التنمّر سلوك يخفي الكثير من الألم

ديانا حدّارة 11 مارس 2018

غالبًا عندما يحدث شجار عنيف بين تلميذين، يقول الراشدون «الولد ولد»... مقولة شهيرة توحي بأن التنمّر جزء طبيعي من النمو. ومع ذلك، فقد أصبح التنمّر وباء خطرًا ومهدِّدًا للحياة بسبب الضرب والتهديد بالقتل والمضايقة على مدار 24 ساعة، إما واقعيًا في المدرسة أو النادي الرياضي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يمكن إبعاد الأطفال عن ذلك.
ورغم أن العديد من المدارس تتصدّى لهذه الظاهرة، وكذلك الآباء، ووسائل الإعلام، تُلاحظ زيادة في حوادث التنمّر التي تؤدي في بعض الأحيان إلى انتحار الضحية التي تكون غالبًا من سنّ المراهقة، ولا سيّما إذا كان التنمّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما حدث أخيرًا لإحدى المراهقات في أوستراليا.
فالتنمّر يمكن أن يحدث بشكل عشوائي أو منتظم. ربما يحصل يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا. في الواقع، واحد من كل 10 ضحايا تنمّر يتعرّض للتخويف يوميًا، في حين يتعرّض واحد من كل خمس ضحايا للتخويف مرة أو مرتين في الشهر.


- ما هو التنمّر؟
التنمّر سلوك يتّسم بعدوانية متعمَّدة وينطوي على اختلال في القوّة. ويمكن أن يكون من خلال الوسائل الجسدية، واللفظية وغير اللفظية أو العلائقية، أي عندما يتعرّض طفل أو فتى أو مراهق للتهديد والإذلال والتهكّم اللفظي والاعتداء المعنوي والإحراج، من طفل أو فتى أو مراهق آخر، وقد يحدث تبادل في الأدوار، فمرة يكون الطفل أو المراهق نفسه متنمّرًا، ومرة أخرى يكون ضحية التنمّر. فغالبًا ما يتبادل الأطفال أدوارهم من المتنمّر إلى الضحية والعكس.

- من هو المتنمّر؟
الطفل أو المراهق المتنمّر شخص يتألم في داخله، ولا يشعر بالراحة في أعماق نفسه، رغم أنه يُظهر عكس ذلك. فهو لديه شعور بالنقص العاطفي، مثلاً يشعر بأنّ لا مكانة له في العائلة، وقد يكون له شقيق أكبر منه يشدّ انتباه الأهل، وبالتالي لا يهتم الوالدان لوجوده. إذًا هو يبحث عن مكانته، أو أن والديه مشغولان، ولا يخصّصان الوقت للجلوس معه، والتحدّث إليه.
وقد يكون هذا المتنمّر مفرط الدلال، يعيش في محيط اجتماعي ليس فيه من يقول له كلمة «لا»، وقد يكون سبب ذلك أيضًا انشغال الأهل، وبالتالي فهم يوفّرون له كل الأمور المادية في مقابل غياب الاهتمام العاطفي المعنوي.
وهذا الدلال المفرط يجعل الطفل أو المراهق المتنمّر يتصور الآخرين أشياء يمكنه التحكم فيها، والسيطرة عليها واستخدامها أداة له. فضلاً عن ذلك، هناك أجواء عائلية تعزّز شخصية المتنمّر، مثلاً كأن يكون الأب ممن يحلّون مشكلاتهم من طريق العنف أو الترهيب. إذًا، صورة العنف موجودة في العائلة، ويفتخرون بها، بل هي ميزة، وليس لديهم مشكلة في هذا التميّز، ولكن يبقى السبب النفسي هو الأرجح.

- كيف يمكن الأهل معرفة ما إذا كان ابنهم متنمّرًا؟ وماذا عليهم أن يفعلوا؟
يصعب على الأهل اكتشاف صفة التنمّر عند ابنهم. لذا فإن دور المدرسة أساسي، فهي التي تُعلم الأهل من خلال رسالة تفيد بأن ابنهم مطرود. هذه في حال التلميذ المراهق، بينما بالنسبة إلى الطفل فيتم استدعاؤهم الى المدرسة.
فالأهل لن يكتشفوا التنمّر في شخصية ابنهم وحدهم، وربما في لا وعيهم لا يريدون اكتشاف ذلك، وينكرونه، لأنهم إذا اكتشفوا الأمر يضطّرون لمساءلة أنفسهم ليعرفوا سبب تقصيرهم، ويتنبّهون إلى أنهم ربما أفرطوا في دلاله، مثلاً لم يكن يجوز لهم أن يعطوه هذا الكم من النقود ليشتري ما يشاء، ويتنمّر على أقرانه، ويستهزئ بهم... مما يفرض عليهم تغيير أمور كثيرة في حياتهم، لذا يحاولون إنكار شخصية ابنهم المتنمّر، وهنا نتكلم على الأهل الغائبين في حياة ابنهم.
بالنسبة إلى الأهل الفعليين، يمكن الأم أن تعرف ما إذا كان ابنها شخصية متنمّرة أم لا من خلال مراقبته الدائمة. مثلاً عندما يأتي أصدقاؤه إلى المنزل، تراقب كيف يتصرفون معه والأحاديث التي تدور بينهم، وعندما يودّعونه، بماذا يلقّبونه؟ المهم أن تراقب محيط ابنها... إذا عاد من النادي الرياضي، هل كان يرتدي ثياب طفل آخر أم لا؟ هل ثيابه ممزقة؟ مظهر الطفل وسلوكه مؤشران للأهل.

- ما هو دور المدرسة في منع التنمّر عند التلامذة؟
عندما يلقّب المعلم التلميذ بـ»المتنمّر»، فهو يحكم عليه، وهذا النعت يمكن أن يسبّب له مشاکل في المستقبل. لذا، من الضروري عدم الحكم على تصرفات التلميذ إذا بدا سلوكه «تنمرّيًا»، بل في البداية على المدرّس معرفة ما حدث قبل أن يقرّر ما إذا كان التلميذ متنمرًا أم لا، ثم النظر في سلوكيات محدّدة لمعالجة الوضع لاحقًا.
وفي المقابل، على المدرّس أن يأخذ في الاعتبار أن لكل تلميذ ظروفه الخاصة. قد يكون هناك سبب لتورّط التلميذ في التنمّر. ومن ثم عليه أن يُظهر للتلميذ المتنمّر نتيجة سلوكه السيئ على ضحيته، والتأكد من أنه يعرف ماهية السلوك السيئ ولماذا هو خطأ، وما هي عواقبه. أما إذا استمر في تنمرّه فمن الضروري أن يُعلم الأهل ويتعاون معهم لتقويم تصرف ابنهم المتنمّر.

لذا فدور المدرسة يتمحور على: وضع قواعد وتوقّعات واضحة وقابلة للتنفيذ
تسمح القواعد المناسبة لسنّ التلميذ بمعرفة السلوك المتوقّع. فعندما يكون التلميذ المتنمّر صغيرًا، تكون القواعد بسيطة. فيما الأطفال الأكبر سنًّا، يجب أن تكون القواعد مناسبة لمستوى نضجهم. ويقترح الاختصاصيون على إدارة المدرسة:

• وضع قواعد بأسلوب إيجابي.

• الحفاظ على أدنى عدد من القواعد.

• وضع قواعد ملائمة لمختلف حالات التنمّر.

• تحديد قواعد مناسبة لسنّ التلامذة.

• إعلام الطلاب بالقوانين المدرسية.

• تعيين مثال عن كيفية اتباع قوانين المدرسة، والالتزام بتطبيقها بشكل دائم.

هذه المبادئ التوجيهية للقواعد تحدّد نمط الفصول الدراسية، ويمكن أن تساعد المعلمين في إدارة الفصل بشكل هادئ بعيدًا من سلوكيات التنمّر.
كما ينبغي أن يكون واضحًا لجميع التلامذة النتائج المترتّبة عن عدم اتباع القوانين المدرسية، والالتزام بها، فالتلامذة يحتاجون إلى معرفة ما سيحدث إذا تورّطوا في سلوك عدواني، والنتائج المترتبة عن خرق القانون المدرسي، الذي يحتاج إلى تعزيز الاحترام، والحس بالمسؤولية، والشعور بالأمان.

مكافأة السلوك الإيجابي
مع «لعبة السلوك الجيد» تُكافأ السلوكيات الصفيّة الجيدة خلال الوقت التعليمي من اليوم. فغالبًا لا يعلق الكثير من الناس على التصرّف الجيد لأنه متوقّع وهذه مشكلة.
في حين أن من الضروري الإشارة إلى السلوك الجيد للتلميذ المتورّط دائمًا بالمشكلات، فبهذه الطريقة يتعزّز سلوكه الإيجابي ويكرّره مرة أخرى. فمساعدة التلميذ على تصحيح سلوكياته وفهم عواقب انتهاك قواعد المدرسة، تساهم في الحدِّ من سلوكيات البلطجة بين التلامذة.

التواصل       
التواصل هو المفتاح لبناء علاقة. عندما يكون المعلّمون على تواصل دائم مع تلامذتهم، يصبح الأخيرون أكثر انفتاحًا على التحدّث معهم حول مشاكلهم، بما فيها التنمّر. إن عقد اجتماعات الصف هو إحدى الطرق لبناء هذا التواصل.
إذ يوفر طريقة للطالب للتحدث عن القضايا المتعلقة بالمدرسة خارج نطاق الأداء الأكاديمي. فهذه الاجتماعات يمكن أن تجعل المعلمين وأولياء الأمور على علم بما يحدث في المدرسة، وفي حياة التلميذ. والطلاب بدورهم يريدون أن يعرفوا أن هناك دائمًا أناسًا حاضرون للاستماع إليهم. يجب أن يشعروا بأنهم مرحّب بهم لو أرادوا التحدّث إلى معلميهم بشكل فردي، خاصة إذا كانوا يشعرون بأنهم تعرّضوا للتخويف. فالتلميذ قد يرفض التحدّث عن مشكلته أمام زملاء صفّه.
ويتعيّن على إدارة المدرسة تشجيع الطاقم التعليمي على الإبلاغ عن حوادث التنمّر. بهذه الطريقة يمكن المدرسة توفير وسيلة لحماية التلامذة، ومنع حدوث التنمّر.
والتواصل ليس مجرد تواصل لفظي، بل يمكن المدرسة أيضًا أن توفر إشارات غير لفظية، ربما تشمل الديكورات الداخلية مثل علامات وأقوال تنتشر في أرجاء المدرسة وتذكّر بسلبيات التنمّر، وقوانين المدرسة التي تعاقب من يقوم بهذا العمل، مما يبعث برسالة قوية إلى الطلاب وأولياء الأمور حول ما إذا كانت المدرسة تؤسس لبيئة إيجابية.

إشراك الآباء
كثير من الناس يشاركون في حياة الأطفال، وهذا له تأثير. عندما يعمل هؤلاء الناس معًا، يمكن أن يُحدثوا فارقًا كبيرًا في حياة الطفل. قد يكون التواصل مع أولياء الأمور حول سلوك أبنائهم، سواء كان طفلهم متنمّرًا أو ضحية متنمّر. وبالتالي، يحتاج المعلّمون إلى بناء علاقة وطيدة مع أولياء أمور التلامذة.
إن إبقاء أولياء الأمور على دراية بما يحدث في حياة أبنائهم وأصدقائهم، وسلوكهم في المدرسة أداة مهمة لمعالجة المشكلات السلوكية. ومن خلال العمل معًا، يمكن الآباء والمعلمين تقديم نهج متناسق لإدخال سلوكيات بديلة أكثر إنتاجية. بل يمكن هذا أن يساعد الطفل على الاعتراف عندما يتعرض للتخويف أو التنمّر.

- ما هي المؤشرات التي على مدرّس الصف والأهل التنبّه إليها لمعرفة ما إذا كان أحد التلامذة يتعرّض للتنمّر؟
يظهر الكثير من العلامات المختلفة التي تشير إلى الطفل أو المراهق ضحية التنمّر.
هل يعاني الطفل إصابات لا يمكن تفسيرها، أو صداعًا متكررًا أو ألمًا في المعدة، أو تغييرًا في عادات الأكل، أو صعوبة في النوم، أو تراجعًا في الدرجات، أو قلّة اهتمامٍ بالمدرسة أو الأصدقاء، أو فقدان أشياء شخصية أو تدميرها، أو انخفاضًا في تقدير الذات؟
هل يتجنب الطفل المواقف الاجتماعية أو يتحدث عن إيذاء نفسه؟ هذه ليست إلا عددًا قليلاً من علامات التحذير التي تشير إلى أن التلميذ يتعرض للتنمّر.

- كيف يمكن التعرف إلى المتنمّر؟
هناك أيضًا دلائل على أن التلميذ يتنمّر على أحدهم.

• هل يدخل التلميذ في الكثير من المعارك أو له أصدقاء يتنمّرون على الآخرين؟ هل هو أكثر عدوانيةً ويُرسَل إلى مكتب المدير بشكل متكرر؟

• هل يملك التلميذ مقتنيات جديدة، أو يلقي اللوم على الآخرين في مشاكله، أو يرفض الاعتراف بالمسؤولية عن أفعاله، أو يقلق على شعبيته وسمعته؟ هذه ليست إلا عددًا قليلاً من العلامات التي تشير إلى أن التلميذ متورّط في التنمّر. من أجل فهم كامل لما يحدث، على الأستاذ والأهل التواصل والعمل معًا لحل هذه المشكلة.

 
- ما هي الأماكن التي يحدث فيها التنمّر؟
في المدرسة بعض الأماكن يحدث فيها التنمّر أكثر من غيرها، وغالبّاً في المناطق الخالية من البالغين مثل الممرات والحمّامات والملاعب والحافلات.
عندما يكون الراشد حاضرًا، يشعر التلامذة بأنهم أكثر أمانًا، كما أن سلوكيات التنمّر أقل احتمالاً. لذا، من المهم أن يكون الراشدون في حالة تأهب وأن يولوا اهتمامهم لدى وجود أطفال متعددين.
تُظهر الإحصاءات أن 47.2٪ من حالات التنمّر تحدث في المدخل أو على درج المدرسة، و 33.6٪ منها تحدث في الفصول الدراسية، والنسبة الباقية، أي 20٪ تحدث في ملعب المدرسة وحافلاتها، وفي أثناء توجّه التلامذة، وتحديدًا المراهقين، سيًرا إلى المدرسة أو عودتهم منها، وفي غرف الطعام، والصالات الرياضية.
وراهنًا، ومع تطور مجال الاتصالات، بدأت تظهر في شكل كبير وخطر في وسائل التواصل الاجتماعي. كل هذه الأماكن لا يمكن تغطيتها، لذا هناك طريقة واحدة لوقف هذه السلوكيات، وهي أن يكون التواصل مفتوحًا. وعلى الجميع، من طاقم تعليمي وأهل مراقبة هذه المواقع ورصدها.

- هل التنمّر هو بالنسبة نفسها لدى الفتيات والفتيان؟
نعم، ولكن بطريقة مختلفة، فقلّما نسمع أهلاً يشتكون من أن ابنتهم ضربت بنتًا أخرى، وإنما يشتكون من محاولتها تحريض رفيقاتها على فتاة بعينها، فيتفقن على انتقادها والاستهزاء بها طوال الوقت. مثلاً يتفقن على أن هذه البنت لا تعتني بنفسها أو أن مظهرها مضحك، وهنّ شلّة البنات العصريات اللواتي اصطُلح على تسميتهن ب«ـالكول» cool girls.
فيما الفتيان لا يحرّضون على هذا النحو، بل يرتكز تنمّرهم على عرض العضلات والقوة الجسدية، مثلاً تجدين شلّة يتفق أفرادها على ضرب أحدهم.