لذوي الاحتياجات الخاصة حقوق وواجبات «متلي ومتلك» رسالة ترفض فكرة الاختلاف

كارين اليان ضاهر 04 فبراير 2018

حتى اليوم، وعلى الرغم من التقدم الحاصل على صعيد الحقوق المتعلّقة بذوي الاحتياجات الخاصة، لا يزال الطريق طويلاً في مجتمعاتنا. صحيح أنه تم تأمين تسهيلات كثيرة لهم لحظها القانون، لكن القوانين الخاصة بهم لا تزال تطبّق بشكل ناقص، من دون أن ننسى الذهنية السائدة في مجتمعنا والتي تركز على اختلافهم فترمقهم بنظرات شفقة تؤذيهم بدلاً من أن تقدّم لهم الدعم. مؤسسة «سيسوبيل» تأخذ على عاتقها دعم هؤلاء الأشخاص ليعتمدوا على أنفسهم وينخرطوا بفاعلية في المجتمع. ورغم تحقيق الكثير حتى الآن، يبقى ذوو الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى الكثير من التسهيلات التي لا بد من تأمينها لهم، إضافة إلى حاجتهم إلى تغييرات في العقلية السائدة واعتبارهم أفراداً في المجتمع لهم حقوقهم وواجباتهم.


الشاب إيلي طوق: «أعيش انطلاقاً من اختلافي وإعاقتي ساعدتني لأكتشف الإنسان في داخلي وأركز عليه»

يبدو الحديث مع إيلي طوق (30 سنة) الذي قرر منذ سنوات أن يكون الناطق باسم مؤسسة «سيسوبيل» لدعمها له طوال سنوات طفولته وتشجيعه ليكون عضواً فاعلاً في المجتمع، كفيلاً بتزويدك بالإيجابية التي يمكن أن يحتاج إليها أي إنسان في حياته. ولد إيلي وهو يعاني شللاً دماغياً نتيجة ولادته المبكرة، إلا أن إعاقته الجسدية التي تعتبر متوسطة لم تؤثر أبداً في قدراته الفكرية التي تميّز بها. انضم إيلي إلى أسرة «سيسوبيل» وهو في عمر السنتين، وبدأت رحلته مع أفرادها فيما كان يتبع كل البرامج التربوية والاجتماعية المتاحة حتى يطوّر قدراته. أما اليوم فهو يعمل في المؤسسة في قسم الزوّار والمتطوعين. وعن المراحل التي مر بها، يقول إيلي: «لا بد لي من الاعتراف بأن حالتي أثّرت فيّ من الناحية النفسية في مرحلة الطفولة التي كانت صعبة. لطالما تساءلت عن سبب إعاقتي هذه وعن عدم تمكني من اللعب وعيش طفولتي كباقي الأطفال الطبيعيين. تأثرت كثيراً لدرجة أنني كنت أتساءل أحياناً عن معنى حياتي وما إذا كانت تستحق أن أعيشها وأتسبّب لأهلي بكل العذاب نتيجة إعاقتي هذه. كنت أشعر وكأني عبء على العائلة. لكن بفضل «سيسوبيل» كل الأمور تغيّرت، فقد وجدت فيها عائلتي. ذلك أنهم رغم إعاقتي ساعدوني وأحاطوني بعاطفتهم واهتمامهم حتى أتخطى المرحلة الصعبة التي مررت بها في طفولتي، وحتى يزيدوني قوةً وعزماً لأنخرط بالمجتمع بفاعلية وأتأقلم معه».

لكن حتى يصبح إيلي بهذا العزم والإرادة، لم تجر الأمور بطريقة تلقائية وسهلة، بل تطلّب ذلك الكثير من الجهد والدعم. عن العوامل التي ساعدته حتى يصبح فرداً فاعلاً في المجتمع بغض النظر عن إعاقته، يقول إيلي: «ثمة عوامل عدة لعبت دوراً في تقدّمي لأصبح فاعلاً في المجتمع وأتخطّى إعاقتي وأعيش بسعادة كأي شخص آخر. يكفي وجود أشخاص يحبونني ويدعمونني قدّموا لي كل الجهد والتعب والوقت الذي احتجت إليه في السنوات الأولى. بوجودهم، كان لا بد لي من اتخاذ قرار حول طريقة العيش التي أريدها، وإلا لما كان في إمكاني أن أحقق أهدافي لأترك بصمة في المجتمع. وما ساعدني أيضاً على التفكير بهذه الطريقة، إيماني الكبير بالله وقناعتي بأنني أعيش انطلاقاً من اختلافي لأكمّل دور الآخر في المجتمع والحياة».

- ما الصعوبات التي تواجهها في حياتك اليومية نتيجة الشلل الذي تعانيه؟
الصعوبة الكبرى التي أواجهها تكمن في التنقّل. من المؤسف أن لا نهج متكاملاً لتسهيل تنقلاتنا في البلاد. مما لا شك فيه أن هناك مساعي فردية لحصولنا على تسهيلات في أماكن عامة معينة كالمتاجر الكبرى والمطاعم ودور السينما، وتتمثل بإنشاء طريق  محاذٍ للسلالم وقليل الانحدار يسهّل تنقلاتنا، وهذا ليس متوافراً في كل الأمكنة. ثمة صعوبات كثيرة أواجهها في الطرقات كغيري ممن هم في وضع مماثل، مثلاً حين أمشي على الرصيف وفجأة تعترض طريقي شجرة تتوسط الرصيف، مما يعرقل مسيري. فالذهنية التي تحترم وجودنا في المجتمع غائبة وكأن لا اعتبار لنا لتأمين التسهيلات التي تلزمنا. ثمة تفاصيل كثيرة يتم إهمالها في التخطيط، مما يصعّب علينا حياتنا. ومع ذلك لا يمكننا التنكر للتقدّم الحاصل في السنوات الأخيرة.

- هل من لحظات صعبة تذكرها في حياتك نتيجة ظروفك هذه؟

مما لا شك فيه أن الصعوبة الكبرى تكمن في نظرة الشفقة التي نراها في عيون الناس وفي كلمات نسمعها تؤثر سلباً فينا. لكنني تعلّمت في «سيسوبيل» أن من المهم أن أساعد مجتمعي وأكون فاعلاً فيه، لا أن أنتظر المساعدة من أحد. أدركت أهمية أن أقدّم له، لا أن أنتظر ما سيقدّمه لي وما سيحصل معي، لأن هذا هو دليل الغنى والتكامل في المجتمع.

- هل أتاحت لك ظروفك فرصة اكتشاف مهارات معينة لديك؟
اكتشفت مهارتي في الجانب الفني، ولهذا أعمل اليوم أيضاً في المؤسسة في قسم الإخراج الفني. علماً أن «سيسوبيل» تعمل على تطوير كل طاقاتنا وتساعدنا في اكتشافها حتى ننمّيها. فهكذا اكتشفت أنني قادر على إيصال صوتي وصوت رفاقي فعملنا على تطوير هذا الجانب أيضاً، فـ»سيسوبيل» لا تهمل أياً من قدراتنا.

- هل كان سهلاً عليك متابعة تحصيلك العلمي؟
في البداية حاولت الالتحاق بمدارس عادية لكنني لم أُقبل في أي منها إذ رفض المسؤولون فيها تحمّل مسؤوليتي، على حد قولهم. كما اعتبر بعضهم أنني لا أحتاج إلى شهادة علمية نظراً لوضعي. كان وقع ذلك قاسياً عليّ في تلك المرحلة، لكن مما لا شك فيه أن ثمة تقدّماً اليوم في مسألة الدمج في المدارس، مما يسهّل على من هم في أوضاع مماثلة الالتحاق بها. أما أنا فقد التحقت بـ»سيسوبيل» حيث تعلّمت فيها كل شيء وتخصّصت في الإخراج الفني Graphic Design بعد أن اكتشفت ميلاً إلى هذا المجال.

- ألا تزال تفكر بإعاقتك وتتمنى لو لم تكن موجودة؟
لم أعد أفكر اليوم بإعاقتي، بل أنظر إيجاباً إلى كل ما أعيشه. مما لا شك فيه أن الإعاقة ليست أمراً جميلاً، لكنها ساعدتني لأهتم بنفسي كإنسان. وأتمنى اليوم ألا تعيش الأجيال اللاحقة المعاناة الصعبة التي مررت بها، وأن يعترفوا بها في المجتمع والمؤسسات الداعمة لها، فلولا هذا النوع من المؤسسات لكانت حياتي بلا معنى ولما أصبحتُ على ما أنا عليه اليوم. ولو لم يساعدني أحد لكانت إعاقتي عبئاً عليّ ولما فهمت معنى الحياة وسبب وجودي فيها. وأعرف جيداً أن كثراً من الأصحّاء لا يعرفون معنىً لحياتهم. كما دعمني أهلي كثيراً فتقبّلوا إعاقتي ولم يتأثروا بها، ورغم الصعوبات مشينا معاً وهم فخورون بي. اليوم أنا شخص إيجابي أعشق الموسيقى والمطالعة والسفر وكانت لي تجارب إيجابية في السفر مع ما صادفته من احترام وتسهيلات. والمشكلة الوحيدة التي تواجهني في بلدي هي التنقل، وأجد ضرورياً العمل على هذا الجانب لتسهيل حياتنا.


السيدة فاديا صافي رئيسة ومديرة مؤسسة «سيسوبيل» لذوي الاحتياجات الخاصة: «نشجع على استقلالية الطفل حتى يواجه نظرة المجتمع معتمداً على نفسه»

في عملها كرئيسة ومديرة «سيسوبيل» لذوي الاحتياجات الخاصة، تعيش السيدة فاديا صافي معاناة الأطفال، وتعمل جاهدة على تأمين حقوقهم ليتمكنوا من الانخراط في المجتمع بسهولة ويتابعوا حياتهم بشكل طبيعي. الطريق صعب، خصوصاً أنه لدى الأطفال الذين ينضمّون إلى المؤسسة إعاقات معظمهم متوسطة أو صعبة، مما يزيد صعوبة التعامل معهم. ورغم اعترافها بأن الطريق طويل لتأمين حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة كاملة كما في الدول المتقدمة، تقرّ بأنه أُحرز المزيد من التقدّم في السنوات الماضية، مما يستدعي تسليط الضوء على الفارق ما بين وضعهم قبل سنوات طويلة وما أصبحوا عليه اليوم. وتقول السيدة صافي: «يبلغ عدد المؤسسات التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة حوالى الـ100، وثمة جهود حثيثة في هذا الجانب لتأمين مصالح هؤلاء الأشخاص، وقد أحرزنا تقدماً مهماً خصوصاً مع صدور القانون 220/2000 الذي أعطاهم بعض الحقوق، فهي لم تطبّق بالكامل. وتكمن المشكلة الأساسية في التنقل بحيث إن طرقاتنا ليست معدّة بالشكل الذي يسهّل تنقلاتهم. إضافة إلى عدم وجود مدارس تعتمد منهج الدمج. فعدد هذه المدارس قليل مقارنةً بالحاجات التي لدينا. وكـ«سيسوبيل»، كنا أول من أسّس مدرسة رسمية تعتمد الدمج ونتكفل بتغطية مصاريفها. فهذا النوع من المدارس يتطلب مصاريف كثيرة، لأن الدمج مكلف، ومن الطبيعي أن تفوق تكلفة ولد من ذوي الاحتياجات الخاصة متطلبات أي طفل آخر. فإذا كانت إعاقته متوسطة، يحتاج إلى «أستاذ ظل» Shadow teacher وهو أستاذ خاص يشرح له كل الدروس بعد أن يتم شرحها للجميع، إضافة إلى حاجته إلى كل برامج التأهيل الجسدي والنفسي والتربوي. فالتأهيل أيضاً مكلف، ولطفل في هذه الحالة حاجات خاصة في الطبابة والعلاج الفيزيائي، ونحن نعمل على تأمينها كلّها لتحسين حالته وجعلها أفضل ما يمكن. كما نحرص على المتابعة المهنية المتوسطة والخفيفة مع الأهل، لأن ثمة مراحل صعبة يمرّون بها ويحتاجون فيها إلى الدعم، خصوصاً في البداية حيث يكونون في حاجة إلى تقبّل حالة طفلهم الخاصة مقارنةً بباقي الأهل الذين يفرحون بولادة طفلهم السليم بينما يشعرون هم بالحزن والأسى بسبب إعاقته والتفكير بمستقبله بالتوازي مع حاجته إلى العلاجات الطبية والتعليم الخاص والمعدّات اللازمة. فالكرسي المدولب الذي يجلس عليه قد يصل سعره إلى 10 آلاف دولار إذا كان من الكراسي التي يمكن التعديل فيها لتتناسب مع سن الطفل. وكمؤسسة، نضطر أحياناً للمتابعة مع الإخوة ليتقبّلوا حالة الأخ أو الأخت ويقدّموا لهما الدعم في كل الأوقات. علماً أننا نبدأ من الصفر مع هؤلاء الأطفال وصولاً إلى سن التاسعة عشرة، لكننا لسنا مدرسة داخلية ونرفض هذه الفكرة لأننا مقتنعون بأن الطفل يحتاج إلى وجود أهله إلى جانبه والإحساس بعاطفتهم وحنانهم. وفي المقابل، نعمل على تنمية قدرات الطفل وعلى دمجه في المجتمع فنشركه في أنشطة تماماً كباقي الأطفال. فرسالتنا في المؤسسة هي «متلي ومتلك»، وتحتّم علينا العمل على جعل الأطفال ينخرطون في المجتمع بشكل يتقبّلهم كفرد فاعل بعيداً من الشفقة والإحساس بالاختلاف. إضافة إلى جهودنا الدائمة لتأمين حقوق هؤلاء الأطفال في المجتمع لتسهيل حياتهم بأفضل ما يمكن. وقد سجّلنا تطورات مهمة في هذا الشأن». 

وتشدد السيدة صافي أيضًا على أن المؤسسة تركز في التعامل مع الطفل على فكرة الاستقلالية فيجب ألا ننمّي لديه الإحساس بالاتكال على الآخرين. من هنا أهمية التشديد على فكرة أن الطفل رغم إعاقته قادر على الاتكال على نفسه، والعمل على تعزيز ثقته بنفسه فيتطور ويركز على نقاط قوته ليواجه نظرة المجتمع. حتى أن المؤسسة تشجع الطفل على إيجاد أصدقاء تجنباً للعزلة وليشعر أنه محاط بالرعاية الدائمة.