"ردح عنصري" بين شاشات لبنانية وسورية... وشربل خليل يرد: "هم السخفاء"

28 أبريل 2018

كتب الزميل أمين حمادة في الشقيقة "الحياة": تصل العنصرية اللبنانية في الإعلام المرئي إلى درك أسفل، ضد الهاربين السوريين من الحرب في وطنهم. النقد الساخر أو الهزلي لأي ظاهرة أياً تكن واقعيتها كأن يعاني لبنان من آثار سلبية نتيجة النزوح السوري، يخلع آدميته عندما يرقص على أشلاء مأساة إنسانية، ولا سيما عندما تتحول العنصرية إلى «أغنية» على وقع لحن تراثي، في تشخيص واضح لمرحلة متقدمة من المرض، لدرجة أنها تصبح فولكلوراً وشعبيةً، فتستدعي دواءً «سورياً» بالداء ذاته، اشبه بوصلة ردح بين الطرفين. ترد شاشة تلفزيون «اورينت» بمونولوغ غنائي ساخر بعنوان «يا عين عالنازيين»، على مادة من النوع عينه بثّتها نظيرتها اللبنانية شاشة «الجديد» بلا أي مسؤولية إعلامية أو رقابة، بعنوان «نحن صرنا المغتربين». في واحدة من فقرات برنامج «قدح وجم» من إعداد وإخراج شربل خليل، تطلق الممثلة ليال ضوّ في لوحة غنائية راقصة على أنغام «عالعين موليتين»، عبارات عنصرية ضد النازحين السوريين في لبنان.

تقول في مطلعها: «يا عين على السوريين بأرضي اللبنانية/ نحنا صرنا مغتربين وهني الأكثرية»، مضيفةً في متنها أن سوريين استأجروا منزلاً لبنانياً: «فاتوا على الغرفة اتنين من شي كم صيفية/ اسم الله الغرفة فيها اليوم دزينة وشوية» في غمزة من ناحية ارتفاع معدلات الإنجاب لديهم. وتتابع في إشارة نمطية إلى المنافسة في سوق العمل، عبر مهن محددة: «ركبت سيارة تكسي بزيارة شخصية/ برم الشوفور وقلي شلونك يا صبية/ وصلت استقبلني الناطور وياي شو رحب فيي/ وقلي مو على التلفزيون كل جمعة عشية». ويأتي الرد سريعاً على الشاشة السورية: «يا عين عالنازيين بشاشة لبنانية/ عم بيغنوا مبسوطين بلهجة عنصرية»، ليكمل «طلعت حلوة ببرنامج ومعها كم صبية»، في عبارة تحمل بدورها صورة نمطية تجاه المرأة اللبنانية. وتستغل «اورينت» المعارضة العنصرية اللبنانية، لتقحم السياسة بلا داعٍ في قلب خطيئة اجتماعية، لتحدد أن المنزل المستأجر أصلاً لعائلة «جنوبية»، الى جانب جمل أخرى. 

في الجانب اللبناني، يرفض شربل خليل في اتصال لـ «الحياة» الاتهامات الموجهة إليه في شكل واسع، قائلاً: «لا عنصرية في الأغنية، هي توصيف لازدياد عدد السوريين في لبنان. أنا لم أدع إلى اضطهادهم ولا تعنيفهم، ولكن قلت إن عددهم أصبح غير مقبول وفق ما يقول جميع المسؤولين والدولة اللبنانية وحتى الشعب، ولكن هناك من يملك الجرأة ليتكلم، وهناك من يتكلم سراً». ويضيف: «مثلما يتهمونني بالعنصرية، أتهمهم بالسخافة». 

ولا يتوافق الممثل اللبناني سعد القادري مع كلام خليل، إذ أعلن استقالته من أسرة البرنامج، في منشور على حسابه الشخصي في موقع «فايسبوك»، كاتباً: «أرفض اي تعرض للاجئين السوريين بأي طريقة تسيء لهم او تصوّرهم وكأنهم الشر المطلق، لا بل العكس قد كنت دائماً في صفّ اللاجئين وعملت لقضيتهم أكثر من مرّة. ولما كان قد عرض في الحلقة الأخيرة لبرنامج «قدح وجم» أغنية تسيء للاجئين السوريين وتتعرض لهم بطريقة لا تليق لما هم عليه، فإني آسف لما صدر في هذا الصدد واعتبر نفسي غير مسؤول أو متدخل في هذا العمل. بناء على ما تقدم، أعلن استقالتي من البرنامج وتوقفي عن المشاركة في التمثيل فيه». وما تزال ردود الفعل في الجسم الإعلامي مستمرة، إذ دخلت المذيعة ديما صادق في جدل مع خليل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتلجأ الى القضاء بعدما شبهها بـ «فطوم حيص بيص لبنان»، رداً على اتهامها له بالعنصرية. 

هذه العنصرية ليست جديدة على الإعلام المرئي، ولا تقتصر عليها. إذ تنتشر في الشارع اللبناني، مثل «يافطات العنصرية ضد السوريين» وجرائم ضدهم تصل الى حد الحرق. وتظهر في برامج تلفزيونية مختلفة، مثل «ما في متلو» على شاشة «ام تي في»، في لوحة ترسل فيها الأم (انجو ريحان) ابنها إلى المدرسة متحدثاً بالفرنسية، فيعود متكلماً بالسورية. القناة عينها، شنّت حرباً ضد أحد مشاهد «غداً نلتقي» (إياد ابو الشامات/رامي حنّا) متهمةً إياه بالعنصرية، بسبب عدم محبة «وردة» (كاريس بشّار) لغناء السيدة فيروز، علماً أن الشخصية بررّت موقفها لاحقاً بأن فيروز تذكرها بوطنها الجريح. وعلى شاشة «او تي في»، يقع نازح سوري يبحث عن عمل، ضحية برنامج المقالب» هدي قلبك»، حيث يتم شتمه ونزع ملابسه وإخافته بالسلاح، والاستهزاء منه إلى أن بكى. 

وعن بلد يتخلى إعلامه أكثر فأكثر عن المسؤولية الاجتماعية فيه، تقول الدكتورة نهوند القادري عيسى، الأستاذة والباحثة في علوم الإعلام والاتصال، في حديث سابق لـ «الحياة»: «نحن نصنف بلداناً متخلّفة في ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، نفهم الأمور بطريقة خاطئة ومقلوبة، بمعنى أن نذهب إلى الآخر بطريقة متطرفة، مثلاً نطالب بالحرية ونتجاهل الضوابط، حتى في البلدان «الألترا ليبرالية»، هناك أطر قانونية ترعى الحرية»، مشددةً على أن المسؤولية الاجتماعية في الإعلام ليست قيداً، بل هي تعبير عن حرية إيجابية، كرد على الحرية السلبية التي تعني اللامبالاة بكل القيم.