رائدات في البيت والعمل والمجتمع... المرأة العصريّة: نجاحات وانتصارات صغيرة تشكّل كلّ الفارق!

دينا الأشقر شيبان 24 مارس 2018

لقد أثبتت النّساء عن جدارة استحقاقهنّ مشاركة الرّجال في المجتمع، ودخول معترك الحياة من الباب العريض، لما حققنه من نجاحات في مختلف مجالات العمل. من جهة أخرى، لا تزال إمكانيّة التوفيق بين الواجبات العائلية ومسؤوليّات العمل، حكراً على «الجنس اللّطيف» الذي برهن أنّه «العنصر الأقوى» بلا منازع في ما يتعلّق بالتّخطيط والتّنظيم والتّنفيذ والتحمّل... فكيف تبدّلت النظرة إلى المرأة في القرن الحادي والعشرين؟ ومن هي المرأة العصريّة العصاميّة؟


لطالما اعتُبرت المرأة عبر التاريخ، الكائن الأضعف الذي يحتاج إلى الرعاية والحماية والاهتمام، لكونه عاجزاً اقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً، عن تكوين علاقات مثمرة، تمكّنه من الاستقلاليّة والرّيادة في سائر المجالات. بيد أنّ هذه المقولة قد دُحضت اليوم، بفعل الإنجازات الهائلة التي تمّ توثيقها في مختلف الميادين. إلاّ أنّ الفارق الشاسع ليس بالضّرورة إنجازاً مهولاً، وإنّما نقطة التحوّل تكمن في كيفيّة قدرة المرأة على التوفيق، بنجاح، بين سائر واجباتها ومسؤوليّاتها، وتحقيق ذاتها في آنٍ معاً. ذلك أنّ المرأة العصريّة بعيدة كلّ البُعد من الصّورة النمطيّة التي طُبعت بها كلّ فتاة منذ نعومة أظفارها، وتحدّد دورها ضمن نطاق العائلة والبيت الزوجيّ والاعتناء بالأولاد!

تتحدّث المعالِجة النفسيّة فالن فالنتين، عن دور المرأة الرّيادي المستقلّ الذي مكّنها من مشاركة الرّجل ومنافسته في ميادين العمل، عارضةً لتبدّل النظرة القديمة تجاه «الجنس اللّطيف». كما تُدلي ثلاث سيّدات عصريّات بشهاداتٍ عن حياتهنّ وكيفيّة تحقيقهنّ طموحات ونجاحات بعد تخطّيهنّ عقبات جمّة.


مجتمع عصريّ
يُقال إن «ليس كلّ ما يبرق ذهباً». انطلاقاً من هذه المقولة يمكن التأكيد أن ليست كلّ النّساء الناجحات في حياتهن وأعمالهن «محظوظات»! بل إنّهن مكافحات ومثابرات ومناضلات وصابرات ومؤمنات وعصاميّات، بحيث استطعن تحقيق نجاحاتهن بأيديهنّ، عبر بذل الجهود وتذليل العقبات وسهر اللّيالي، حتى غدت أحلامهنّ واقعاً ملموساً.

تقول فالنتين: «تكاد مواصفات المرأة العصريّة لا تُحصى، ولعلّ أبرزها الثقافة والرأي المستقلّ وقوّة الشخصيّة والتفكير المنطقيّ والطموح والثقافة وحبّ الاطلاع والتعلّم. فقد تبدّلت مع الوقت أولويّاتها، حتى استطاعت اليوم مساندة الرّجل، لا بل منافسته أحياناً في العمل والبيت والمجتمع».

فبعد القرار الشخصيّ والاستقلاليّة الماديّة، حققت المرأة دفعاً إلى الأمام مكّنها من متابعة حياتها ووضع طموحها نصب عينيها لبلوغ أهدافها، وذلك عبر إثبات ذاتها وتنظيم أمورها للتوفيق بين مختلف جوانب حياتها العائلية والعمليّة.

تشير فالنتين الى «أنّ المرأة «أضعف» من الرّجل من حيث التكوين البيولوجيّ فقط! وهذا الأمر لم يقف يوماً عائقاً أمام تحقيق رغباتها، إذ تتمتّع بالمقدرة نفسها في العلم والعمل والتربية، وتحترم التقاليد والأعراف وتربّي أولادها، ولا تقصّر في واجباتها، متى عرفت كيفيّة التنظيم والتخطيط وتقسيم أوقاتها ووضع سلّم أولويّاتها نصب عينيها».

تبقى المرأة «الرّكن الأساسيّ» في المنزل، فهي الزّوجة والأمّ والأخت والبنت قبل كلّ شيء، لكنّها أيضاً الصديقة والزميلة والمديرة والرائدة والشريكة! وهي اليوم شبه منخرطة في الميادين السياسيّة والاجتماعيّة والعمليّة والاقتصاديّة كافة، وتتبوأ أعلى المناصب وتشغل أهمّ المراكز.


سيّدة عصاميّة
الإصرار والوعي والمبادرة والطموح من أبرز ما يجب أن تتمتّع به كلّ سيّدة عصريّة عصاميّة تحلم ببناء مستقبل أفضل لها ولعائلتها. تقول فالنتين إن «على المرأة العصاميّة أن تمشي واثقة الخطى بغية خوض غمار الحياة ومواجهة الصّعاب بعزيمتها وإصرارها واستعدادها الدائم لكلّ مفاجأة أو عثرة. كما أنّ الوعي الذاتي يمنحها قدرة التعلّم من أخطائها وإدراك نقاط ضعفها. وأخذ المبادرات ومعرفة اقتناص الفرص يمكّنانها من الحلول في المراتب الرياديّة على الدّوام. هذا بالإضافة إلى ضرورة تمتّعها ببُعد النظر ورؤية الفرص والاستلهام، حيث يرى الآخرون الصعوبات ويستسلمون».

قد تكون المرأة القويّة العصريّة «مُجبرة» بسبب الظروف القاهرة، على دعم عائلتها والتضحية لتأمين حياة أفضل لها، وهذا يقوّيها على الصعيد الشخصيّ، حيث تتمكّن من التفوّق على مخاوفها لتنتصر في النهاية. ومن جهة أخرى، قد تكون تجربة خاطئة دفعتها الى التحرّر من ظروف مفروضة عليها وتحدّي الواقع والانتفاض عليه.


دعم يولّد النجاح
تؤكد  فالنتين أنه «لا يمكن أن ننكر الدّعم المطلق الذي يوفّره بعض الآباء وحتى الأزواج والعائلات لنسائهم، بحيث يكون هذا التشجيع والدعم المتواصل الخطّ السريع للوصول إلى المناصب العليا. فقد تبدّلت نظرة المجتمع والـStereotypes المفروضة على البنت منذ ولادتها، ولم تعُد فكرة البنت المتحرّرة مرادفاً «للضياع وقلّة الأخلاق والافتقار إلى الحشمة». فقد تغيّرت الظّروف والأسباب، وبات من الضروري أن تشكّل المرأة «فعلياً» نصف المجتمع، وأن تساند عائلتها وزوجها، وأن تحقّق طموحها وتكوّن شخصيّتها المستقلّة».

وتضيف: «يولّد الدّعم النجاح والازدهار العمليّ. فالجميع في حاجة إلى الاستمراريّة والمتابعة والمساعدة في بعض الأحيان. وهذا من أبرز سمات نجاح الزواج والعائلة والمجتمع والوطن. فطلب المساعدة من الشريك ليس دليل ضعف أو تقصير، وإنما هو ببساطة مشاركة للوصول إلى الأفضل».

أولويّات وتأقلم
إنّ نقص التركيز على المنزل والزوج والأولاد لا بدّ من أن ينعكس سلباً على كلّ سيّدة مهما أبدعت في عملها. إذ لا يجوز مطلقاً أن تتفوّق في قطاع معيّن على حساب قطاع آخر. من هنا أهميّة الموازنة بين مختلف ما تمثّله «المرأة». تنوّه فالنتين بأنّ «المرأة العصريّة هي تلك القادرة على التوفيق والتنظيم بين مختلف جوانب حياتها، عبر تقسيم واجباتها ومسؤوليّاتها، وتحديد أولويّاتها وترتيب جدول أعمالها لتتأقلم مع التغييرات المهولة التي قد تطرأ على روتينها اليوميّ». فربّة المنزل المثاليّة هي ليست فقط التي تطهو وتنظّف وترتّب، بل تلك التي تربّي جيلاً واعياً وتساعد شريكها وتبرز في المجتمع وتكون رائدة في مجالها... ولكلّ امرأة تحدٍّ معيّن تخوضه في حياتها، مع أولادها، في عملها وفي المجتمع!


شهادات مختلفة

غادة برّي غريّب
زوجة وأمّ لخمسة أطفال. هي خرّيجة إدارة أعمال، وقرّرت بعد عودتها للاستقرار في لبنان، أن تفتح Beauty Spa يهتمّ بجمال المرأة. تقول إنها كانت تربّي أطفالها بمفردها، إذ بقي زوجها في الغربة، فكان عليها التأقلم مع الوضع الجديد. وبعد أربع سنوات من النجاح، توسّعت في عملها وافتتحت spa آخر. وتشير إلى أنها بالطبع تواجه صعوبات كثيرة، لكنها تحاول قدر المستطاع التنسيق بين مسؤوليّاتها في العمل والتعاطي مع الموظفين والاهتمام بالزبائن من جهة، وتربية أولادها ومتابعة تفاصيل حياتهم، والقيام بدورها العائليّ والاجتماعيّ من جهة أخرى. وتلفت الى أنّ يومها يبدأ منذ الخامسة والنصف صباحاً ولا ينتهي قبل منتصف الليل، فهي لا تحبّ الفوضى والتقصير والمفاجآت، وتفضّل التنظيم والتخطيط والتنسيق. فتهتمّ قبل الظهر بالعمل، وبعد الظهر بالأولاد والمنزل. تؤكّد أنّ الأمر يتطلّب طاقة وجهداً وصبراً طويلاً، لكن مع الوقت تتأقلم وتتخطّى المشاكل.

توضح غادة أنّ الحصول على الدعم المطلق والتشجيع من زوجها هو ما يبقيها مستمرّة. فالتقدير والاهتمام المعنويّ والاحترام تعطي الطاقة للمضيّ قُدماً، مما ينعكس سلباً عليها وعلى عملها وعائلتها وأولادها. وتختتم بالقول: “الطموح والإرادة والتنظيم والإدارة هي المفتاح للمستقبل المشرق!”.

الفنانة جاكلين خوري
ملكة جمال لبنان السابقة، تغيّرت أولويّاتها بعد وفاة ابنتها البكر رنين منذ نحو عشر سنوات، وولادة ابنتها غابرييلا التي تعاني حالة إعاقة تتطلّب عناية خاصّة. تؤكّد جاكلين أنّ عالمها الذي كان قبلاً قد تبدّل بالكامل، فهي عاشت عمرها وسافرت وغنّت وتعرّفت إلى أشخاص كثر... لكنّها اليوم تعيش حياة عائليّة بامتياز، لتعوّض ما حُرمت منه سابقاً. وتكون بالتالي قد دمجت حياتين للحصول على الحياة الكاملة. فبعد سنوات السهر والسّفر، ها هي اليوم تلازم المنزل وتكرّس طاقتها ووقتها كاملاً لولديها غابرييلا وأنطوان. فهي مقتنعة ومرتاحة وقد تغيّرت أولويّاتها. تقول إنها مرّت بصعوبات وعانت ضغوطاً ومشقّات، لكنّها استطاعت التأقلم مع الظروف القاهرة، وسخّرت طاقتها النفسيّة والمعنويّة والجسديّة لتربية ولديها ورعايتهما، كما خصّصت وقتاً للاهتمام بنفسها. وتشير إلى أنّ الإنجازات المهنيّة فخر لكلّ سيّدة بالطّبع، لكن الإنجاز الأكبر هو العائلة بالنسبة إليها، بحيث استطاعت منح طفليها كلّ ما يحتاجان إليه، وهي لا تزال تتابع حالة ابنتها وتنقل لهما من خبراتها ليستفيدا منها. جاكلين كانت بالطبع تتمنّى لو لم تتسارع وتيرة الأمور، ولو أنها سارت تدريجاً، فقد حُرمت من ابنتها البكر، لذا تحاول التعويض قدر المستطاع على ولديها الآخرين. بالطبع، التضحيات المهنيّة والشخصيّة كثيرة، لكنّ القناعة والطموح العائليّ يعوّضانها الكثير، وتكون في قمّة السرور حين ترى عائلتها مجتمعة وسعيدة وبصحّة جيّدة. وتختتم بأن التعايش مع حالة خاصّة في المنزل صعب بلا شك، لكنّ مقاربة الأمر هي ما يشكّل الفارق!

نادين أبي راشد
زوجة وأمّ وأستاذة جامعيّة وناشطة اجتماعيّة. فهي اعتادت منذ طفولتها التي أمضتها في الولايات المتّحدة، على تحدّي ذاتها. وقد دعمها أهلها وحضّوها على متابعة تحصيلها العلميّ، ما جعلها المرأة العصريّة التي تقف اليوم شامخة أمامنا. تقوم نادين بكلّ واجباتها من طهو وتنظيف وترتيب وتربية، إضافة إلى التعليم في جامعة مرموقة وتنظيم مختلف النشاطات الجامعيّة الإنسانيّة. كما تهتمّ بالنشاطات الاجتماعيّة، وهي ناشطة في منطقتها ومحيطها. تقول إنّها استطاعت التوفيق ما بين أسرتها وعملها بسبب تنظيم أولويّاتها، ما مكّنها من الحصول على شهادة الدكتوراه في الـMedia Studies  أخيراً، لأنها تؤمن بضرورة تطوّر المرأة عبر متابعة العلم والثقافة. كما ترى أنّ المرأة العصريّة المميّزة هي تلك التي تستطيع الانخراط في الخدمة المدنيّة، لذلك تشجّع تلاميذها دوماً على القيام بالنشاطات الخاصة بالـCivic Engagement. وتنوّه بأنّ النظرة إلى المرأة الشرقية لطالما كانت دونيّة ونمطية ومحصورة بالواجبات العائليّة والمنزليّة، وهذا أمر غير مقبول في العصر الحاليّ. وهي فخورة بكونها سيّدة عصريّة عصاميّة، توفّق ما بين عائلتها وأولادها وزوجها وأصدقائها وعملها ونشاطاتها...