بين الآثار الإيجابية والآثار السلبية... لماذا هذا الشغف بأفلام الرعب؟

ديانا حدّارة 17 فبراير 2018

مجموعة من الأصدقاء المراهقين، عيونهم شاخصة على الشاشة، أنفاسهم محبوسة، يتناولون الفوشار كما الرجل الآلي، لا يتنبّهون إلى ما يحدث حولهم، فهم لا يريدون تفويت مشهد من مشاهد الرعب التي يرونها على الشاشة.
يصرخون، يرتفع لديهم منسوب الأدرينالين، يضحكون على أحد أصدقائهم إذا ما أغمض عينيه أو أخفى وجهه في الوسادة. فالمشهد الدموي القاسي مخيف، ولكن ضحكهم لا يخلو من محاولتهم تمويه شعورهم بالخوف. أصبحت مشاهدة أفلام الرعب جزءًا من الحياة المعاصرة، وهي تجذب شريحة كبيرة من المراهقين، وحتى الأطفال الذين غالبًا ما يلحّون على أهلهم لاصطحابهم إلى دور السينما ومشاهدة فيلم رعب بدأ عرضه، أو استئجار أقراص مدمّجة ومشاهدته في البيت.
وفي المقابل، يجد الأهل أن أبناءهم، ولا سيما إذا كانوا مراهقين قد أصبحوا ناضجين، وبالتالي لا يمانعون في مشاهدة هذه النوعية من الأفلام.
ولكن، هل يدرك الأهل أن هذه الأفلام يمكن أن تولّد آثارًا سلبية طويلة الأمد في الأطفال والمراهقين على حد سواء! فلمَ نجد لدى المراهقين هذا الشغف بمشاهدة أفلام الرعب؟


يرى اختصاصيو علم النفس أن الإقبال على مشاهدة أفلام الرعب هو استجابة للقلق الذي يشعر به المراهق في هذه السنّ. إذ تظهر في مرحلة المراهقة المخاوف التي كانت تتملّكه في طفولته، كالخوف من الموت أو من المجهول، علمًا أن المراهق قد لا يعي هذه المشاعر التي تقلقه، ولا يتمكن من التحدث عنها، فتبدو أفلام الرعب وكأنها تساعده في السيطرة على القلق.
والشعور بالخوف من الخطر المتجسّد في شخصية تظهر على الشاشة هو أقل حدةً من الخوف من المجهول الذي يثيره الخيال. وفي المقابل، يكون الفيلم المخيف مصدر طمأنينة بالنسبة إلى بعض المراهقين، لأنه يضعهم في مواجهة مباشرة مع الخوف، فيذهبون لمشاهدة الفيلم مرات عدة، متوقّعين رعب الأحداث العصيبة وذعرها، مما يساعدهم على تفريغ شحنة الخوف والقلق. ولكن هذا لا ينفي وجود آثار سلبية رغم الإيجابيات الناتجة من مشاهدة الرعب.

الآثار الإيجابية: إفراغ التوتر والقلق مع الشلّة
من المعروف أن شلّة الأصدقاء تشكّل عنصرًا مهمًا في حياة المراهق، وغالبًا ما يقوم أعضاء هذه الشلّة بالنشاطات الترفيهية معًا، ومشاهدة فيلم رعب أحد الأمور التي يفضلون القيام بها معًا. ولذلك فائدتان: الأولى، يدرك المراهق أنه ليس الوحيد الذي يعاني القلق.
والثانية هو تمكنه من الحديث عن ذلك مع أقرانه. وهي طريقة جيدة للتخلص من التوتر الداخلي. فمن الملاحظ أنه بعد انتهاء مشاهدة الفيلم، تبدو حال جمهور المراهقين مختلفة عما كانت عليه أثناء ساعات عرضه، فهذه شلّة من الأصدقاء تتعالى ضحكاتهم على صديقهم الذي اعتراه الخوف عندما رأى مشهدًا مخيفًا، ويتبادلون التعليقات والكلام الذي يُخرج المزيد من المشاعر المكبوتة، مما يمنحهم الإحساس بالراحة، وربما الانتعاش، بعد انتهاء الفيلم المرعب، ويصبحون كمن عبر التجربة فعلاً، أو كأنه عاشها وخرج منتصرًا على مخاوفه، التي من طريقها أصبح ناضجًا ولو بنسبة ضئيلة، فهو خلال مشاهدته الفيلم استطاع السيطرة على أعصابه، وكسب ثقته بنفسه بعد إظهار شجاعته.

الآثار السلبية: القلق والرهاب
في مقابل هذه النظرة الإيجابية إلى فيلم الرعب، يرى بعض الاختصاصيين في علم نفس الطفل والمراهق أن ليس من السهل التنبّؤ مَن ذا الذي سيتفاقم لديه اضطراب القلق أو الرهاب من فيلم رعب، ولكن المؤكد أن الأطفال والمراهقين قد يكونون أكثر عرضة لذلك من البالغين.
فوفقًا لعالِم النفس وصاحب نظرية التطوّر المعرفي عند الأطفال، جان بياجيه، فإن التطوّر المعرفي لدى الانسان هو نظام تصاعدي للعمليات العقلية الناجمة عن النضج الحيوي والخبرات البيئية.
والأطفال يؤسّسون فهمًا وإدراكًا للعالم المحيط بهم، كما يؤسسون خبراتٍ متباينةً بين ما يعرفونه أصلاً وما يكتشفونه في بيئتهم، ثم يعدّلون أفكارهم. وبناء على ذلك فهناك العديد من الأطفال والمراهقين ليس لديهم الخبرات الكافية أو النضوج المعرفي الكافي ليدركوا أن أفلام الرعب هي من صنع الخيال، وبالتالي فإن مشاهدتها تعرّضهم لخطر الشعور باضطراب القلق أو الرهاب.
لذا فإن قرار السماح للمراهق أو الطفل بمشاهدة فيلم رعب يعود إلى الأهل الذين يعرفون ما إذا كان أبناؤهم مستعدّين وقادرين على مشاهدة هذا النوع من الأفلام، فإذا كان ابنهم أو ابنتهم عادةً قلقة أو خائفة أو خجولة، أو إذا كانت تعاني صعوبة في تمييز الخيال عن الواقع، على الأهل تأجيل السماح لها بمشاهدة فيلم رعب، مهما ألحّت.

كوابيس واضطرابات النوم
يمكن فيلمًا أن يُقلق المراهق وقد يسبّب له كوابيس. فهناك العديد من المراهقين والأطفال الذين يعانون صعوبة في النوم مباشرةً بعد مشاهدة فيلم مخيف.
فتبدو الظلال مخيفة، والأصوات ضخمة مرعبة، فيرون أحلامًا غالبًا ما تكون مزعجة. بالنسبة إلى معظم الناس، هذه الآثار قصيرة الأجل. في بعض الحالات، قد تستمر اضطرابات النوم لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات.
وللتقليل من آثار الفيلم المخيف، يمكن مشاهدته خلال النهار. وإذا استمرت اضطرابات النوم عند الطفل، يمكن تجربة تقنيات تجعله يشعر بالأمان مثل «صيد الوحش» في الخزانة وتحت السرير، أو النوم وهو يحضن  دمية حيوانه المفضل.
إذا لم تنجح هذه الاستراتيجيات، يمكن أن يساعد الأهل المعالج النفسي على كشف المشكلة والعمل من خلالها. وقد يكون السبب، إما أنه لا يزال صغيرًا جدًا على تقبّل هذا المستوى من العنف الفيزيائي أو النفسي، أو شاهد الفيلم في وقت غير ملائم.
لذا يمكن الأهل أن يطلبوا منه أن يخبرهم قصة الفيلم ويعلّق على أحداثها، كأن تسأله أمه مثلاً: «وإذا لم يصل القاتل في هذه اللحظة، ماذا كان يمكن أن يحدث في رأيك»؟ أو إذا كان يشعر بالقلق، يمكن أن يرافقه أهله لمشاهدة الفيلم مرة ثانية والتعليق على المشاهد التي تقلقه أو ترعبه، أو يمكن إحضار فيديو من نوع «سكاري موفي» Scary movie الذي يحوّل أفلام الرعب إلى أخرى هزلية.

مشاهد رعب تشبه تحولات المراهق الشخصية
تعود أهمية هذا النوع من الأفلام إلى أنها تشبه التحوّلات الجسدية التي يمر بها المراهق عند بداية مرحلة البلوغ. إذ تحتوي المشاهد التي تتضمنها أفلام الرعب على الكثير من التحوّلات الجسدية، فالبطل يتحوّل إلى ثعلب أو ذبابة أو مصّاص دماء.
إنه يرى أشياء عاشها جسده. ألم يكن طفلاً، له جسد «مسالم» ثم تحوّل إلى ناضج يمتلئ جسده بأشياء تثير المشاعر القوية والمتناقضة، وبعضها مخيف فعلاً! كما أنه وفي المقابل، يميل بعض المراهقين إلى نوع آخر من أفلام الرعب، تلك التي تعتمد على الخوف النفسي.
لا تحوّلات جسدية في هذه الأفلام ولا مشاهد مرعبة. يبدو المجرم شخصًا عاديًا، لا بل أحيانًا محببًا، إلى أن تنكشف نياته. ما الذي يشدّ المراهق إلى هذا الخوف من الأشخاص العاديين؟ لماذا يرتاح لرؤية شخص مسالم وديع وقد تحوّل قاتلاً لا يرحم؟ ربما أن ذلك ما حدث له بالذات عندما تحوّل من طفل لاهٍ إلى مراهق له رغباته القوية والفوّارة. ولعل الرغبة المكبوتة خلف المظهر العادي هي أشد ما يحرّك الشاب ويدفعه إلى العنف والتجارب المختلفة. الأرجح أنه يرى نفسه في الصور التي تكرّ على الشاشة.

يمكن أن تسبب العدوانية والعنف
على الرغم من نقاشات الخبراء حول آثار ألعاب الفيديو العنيفة والموسيقى والأفلام وتسبّبها بالسلوكيات العنيفة عند الأطفال والمراهقين، فلا نتائج واضحة.
وبحسب ويب ميد WebMed، الذي يُعنى بنشر أبحاث علمية تتعلق بصحة الإنسان الجسدية والنفسية، فإن الأفلام التي تتضمن مشاهد التعذيب يُحتمل أن تجعل العنف مسألة طبيعية في الحياة الواقعية، فيمارَس وكأنه أمر عادي. وبدلاً من محاولة صدّ الأطفال عن التعرض للعنف، توصي مجموعة المراقبة «كومون سينس ميديا» بحجب الأفلام  القاسية التي تظهر تفاصيل العنف، عن الأطفال حتى يبلغوا سنّ السادسة عشرة على الأقل.
وتشير المجموعة أيضًا إلى أن العنف المختلط بالظروف الجنسية، غالبًا ما يكون مربكًا ويحتمل أن يكون ضارًا للمراهقين الذي يشعرون بالصراع الداخلي حول هويتهم الجنسية وتطورهم الجسدي. بينما يمكن  معظم المراهقين الأكبر سنًا التعامل مع المؤامرات المعقدة والمزعجة، وفي استطاعتهم أن يضعوا حدًا لهذا الإزعاج.

إيجابية: تنفيس رمزي
رغم التأثيرات السلبية، فإن لأفلام الرعب دورًا مهمًا في نمو المراهق وتطوّره. فوفق الطب النفسي، هناك ما يُعرف بالنموذج الظلي، وهذا يعني أن لدى كل إنسان مجموعة من الميول السلبية غير المقبولة اجتماعيًا، والتي هي جزء أساس من تكوين الطبيعة البشرية.
والنموذج الظلي جزء جوهري يجعل الإنسان يتصرف كإنسان، ومقاومته دوريًا مسألة أساسية في عملية نموه وتطوّره. وبالتالي فإن أفلام الرعب توفر للمراهق بديلا آمنًا للعالم الحقيقي، حيث يمكنه استكشاف غرائزه الداكنة، والنبضات والمخاوف التي يشعر بها، من دون استعمالها في الحياة الواقعية.
وبالتالي تكون مشاهدة فيلم الرعب بمثابة التطهير النفسي الذي تحدّث عنه أرسطو في سياق نظريته عن التراجيديا. فوفق أرسطو، يحرّر المسرح التراجيدي، المُشاهد من غرائزه المكبوتة، من طريق التعبير عنها رمزيًا.
وبالتالي فالمشهد المأسوي للفيلم المرعب يعمل على تنقية المشاعر من الشوائب السلبية. فالمراهق يتفاعل مع مشهد الرعب أو التعذيب أو العنف الدموي، فيُخرج مكبوتاته، بعد أن يرى المشاعر السلبية متجسدّة أمامه وإن افتراضيًا.

منظمة اليونيسيف تدقّ ناقوس خطر
في مقابل هذه النظرة الإيجابية، صدر تقرير عن منظمة اليونيسيف عام 2014، كان بمثابة «دقّ ناقوس الخطر». فوفقًا  للتقرير، تبين أن أكثر من ثلث الأطفال بين سنّ السادسة والثامنة عشرة هم في حالة من «المعاناة النفسية»، وهي نسبة تزيد مع التقدم في العمر، وتشمل واحداً من اثنين من المراهقين، 43٪ منهم تخطّوا سنّ الخامسة عشرة.
والأسوأ من ذلك، أن مَن تتراوح أعمارهم بين الـ 12 و18 سنة، 28٪ منهم فكروا بالفعل في الانتحار. وغالبًا ما يُشار بإصبع الاتهام إلى الكحول والمخدرات.
ولكن ظهر سبب آخر لهذه المشكلة الخطرة، وهو الشاشة، والتي بكل أنواعها أصبحت تحتل مساحة كبيرة أكثر من أي وقت مضى في حياة الأطفال والمراهقين الذين يتأثرون بكل شيء، لأن خيالهم في هذه المرحلة واسع جدًا. والشاشات تبث الكثير من المشاهد العنفية، والتي معظمها واقعية تحدث في مكان ما في العالم. 
وفي المقابل، العالم هو مرآة واقعية للشاشات الافتراضية. وليس صحيحًا أن المراهق أو الطفل يتمكن من الذهاب إلى المدرسة ولقاء الأصدقاء، بعقل منفتح بعدما أمضى وقتًا طويلاً أمام الشاشة، مارس ألعاباً عنيفة، أو شاهد إعلانات أفلام رعب، أو رأى أحداث عنف واقعية، وبالتالي فإن العنف لم يعد مجرد عالم افتراضي، بل صار حدثًا واقعيًا يتماهى به الأطفال والمراهقون.
فمع تطور التطبيقات الرقمية، تعرض شاشات الهواتف الذكية والألواح الرقمية كمًّا كبيرًا من المحتويات العنفية الدموية المزعجة، سواء كانت أحداثًا واقعية أو أفلامًا أو إعلانات ترويجية. ففيلم مثل «أنابيل» أو «إت» It، بدأ الترويج له على شبكات التواصل الاجتماعية، وكان الإعلان الترويجي للفيلم، الموضوع الأكثر مناقشة على «تويتر» بين المراهقين الذين بدوا سعداء بهذا الإعلان الترويجي المرعب، حتى قبل عرضه في دور السينما.