بعد تكريمها في يوم المرأة المصريّة المترجمة دينا مندور: الاختيار انحاز إلى الإنجاز وليس إلى السن

طارق الطاهر (القاهرة) 26 مايو 2018

تقديراً لتميزها وقدرتها على الصمود وبناء النفس وتجاوز الصعوبات، اختارت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في هيئة قصور الثقافة، المترجمة دينا مندور، 39 عاماً، لتكون واحدة من السيدات صاحبات العطاء، لتكرمها في الاحتفالية السنوية للمرأة المصرية، ضمن رموز العمل الوطني والثقافي. دينا استطاعت خلال السنوات العشر الماضية، أن تبني نفسها بعد أن تعرضت لمحنة قاسية عندما استشهد زوجها، الناقد المسرحي القدير د. مدحت أبو بكر، في حريق قصر ثقافة بني سويف 2005، وترك لها ولداً وبنتاً لم يتجاوزا العامين، وهما الآن من المتفوقين دراسياً، فضلاً عن أن دينا أصبحت حالياً واحدة من أبرز المترجمين في جيلها، وحصلت على الماجستير من جامعة إكس مارسي بفرنسا عام 2014 في إشكاليات الترجمة، وهي الآن تدرس الدكتوراه في جامعة السوربون، وأصدرت ما يقرب من ست ترجمات من الفرنسية إلى العربية، كما أنها حازت العديد من الجوائز والتكريمات.


- ما هو شعورك بهذا التكريم، وما هي الجوائز الأخرى التي حصلت عليها؟
أشعر بالسعادة لأن هذا التكريم انحاز الى المنجز وليس الى السن فقط، وسر سعادتي أنني كُرمت أيضاً مع نخبة ممن لهم خبرات كبيرة في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يضاف هذا التكريم الى سلسلة من التكريمات التي أعتز بها أيضاً، فقد سبق وتم تكريمي من قبل وزارة الثقافة الفرنسية من بين أهم ثلاثة مترجمين عرب للأدب الفرنسي عام 2011، ومن قبل مركز إكلا في مدينة بوردو الفرنسية عام 2013، حيث كنت أول شخصية مصرية وثاني شخصية عربية تفوز بهذا التكريم، بعد الشاعر محمود درويش عام 1992، كما اختارتني وزارة الثقافة الفرنسية كأهم مترجمة للأدب الفرنسي إلى العربية، ومنحتني لقب «صوت الفرانكوفونية في بلاد الأهرامات» عام 2014، بالإضافة إلى شهادة تقدير من مسابقة رفاعة الطهطاوي في مصر لوصولي إلى القائمة القصيرة عام 2013.

- ما أهم الكتب التي قمت بترجمتها؟
ستة كتب، ما بين الرواية والعلوم الإنسانية، عن المركز القومي للترجمة ودور النشر، منها: «صرخة النورس»، «المرأة الثالثة»، «الفلاسفة والحب»، «مملكة الموضة» و«زوال متجدد».

- مؤخراً، قمت بترجمة كتاب «مملكة الموضة» للفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفتسكي، الذي يقدم أبعاداً مختلفة لفكرة الموضة وأثرها في سلوك المجتمعات وثقافتها. في رأيك، لماذا انشغل فيلسوف بحجم ليبوفتسكي بهذه الظاهرة ومصيرها؟
هذا السؤال هو ما دفعني الى ترجمة هذا الكتاب المشوّق والمتعب في آن واحد، فقد سألت نفسي عندما قرأت عنوان الكتاب: ما الذي يدفع فيلسوفاً ذائع الصيت وعالم اجتماع مرموقاً مثل ليبوفتسكي، إلى الحديث والاهتمام بأمر مثل الموضة، يبدو للكثيرين كموضوع ثانوي أو عنصر رفاهية بحت تتمتع به الإنسانية. والحقيقة، أنني مع معرفتي بهذا الفيلسوف الذي سبق أن ترجمت له سابقاً كتاب «المرأة الثالثة»، لم أندهش كثيراً، وإنما انشغلت بالأسباب التي دفعته الى إصدار هذا الكتاب، ووجدت أنه جزء من مشروعه في البحث عن سلوكيات الإنسان في هذا المجتمع، الذي يطلق عليه مجتمع «ما بعد الحداثة»، وله عدد من الموضوعات التي دارت حول تحليل هذا الإنسان من جوانبه المختلفة، مثل كتبه: «مجتمعات الإخفاق» و«السعادة المفرطة» و«تجميل العالم»، وصولاً الى آخر كتاب له، والذي يحمل عنوان «الخفة».

- إذاً، كيف عالج موضوع «الموضة»؟
تطرق ليبوفتسكي إلى هذا الموضوع بدايةً من بعده التاريخي، وقد بذل مجهوداً ضخماً وملحوظاً بجمع مادة دقيقة عن الطبقات الاجتماعية وأزيائها وأفكارها، إزاء الملبس والمظهر، مروراً بتحليل مرجعيات الزي من وجهة النظر الثقافية، أي العادات والتقاليد، متوقفاً كذلك عند السلوكيات الناتجة من الاندفاع نحو الموضة، مثل التنافس بين الشركات وما يقابله من تنافس لدى الطبقات المختلفة لاقتناء أحدث ما ظهر من الموضة في المجالات كافة، سواء ما ارتبط بالزي أو تطور التكنولوجيا الحديثة، وما تبع ذلك من ظهور ماركات أصبحت دليلاً على الوجاهة الاجتماعية.

- هل تطرق ليبوفتسكي إلى تأثير الموضة على تطور تفكير الإنسان؟
بلا شك، وسأضرب لك مثلاً على ذلك، عندما خصص في كتابه صفحات لكي يتتبّع نشوء الماركات العالمية، وكيف استطاعت أن تجذب عدداً متزايداً من الزبائن والمهتمين بها، لكنه رصد – أيضاً - سلوك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون الشراء من هذه الماركات، لكنهم كذلك يريدون الاقتراب من هذه المنطقة، فرصد ليبوفتسكي كيف ظهر هنا دور صناعة الملابس الجاهزة، التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، لكي تحاكي تصميمات الأزياء الراقية والماركات العالمية، وما استتبع ذلك من صراع، على المستويات الاقتصادية والقانونية كافة، وما إلى ذلك.

- هل تطرق الكتاب إلى علاقة الشباب بالموضة، لا سيما أنه عنصر مهم في هذه المعادلة؟
 بالتأكيد، فالشباب من وجهة نظر صاحب الكتاب، قلب الموازين وفرض رؤيته على بيوت الأزياء العالمية، بما تمثّل هذه الرؤية من ميول الى التحرر والنزعة العملية والتخفيف من قيود الزي القديم ومعاييره.

- هل توقف الكتاب عند الموضة المتعلقة بالمظهر؟
المدهش في هذا الكتاب، أنه لم يتوقف عند الموضة وتطورها في مجال المظهر فقط، بل انتقل إلى الحديث عن الموضة في الأجهزة والأدوات التي تستخدمها العائلات في البيوت والحياة اليومية، لنجد أنفسنا نعبر معه فوق جسر منطقي يربط بين ذوق الإنسان المعاصر في الزي وباقي تفاصيل حياته.

- هل تتفقين معي على أن هذا كتاب في «ثقافة البشر» بصفة عامة، وليس الموضة فقط؟
بكل تأكيد، فهذا الكتاب يقدم تاريخ تطور الطبقات وانعكاس «الموضة» على حركة المجتمعات وسلوكياتها، وما خلفه من تطور للاقتصاد الأوروبي، والأكثر من ذلك أنه أوضح نشأة بعض المهن التي ارتبطت بـ«الموضة» و«الماركات»، مثل ظهور مهنة «السماسرة» في أوروبا في أواخر القرنين الـ19 والـ20.

- ما الذي استرعى انتباهك وأنت تترجمين هذا الكتاب؟
كما سبق وقلت لك، مؤلف الكتاب فيلسوف وعالم اجتماع، ورغم ذلك لم يتوقف عند تحليل الظاهر من المنظور السلوكي فقط، بل أعطى أهمية كبرى للأرقام والإحصائيات المرتبطة ببزنس «الموضة»، من هنا ونظراً الى تنوّع المادة التي يقدّمها، تعد مؤلفات جيل ليبوفتسكي واسعة الانتشار، سواء في فرنسا أو أوروبا، بل هي منتشرة في الكثير من أنحاء العالم، وفي ما يخص كتابه عن «الموضة»، فهو كتاب قيم جداً ومرجع مهم في هذا المجال للمكتبة العربية، التي تعاني من نقص شديد في مثل نوعية هذه الكتب.

- أشرت في مقدمتك للكتاب الى صعوبته، فلماذا تحمستِ لترجمته؟
علاقتي بهذا الفيلسوف تعود إلى العام 2010، عندما قرأت له كتاب «المرأة الثالثة»، وأقدمت على ترجمته، بعد أن حصلت على منحة لورشة ترجمة في فرنسا، وأمضيت هناك ثلاثة أشهر، واتصلت به لأتعرف عليه، وبالفعل أنجزت هذا الكتاب الذي صدر عن المركز القومي للترجمة، وأصبحت أول مترجمة تنقل كتب هذا الفيلسوف الى العربية، والحقيقة أن أسلوبه صعب، لكنني كنت أتناقش معه كثيراً في ترجمتي الأولى.

- وهل دار بينكما أي لقاء في ما يخص كتاب «الموضة»؟
لم يحدث ذلك بشكل مباشر، لأنني كنت قد اقتربت كثيراً من قاموس مفرداته في المرة الأولى، ولم يمنعني ذلك من مراسلته مراراً على الإيميل، في بعض النقاط التي كنت أحب أن أستوضحها منه في ما يتعلق بـ«الموضة».

- يعد هذا الكتاب دراسة في الفلسفة وعلم الاجتماع، وسبق لك أن قمت بترجمة أعمال أدبية، هل أنت مع تخصص المترجم في نوعية محددة من الكتب أم أنه يستطيع الترجمة في مختلف مناحي المعرفة؟
يرجع ذلك إلى قدرة المترجم، ومدى أمانته مع نفسه أولاً، فهناك بالفعل من لا يجيدون الترجمة إلا لنوعية معينة، والأمر هنا يتوقف عند أمرين، الأول مدى إتقان المترجم للقاموس اللغوي الموجود في اللغة الأصلية التي يترجم منها، أما الأمر الثاني فهو يتعلق بمدى احتكاكه المستمر مع ثقافة الشعوب التي يترجم منها، وزيارته المتواصلة للبلد صاحبة اللغة الأصلية، لأن ذلك ينعش لغة المترجم ويطورها، ويجعله قريباً من اللغة التي يترجم منها، وأنا شخصياً لديَّ القدرة على الترجمة في المجالين.

- ما العمل المشغولة به حالياً؟
أقوم الآن بترجمة رواية «ترميم الأحياء» لمايليس دو كيرانجال، وستصدر عن دار آفاق، وهي رواية مهمة، تمت ترجمتها في أكثر من 30 دولة خلال ثلاث سنوات، وتحويلها إلى فيلم في عام 2016، ومعالجتين مسرحيتين، وتصدرت المبيعات عامي 2014 و2015.