طفلي يتأثر بدائرة أصدقائه

01 أبريل 2018

كما الراشد تشكّل الصداقة جزءًا رئيسًا من حياة الطفل والمراهق، وغالبًا تكون حلقة الأصدقاء منسجمة متناغمة يشبه أعضاؤها بعضهم البعض في التفكير والشخصية، ولكنْ هناك دائمًا عضو متمايز عن البقية، فيعمل كل ما في وسعه ليسير على نمطها في الشكل والمضمون، مما يعرّضه لضغط حلقة أصدقائه، ويسبب له توترًا، ينعكس في علاقته مع والديه.
فصديقه الحميم يذهب إلى فراشه في وقت متأخر وهو يريد أن يفعل الشيء نفسه، وصديقه الآخر يسمح له والداه بممارسة لعبة فيدو معيّنة فيما هو ممنوع عليه ذلك. وهناك الصديقة التي تريد ملابس من علامة تجارية محددة وهي تريد أن تفعل المثل.
إذًا، يعيش هذا الطفل ضغط الشلّة التي يريد التماهي بها ليبقى ضمنها. فماذا على الأهل القيام به، إذا لم يكن أسلوب حياة أصدقاء أبنائهم يلائم قوانينهم وعاداتهم، أو قدرتهم الشرائية؟ وهل من الطبيعي أن يتأثر الطفل أو المراهق بشلّة أصدقائه!


دائرة الأصدقاء تبدأ منذ الحضانة
يبدأ الطفل التأثر بأصدقائه منذ دخوله إلى الحضانة، ويتعمّق هذا التأثر عندما يذهب إلى المدرسة، ويصبح محاطًا بأقران من السنّ نفسها، وأحيانًا أكبر منه سنًّا، لذا من المؤكد أن يتأثر الطفل  بسلوك الآخرين وتصرفاتهم، وهو أمر طبيعي تمامًا!
وفي الواقع، نحن جميعًا نرغب في أن نكون مقبولين ضمن مجموعة من الأصدقاء، وهذه حاجة كانت أكثر أهمية عندما كنا صغارًا. تبدأ هذه الرغبة في المرحلة الابتدائية، وصولاً إلى المرحلة الثانوية.
ولكن ليس بالضرورة أن تكون ضغوط الأصدقاء سلبية: على سبيل المثال، إذا كان طفلك محاطًا بالأصدقاء الذين يكون أداؤهم المدرسي جيّدًا فإنه قد يميل إلى مضاعفة جهوده لتحقيق النجاح أيضًا بطبيعة الحال.
وفي المقابل، يمكن أن يكون هذا الضغط سلبيًا أيضًا، مثلاً يتلفظ الطفل بعبارات وقحة، ويتكلم مع أهله بطريقة مختلفة! ... ولكن لحسن الحظ، فقد أظهرت غالبية الدراسات أن الآباء لا يزال لهم التأثير الأكبر في أطفالهم، وخاصة في ما يتعلق بالقيم الأخلاقية. الأمر الذي لا ينطبق بالضرورة على خيارات الطفل أو المراهق في ما يتعلق بالنشاطات الرياضية أو الهوايات الأخرى.   

تطوير شخصية الطفل
إن التأثر لا يعني بالضرورة أن يكون الطفل أو المراهق ضعيف الشخصية ويتأثر بالآخرين من دون أن يكون له رأي، فليس مثلاً لأن ابنتك تريد حقيبة ظهر من العلامة التجارية نفسها التي لدى صديقتها أنها لا تملك رأيًا أو شخصيتها ضعيفة.
وإنما في الواقع، وعلى وجه التحديد، تريد أن تفرض شخصيتها وحضورها في شلّة الصديقات، وهذا يمرّ حتمًا من خلال أن تكون مقبولة داخل المجموعة. وفي طبيعة الحال، يجب ألا تستسلم الأم لأدنى المطالب بحجة أنها تلبي لها هذه الحاجة.
وفي المقابل، على الأم أن تعرف أنها من خلال رفضها بعض مطالب ابنها، وإظهار الاختلافات عن دائرة أصدقائه سوف يكتشف الطفل من هو حقًا.
ابنتها تريد هذه العلامة التجارية من الجينز؟ حسنًا، ولكن لأي سبب؟ كم تكلفة الملابس ذات الماركات الشهيرة؟ إذا كانت، على سبيل المثال، مكلفة للغاية، فمن حق الأم أن ترفض وفي الوقت نفسه تشرح السبب.
يمكن الأم أيضًا اغتنام الفرصة لتعليم ابنتها بعض المفاهيم حول قيمة المال من طريق الموافقة. على سبيل المثال، إعطاء البنت مبلغًا معينًا لشراء الملابس التي ترغب فيها  سوف يضطرها  لدفع الفرق من مدّخراتها.

القيم والقوانين المنزلية مسألة نسبية تختلف من عائلة إلى أخرى
ليس لدى الأصدقاء فقط الأشياء التي قد تغري الطفل، بل قد يكون لديهم أيضًا أذونات وقوانين عائلية مختلفة. لذا من المهم أن يعرف الطفل أن لكل عائلة قوانينها الخاصة، وعليه الالتزام بها، ليس لأن صديق الطفل يدّعي أن في إمكانه الذهاب إلى الفراش بعد ساعة من الوقت المسموح له، أن هذا الادعاء صحيح! فربما صديقه يزعم ذلك ليجعل نفسه مثيرًا للاهتمام، أو ربما الطفل يريد أن يكسر قانون العائلة بحجة ملموسة.
على أي حال، من الضروري الاستماع إلى طلبات الطفل، وإذا كانت تبدو غير عقلانية، على الأهل أن يشرحوا لماذا. ففي النهاية كل طفل فريد من نوعه، وجميع الأطفال مختلفون عن بعضهم، ولكل واحد منهم شخصيته المتفرّدة، وانتماؤه العائلي المختلف.
إذا كان يمكن صديقه أن يسير وحده إلى المدرسة، فهذا لا يعني بالضرورة أن طفلك قادر على ذلك. باختصار وببساطة، إذا كان في إمكان أحد أصدقاء الطفل القيام بعمل ما، فهذا لا يبرّر تغيير قوانين المنزل التي وضعها والداه والتي تم إنشاؤها وفقًا لقيم كل عائلة وسلامتها.


تشجيع الطفل على اتخاذ القرارات السليمة

وفي نهاية المطاف، ينبغي تشجيع الطفل المتنامي على اتخاذ قرارات جيدة:

تعزيز احترام الذات: من خلال جعله يفهم أن رفاهه وأن يكون بصحة جيدة هما أعز من أي شيء لدى والديه. لذا على الأهل إظهر الاحترام له، والاستماع إلى طلباته وأخذ الوقت ليشرحوا أسبابهم الخاصة للرفض. ويجب أن يتذكروا أيضًا أن عليهم منح ابنهم فرصة لإثبات نفسه.

تطوير التفكير النقدي: عندما يقدّم الأهل إلى طفلهم شرحًا واضحًا للأسباب التي تحفز اختياراتهم، فإنهم يسمحون له بأن يفهم موقفهم أكثر، وبالتالي يعزّزون لديه تطوير التفكير النقدي. وهذا أمر ضروري، لأن الأهل لن يكونوا دائمًا حاضرين فيما لو اضطر الابن لاتخاذ القرارات. لذا من الضروري الاستماع إلى مشاعره من دون الحكم عليه.

تعزيز استقلالية الطفل: على الأهل أن يستجيبوا لطلبات أبنائهم أحيانًا. فهكذا يظهرون أنهم يثقون بابنهم أو ابنتهم. فمن خلال مساعدة الطفل على اكتساب الثقة والاستقلالية، فإنه سوف يكون أكثر جاهزية للتعامل مع ضغوط دائرة أصدقائه، لأنه سيكون لديه ما يكفي من الثقة لاتخاذ قراراته.

باختصار، على الأهل ألا يمنحوا أبناءهم كل شيء. ولكن لا يجوز أن يقولوا لهم دائمًا «لا»! بل عليهم أن يتذكّروا كم يبدو ابنهم لطيفًا بالنظّارات التي يضعها، والتي لدى صديقه نفسها، أو لديه حقيبة صديقه المفضّل نفسها! ومن الضروري أيضًا تشجيع الطفل على المبادرة، والاستقلالية، وأن يكون مختلفًا، فهذه صفة تميّزه! يجب إيجاد التوازن، فالأمر المهم هو الاستماع إلى الطفل، وجعله يشعر باحترام قيم العائلة وحدودها.
وأخيرًا، على الأهل أن يكونوا حاضرين للاستماع الى أبنائهم، ما يعني معرفة قدر الإمكان، دائرة أصدقائهم.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة