أول قبطانة عربية مروة السلحدار: أنصح الفتيات بعدم التخلّي عن أحلامهنّ لأي سبب

أحمد جمال (القاهرة) 11 مارس 2018

قرار جريء وشجاع اتّخذته مروة السلحدار، خلال دراستها في الأكاديمية البحرية في الإسكندرية، عندما قررت التخصص في مجال كان مقصوراً على الرجال في مصر والوطن العربي لسنوات طويلة، وهو الملاحة البحرية، لتحمل السلحدار لقب أول «قبطانة» مصرية وعربية، كما اختارتها موسوعة التكامل الاقتصادي العربي– الأفريقي ضمن أفضل 20 امرأة عربية إنجازاً.


- بداية، نود التعرف إليك...
أنا مروة السلحدار، 24 سنة، تخرجت في الأكاديمية البحرية في الإسكندرية كأول قبطانة مصرية عربية، ضمن الدفعة 73 في عام 2013. وبدخولي هذا المجال، فتحت الباب لالتحاق الفتيات بقسم الملاحة البحرية، وأكثر من التحقن بهذا القسم فتيات من جيبوتي ونيجيريا وكينيا، وعدد لا بأس به من المصريات.

- لماذا اخترت هذا المجال بالذات؟
كنت أدرس في مجال النقل الجوي في الأكاديمية العربية، لكنني لم أشعر أنه المجال الذي يلبي طموحي، في وقت كان أخي يدرس الملاحة البحرية في الأكاديمية نفسها، ولمّا اطّلعت على المواد التي يدرسها وجدتها مشوّقة جداً، فشجعني على دراسة الملاحة البحرية، إذ إن هذا المجال يتماشى مع شخصيتي، وعلى الفور تقدمت إلى هذا القسم وتمّ قبولي فيه.

- هل واجهت صعوبات عند التحاقك بهذا القسم؟
عندما تقدّمت إلى القسم، وجدت استغراباً كبيراً لأنني كنت أول فتاة تتخذ قراراً كهذا، فرُفع طلب تقدّمي إلى رئيس الأكاديمية شخصياً، الذي بدوره طالب بالبحث في القانون البحري للتحقق مما إذا كان في الإمكان استخراج جواز سفر بحري، بما أنني أول حالة من هذا النوع، وبعد البحث وجدوا أن ليس هناك أي موانع للالتحاق بهذا القسم، وتقدمت للاختبارات ونجحت فيها.

- ما طبيعة هذه الاختبارات؟ وهل اختلفت لكونك فتاة؟
كانت هناك اختبارات رياضية وطبية ومقابلات شخصية، وهي مشابهة للاختبارات التي يخضع لها الطيّارون، فخضعت لاختبار سباحة وأدّيت بعض التمارين الرياضية الخاصة باللياقة، وأُجريت لي تحاليل طبية للتأكد من سلامة الجسم وصحة القلب، وبعد أن اجتزتها بنجاح، جاءت مرحلة المقابلة الشخصية للتأكد من قدرتي على تمثيل الأكاديمية وقسم الملاحة البحرية، وبعدها تمّ قبولي مثلي مثل أي طالب.

- كيف كانت تجربة دراستك في قسم جميع من فيه رجال؟ وهل شعرت بالغربة؟
كانت تجربة دراستي جديدة بكل المقاييس، فقد كنت الفتاة الوحيدة بين 1200 طالب، وكانت من أكبر الدفعات من ناحية العدد، فأستطيع القول إنه كانت هناك صعوبات في السنة الدراسية الأولى، لكن بعد ذلك استطعنا التأقلم كزملاء، كما أمضينا سنة كاملة في الدراسة في التدرّب على السفينة، وكنت أواجه أيضاً بعض الصعوبات في التأقلم.

- ماذا عن طبيعة عملك على السفينة؟
السفينة التي أعمل عليها هي «عايدة 4»، ومهمتها تدريب طلاب الأكاديمية البحرية الحديثي التخرّج، لأنها مزوّدة بأحدث أجهزة الإبحار، كما أن ربابنة هذه السفينة يملكون خبرة واسعة ينقلونها إلى هؤلاء الطلاب، وفي الوقت نفسه تعمل السفينة على مدّ الفنارات التابعة لمصر في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، بالغاز والمواد اللازمة لتشغيله، ونقل ضباط هذه الفنارات من فنار إلى آخر، أو نقلهم إلى الموانئ التابعة لنا.

- كيف يختلف العمل في البحر عن العمل في أي مجال آخر؟
من المعروف أن الرحلات البحرية تكون طويلة وشاقة، على عكس الرحلات الجوية السريعة، فهناك رحلات لمدة أسبوعين ورحلات تستغرق شهراً أو أكثر، وطبعاً في هذه الرحلات أكون الفتاة الوحيدة وسط زملائي الرجال على السفينة، وفي بداية العمل كان الأمر صعباً إلى حد ما، لكن بعد ذلك أصبحنا فريقاً واحداً ولا اختلاف بيننا في المهمات والعمل، وبسبب طول مدّة هذه الرحلات نصبح جميعاً كالإخوة.

- كأول قبطانة مصرية وعربية، ما المحطات المهمة في حياتك؟
الحدث الأبرز في حياتي منذ الالتحاق بالأكاديمية، هو الإبحار في قناة السويس الجديدة، وكنت ضمن أول قافلة بحرية وأول قبطانة تعبر هذه القناة، وأعجز عن وصف الفخر الذي شعرت به في تلك اللحظة التي لا تُنسى، إذ غمرتني السعادة وبدوت مرحة كالأطفال، وكانت تقود القافلة آنذاك، «المحروسة» التي تقلّ رئيس الجمهورية. أما المناسبة الثانية التي شعرت فيها بالفخر والاعتزاز، فكانت دعوتي للمشاركة والتحدث في منتدى شباب العالم 2017 في شرم الشيخ، وكان حدثاً مهماً بالنسبة إليّ، بخاصة أنني كنت أمثل نموذجاً للفتيات في المجال البحري، كما كرّمني في آذار/مارس 2017 الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الاحتفال بيوم المرأة المصرية.

- كيف أثرت أسرتك في حياتك العملية؟
والدي ووالدتي من أكثر الشخصيات المؤثرة في حياتي، بخاصة والدي، فهو يملك شخصية قوية جداً، وعلّمني تحمّل المسؤولية، كما يتفهّم الآخرين ويحترم حق كل شخص في اتخاذ قراراته المصيرية بنفسه. أما بالنسبة إلى والدتي فهي سندي في الحياة، وتشجعني وتحفزني، ولي أخ أكبر يُدعى «مروان»، وهو يملك شخصية هادئة عكسي تماماً، وكان من الداعمين لي في هذا المجال، ولحسن الحظ شاركنا في إحدى المرات في العمل على سفينة واحدة، وكانت رحلة طويلة جداً، وهناك أخي الأصغر «راكان».

- وكيف كان موقف والدك من تخصصك في الملاحة البحرية؟
عندما قررت دخول الأكاديمية البحرية والتخصص في هذا المجال، احترم والدي قراري، لكن في الوقت ذاته كنت أشعر بخوفه وقلقه عليّ من هذه المهنة الجديدة على الفتيات في مصر مثل كل الآباء، لكن يوم التخرّج بالتحديد شعرت بفرحه واطمئنانه على وصولي بسلام إلى هدفي المنشود. أموري كانت سهلة إلى حد ما، إذ هناك فتيات يضطررن للتخلي عن أحلامهن بسبب تزمّت الآباء ووقوفهم في وجه أحلامهنّ.

- ما أهم هواياتك؟
ركوب الخيل والغطس والرسم، وأشياء أخرى بعيدة من البحر. ورغم إدراكي أن لا علاقة بين هذه الهوايات، لكن يجب أن تكون موجودة كي يشعر المرء بالاختلاف في أوقات الفراغ، فهواية واحدة لا تكفي، لأنها ستدخل في منظومة الروتين. وإلى جانب الرسم فأنا أعشق الموسيقى كثيراً، بخاصة أعمال الموسيقار الكبير عمر خيرت، والموسيقى الهادئة التي تجعل المزاج رائقاً.

- ما هي خططك المستقبلية، وأين حلم الزواج وتكوين الأسرة من هذه الخطط؟
أحب دائماً التخطيط لحياتي، الى درجة أنني أضع أكثر من خطة للمرحلة الواحدة، ومثل أي فتاة من الطبيعي أن أحلم بأن يكون لي بيت وأسرة وزوج وأولاد، وهذا الموضوع لا علاقة له بالتخلّي عن المجال البحري، فإلى جانب هذا لي أحلام عملية كبيرة، مثل دراسة الماجستير والدكتوراه، والعمل في مكان جيد، كما لم أكتفِ بكوني أول قبطانة مصرية أو عربية، بل أعمل دائماً على تطوير نفسي وتنمية مهاراتي ودراستي، حتى إذا تم وضعي في مكان ما أستطيع أن أفيد بلدي، كذلك أحلم بالوصول إلى أعلى المراتب في هذا المجال، فأنا ضابط بحرية ثانٍ، وأدرس حالياً لألتحق بالدرجة التالية، وهي ضابط أوّل، تليها الدرجة العليا.

- أخيراً، ما هي نصيحتك للفتيات التي تحول نظرة المجتمع دون تحقيق أحلامهن؟
رغم أن الفتاة العربية تمتلك شخصية قوية وتستطيع مواجهة الظروف، لكن عند الجزء المتعلق بدراستها والتخطيط لمستقبلها، يصيبها بعضٌ من العجز واليأس بسبب مفاهيم المجتمع الخاطئة. وكفتاة مصرية، وصلت إلى هذه المرحلة بالطبع، لكنني كنت أشق طريقي بكل إرادة وعزم، بخاصة أنني أحب دراستي، فكنت أبذل قصارى جهدي للوصول إلى هدفي، لذا أنصحهنّ أن يحاولن قدر الإمكان تحقيق أحلامهن، وإن لم يستطعن، أنصحهن بالبحث عن مجال قريب من المجال المفضل لهنّ، حتى تظلّ هناك نافذة نور، فمن الممكن أن يُفتح الباب في يوم من الأيام، وإذا لم يُفتح فالبقاء والعمل في وظيفة مشابهة أفضل من التخلّي عن الحلم.