طفلي الصغير وحيد في الملعب

ديانا حدّارة 25 مارس 2018

يقول هاني: «رامي لم يعد صديقي»! لين تشكو: «نهلا قلّبت صديقاتي ضدّي»! يصرخ عمر غاضبًا: «أمين يركلني في ساعة الفسحة»... عبارات يقولها تلامذة صغار لأهلهم عندما يعودون من المدرسة بحزن وأسى! فكيف ينبغي على الأهل التعامل مع هذه الشكاوى؟ رغم كل حسنات الخروج إلى الفسحة، فالمخاوف من ملعب المدرسة شائعة. وعلى الرغم من أن الأهل يقلقون من مشهد أطفالهم وهم يعودون إلى البيت باكين، لأنهم وقعوا ضحية لحالة لا يفهمونها تمامًا، لا ينبغي لهم أن يجعلوا الوضع أكثر سوءًا.
فكما الملعب هو المكان الذي ينفّس فيه التلامذة عن مكبوتاتهم خلال ساعات الحصّة المدرسية، يمكن أن يكون أيضًا مكانًا مزعجًا للطفل. فالغيرة والقسوة والمشاجرات، كلها أمور قد يتعرض لها على أيدي بعض الأطفال، ما يجعله يخشى النزول إلى الملعب ومشاركة الرفاق في اللعب. لذا، من المهم جدًا أن يشعر الطفل بالحماية والطمأنينة أثناء الفسحة.
وهذه بعض الطرق للتفكير في كيفية التعامل مع هذا النوع من شكاوى الطفل، ليس كشخص بالغ، وإنما كطفل!

فهم ما يحدث مع الطفل في الملعب
على الرغم من أن الطفل قد يكون رائعًا، ويُظهر سلوكه الشخصي والأكاديمي أن له مستقبلاً مشرقًا، فالأهل لا يرون في كثير من الأحيان ما يجري في المدرسة.
فالطفل يروي لوالدته ما يحدث معه وفق قدرته على التعبير، فيبدو عليه الشعور بالضيق، عيناه دامعتان، ولكن التفاصيل التي يرويها تبقى نسبية بناءً على وجهة نظره. فأثناء سرده الأحداث لوالدته، عليها أن تتذكّر أنها الأسبوع الماضي كانت أسوأ أمّ في العالم، لأنها لم تسمح له بتناول الشوكولاته مساءً.
لذا، عليها الاستماع لشكواه، ودعمه، ولكن في الوقت نفسه من المهم ألاّ تحاول تضخيم المشكلة، وتتسرّع في إصدار الحكم على تصرفات صديقه في الملعب، فقد تكون المشكلة بينه وبين صديقه بسيطة جدًا وسخيفة، وعندما تسأله عنها في الأسبوع التالي، سوف تفاجأ ربما بجواب: «لا أعرف عمّا تتكلمين ماما».
أما إذا لاحظت الأم أن طفلها قد امتنع عن الفسحة بشكل دائم فعليها أن تعرف السبب، وإذا رفض التحدث يمكنها الاقتراح عليه أن يرسم الأمور التي تزعجه أثناء وجوده في الملعب، ومناقشة الأمر مع معلمة الصف، والناظر الذي يراقب التلامذة في الملعب.

معرفة أسباب تخلّي صديقه عنه
قد تفاجأ الأم بأن طفلها لم يعد يتكلّم مع صديقه المقرّب الذي تعرفه جيدًا، والذي غالبًا ما يدعوه إلى المنزل، مما يمنح الأم انطباعًا بأن تجربة طفلها في المدرسة الابتدائية جيدة، لا بل مثالية! وفجأة تسمع طفلها يقول: «لم يعد صديقي، لا أريد أن أراه أو أتكلّم معه، لقد أصبح لي صديق حلّ مكانه».
من الواضح أن الطفل مستاء جدًا، وهذا طبيعي. ففقدان الطفل في هذه السنّ صديقه وإن لساعات، يشبه إلى حدّ ما انقطاع العلاقة العاطفية. لذا على الأم طرح الأسئلة على طفلها، والعمل على تغيير أفكاره وتشجيعه على الإشارة إلى جميع أصدقائه الآخرين الذين يلتقيهم بانتظام.
وربما سيعود ويتكلم مع صديقه الذي قطع علاقته به، مرة أخرى قريبًا، وربما لا. ما يهم هو أن يتمكن الطفل من تكوين علاقات اجتماعية بطريقة أخرى. وعلى الأم أن تدرك أن طفلها لا يتصرف بالطريقة نفسها في المدرسة والمنزل.
فملعب المدرسة غالبًا ما يشبه الأدغال حيث يتعلم التلامذة أساسيات الحياة في المجتمع بالطريقة الصعبة. يتعلم التلميذ في ملعب المدرسة قوانين أترابه وكيفية اللعب والتعابير الرائجة. فمع الرفاق يمكنه تجربة أمور جديدة، يومًا تراه يلعب دور الزعيم وآخر دور الخادم، ويومًا يلعب الكرة الطائرة وآخر يفضّل كرة القدم، وأسبوعًا ينتمي إلى مجموعة وآخر يفضل أن يكون وحيدًا.
ومن اللافت ولاؤه لمبادىء هذه المجموعة وتطبيقه قوانينها. في الملعب، في هذا المختبر الصغير إذا صح التعبير، يواجه الآخرين ويكتشف ماذا يحب، ومن يكون وماذا يودّ أن يصير في المستقبل. وعبارة «لم تعد صديقي» ليست إلاّ شكلاً من أشكال التلاعب أو الابتزاز.
ولمساعدة الطفل على تخطّي هذه المرحلة الصعبة، أي مرحلة تخلّي صديقه المقرب عنه، يمكن الأم تعليمه ألعابًا جديدة من شأنها أن تشغله خلال الـ 20 دقيقة الصعبة التي يمضيها في الملعب ويشعر خلالها بأنه وحيد في هذا العالم، مثل ألعاب الطابة أو القفز بالحبل... فهذه الألعاب تشغله خلال الفسحة.

إيجاد بدائل للنزاع
عند دعوة أصدقاء الطفل إلى المنزل، على الأم مراقبة ديناميكيات الأصدقاء وتصرفاتهم والعبارات التي يقولونها. هل يميل الطفل المضيف إلى إصدار الكثير من الأوامر لضيوفه، أو على العكس من ذلك، هل له تأثير في أصدقائه ويرغمهم على تنفيذ رغباته؟ هل يتصرّف مع بعض أصدقائه، بطريقة أفضل من بعضهم الآخر؟ فكل ما تلاحظه الأم سيسمح لها بالإجابة عن تساؤلاتها بشكل أفضل عندما تحدث مشكلة ما مع طفلها.
في بعض الأحيان، قد يتشاجر الأطفال لأسباب تافهة في نظر الراشدين، في حين تبدو مهمة بالنسبة إلى الطفل الذي قد يقطع علاقته بصديقه بسبب قلم رصاص أخذه منه هذا الصديق. هنا على الأم اغتنام الفرصة الذهبية لتعليم طفلها وأصدقائه تسوية نزاعاتهم بهدوء واحترام.

التقمّص العاطفي
يغضب بعض الآباء حين يخبرهم أطفالهم عن المشكلات التي حدثت معهم في المدرسة، ويقترحون عليهم الدفاع عن أنفسهم بأسلوب عنيف حتى لا يكونوا كبش فداء في المدرسة.
بينما على الآباء أن يتحلّوا بمقولة «لحظة صبر في لحظة غضب تمنع ألف لحظة ندم». ففي كثير من الأحيان، حين يقرّر الطفل مواجهة الآخرين، تزيد المتاعب والمشكلات، مما يؤدي إلى تصاعد وتيرة العنف بين التلامذة الصغار.
خلافًا لذلك، على الأم أن تعلّم طفلها أن يضع نفسه مكان الآخر، ليفهم منطقه والأسباب التي دفعته للتصرّف على هذا النحو، وفي الوقت نفسه تشجعه على أن يكون محاطًا بأقران أو يبني علاقة مع من يملكون قيمه ومبادئه نفسها، فسوف تلاحظ تغييرًا جذريًا في الطفل الذي سيكون من السهل عليه أن يفهم الآخرين.
وفي طبيعة الحال، يتعيّن على الأم أيضًا أن تشرح لطفلها، أن ليس عليه تحمل سلوك الآخر السيئ وكل تصرفاته بحجة أن لا حياة سهلة في منزله، بل على الطفل أن يختار أصدقاءه الذين يشبهونه في السلوك والقيم العائلية الخاصة.