو تعرضت للضرب تؤدي إلى الموت، أو تسبب عاهات مستديمة.

- وكيف تحمّلت 100 جلدة حقيقية أثناء العرض؟
تحمّلتها بسبب إيماني بالهدف من العرض، ورغبتي في توصيل رسالة الى الجمهور.

- قسوتِ على نفسك في تلقي العنف في عرض «كرباج» على وجه التحديد، هل تعرضت للانتقاد بسبب ذلك؟
رغم الإشادات بأدائي، تعرضت للانتقاد ووُجهّت إليّ اتهامات بأنني مازوشية أتلذذ بتعذيبي، وكان بين الحضور طبيبة نفسانية وجّهت إليّ نقداً لاذعاً. وفي الحقيقة، أنا على استعداد تام لتلقي الألم طالما أنه سيترك تأثيراً قوياً في المشاهد، جراء قضيتي المجتمعية، وفي العرض المقبل سأتلقى تعنيفاً أقوى من ذلك بكثير. صحيح أنني قسوتُ على نفسي، ولكن الألم الجسدي يزول بعد فترة، أما الألم النفسي فيكون وقعه أقوى ويرافق الإنسان فترة أطول. وبسبب تلك القسوة، انتقدني البعض مؤكداً أن الفكرة كان من الممكن أن تقدم بعرض أقل عنفاً، ولكن عرض الأداء يمثل تجارب الممثل ذاته ومشاعره، وأنا كسماح حمدي تعرضت لتجارب حياتية أكثر حدةً وألماً، وبالتالي كان لا بد لي من أن أنقل مشاعري إلى الجمهور من خلال هذا العنف.

- إلامَ تطمحين؟
أطمح إلى تعليم فن الأداء لأجيال تصغرني سناً، لكي يعبّروا عن أنفسهم، فهذا الفن هو وسيلة لسماع أصوات الأقليات.