طفلتي صغيرة وتريد وضع ماكياج!

ديانا حدّارة 04 مارس 2018

تراقب والدتها وهي تضع الماكياج بإعجاب، وتسألها أن تضع أحمر الشفاه مثلها، أو طلاء أظافرها، ويبدو مشهدها ظريفًا وهي تضع الماكياج وتنتعل حذاء والدتها ذا الكعب العالي محاولةً تقليدها. يمرّ الوقت، وتصبح هذه الصغيرة مراهقة في سن الحادية عشرة، ويمكنها أن تضع الماكياج، وإن بخجل مثل أحمر الشفاه اللمّاع، وتطلي أظافرها تماشيًا مع الموضة. بينما الأم يتغيّر رد فعلها، فبعدما كانت تبتسم لمظهرها بالماكياج، أصبحت تحذّرها.
فهل هذه المراهقة لا تزال صغيرة جدًا على وضع الماكياج؟ هل يجدر بالأم رفض هذه الصورة الجديدة التي ترسمها ابنتها لنفسها، أو قبولها بحجة أنها لا تزال طفلة؟ ولماذا قد ترفض الأم ميل ابنتها المراهقة الصغيرة الى وضع الماكياج؟
قد يكون من الصعب على الأم رؤية طفلتها الصغيرة تكبر، رغم أنها تدرك جيدًا أن ابنتها في طور النمو النفسي والجسدي، وأن من الطبيعي أن تبدأ الاهتمام بمظهرها الذي يعلن هوّيتها. فبالنسبة إلى بعض الأمهات، رغبة الطفلة الصغيرة في وضع الماكياج هي مجرد لعبة، وتساير ابنتها الصغيرة في لعبة الماكياج هذه من دون أن تأخذ في الاعتبار أن ابنتها لم تصل إلى درجة النضج بعد.

- هل هناك عمر يعتبر «مقبولاً» لبدء وضع الماكياج؟
لا عمر محددًا يمكن اعتباره مقبولاً لأن تضع فتاة الماكياج. فهذا يعود إلى القواعد التي وضعها الوالدان والقيم الخاصة بكل عائلة.
تقليديًا، تبدأ الفتاة الاهتمام بالماكياج في سن المراهقة المبكرة. فبالنسبة إلى البعض، الاهتمام بوضع الماكياج يمثل أحد طقوس مرحلة المراهقة.
ولذلك فمن الشائع أن نرى الفتيات اللواتي تترواح أعمارهن بين 11-12 سنة يبدأن في وضع لمسات خجولة من الماكياج. فيما فتيات أخريات لا يكترثن لمسألة تجميل مظهرهن بالماكياج.

- الملاحظ أن ظاهرة وضع الماكياج بين الفتيات الصغيرات اللواتي لا يزلن في مرحلة ما قبل المراهقة، في ازدياد على عكس ما كانت عليه في الماضي القريب. لماذا؟
يرى الكثير من الباحثين في مجال علم نفس الطفل والمراهق، وعلم الاجتماع، أنّ للإعلانات والبرامج التلفزيونية دورًا كبيرًا في تغيير صورة الطفلة الصغيرة، واستبدالها بصورة البنت الجميلة المثيرة للإعجاب. هذه الصورة النمطية الجديدة لا تؤثر في الطفلة الصغيرة وحدها، بل في الأم أيضًا.
فبعض الأمهات يُسقطن ما يرغبنه على بناتهن الصغيرات، غير مدركات أن استعجال المراحل وتخطيها يؤثران في شخصية البنت وسلوكها، فهي على سبيل المثال تُعامل على أنها طفلة في شكل شابة ناضجة، والمشكلة أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الملابس، بل تخطّاها ليكون نمط حياة الطفلة، أي الذهاب إلى صالون التجميل أسبوعيًا، والقيام بما تفعله والدتها من تقليم أظافر وصقل حواجب، ووضع الماكياج إذا كانت مدعوّة لمناسبة.

- هل يمكن القول إن الفتاة الصغيرة تحاول تخطّي مرحلة الطفولة؟
منذ لحظة انتهاء مرحلة الطفولة، لا يمكن القول إنها قد تخطّتها. لذا فمن البديهي أن الأمور تغيّرت، ويمكن الأهل الاعتراض، ولكن الوقائع الاجتماعية هي ما تبدو عليه راهنًا، ويجب قبولها. فالفتيات الصغيرات راهنًا مأخوذات بهذا النمط العصري، ولا يمكنهن السيطرة عليه.
لذا من الضروري أن يحاول الأهل قدر المستطاع أن يشرحوا لبناتهم هذا الميل العالمي التجاري في تحويل البنات الصغيرات إلى هدف استهلاكي من خلال جعلهن نساء في سنّ مبكرة جدًا، وأن الرابح الأكبر هو الشركة التجارية. وهذا ليس سهلاً ولكن عليهم الإصرار.

- ما هي الحوافز النفسية التي تدفع بالمراهقة الصغيرة إلى وضع الماكياج، وملحقاته من طلاء أظافر وتلوين شعر؟
من المعلوم أن تعريف مرحلة المراهقة يشير إلى تحمّل مسؤولية الذات والاعتماد على النفس، وهذا ما يجذب الطفل عمومًا ليصبح كبيرًا، ومن دون تخطي سلطة الراشدين، فإنه يستحيل عليه تحقيق ذلك. لذا فإنّ مبادرة الطفل إلى الاستقلالية في اتخاذ قراراته تبدأ باختيار ملابسه وأصدقائه، وتوطيد علاقاته الاجتماعية عبر حضوره أعياد أصدقائه... وتندفع الفتيات الصغيرات نحو ثغرات السلطة الأبوية، ويتكيّفن أيضًا مع النظرة الاجتماعية في تحديد الهويّة الجنسية من خلال الماكياج واختيار الملابس الأنثوية، ويستعمل علماء الاجتماع مصطلح Tweens والمقصود به (Teens أي المراهقين في اللغة الإنكليزية between أي بين اثنين) للدلالة على المرحلة العمرية بين الثامنة والثالثة عشرة، وفي مرحلة «الما بين» تشبه الفتيات الصغيرات المراهقات، ويرغبن في إبراز أنوثتهن في هذه السن الصغيرة، وإن تطلب الأمر أن يرتدين أزياء الشابات، ويضعن الماكياج، ويذهبن إلى صالون التجميل بشكل دوري.

- كيف يمكن أمًا لا تحبذ فكرة وضع ابنتها الصغيرة الماكياج، التدخل إذا ما رغبت ابنتها في ذلك؟
إذا كان الأهل من الفئة التي لا تحبذ أن تضع ابنتها الماكياج في سن صغيرة، فعليهم قبل المنع بالقوّة، محاورتها كأن تسأل الأم ابنتها:

• لماذا تريدين وضع الماكياج؟

• ماذا تحبين أن ترتدي؟

• هل تشعرين بالضغط للقيام بذلك؟

• هل صديقاتك يفعلن ذلك؟

• هل ترغبين في ذلك لمجرد اتباع نمط الأخريات؟

• هل تفعلين ذلك لإرضاء شخص ما؟

من خلال طرح هذه الأسئلة ومناقشتها، تشعر الطفلة بأن حاجتها تؤخذ على مِحمل الجدّ. وستكون أكثر انفتاحًا على الحلول الوسطى المحتملة. فمن خلال هذه المناقشات، تتحقق الأم من الأسباب التي تحفز رغبة ابنتها الصغيرة في وضع الماكياج. وإذا كانت الأم ترفض تلبية رغبتها، عليها التحدّث معها عن القيم الخاصة بالعائلة.
وفي المقابل، تستفيد المراهقة الصغيرة في إدراك قيمة نفسها عبر أمور أكثر أهمية، مثل شخصيتها، مصالحها، انفتاحها على العالم، وما إلى ذلك... وباختصار، يجب أن تفهم الطفلة أسباب الرفض.


- هل ينبغي فرض قيود معينة؟

وفقاً لسن البنت، وقيم الآباء والأمهات والأسباب التي تحفز على وضع الماكياج. مثلاً كأن تكون مقبولة من الآخرين، أو لإرضاء شخص ما، أو تقليدًا لنجمات الأفلام. وقد يكون السبب مناسبة ، مثلاً حضور حفل عيد ميلاد، أو زفاف أحد الأقارب، فكثير من الفتيات الصغيرات تسمح لهن أمهاتهن بوضع الماكياج الخفيف وحتى الذهاب إلى مصفّف الشعر عندما تكون هناك مناسبة احتفالية.
قد يكون السبب تقليد الأم أو الأخت الكبرى، فمن الصعب على الطفلة أن تفهم أو تتقبّل حدودًا معينة إذا كانت النماذج النسائية في بيئتها المباشرة مثل والدتها أو شقيقتها الكبرى تضع الماكياج بشكل دائم وهي تريد تقلديهما. لذا، من شأن تنويع النماذج أو الأسباب التي تحفز على وضع الماكياج، وشرح الفروق العمرية، أن يساعد على فرض الحدود.

هل يمكن أن تكشف الرغبة في وضع الماكياج عن عدم الثقة بالنفس؟ ومتى يجب أن تقلق الأم؟
رغبة الفتاة في وضع الماكياج ليست بالضرورة مرتبطة بعدم الثقة بالنفس أو انخفاض تقدير الذات، خصوصًا بين المراهقات الصغيرات اللواتي لم يتعدّين سنّ الحادية عشرة، قد يكون السبب رغبتهن في تقليد الشابات فحسب. لذلك ليس هناك دائمًا سبب للقلق.
قد يبدأ أحد الوالدين بالقلق إذًا، كما هو الحال مع أي شيء آخر، حين يصبح الماكياج مسألة أساسية في حياة الطفلة كأن تنفق الكثير من المال على شراء الماكياج. فقد أظهرت دراسة أجريت أخيرًا في أستراليا وإنكلترا أن الفتيات في سن الرابعة يدركن أن في استطاعتهن إعادة إنتاج الحياة.
وإن لم تكن لديهن حياة حميمية فعلية، فإنهن، خصوصًا الجيل المعاصر، على دراية بها. إذ ليس هناك سنّ محددة لفهم معنى الانجذاب، فالبنت الصغيرة تشعر بالسعادة عندما تلفت نظر أحدهم، وتتباهى بأن لديها شعبية في المدرسة، وتستعمل كل مفاتيح الجاذبية.
فهؤلاء الفتيات الصغيرات يردن تلبية معايير الشعبية. والماكياج أحد هذه المعايير، وكذلك ارتداء أزياء تتماشى مع الموضة، أو انتعال الكعب العالي.
وتفيد الدراسة بأن 25.4٪ من الفتيات تتراوح أعمارهن بين 4-5 سنوات يضعن ملمّع الشفاه في بعض الأحيان، ولكن 13٪ فقط من الفتيات في سن 8-10 يضعن الماكياج.