بالحب والتربية ينمو الطفل

ديانا حدّارة 12 مايو 2018

الطفل ليس شيئًا، بل هو كائن بشري، حسّاس، بريء، يخاف، فضولي ومرح. كل شيء وكل حدث وكل شخص هو حديث بالنسبة إليه، ولفترة طويلة. ففي مواجهة الجديد يمكن أن يشعر بالخوف والضيق.
وعلى الأهل ألاّ ينسوا هذه المسألة، كما عليهم ألاّ ينسوا أبدًا أن الطفل ليس خزّانًا لملء حاجتهم العاطفية، وأنه ليس كائناً آلياً «روبوت» في إمكانهم تلقينه المعلومات، وعليه تنفيذها بحذافيرها، وإنما هو إنسان كامل يحتاج إلى أسس معيّنة وقواعد ليتعلم الوثب، تقدير الذات والتنبّه، ويفهم أهمية الفشل لتحويله إلى نجاح في يوم ما. إنه بحاجة الى احترام الذات.
هذه هي في المقام الأول مسؤولية الوالدين. وهذا ما يحتاجه الطفل من أهله كي ينمو واثقًا بنفسه وناجحًا في حياته الاجتماعية والأكاديمية. 

«أحبك»
لا يحتاج الطفل من أهله الى إغداقه بالهدايا وتنفيذ كل طلباته، وتجنيبه مواجهة الصعاب، وإنما يحتاج إلى حبّهما الذي يجعله إنسانًا ناجحًا وقويًا. فالدلال المفرط يجعله إنسانًا اتكاليًا غير مسؤول، وضعيف الشخصية يخاف المواجهة، وبالتالي قد يصبح شابًا فاشلاً.
يمكن الأهل أن يدلّلوا طفلهم كثيرًا، ولكن في الوقت نفسه قد لا يمنحونه الكثير من الحب. فعندما يقول الوالدان لطفلهما «نحبك» فهما يمنحانه شعورًا بأن قيمته كبيرة لديهما، ويطمئنانه بأن له أشخاصًا يعتمد عليهم في محيطه. فحب الوالدين يعني منحه الشجاعة والوقت ليكبر، وإعفائه من احتمال ارتكاب الأخطاء، ويجعله سعيدًا.
فالحب يعزّز تقييمه لذاته ويقوّي صورته، ويملأه بالأمل. فعندما يقول الوالدان «نحبك» لطفلهما فهما يجعلانه يدرك أن له قيمة، ويستحق الحب، مما يبدّد الخوف لديه ويمنحه الثقة بالنفس والأمان اللذين يشعرانه بالحماية النفسية على مدى حياته. عبارة «نحن نحبك» تعلّمه أن يحبّ نفسه ويحبّ الآخرين.

«أنا فخور بك»
لتطوير الوعيٍ بالذات، يحتاج الطفل إلى مزيد من التأكيد والتحقّق من صحّة ما ينجزه، وحضور والديه لدعمه. فهو متعطّش لدعمهما وامتنانهما. ففي معظم الأحيان يتصرّف الطفل بشكل معيّن ليحصل على موافقة والديه، ورضاهما وحبّهما. حتى إذا كانا لا يوافقان دائمًا على طريقة إنجازه عملاً ما، فعليهما تشجيعه على معالجة أكثر المهمّات صعوبة للسير في الطريق المؤدي إلى استقلاليته.
لذا، على الأهل أن يكونوا دائمًا فخورين بأطفالهم. حتى لو كان العديد من الآباء والأمهات يفعلون ذلك، فالأمر كله يدور حول الكمية والإبداع والصدق.

«كنت مخطئاً وأنا آسف»
من خلال اعتراف الأهل بأخطائهم لأطفالهم، فإنهم يظهرون لهم أنهم بشر، وأنهم معرّضون لارتكاب الأخطاء، وأنهم يتعاطفون مع مشاعرهم، ويتفهّمونها.
فمن خلال تصرّف الأهل بصدق مع أطفالهم، يبيّنون لهم أنّ الكمال بعيد عن متناول أيديهم و ... عنهم أيضًا، ويتعلمون أن عدم الكمال ليس عيبًا... وبالتالي قبول أخطاء المرء يتطلب أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه. وعند قيام الأهل بذلك، فهم يساعدون أطفالهم على تقبّل أخطائهم والتفكير في تصحيحها وتصويبها، مما يعزّز لديهم احترام الذات.
الاعتراف بالخطأ يخلق جوًا من التسامح والانفتاح بين الأهل وأبنائهم، والذي سيشكل لاحقًا الأساس الذي تُبنى عليه علاقاتهم.

«أنا أسامحك أو أعذرك»
يظن بعض الآباء أن وقتهم واحتياجاتهم، ورغباتهم وآمالهم يجب أن تتقدّم على تلك الخاصة بأطفالهم. وهذا هو السبب في أنهم يعاملون أطفالهم كـ»أشياء»، مرهونين لمطالبهم ورغباتهم، وطريقتهم في فعل الأشياء وتبعًا لبرنامجهم، مما يُشعر الأطفال بالظلم.
فلكل إنسان عيوبه، والجميع يهدر الكثير من وقته، ولا يفي بوعوده أحيانًا، وينسى الأشياء المهمة ويفشل أحيانًا. لا أحد يمكن أن يكون على قدر التوقّعات التي يحسبها الآخرون، فلكل إنسان قدرات خاصة به، وكذلك الأطفال هم عرضة للخطأ.
وعلى الأهل أن يتذكّروا أن لا أحد يقدر ، مهما كانت سنّه، على تحمّل تذكيره باستمرار، بخياراته أو أخطائه المؤسفة. لا أحدَ يجوز أن يتعرض للإذلال أمام الآخرين. على الوالدين إيجاد التوازن بين مواجهة أطفالهما بعواقب أفعالهم، وفي الوقت نفسه عليهما أن يتذكّرا أن أطفالهما حساسون، وتقع على عاتقهما مسؤولية تعليمهم أنهما يحبّانهم رغم أخطائهم. لذا على الأهل مسامحة الطفل إذا ارتكب خطأً، وليس إدانته.

«أسمعك»           
من الضروري أن يستمع الأهل الى أطفالهم حتى يعرفوا ما عليهم أن يقولوه لهم. فالاستماع إلى ما يقوله الأبناء يجعل الأهل على علم بما يدور في خلدهم.
والاستماع إلى عالم الأبناء الداخلي يؤدي إلى تفاعل متبادل بينهم وبين آبائهم، يشعر من خلاله الجميع بالتقدير. من أجل تجنب سوء الفهم، من الجيد أن يظهر الأهل لهم أنهم فهموا ما يقولونه. ويمكنهم بعد ذلك تشجيع أبنائهم وتوجيههم وتهنئتهم.
تولد العلاقات السيئة بين الآباء والأبناء عندما يشعر الأبناء بالإهمال. وبمجرد إبداء الأهل اهتمامهم وإصغائهم لما يقوله الأبناء، يشعر هؤلاء بأهميتهم عند أهلهم. إذ كيف يمكن الأهل التعرّف على ما يفكر فيه طفلهم، وأن يكونوا قريبين منه إذا لم يستمعوا إليه بموضوعية؟ إذا كان الوالد يجادل مثلاً فلأنه لا يستمع حقًا.
فالطفل إنسان مختلف عن والديه. وبدلاً من إخباره دائمًا بما يجب عليه فعله، على الوالدين الاستماع إليه وإخباره بما عليه  فعله  إذا رغب، ودعم آرائه ومساهمته. فهذا يساعده على حلّ المشاكل ومناقشة الحلول واتخاذ القرار الصحيح بنفسه.

«أنت مسؤول»
ينمو الطفل عبر تحميله المسؤولية. عندما يتخذ الطفل قرارًا حكيمًا أو لا، عليه تحمّل العواقب. فمن خلال جعل الطفل مسؤولاً عن أفعاله وقراراته، يتعلّم الدروس في الحياة. وهو سرعان ما يتعلم أن أيًا تكن أفعاله، لها عواقب إما إيجابية أو سلبية.
وهذا يساهم في غرس السلوك المسؤول. ومن خلال تمكين طفلك، يظهر له أن والديه يؤمنان بقدرته على القيام بما يحتاج إليه. إذ لن يتمكن الطفل غير المسؤول أبدًا من أن يعيش حياة جيدة، فهو يتعلم الكثير من أخطائه، وإن تكرّرت.

«لديك كل ما يلزم لتنجح»
تتثبت فكرة أن النجاح يأتي نتيجة الجهد، والمثابرة في سنٍّ مبكرة. وتقدير الذات القوي هو الدرع التي تحمي الطفل من مصاعب الحياة. لذا، على الوالدين تعليمه معرفة نقاط القوة والضعف لديه، وكيف يشعر بالرضا عن نفسه. فذلك يعلّمه كيف يواجه الصراع ويقاوم الضغط بشكل أفضل.
سوف يبتسم بسهولة ويُظهر سعادته في الحياة بعفوية. سوف يكون الطفل  واقعيًّا ومتفائلاً إذا كان واثقًا من امتلاكه الوسائل لتحقيق النجاح.
لذا، على الوالدين تشجعيه من خلال إظهار ثقتهما به، أو يجدر بهما الاحتفال بجهوده ونجاحاته، ودعمه عندما يفشل. كما عليهما تعليمه أن الفشل هو شكل من أشكال النجاح، لأنه من خلال إخفاقاته سيجد طريقه إلى حياة سعيدة ومُرضية.
وأخيرًا، يشدّد اختصاصيو علم نفس الطفل على ضرورة أن يكون الحب والتربية دليلهما التربوي، فالتربية والعقاب أو الإذلال أمران مختلفان جدًا، فإذا أضعف الوالدان تقدير الطفل لذاته بغض النظر عن سنّه، فإنّ لهذا تأثيرًا فيه يدوم مدى الحياة.
لذا عليهما توخّي الحذر، فعندما يصير الطفل راشدًا، يصبح من الصعب عليه تعديل صورته أو هوّيته التي كانت قد تشكلت. ولهذا السبب، من الحكمة التفكير في النمو، وتطوير تقدير الذات في سنّ صغيرة بتماسك وثبات. فمن خلال التعبير والتحدّث بشكل مستمر يدرك قدراته.
وفي الوقت نفسه، سيبني الفكرة التي يصنعها لنفسه على أساس التبادلات التي سيجريها مع الآخرين. إن حبّ الوالدين وانضباطهما سيساعدانه على تكوين فكرة قوية ودقيقة حول هويته.