المدير العام لمركز بابسون العالمي لريادة الأعمال أمل دخان: المرأة في المجتمع كالقلب في الجسد فإن صَلُحتْ صَلُحَ المجتمع كله

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 10 مارس 2018

حين تُكمل المبدعة تصميم التفكير وتنمِّق هندسته، تدفعه بقوة نحو رائدات ورواد الأعمال كي يتعلموا كيف ينقشون أفكارهم ويصيغون فكرهم بكل جرأة وتصميم على النجاح بقالب مغاير للمألوف، حتى يسارعوا الى التغيير والدفع بكل ما يملكون من قوة نحو التجارب المختلفة التي توصلهم الى الإبداع والابتكار. فالابتكار لغة فريدة من نوعها في عالم التغيير، الذي سعت إليه الأستاذة أمل دخان، المدير العام لمركز بابسون العالمي لريادة الأعمال، من خلال تجاربها المتعددة، والتي شارك فيها البصر والبصيرة وارتباط الفكر مع القلب. ونظراً الى أن «لها» تسعى الى كل جديد، التقت أمل دخان الحاصلة على درجة الماجستير في التسويق الاستراتيجي من جامعة «ولونغونغ»، كما أكملت أمل برنامج الإدارة التنفيذية في الابتكار والتكنولوجيا في جامعة MIT وبرنامج تصميم التفكير للشركات الكبرى في جامعة «ستانفورد»، وهي مدربة معتمدة في ابتكار التصميم وإدارة التغيير وإدارة حاضنات الأعمال، كما عملت في تسريع الشركات الناشئة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، وحالياً تعمل في كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال لتقلب صفحات من حياتها التي تعجُّ بالمتغيرات نحو مستقبل أفضل.


- الشباب كنوز الوطن، كيف استطعتِ الموازنة بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة؟
سؤال مهم وصعب. ثقافة التغيير ليست غريبة أو جديدة علينا، لكن تعوّدنا على نمط حياة معين جعلنا ننسى كيفية التعامل مع المستجدات، خصوصاً في مجال التعليم. وحين لمسنا التغيير لنضع مبادرات جديدة، توصلنا الى أثر جيد في المجتمع، أو لإيجاد حلول قد تتحول الى شركات، فكانت النقطة الأساسية التي واجهتنا: التغيير عن المعتاد، لأن الإنسان حين يكبر وينهي دراسته وينشغل في عمله، يحارب بقوة تلك الكلمة ويَصْعُب عليه السير في طريق مختلف. السر يكمن في الإسراع باتخاذ القرار حتى نصل الى الابتكار، والذي يأخذنا الى الحديث عن التفكير، وهذه المشكلة تواجه التعليم والشعوب في مختلف أنحاء العالم.

- شاركتِ في مبادرة «تيدكس» التي تُعنى بالتكنولوجيا والترفيه والتصميم، وتُقام تحت شعار «أفكار تستحق الانتشار»، ما الرسالة المهمة التي قدّمتها لرائدات ورواد الأعمال؟
أقول لرائدات ورواد الأعمال، إن الوصول الى الأحلام يلزمه الكثير من البحث والمحاولات، وطلب النصح والإرشاد من ذوي الخبرة. والأهم، ادرسوا المحيط والسوق اللذين ستعملون فيهما محلياً وعالمياً، من دون اللجوء الى الأفكار الجاهزة، فمجتمعنا يحتاج الى حلول مصمّمة لطبيعته الخاصة، وما عليكم إلاّ فهم أنفسكم واحتياجات مجتمعكم، لتكوّنوا نظرة ترصدون عبرها كل الفجوات الموجودة، ومن خلال هذه الحلول يمكننا تغيير الكثير.

- إلى من توجّهين تلك الرسالة؟
لشبّاننا وشابَّاتنا في العالم العربي، الذي يحتاج الى الابتكار في مجالات عدة، مثل التعليم والخدمات، والمدن الذكية تنتظر مبدعيها ليُوجدوا لها الحلول والأفكار الجديدة، فأنتم الأمل والشعلة التي تُوقد الحياة بأساليب جديدة، سواء في المدارس أو الجامعات، لنشر ثقافة التغيير وتدريبهم على حل المشكلات، بدلاً من العيش على ثقافة النقد فقط. تلك هي الطريقة التي ناقشناها في «تيدكس» تحت عنوان «تصميم التفكير»، أي كيف نعيد تصميم الفكر وندرّب العقل على التفكير بصفاء، لتلقّي الأمور بِكْراً على حقيقتها وليس على تراكمات قديمة، ونغيّر الصورة النمطية للتفكير والتي تحدّ من الابتكار والإبداع، وتلك الطريقة علمية تُدرّس اليوم في الجامعات الغربية والعربية للوصول الى الحلول.

- ماذا تعلّمتِ من الأوائل؟
قبل التعلّم، نفخر بـ«أننا نستطيع». تلك الثقافة التي فقدناها مع مرور السنين، نعيدها لنصحح قدراتنا كشباب عربي، كي تعود بالإبداع ليس على صعيد العالم الخارجي فقط، بل على صعيد العالم العربي وفي أوطاننا، وعلى كل مبدع/ مبدعة، ومبتكر/ مبتكرة يُنظر إليه/ يُنظر إليها نظرة غريبة، ما عليكَ/ ما عليكِ إلا تقبّلها ما دمتَ/ ما دمتِ، تحمل/ تحملين رؤية جيدة يجب الاستمرار فيها والدفاع عنها، وتصبح العقبات مجرد عثرات صغيرة يمكن تذليلها بالسعي الحثيث، والفشل هو جواز مرور الى النجاح والإبداع كونه جزءاً من عملية التعلّم، فإن رسخنا هذا الفكر في عقولنا، نستمر في الإبداع.

- كيف تعملين على غرس روح ريادة الأعمال في شباب المملكة وخارجها؟
رحلات التغيير تمر بمراحل عدة، تبدأ بالاكتشاف، وتمر بعملية الإلهام، فأُعطي الأدوات، لأقوم بالاختبار، كي يتم الانطلاق نحو الخلق والإبداع، خصوصاً أن ثقافة التغيير وريادة الأعمال ليست جديدة علينا، كوننا أهل حضارة وتجارة. اليوم، أشارك في العديد من المبادرات المحلية والعالمية التي تستهدف الشباب، سواء من طريق المعسكرات التدريبية في الجامعات أو المسابقات، أو من خلال إرشاد بعض الشركات الناشئة في مختلف المجالات. لا أزال أشعر بالتقصير، وأهدف الى مبادرات تخدم فئة أكبر في المستقبل.

- معسكرات تدريبية! ماذا تصنعون فيها؟
نزور جامعات وأماكن عامة ونفتح حواراً مع الأشخاص لنعرف طريقة تفكيرهم وما المعوقات التي تعترضهم ونتفهّم احتياجاتهم، سواء في المملكة أو خارجها، وبعدها يتم تصميم المعسكرات التدريبية تحت مسمّى Boot Camps ونضع فيها أشخاصاً لمدة تراوح بين 4 و5 أيام، يحملون أفكاراً جديدة ويدخلون في تجارب ويختبرون مراحل عدة من خلال برنامج قصير يبيّن كيف يتعاملون مع الفكرة الجديدة، ومدى ارتباطها بالمشكلة، إلى أن يتم تقديمها بالصورة الجيدة، وهم يتعرضون لضغط شديد كونهم انفصلوا عن العالم الخارجي ليفجّروا أفكارهم بإبداعات جديدة ورائعة، والضغط يولّد الانفجار للإبداع.

- توليتِ إدارة التوجه الاستراتيجي والتكتيكي والرقابة التشغيلية في مركز بابسون، ما الخطة الاستراتيجية لرائدات ورواد الأعمال التي تعملين عليها؟
نعمل حالياً على تلك الخطة، ومن أهم أهدافها بناء برامج تدريبية تصل إلى أكبر شريحة في الجامعات أو تكون جزءاً منها، ونصمّم منهجاً يدرّس ريادة الأعمال في أي تخصص من التخصصات للجميع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، سواء كان طبيباً/طبيبة، أو مهندساً/ مهندسة ليحقق/ لتحقق، الريادة في عمله/ الريادة في عملها، ويكون مبدعاً/ وتكون مبدعة، لنشر أنظمة تساعد الأطباء والطبيبات والمهندسين والمهندسات على الإبداع.

- هل من برامج للسيدات تحدّثيننا عنها؟
نعمل على برامج للسيدات، لكنها لا تزال قيد الدراسة بعدما وجدنا إقبالاً شديداً منهن على ريادة الأعمال. من هذه المبادرات، برنامج مسرّعات الأعمال الذي يركز على السيدات فقط لأنهن الأقدر على التعاطي مع المواقف الصعبة من دون الخوف عليهن، وكل ما نتمناه وجود حاضنات ومرشدات أعمال، أي تقديم الدعم من سيدة أعمال متمكنة وناجحة إلى ناشئة في مجال الأعمال، أي سيدات يحتضنَّ أخريات ويرشدنهنّ.

- ما أهم احتياجات الفتيات اليوم؟
أن يُسمع صوتهن، وتُفتح أمامهن الفرص، للدخول في مجالات عدة. ومع رؤية المملكة اليوم، فُتحت المجالات كافة أمامهن، ومن خلال مجلّتكم الغرّاء، أقول لكل فتاة: «إن لم تُتح الفرصة أمامك، أوجدي الفرصة واخلقي أنتِ الإبداع وبادري، فالفرص تُصنع بيديك». والأمثلة على رائدات وسيدات الأعمال السعوديات الناجحات كثيرة حيث رسمن أجمل الصور في الحرفية والمثابرة وفتحن الأبواب لكثيرات من بعدهن.

- كمطورة لبرامج تعليم ريادة الأعمال التي تعزز ثقافة القيادة الريادية المستدامة في مؤسسات القطاعين العام والخاص، هل تجدين اختلافاً في البرامج بين قطاع حكومي وقطاع خاص؟
لا تختلف الطريقة بمقدار ما يختلف المحتوى والطرح، كون عمل الشركات الخاصة الكبرى يختلف عن عمل المؤسسات الحكومية، التي تحتوي على العديد من الأقسام والقوانين الواجب احترامها والتعامل معها وفق المعطيات بمنحها الإطار الخاص بها، بينما التعامل مع القطاع الخاص يعتمد على التوجه ونتائج التغيير بشكل أسرع، لكن جمال القطاع الحكومي ينعكس أثره الأكبر على المجتمع. 

- قلت في برنامج «كلام نواعم»، «عقلنا قد يحمينا من الابتكار»، ما الذي يجب علينا فعله؟
«عقلنا قد يحمينا من التفكير المختلف»، فحين نفكر بطريقة مختلفة عن الطرق الاعتيادية، يبدأ الجسم بإعطاء إشارات الخوف والتردد في الثواني الأولى للتفكير. وإن لم نتخذ القرار بسرعة، يتحرك العقل ليوقف التفكير المختلف، لذلك فسرعة الانطلاق تعطي النتائج الجميلة والرائعة.

- مررت بتجربة مرضية صعبة، «السرطان»... كيف تخطيتِ تلك التجربة لتكوني نموذجاً لسيدات مررن بمثل تجربتك ودخلن مرحلة الاكتئاب؟
أُصبتُ بالسرطان وأنا طفلة في الحادية عشرة من عمري، ولم أكن أعي معنى المرض لأخاف منه، بل كنت أخاف من المستشفى، وعندما بلغت سنّ الرابعة عشرة بدأت أعرف القليل عن هذا المرض، وشعرت بالخوف أكثر، لكن وجود والديّ إلى جانبي أعطاني دعماً قوياً جعلني أهتم بدراستي التي كانت المخرج الوحيد لي. أما المرحلة الأصعب، فكانت عندما عاد المرض ثانية وثالثة وكنت حينذاك في المرحلة الجامعية، لكن دعم الأهل قاطبة والإخوة والأخوات والجيران كان السبيل الوحيد للمثابرة والمضي قدماً.

- من هي أمل دخان الإنسانة؟
أمل أمٌ لابنة في السابعة عشرة من عمرها على أبواب المرحلة الجامعية، ورغم عملها الصعب والشاق، قدّمت رسالة إلى ابنتها بأنها تستطيع تحقيق النجاح والإبداع، وحين تعود الى البيت وترى وجه ابنتها يزول عنها التعب كلياً. لم يكن الفضل في مسيرتي لي وحدي، بل أدين بالفضل لعائلتي وفرق العمل المميزة التي تعاونت معها وللمؤسسات التي عملت فيها حيث أُعطيت المساحة للتجربة.

- كلمة أخيرة...
تغيير المجتمعات والدول والثقافات بيدك أنتِ أيتها المرأة... إن صلُحتِ، صلُح المجتمع بأكمله.