مؤسّس أول مركز موسيقي في جدّة الدكتور هيثم الشاولي: رسالة المركز إنسانية تهذّب النفس وتجعل الروح محلّقة

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 01 أبريل 2018

بما أن الأمم ترقى برقي فنونها، تُعدّ الموسيقى لغة التعبير العالمية لأنها تصف حضارة الشعوب وتنمُّ عن الذوق الرفيع، والحس الفني الحضاري والأخلاقي، كما تُعد من الفنون القديمة التي عرفها الإنسان، والتي بدأت من أصوات الطبيعة لتصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس.
الدكتور هيثم الشاولي، طبيب الأمراض الجلدية، واحد من هؤلاء الأشخاص الذين استهوتهم الموسيقى، فدمجها مع الطب، ألّف ولحنّ وغنّى، وهو يُعدّ المطرب السعودي والخليجي الوحيد الذي اعتمده التلفزيون المصري عام 1993... لكنه أحب أن يعلّم هذا الفن في مجتمعه ليرقى بالذوق الإنساني والحس الجمالي عند الأطفال وربما الكبار، فسعى الى افتتاح أول مركز موسيقي في عروس البحر الأحمر بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون، والمعتمد من وزارة الثقافة والإعلام.
«لها» التقت الدكتور هيثم في المعهد لتسمع العزف الجميل واللحن الموسيقي الأجمل من طلابه وطالباته.

- حدّثنا عن أول مركز موسيقي للأطفال في عروس البحر الأحمر.
هو أول مركز حصل على ترخيص في عام 2011 من وزارة الإعلام بعد معاناة طويلة، بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بقيادة السيد عمر باحطاب، وجاء بعده الدكتور عمر الجاسر ليباشر دعمه لنا، فكانت البداية صعبة جداً في المجتمع السعودي الذي ينظر الى تعليم الموسيقى نظرة ازدراء، ويعتبره من الممنوعات. لكن بعد رؤية 2030، اختلف الأمر وشهدنا إقبالاً خجولاً من الأطفال والكبار على تعلّم الموسيقى.

- ما الرسالة التي يحملها المركز الموسيقي؟
رسالتي إنسانية تهذّب النفس وتجعل الروح محلّقة في الأعالي، كما تقوّي شخصية الطفل فيتفوق في المدرسة بعد أن يفرّغ طاقته في العزف الجميل، وتساعد الكبار على فهم الحياة والتحلّي بالطاقة الإيجابية، لكون الأمم ترقى برقي فنونها.

- الموسيقى علم قائم بذاته، هل من إقبال على تعلّم الموسيقى؟
في البداية، كان الناس متحفظين بعض الشيء على تعليم الموسيقى لأبنائهم وبناتهم، وكانت الحركة في المركز خجولة إلا من بعض السعوديين الذين تعلّموا الموسيقى في الخارج وجاؤوا مع أطفالهم إلى المركز الذي ما زال في طور النمو. لكن اليوم تغيرت النظرة شيئاً فشيئاً وبدأت رياح الانفتاح الفكري والثقافي تهبّ مع 2030.

- ما هي الآلات الموسيقية المحبّبة عند للأطفال؟
أمّ الآلات الموسيقية هي البيانو والأورغ، ويُعتبران الأسهل لتعليم الأطفال نظراً الى أناملهم الرقيقة. أما العود والغيتار والكمان فهي آلات صعبة بالنسبة الى الأطفال، كونها تحتاج إلى التحكّم في حركة الأنامل والعضلات، مما لا يقوى عليه الطفل.

- من أي عمر يبدأ التعليم في المركز؟
من عمر خمس سنوات إلى 70 سنة، فالعمر ليس مقياساً، إذ إن الموسيقى روح الحياة لكل أفراد المجتمع مهما بلغت أعمارهم.

- الموسيقى بحر من العلوم، هل يبدأ الأطفال بتعلّم أصول النغم ومبادئه من حيث التوافق أو الاختلاف بسهولة؟
الأطفال نوعان، نوع موهوب يرغب في متابعة تعلّم الموسيقى، ويحضّ أهله على التسجيل في المركز، وهذا يساعدنا كثيراً في التعلّم بسرعة، والنوع الآخر يدفع به الأهل الى تعلّم الموسيقى، وثمة احتمال أن يخضع لدورة واحدة ويمشي، أو أن يتقبّل الموسيقى ويستمر، وهذا يعود الى مدى حبّه للموسيقى.

- من المعروف أن الموسيقى تهتم بتأليف الألحان وتوزيعها، هل يستطيع الأطفال تعلّم كل شيء أم أن ذلك يعتمد على الموهبة؟
مادة التوزيع الموسيقي تلزمها دراسة طويلة وأجهزة مختلفة، ولا يستطيع الطفل أن يجتاز تلك المرحلة إلا إذا استمر في الدراسة بعد الثانوية العامة ودخل الى أحد المعاهد الموسيقية وأكمل في هذا المجال، وكان موهوباً حقاً، لكنني افتتحت المركز حين وجدت أطفالاً وشباباً ساعين الى تعلّم الموسيقى، ومنهم من يسافر الى الخارج ويدفع تكاليف باهظة لتعلّم العزف... ومن يرغب في المتابعة فالمستقبل أمامه.

- ما هو هدفكم في المركز؟
تعليم المبتدئين وغرس فن الموسيقى في نفوس الأطفال، لتنمية الحس الإبداعي لديهم، فبذلك نبني جيلاً مثقفاً واعياً للحياة بأسلوب متميز وحضاري.

- كيف يتم اكتشاف المواهب؟
نُخضع أي طفل، سواء كان موهوباً أو لا، لدورة تدريبية استكشافية، مدتها شهر، وتكون عبارة عن 10 حصص دراسية، فإذا استطاع الطفل الاستمرار يبقى في المركز، وإن لم يستطع نقول لوالدته دعيه يتدرّب في البيت، فإن استمر ورغب في تعلّم الموسيقى يعود لوحده، كون الموسيقى فناً لا يمكننا الضغط على الأطفال لتعلّمه، وهناك العديد من الأطفال الذين عادوا واستمروا. 

- هل من فريق متكامل لتعليم الأطفال الموسيقى؟
لدينا فريق إلى حد ما، لكن ينقصنا الكثير من الأساتذة المدرِّبين نظراً الى عدم امتلاكنا تأشيرات لموسيقيين مخضرمين، بخاصة في تعليم الأطفال، مما يدفعنا الى التعاون مع دارسين للموسيقى من داخل البلد، لذا نتمنى على حكومتنا الرشيدة ومن خلال رؤية 2030، أن تسهّل لنا الحصول على التأشيرات ليأخذ المركز وضعه الطبيعي بين المراكز الأخرى.

- كم بلغ عدد خرّيجي المركز الموسيقي؟
خرّجنا إلى الآن حوالى ألف طالب وطالبة مع المعاناة الشديدة التي تواجهنا، والتي تحدّ من انتشارنا بشكل أو بآخر، فأحياناً يرفض الطلاب والطالبات الاجتماع مع بعضهم البعض، وما زال هناك «تابو» على تعلّم الموسيقى نتيجة لعادات المجتمع وتقاليده الصعبة، ولي طالب حين يأتي الى المركز، لا يحب أن يرى أحداً فيه. نأمل أن تُذلّل كل الصعوبات مع رؤية 2030 والمتغيرات الحاصلة في المجتمع السعودي.

- ما سر تعلّق طبيب الأمراض الجلدية د. هيثم بالموسيقى؟
نشأت في كنف عائلة منفتحة فكرياً وفنياً، حيث ألفت أذناي سماع الموسيقى، فعشقتها وأصبحت هاوياً لها منذ الصغر، حين كان والدي ديبلوماسياً وسفيراً في دول عدة، يحب الموسيقى ويسمع أغاني أم كلثوم وفيروز، ومع دراسة الطب في جامعة مصر استطعت تأليف الموسيقى الحديثة مع مجموعة فنانين، منهم حميد الشاعري وناصر المزداوي، وكنت أول سعودي يطرح فيديو عام 1990، ويغنّي على أنغام الآلات الحديثة.

- لماذا توقفت بعد ذلك؟
توقفت في عام 2005، لانشغالي بالطب والمراكز الحساسة التي كنت فيها، فأسّست حينها شركة إنتاج، وأنتجت لفنانين كثر، منهم: نانسي عجرم، تامر حسني، وشيرين عبدالوهاب، وحين انهارت شركات الإنتاج بسبب التحميل على الانترنت، افتتحت مركزاً موسيقياً صغيراً عام 2011 لأبدأ من جديد وأجسّ نبض المجتمع السعودي، وقد اعتمدت على تعليم الأجانب ومن ثمّ السعوديين.

- كيف تترجم هذا الحب لفن وعلم جميل؟
الهواية هي التي جعلتني مستمراً إلى اليوم في العزف الموسيقي. ومع دراستي الطب، بقيت هاوياً، وعزّزت تلك الهواية في المركز الموسيقي الصغير، لتنمية الذوق الفني.

- ما الآلة التي تحب العزف عليها؟
أعزف على كل الآلات الموسيقية تقريباً، لكنني أحب العزف على العود لاعتباره ملك الآلات الموسيقية.

- هل ستدخل مادة الموسيقى في المناهج الدراسية مستقبلاً، نظراً الى اعتماد المركز من وزارة الثقافة والإعلام؟
رؤية 2030 فتحت لنا الآفاق الرياضية والفنية والموسيقية التي كانت من الممنوعات، وأصبح لدينا انفتاح فكري وثقافي، بعد تأسيس مكاتب للموسيقى في مطارَي جدّة والرياض بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بقيادة الدكتور عمر الجاسر، وقد استقبلت تلك الفرق الموسيقية وفود المنتديات الاقتصادية، وبدأت رحلة الألف ميل بخطوة ممتازة.

- عزف لنشيد البلدين؟
لا طبعاً، بل لإظهار الفن السعودي الجميل في الدرجة الأولى.

- ما التحديات التي تواجهكم في المركز الموسيقي؟
هناك تحديات كبيرة تواجهنا على الصعيد الاقتصادي، كون كل المراكز تحصل على دعم من الدولة، ونحن نعتمد على الجهود الذاتية، لذلك أجورنا محدودة ولا نستطيع رفعها، وإن بقي الوضع على حاله سنقع في عجز ويصبح من الصعب تغطية مصاريفنا، وأرجو أن نتلقى دعماً من الحكومة الرشيدة لخفض الرسوم على الطلاب، من أجل استمرارية المركز وتشجيع الإقبال عليه.

- كم تبلغ رسوم الدورة وما هي مدتها؟
الدورة مدتها شهر ونصف الشهر، وتتضمن 12 جلسة بمبلغ 2000 ريال سعودي، وهو يُعتبر سعراً معقولاً، لكن لو تلقّينا الدعم الحكومي لخفّضنا تلك الرسوم وأخذنا مكاناً أوسع، وتمكّنا من استقدام أستاذة متخصصين في الموسيقى من سورية ولبنان ومصر، كون الموسيقى لغة الشعوب.

- وهل قدّمت جمعية الثقافة والفنون المساعدة؟
 لا، لأن دخلها محدود، ولو استطاعت لما قصّرت أبداً.