رائدة الاعمال سلافة بترجي: «دروب» قائمة على عمل إنساني بمعايير احترافية

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 17 مارس 2018

حين تكون الطفولة مرويّة بالعمل التطوعي الإنساني، تنشأ الروح النفسية على النقاء والعطاء بلا حدود، وحين يقترن التطوّع مع التعلّم يؤسس لبناء شباب مفكر يبحث عن الجديد في عالم المتغيرات، ويحقق نجاحات على كل الصعد الأكاديمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

ومن شبَّت على شيء شابت عليه، في كل مناحي الحياة لتكون رائدة من رائدات الأعمال بأسلوب مميز وطريق لا يشبه الآخرين، بل تسمو نحو بناء الفكر الإنساني، ألا وهي الأستاذة سلافة بترجي، الرئيس التنفيذي لشركة دروب «الوقفية»، الحاصلة على ماجستير في «تصميم المناهج والتقييم» من جامعة فينكس في الولايات المتحدة الأميركية، لتقدم خدماتها لمجتمعها على أكمل وجه، سواء في التعلم والتعليم أو في التدريب. إضافة إلى اكتشاف الموهوبين من الأطفال لتنمّي لديهم كل ما هو جميل من مهارات إنسانية وفكرية وتعلُّمية وإبداعية، ويكبرون وتكبر أفكارهم معهم ويطوّرونها. التقتها «لها» في «دروب» لتمشي معها في بعض الدروب التطوعية والتعلمية.

- على مَن تقوم «دروب»؟
«دروب» قائمة على عمل إنساني بمعايير احترافية، وبصفة عامة نفتقد هذا النموذج في العالم العربي، وأعتبرها واحدة من المسؤوليات التي أُلقيت على عاتقي مع بداية تحمُّلي مسؤولية «دروب» كشركة وقفية.

- من هي «دروب» في المجتمع السعودي؟
«دروب» بدأت منذ أربعين عاماً وما زال لها دور فاعل في خدمة المجتمع السعودي، وفي السنوات العشر الأخيرة حين بدأ الاستثمار بعمر الطفولة من خلال منح دراسية تعلُّمية تُقَدم في مجال التعليم العام، بدأت «دروب» من المملكة ودخلت إلى السودان ومن ثم إلى كينيا، وتطمح الى دخول 9 دول أفريقية بتوسع أفقي وعمودي.

- ما الذي حققته «دروب» على الصعيدين العلمي والإنساني حين استثمرت في الطفولة؟
بدأت «دروب» في مشروع واضح يضم 250 طالباً في كل دورة، مدة كل منها 9 سنوات، وكلما تخرّج أحد الطلاب من الثانوية العامة يدخل بدلاً منه طالب آخر من الصف الرابع، ولديها خطط لشراكات مع جامعات تتبنى الطلاب لإتمام مرحلتهم الجامعية في الدول التي نقدم فيها المنح.

- ما الذي يميز هؤلاء الطلاب والطالبات؟
نرتب لهم المنح بالأسلوب العلمي الجيد والبيئة العلمية الثرية التي تتناسب مع قدراتهم وتتحدى رغباتهم وتميزهم وموهبتهم، ما يؤهلهم للظهور في المجتمع حاصلين على جوائز ومراكز على مستوى دولهم.

- من العمل التطوعي إلى رياض الأطفال ومن ثمَّ التدريب، ما هي الاستراتيجية التي اتبعتِها؟
نشأتُ في بيت ثقافي حثّني على التعلم والقراءة والعطاء وعمل الخير، ما جعل حياتي لا تنحصر في إشباع رغباتي ولا ملكاتي بل في إسعاد الآخرين، وتحمّل مسؤولياتي، والحوار المنزلي عن قضايا العالم العربي والإسلامي وقضايا الناس المحتاجة الى الدعم المادي أو النفسي، أو رعاية المسنين والأيتام على الصعيدين المحلي والعالمي.

- من خلال تجوال الأستاذة سلافة بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي، كيف تقرأ مفهوم العمل التطوعي، وهل له متغيرات بين المجتمعين؟
كان العمل التطوعي محصوراً بالمفهوم البسيط أي لملء أوقات الفراغ فحسب، لكنه اليوم أصبح أكثر احترافية من السابق، والعالم ارتقى وتطوّر وما علينا إلا الالتزام بالعمل التطوعي مثل العمل العادي، وما رأيته خلال تجوالي في أوروبا فإن هناك جهات منظمة وجهات غير منظمة كما العالم العربي، لكن الشعوب العربية عاطفية تربط العمل التطوعي بالأمور الدينية والعرقية والقومية.

- هل الارتباط العاطفي سيئ؟
له إيجابية لأنه يجعل الدافع أقوى فقط، لكن يجب أن نبقى حريصين على لفظ الكلمة حين نتعامل مع الإنسان كإنسان، لأن القيم الإنسانية موحدة في جميع أنحاء العالم، فإن كانت لديّ قدرة على العطاء الإنساني أعطي المحتاج بغض النظر عن دينه أو عرقه، لأن «دروب» تركّز على مفهوم العمل التطوعي بماهيته وعلى الإنسان تحديداً وكيف يكتشف جانب القوة لديه، ليعطي بشغف.

- ما هي برامج دروب؟
لدينا المنح الدراسية في دول مختلفة تخدم الجنسين، و«سفراء دروب» برنامج يشمل مفهوم العمل التطوعي أو خدمة الآخر، وهذا العام لدينا «جوائز دروب» مرتبطة بمجال التشغيل وتستهدف طلابنا وشركاءنا في المدارس والأشخاص الذين يعملون معنا لدعم المنح، كما وهناك ذراع تشغيلية لـ «دروب» تحت عنوان «ignite» أي «مركز مهارات القرن 21»، وهذه الذراع تشغّل كل شراكاتنا العالمية، وهي الجهة المسؤولة عن استثمارها وتحويلها إلى برامج ومناهج وتدريب تستفيد منها المجتمعات.

- ما هي شراكاتكم العالمية التي يشغلّها «ignite»؟
لدينا شراكات مع منظمة «العون الدولية» المدعومة من الأمم المتحدة، مركزها الأساسي السودان ولديها أذرع في أفريقيا، وشراكة مع منظمة «الثواني الست» منظمة الذكاء العاطفي، ونحن الشريك الحصري لها في السعودية، نقدم خدماتنا في السودان وسنكون قريباً في كينيا، وشراكة مع منظمة «التصميم من أجل التغيير» مبنية على إرادة المجتمعات، ونحن الشريك الحصري لها في السعودية أيضاً، وهناك شراكات عالمية أخرى. 

- في مبادرة «تيدكس»، كانت لك محاضرة عن الخوف، كيف يُمنح الطفل طاقة إيجابية؟
«الخوف» موضوع شائك، وكلنا حريصون على ألا نشعر به ولا يقترب من حياتنا، فالمشاعر غير المحببة مثل القلق والغضب والعصبية أساسها الخوف. إن فهمنا للخوف فهم علمي كونه تكنيكاً استخدمناه لاستمرارية الحياة، فلو لم يكن الخوف جزءاً من تركيبة نظامنا الإنساني لانقرضنا منذ زمن بعيد، فإن فكّرنا بالخوف بتلك الطريقة يصبح مصدر طاقة لنا، والشيء نفسه بالنسبة الى الأطفال، لذلك يجب أن أعلّم الطفل، حين تظهر عليه علامات الخوف، أن ما يشعر به اسمه «الخوف» وأبني عنده المعرفة بالخوف، لأنه كلما زاد وعي الإنسان بمشاعره الأساسية، كلما أصبحت مهاراته قادرة على الاستفادة من تلك المعرفة بشكل احترافي، وعلى سبيل المثال لا الحصر حين يخاف الطفل من أقرانه في المدارس «التنمر»، أدفعه الى ممارسة الرياضة وأحضّره لمواجهة تلك المواقف، ألا وهو «الخوف».

- كيف نعالج قضية التنمر في المدارس؟
هي قضية شائكة في كل مدارس العالم، نظراً الى وجود شخصيات تختبر مدى قوتها على الآخرين، ولديها نقص وحب التسلط، لذلك كلما زرعنا الذكاء العاطفي عند الأطفال في عمر صغير هيأنا شعوره بالأمان وتحقيق العدل، واستشعار الآخر، وكلما هيأنا بيئة يُحترم فيها الآخر نقلل من حالات التنمر وتصبح نادرة ولا تُعمم.

- هناك ذكاء عاطفي وذكاء اجتماعي، كيف ننمّيهما؟
الذكاء العاطفي يرتكز على فهم الإنسان ومعرفته لذاته وقدرته على معرفة الآخرين، لذلك هو قدرة الإنسان على اتخاذ قرارات حكيمة والأصلح لذاته باستشارة ما بين العقل والقلب، وينبثق من الذكاء العاطفي ما يعرف بالذكاء الاجتماعي، والذكاء الذاتي، فالذكاء الاجتماعي هو قدرة الشخص على إدارة علاقته مع الآخرين، وقدرته على فهم بيئته تماماً والتصرف بشكل ملائم لسلوك ناجح اجتماعياً.

- ما المنهج الجديد الذي تصمّمينه لتطوير الفكر بعيداً عن التلقين في المؤسسات التعليمية؟
حين نعمل على مشروع أو منهج، نضع له هدفاً لتخريج قادة التغيير الإيجابي في مجتمعاتنا، والمنهج الذي أحضر له والذي لي فيه الدور الأكبر، هدفه أن يلامس حياة 2.2 بليون طفل في العالم، كونه يركّز على الذكاء العاطفي والمهارات التي تهيئهم لمستقبل مجهول، كما يركّز على كيفية تحقيق الطفل أهدافه سواء كانت أكاديمية أو تعليمية أو اجتماعية أو أسرية، أو إنسانية كوننا نحب خدمة الآخرين، وإن اختلفت النسبة من شخص إلى آخر، فالطفل الذي تأتيه تلك الفرصة ويتواجد في بيئة ثرية تدعم الجانب الإنساني عنده، يكون محظوظاً لا محال.

- هناك منهاج لتحديث أفكار الموهوبين، كيف تدلّين على الموهبة؟
نركّز على المهارات التي تحوّل الأفكار إلى تطبيقات وممارسات عملية، وهذا الأهم بالنسبة الى مؤسساتنا. ونسير على أسس علمية لاكتشاف الموهبة فنستخدم معايير عالمية، لأننا نملك الأدوات، ولدينا اختبارات متنوعة ومتعددة لاكتشاف الإبداع ومقاييس عالمية محَكَّمة للذكاء العاطفي، مصدرها مراكز أبحاث عالمية.

- يُقال أن الموهوب منكوب في مجتمعنا وما من أحد يهتم به!
جزء من مسؤوليتنا الاجتماعية العمل على توعية أولياء الأمور بمواهب أطفالهم، فإن لم يكن واعياً كل ولي أمر بسمات الموهبة، لا تتحقق نتائج إيجابية وإن عرضت مناهجي كلها، لذلك نبادر بمشاريعنا ولدينا مثلّث الشراكة المتبَادلة «دروب والأهل والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة» هو الذي يقودنا  الى الأفضل.

- كل شيء تغير في المجتمعات إلا السبورة والمقاعد، ألا تعتبرين أن هذا يخنق مهارة الطالب؟
أنا مع «لها» مئة في المئة، لذلك تطاول التوعية المعلمات والمعلمين، في مدارس الشراكة مع الطالبات والطلاب الموهوبين وأولياء الأمور، وقد أسلفت بمثلث الشراكة نظراً الى أهميته.

- تقولين في إحدى المقابلات: أنا لست معلمة أكاديمية وإنما معلمة لمهارات الإنسان، وفصلي هو العالم بلا جدران، ما هي نظريتك؟
لدي إيمان بأن العصر الذي نعيش فيه خصوصاً وللمستقبل، إن لم ترتبط المادة العلمية بالواقع ستصبح معلومة قد تُحفظ في الدماغ لفترة موقتة، وتُخزّن في مكان لا يمكن الحصول عليها، لذلك عملية  التعليم يجب أن تكون مرتبطة بالممارسة خارج حدود الصف ومكانها الميدان.

- متى تتغير الصورة النمطية عن التعليم؟
بدأنا نلاحظ تغيير البيئات التعليمية من ساكنة إلى متحركة في الشرق والغرب، وبدأت تظهر سمات لتلك التغيرات في العالم العربي، ورؤية 2030 التي وضعتها المملكة تشير إلى اهتمامها بالمستقبل، بعيداً عن اللحظة، لذلك أوجدنا مناهج للمعلمين والطلاب لتعلم الريادة والقيادة، فإن كان المعلم/ المعلمة مرناً/ مرنة تقبّل/ تقبلت هذا التغيير وصلنا إلى ما نريد وأنتجنا أجيالاً جديدة.

- ما هي التحديات التي تواجه دروب؟
ما يلزمنا رفع الوعي بمفهوم التطوع، والعمل عليه بشكل أكبر، لذلك نحن في أمسّ الحاجة الى مساعدة حكومية كي ننطلق بالسرعة التي نريدها، والتحدي الآخر وجود الكفاءات التي تريد تسخير حياتها في مجال العالم الإنساني، ومن يعتقد أن رواتب العمل الخيري أقل فهو مخطئ، لأن لدروب منهجها الصحيح في هذا الموضوع.

- القيادة عند الأطفال هلى تُحقق النجاح العلمي؟
مئة في المئة، كل طفل قيادي هو ناجح علمياً وعملياً لا محال، وكلما تطوّرت مهارات القرن الواحد والعشرين، ومهارات القيادة عند الأطفال، ضمنا مستقبلهم أكاديمياً وعلمياً ومهنياً، وخرجت شخصيات تؤثر تأثيراً إيجابياً في سوق العمل، وترفع من اقتصاد الوطن.

- من كوّن شخصيتك لتصبحي قيادية؟
البيت منحني الفرصة الذهبية لأكون قيادية ناجحة، حين أتاح لي فرصة المطالعة وأهمية القراءة، والدي علمني تحمّل المسؤولية في كل مكان، وبشغف من أجل خدمة الآخرين. أما والدتي السيدة سعاد العطار، صاحبة الشخصية القيادية التي كان جلّ اهتمامها العلم والتعلم، وصاحبة مدارس تحفيظ القرآن ورياض الأطفال، فعلمتني معنى القيادة ومفهوم العمل الإنساني، بضمير واعٍ متّقد، وما زال همها بناء الإنسان بالتعلّم والتعليم الذي يُعتبر سلاحاً قوياً يحوّل الفقير إلى غني، والجاهل إلى متعلم ويفتح له دروباً كثيرة.

- من هي سلافة بترجي الإنسانة؟
إنسانة متعاطفة جداً، وأحلامها أكبر منها، ولو كان لي الخيار لتركت النوم من أجل العمل.

- ما هو طموحك؟
لو استطعت أن أقابل 2.2 بليون طفل في العالم لفعلت.

- أم لأربعة أولاد في ظل الانفتاح، كيف تربي أبناءها؟
أزرع القيم الأخلاقية، والمراقبة الداخلية واستشعار وجود الله، وأفصل بين حياتي الخاصة وبين عملي كلياً لأعيش بسلام، وأتمنى من المجتمع احترام حياتي الشخصية.

- رسالة لكل أم؟
نصيحة لكل أم ولكل معلمة: وفّري الفرص لأبنائك، واجعلي ابنك يبدأ بمشروعه الصغير وأعطيه الحرية ليتعلم وفق قدراته، مثلما أتحتُ الفرصة أمام أبنائي وأدخلتهم في العمل التطوعي.

- نهاية المطاف؟
إذا كانت أحلامنا لا تخيفنا، هذا يعني أننا لا نتحدى أنفسنا، وأقول لـ «لها» تحدّي نفسكِ ليصبح حلمكِ يخيفكِ، وتتكوّن لديكِ الطاقة.