Home Page

ليلى عسّاف عن ديوانها الشعري الأخير 'ربيع يباغتنا'

مقابلة, ليلى عسّاف, فنانة / فنانات, شاعرة

08 سبتمبر 2009

الكلمات لعبتها... والألوان ملكتها... أنصفت «الفن» إلاّ أنّ الحياة لم تُنصفها... كتبت ورسمت وخطّت، إلاّ أنّ اسمها ظلّ تحت الظِلّ... فلم تحقق الإنتشار الذي طمحت إليه ولم تنل الحق الذي تستحق. ولكن ديوانها الأخير «ربيع يباغتنا» بعث فيها أملاً جديداً في أن تُزهر كلماتها وروداً في روضة الشعر قبل أن يباغتها ربيع العمر... عن ديوانها الشعري الجديد وآخر أعمالها الإبداعية في الرسم والقصة والرواية وعن سبب تهميش اسمها داخل الساحة الثقافية العربية رغم المواد الفنية القيمة التي تُقدمها تحدثت الشاعرة والفنانة التشكيلية ليلى عسّاف بكل شفافية في هذا الحوار.

- تطلّين علينا دوماً عبر نوافذ إبداعية مختلفة... فمرّة تكتبين الشعر ومرّة تكتبين القصّة كما تتواجدين في معارض تشكيلية عبر لوحات تحمل توقيعك. هل هذه التوليفة من المواهب التي تمتلكينها تفتح أمامك طاقة الإبداع أم أنها تولّد لديك شتاتاً إذا صح التعبير؟
نكتب لنعبّر عمّا يتأجّج في داخلنا من أجل الحياة التي لن تتوقّف حتى أجل مسمّى... هناك مشاهد تتدفق كالسيل وظلالها تنسدل على كتفيك... لا بدّ من البحث عن النقطة الثابتة، عن المقدّمة والعقدة والنهاية، عن الظلّ والنور قبل أن ترتفع الكلمات في زوبعة القصّة التي تتقدّم أعمارنا... فالحياة نسيج من الحوادث الجامدة في الزمان والمكان ونحن الذين نمرّ عليها- فليست خطوط الطول والعرض هي التي تُعيّن مكانك على سطح الأرض، إنّها نافذة الإبداع التي تكشف عن بصيص الضوء المنبعث عن عوالم تبعُد عنّا ملايين السنين الضوئية... وأنا حينما أكتب القصّة أشعر للوهلة الأولى أنني أزور مدينة جديدة وسرعان ما أكتشف أنّ هذه المدينة لا تزال هي ذاتها المدينة القديمة... إنّ مهندسيها استطاعوا أن يبنوا بالحجر نفسه أشكالاً جديدة مع تغيير بالأمكنة كارتفاع شاهق للبنايات وتخطيط حديث للطرق... فالمهم هو تركيب المعادلة بشكل صحيح لتعكس أثر العلاقات التي تصنع الإبداع... هذه التوليفة من المواهب التي أمتلكها أو يمتلكها أي شخص آخر تغلق المصاريع في بياض نافذة الإبداع ليظهر شق يفضي إلى النهار مباشرة أو إلى الشتات المضطرب.

- بماذا تحبّين أن يصفك الناس: الشاعرة، الكاتبة أم الفنانة التشكيلية؟ وأين تجدين نفسك أكثر؟
أحبّ دوماً أن أتشبّه بشجرة تتيه في ربيع يحرقها... وأتكاثر عندما يهبط الشعر عليّ ويشعّ في داخلي. بالشعر أثقب اللون الأصّم... أليس الشعر هو نثر الورد على الليل ليضيء الليل... أليس النثر هو حقل الشعر المفتوح كما يقول الشاعر محمود درويش...؟  إنّ اختلاط الفنون ليس مشكلة بالنسبة لي، فأنا أعمل على إيصال المعنى إلى القارئ، والشعر يعتمد على الإيحاء والتكثيف لكن الجمالية قد تتحقق أحياناً في النثر. وأنا أحاول هدم السور اللامرئي بين الكتابة الشعرية والكتابة النثرية والرسم. وأنا  مع إلغاء الفوارق بين الفنون وتوحيدها في عمليّة  واحدة هي «الإبداع».

- ما هي أبرز الصعاب التي تُعيق مسيرتك كشاعرة جديدة في وقت لم يعد يحتلّ الشعر فيه مكانته السابقة؟
أولاً أنا لست شاعرة جديدة بل قديمة، ربما من قبل التاريخ لكني لم آخذ فرصتي للظهور وذلك لأسباب كثيرة. فأنا أعيش خارج لبنان ولم أعمل بالصحافة أي المهنة التي تتيح لك بناء علاقات تساعد على إيجاد من يحتفي بك كما ينبغي. ومن أبرز الصعاب التي أواجهها ويعيشها الشاعر في شكل عام هي إيجاد من يقرأ آخر الإصدارات الشعرية ومن يهتم بقراءة الشعر في الأساس.

- «ربيع يباغتنا» هو عنوان ديوانك الشعري الجديد الذي قد يحمل في جوف معناه نزعة من اثنتين «ابيقورية» أو «تشاؤمية»... فما الذي قصدته فعلاً من وراء هذا العنوان؟
الربيع يعني أولاً الوثوق بالأمل الساكن في عصفات الحزن وأهوال الحرب والنار المشتعلة على امتداد الدرب... روعة الربيع هي الرعب والجمال هو الرعب الذي يُبهرنا والذي قد يُربك سيرنا. الربيع يُسرع، ينهض، يسير بلا أرجل. هو حتماً ثمرة ذلك الشتاء ومع ذلك يظلان منفصلين... الربيع يعني الطريق التي لم نسلكها ورحنا نتدحرج فوقها مئات الشتاءات القاسية. الربيع إرادة الحبّ الواعي ينتصب وسط الزوبعة في كثافة البرد، يلوح من الجهة الأخرى...

- نلمس من خلال «ربيع يباغتنا» أنّ شعرك يهتمّ بالتفاصيل والتفاصيل الصغيرة أيضاً مثل «كوب شاي»، «الكرسي»، «دوار»، «مشهد» وغيرها... فهل تعبّر هذه التفاصيل عن جزء من شخصيتك أم أنك تقصدت ذلك للتأكيد على هويتك كواحدة من شعراء التجديد في القصيدة العربية؟
التفاصيل كالسوس تنخر في القشرة، ترققها، تفتح أنفاقاً في الكلام... التفاصيل الصغيرة في حياتنا اليومية هي الحياة نفسها. هذه الثانية والثانية وتلك الثانية تُشكّل الوقت أي العمر أي الحياة. للتفاصيل إذاً رائحة تجعل القصيدة ترتعش وتتلوى في ثوب القصة وقماشة اللوحة أو ديناميكية الكاميرا... هي هذا القشّ الذي يغطي الكلام وبفضل كثافته وهشاشته يشتعل. فالنهار حين ينفتح على تفاصيل العيش الصغيرة يجعلك تتوقف عند ركن هادئ، تستند إليها حتى يجفّ عرقك، تبترد وتمتلك المعنى.

- لكلّ شاعر رسالته في هذه الحياة، فما هي رسالة ليلى عسّاف التي أرادت تمريرها من خلال «ظلّ لا يذوب» و«ربيع يباغتنا»؟
رسالتي أن أمطر، أن أغذّي الأعشاب والعصافير التي تنقل الزقزقة إلى القلب واللحن إلى الأصابع. وأن أمطر ألواناً تغطّي بقع الحروب السوداء، أن أصنع نسيجاً يكتظ بضحكات الأطفال والفراشات الملونة. وكذلك أن أقبض على المعنى في زمن التكنولوجيا الساخن وأن أتداخل كليّاً في نسيج الحياة البسيطة لأقول كلمة طيبة كما جاء في «سورة إبراهيم» المباركة: «ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء».

- من هو مثالك الأعلى في الشعر؟ ولمن تقرأين من شعراء اليوم؟
أقرأ لكثيرين من مختلف شعوب الأرض... ففي بداياتي قرأت جبران خليل جبران بشغف وكان مثالي الأعلى ثمّ أحببت وتأثرت بالكتاب الروس ثم اليابانيين. وبعد ذلك بدأت أتعرّف إلى الشعراء اللبنانيين المعاصرين، وكان حسن عبدالله وعباس بيضون أساتذتي في المرحلة المتوسطة وطالما اعتبرتهما مثالاً أعلى بالنسبة إلي. وكذلك محمود درويش الذي كنت ألتقيه دوماً حين كان يزور صيدا القديمة بين الحين والآخر لزيارة بيت عمّه الذين كانوا جيراننا، وكان يُبدي اهتمامه وحماسته لكلّ ما أُطلعه عليه من كتاباتي.

- من هي الشخصية التي أمسكت بيد ليلى عسّاف من أجل شقّ طريقها الإبداعي؟
الفضل الأول في توجهّي للشعر يعود للشاعر حسن عبدالله الذي كان يدرّسني اللغة العربية في مدرسة صيدا الرسمية للبنات إلى جانب مجموعة من الكتاب والشعراء الذين ولدّوا لديّ منذ كنت على مقاعد الدراسة حبّ الشعر والكتابة ومن بينهم عباس بيضون، محمد فرحات، حمزة عبّود...

- هل لك أن تُخبرينا عن بعض تجاربك في الكتابة القصصية؟ وهل تفكرين في كتابة رواية؟
نطارد الشيء أحياناً لنقبض عليه أو لنقتله ولكلّ سببه الخاص، إنها حالي مع الكتابة القصصية. أكتب دائماً من منطقة لا تصل إليها حسابات الكمبيوتر ولا معادلاته. في كتاب «ذاكرة النورس» الذي أصدرته منذ حوالي سنتين تناولت رسم «بورتريهات» لأشخاص مهمشّين عرفتهم أو لم أعرفهم في صيدا القديمة. ومن خلال رسم الأشخاص بالكلمات استطعت أن أصف المدينة القديمة وأعرّف الناس بها بطريقة فيها الكثير من الألوان الممزوجة مع الظل والضوء والموزاييك وكثير من رائحة الزمن. فأنا أكتب عن الحرية في القصة لكي أطاردها، أكتب عن طفولتي لكي أصطادها، عن علاقتي بالآخر لكي أرى نفسي كما أكتب عن الحياة لأحاول الصعود إليها... وأفكر في كتابة الرواية إلى جانب الكتابة القصصية مع أملي في أن تصل كلماتي إلى كل الناس وتصبح أفكاري الخاصة أسطراً تقرأها العامة...