Home Page

عبده خال .. أنتظر أن أنسى 'البوكر'

المملكة العربية السعودية, جائزة البوكر العالمية, كاتبة, كتب, رواية / قصة, عبده خال

08 أبريل 2010

لا تقتصر أهمية فوز الكاتب السعودي عبده خال بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، على كونه أول كاتب خليجي وسعودي يصل إلى القائمة القصيرة للروايات المرشحة للجائزة ويفوز بها في ظل منافسة قوية. ولكن تكمن أهمية هذا الفوز في انه يمثل فرصة مهمة لإعادة ترتيب الأدوار في الساحة الثقافية العربية، ويفتح نافذة واسعة لاطلاع العالم العربي على ما وصل إليه الإبداع الخليجي من مستوى متميز.
كما أن فوز عبده خال بالجائزة لم يأت من فراغ، فهو يملك رصيداً كبيراً من الأعمال التي عمد خلالها الى ملامسة جوانب مخفية في المجتمع الخليجي، وهو الاتجاه الذي استطاع أن يصنع منه خصوصيته في الساحة الأدبية والثقافية العربية. وخلال الاحتفال الكبير الذي أقيم للكاتب السعودي في أبو ظبي، وحلّ خلاله ضيفاً على عدد من النشاطات والندوات ضمن معرض أبو ظبي الدولي للكتاب،  كان هذا اللقاء الذي تحدث فيه عن الجائزة والفوز وعدد من الشؤون الأخرى.


- هل كنت تتوقع الفوز بجائزة البوكر، خاصة بعد وصول روايتك إلى القائمة القصيرة؟
لا لم أتوقع الفوز، وزاد من هذا الشعور ما تناقلته وسائل الإعلام عن وجود تحالفات و«لوبي» في الجائزة، فاستبعدت الفوز لأني معبأ في داخلي بفكرة اللوبي، ولأنهم في بلدي لم يعرفوا بأمر ترشيحي للجائزة، فكيف سيكون لي «لوبي» يساندني؟ ولكنني سعدت بترشيح «ترمي بشرر» للقائمة القصيرة باعتباره فرصة لإبراز عمل روائي سعودي.

- بعد الفوز والاحتفاء الكبير الذي صادفته في أبو ظبي، كيف كان عبده الخال قبل الجائزة وكيف أصبح بعدها؟
لا استطيع أن أنكر سعادتي بالفوز وما تبعه من تكريم واحتفاء، فقبل الجائزة كنت اكتب ولا أحد يلتفت إلي، اما الآن فأصبحت تحت الأضواء. أيضاً منذ ترشيحي للقائمة القصيرة للبوكر اشعر بأنني سجين القيل والقال، وكل حركاتي وسكناتي متابعة من الجميع. وسأحتاج إلى وقت طويل لأتخلص من هذا الشعور، فلا بد أن أنسى البوكر لأستطيع الكتابة بحرية.


كشف المستور

- في روايتك «ترمي بشرر» عمدت إلى تعرية أمراض المجتمع. ما الذي تهدف إليه من هذا الاتجاه؟
نتفق بداية أن الكتابة لدي ليست استعراضا أو وسيلة للظهور، ولكنها وسيلة للتعايش مع النفس والأحلام، ولذلك سخّرتها للتواصل مع العالم والناس، وتبادل هذا الوجود الإنساني معهم. و«ترمي بشرر» هي بمثابة رؤية للواقع من جهة مختلفة، بمعنى أن كل مجتمع يتم تقديمه وتوصيفه من أكثر من جهة. وعند كتابتي للرواية كانت لدي رغبة في أن أكون إحدى هذه الجهات. ففي الإعلام لدينا قاعدة معروفة ترى أن الانحرافات وفدت إلينا من الخارج مع الوافدين، والانحراف نفسه هو غريب عن مجتمعنا وأخلاقنا الحميدة. هذه الرؤية تبعدنا عن كشف المستور، فمن يجرؤ على كشف العورة ؟ «ترمي بشرر» قامت بتعرية الروح وتمريغها بالوحل، لذا فإن الرواية تبدأ بجملة: خسئت روحي!

- اعتبر كثيرون أن «ترمي بشرر» هي سيرة ذاتية لصاحبها عبده خال، فما مدى صحة هذا الاعتقاد؟
للأسف الشديد، مازال العالم العربي يصرّ على أن يقرن الكاتب بما يكتبه، وقد تعمدت في مقدمه الرواية أن أنفي هذه التهمة عني عبر الإشارة إلى أن صديقاً أسرّ لي بهذه الحكاية. وفي واقع الأمر لا تستطيع كروائي أن تكتب حياتك أكثر من مرة، فإذا قدم الكاتب سيرته الذاتية فلن يحدث ذلك سوى مرة أو مرتين، ولكن عندما يكون لديه مشروع روائي تراكمي، لا يصح أن نتعامل معه كسيرة ذاتية. ولكن أيضا يحضر الكاتب في أعماله بشكل أو بآخر، و«ترمي بشرر» هي عشرات الشخصيات التي مرت في حياتي، ونصبت لها فخاً، وجلست لمدة اربع سنوات لتوظيفها في أحداث الرواية التي انا فيها، لست البطل ولست الهامش ولكن «بين بين».

 - ولماذا غلبت التشاؤم والسوداوية على أجواء العمل؟ هل هو أمر مرتبط دائما بحياة المهمشين وكأنها تخلو من الفرح ومظاهره؟
الأجواء السوداوية التي غلّفت الرواية، نتجت من بشاعة الأحداث التي تعرض لها بطل العمل طارق فاضل وأصدقاؤه داخل القصر، وبالتالي لا يمكن أن يخرج الجو العام عن هذا الإطار، بينما يبدو ما هو خارج القصر وردياً وجميلا. الرواية فيها سرد وبوح خاصان، وما تحمله من سوداوية وبشاعة هو جزء من أسرار نحملها، فالسرد يهرّب أسرارنا في أحيان كثيرة.


قضايا المهمشين

- رغم كل الشر والفساد اللذين كان وراءهما صاحب القصر في الرواية فإنه بقي طليقاً ولم تنتقم الرواية منه للأبطال المهمشين. فمن أي زاوية تقرأ الشر وعلاقته بحتمية الزوال أو البقاء؟
 لوعالجت الشر والفساد كما يحدث في الأفلام العربية بأن ينال كل جزاءه في النهاية سوف تسقط الرواية حتماً. أنا أؤمن بان الكلمة أقوى من الرصاصة، وعندما نقتل الشر بالرصاص سيأتي غيره طالما أن الكلمة لم تفعل فعلها في تفكيره الفاسد. أنا لم أكتب الرواية لأنتصر للمهمشين، بل لأنشر خريطة الشر للمجتمع.

- تستند كتاباتك الى رؤية تقوم على الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع، فما الذي يعنيه لك المهمّشون؟
كلمة المهمشين ترتبط عادة بالمسحوقين والطبقة الدنيا في المجتمع، وأعمالي تدور حول قضايا هذه الطبقة، لكن مفهوم المهمش يتجاوز المفهوم المادي بالنسبة إلي ليشمل كل من لا يستطيع التعبير عن ذاته سواء كان عاملا أو وزيرا... الخ. وباعتبار أن التاريخ مكتوب للمنتصرين جاءت الرواية لتكتب تاريخ من لا صوت لهم. عادة يتم إسكات الأفكار المنتجة للمجتمع، وهذه الأفكار ليس من الضروري أن تكون صادرة عن كاتب روائي فتأتي الرواية لتفتح القوس وتعدد النغمات ليتحدث فيها الكل عن رؤاهم للحياة والجمال والفساد، وأنا عندما أتحدث عن المهمشين فإني أبحث عن الأفكار التي تقلق هذا المجتمع.

 

بين المركز والأطراف

- اعتبرت فوزك بالبوكر فرصة مهمة للفت الأنظار إلى الإبداع في منطقة الخليج، وإعادة التوازن بين ما سميته المركز والأطراف، ماذا كنت تقصد بذلك؟
بالنسبة الى مقولة «المركز والأطراف» أنا ناقل لما يقال ولست القائل، فأبناء الجزيرة العربية لديهم شعور بأن حقهم مهضوم من قبل المراكز الثقافية التي ظهرت في عدة دول عربية واستحوذت على الأضواء، وقد أدى ذلك إلى انغلاق ثقافي نجم عنه عدم ظهور النتاج الثقافي للجزيرة العربية. وأنا أؤمن أن الكاتب الجيد سوف يظهر في الأطراف أو المركز أو أي مكان.

وعندما تحدثت عن ذلك كنت أشير إلى تطلع الكثيرين لان يفوز بالجائزة أحد أبناء الجزيرة العربية، وأنا أؤيد ما قاله الروائي المصري جمال الغيطاني عقب إعلان النتيجة، من أن فوزي بالجائزة صحح مسارها. يضاف إلي ذلك نقطة مهمة وهي أن غالبية الجوائز الأدبية العربية تهتم بكبار السن الأمر الذي تجاوزته الجائزة العالمية للرواية العربية التي أعطت الاهتمام للنتاج الأدبي دون الالتفات الى سن المشاركين وغزارة نتاجاتهم.

- هل ترى أن إسهامات أدباء دول الخليج وصلت إلى مستوى تستطيع فيه أن تشكل مركزا جديداً يضاف الى المشهد الإبداعي العربي؟
المسألة أن تسليط الأضواء المستمر على كتّاب معينين لديهم زخم فني يعيق بروز أسماء جديدة،  لكن عندما تنفتح الأضواء على شريحة أكبر فإن هناك من سيبرز. كما أن هناك خللاً إعلامياً واضحاً، وبدلا من أن تقدم لنا بريطانيا جائزة البوكر كان المفروض أن تكون هناك جائزة عربية قيّمة تنافسها وتعطي فرصة لظهور أسماء جديدة تغذي هذه الساحة الثقافية.


ثقافة الاستهلاك

- ألا ترى أن هناك عوامل أخرى ساهمت في تكريس ابتعاد المنتج الإبداعي الخليجي عن الأضواء، مثل طغيان السمة الاقتصادية على المجتمعات الخليجية، حتى أصبح غالبية سكانها لا وقت لديهم للاحتفاء بنتاجات كتّاب ومثقفي منطقتهم؟
الإنسان بطبيعته باحث عن الرفاهية، وبالتالي لا نستطيع أن نلوم أحداً في بحثه عنها. لكن يمكننا الحديث عن الدول والمؤسسات التي لم تهتم ببناء الإنسان بقدر اهتمامها بالإنشاءات العمرانية، ونلاحظ خلال ثلاثين أو أربعين سنة أنه قد تم تكريس مجتمعاتنا كمجتمعات استهلاكية، ولذلك سيطالنا السحق إن لم نتدارك هذا الوضع في ظل مناخ العولمة الذي نعيشه.

- هل يعني ذلك أن مظاهر الثقافة في المجتمعات الخليجية ليست أصيلة، وأن عدد مبيعات الكتب الكبير في أي دولة خليجية لا يعبر بصدق عن مستوى ثقافي حقيقي، خاصة إذا ما تفحصنا نوعية الكتب التي يتم اقتناؤها؟
إقبال الناس على كتب معينة ليس مؤشراً لمستوى الثقافة، مثل كتب الطبخ والتجميل وغيرها والتي تتسق تماماً مع بناء إنسان هذه المنطقة كونه مستهلكا. وهذه الكتب استهلاكية تزين الوجه ولا تزين العقل، والإنسان العربي معذور في ذلك لأنه لم يتعلم إنتاج الثقافة. وهنا أقول إن الكاتب ليس من مهمته أن يحقق نهضة المجتمع، فهو يمثل مؤسسة خاصة من خلال رؤى وتصورات يجد أنها الأصلح. وفي المقابل هناك مجتمع كامل لم يتحرر من ثقافته الساكنة، فيحدث صدام بين الكاتب المتحرك وبين المجتمع، ويتم إسكاته والحجر عليه من جانب سلطة المجتمع. وهنا تبرز معضلة أن السلطة تهشم الكاتب المبدع من الأعلى والمجتمع يهشمه من الأسفل. من جانب آخر هناك اتجاه للإيحاء للناس بأن المعلومة هي ثقافة، لذا نجد أن كتبا مثل مئة سؤال وجواب تلقى رواجا كبيرا في كل مجتمعاتنا، لأنها تتوافق مع نسق الإنسان الاستهلاكي الذي يتم بناؤه.


حراك ثقافي

- هناك حركة نشطة للكتاب والكاتبات في المملكة العربية السعودية حاليا، وهذا ربما أوجد نوعاً من الاختراق لحالة السكون العام التي تحدثت عنها؟
وجود الكتاب لا يحقق خرقا لحالة السكون في المجتمع، فالكتاب موجودون منذ فترة طويلة. ولكن ما حدث وساهم في الحراك الاجتماعي والثقافي هي ثورة الاتصالات التي حققت خرقاً للمجتمع. ونحن فيها أشبه بالعود في السيل، ليس لنا حرية الحركة لكن لدينا حرية أن نجري في التيار. وفي مجتمعاتنا لو لم تحدث ثورة اتصالات أجبرتها على التغيير لكان الوضع مختلفا، وما يحدث في معظم الدول العربية هو تغيير إرغامي لها وليس نابعا من إرادتها بل تضطر من خلالها للمسايرة.

- وكيف ترى وجود الكاتبات السعوديات في الساحة حالياً؟
هناك نشاط ملحوظ للكاتبة السعودية خلال السنوات الأخيرة. وهو أمر جيد بشكل عام، ومن الطبيعي أن يكون هناك الجيد والضعيف. وفي النهاية فإن الزمن يفعل ما يفعله الخريف بأوراق الشجر، فيتساقط الضعيف في نهاية الأمر مهما بدا مورقاً في الربيع، والأخضر الدائم سيبقى كذلك ويزداد تألقاً في الخريف عندما تتساقط أوراق الآخرين. وأنا أشجع المرأة السعودية على الكتابة مهما كان المستوى، فبدلا من أن يكون لدينا مئة فتاة يتابعن برنامجاً تافهاً ليكن لدينا مئة فتاة يكتبن كلاماً ولو سطحياً.


هوية


عبده الخال روائي سعودي له أعمال عدة تتنوع بين المجموعات القصصية والروايات. وهو من مواليد إحدى قرى منطقة جازان عام ١٩٦٢، عمل في الصحافة منذ عام ١٩٨٢، ويشغل منصب مدير تحرير جريدة «عكاظ» السعودية، وهو عضو في العديد من الأندية الأدبية، وشارك في إحياء أمسيات قصصية وحوارية، ويشارك في تحرير دورية «الراوي» الصادرة عن نادي جدة الأدبي والمعنية بالسرد في الجزيرة العربية، وتحرير مجلة «النص الجديد» وتعنى بالأدب الحديث لكتاب المملكة العربية السعودية.
حصد جوائز عدة على مدار حياته الأدبية والصحافية منها مجموعة من الدروع والميداليات والشهادات من الأندية والجمعيات الثقافية التي شارك فيها، وكرّمته جمعية الثقافة والفنون في الدمام وقدمت دراسات عن تجربته الروائية، كما كرّمته اثنينية عبد المقصود خوجة.
له مؤلفات أدبية عدة منها المجموعات القصصية «حوار على بوابة الأرض«، «لا أحد»، «ليس هناك ما يبهج»، «الموت يمر من هنا»، «من يغني في هذا الليل»، «حكايات المداد» مجموعة قصص للأطفال، إضافة إلى روايات «مدن تأكل العشب»، «الأيام لا تخبئ أحدا»، «الطين (ذلك البعيد كان أنا)»، «فسوق»، و«ترمي بشرر»  الفائزة بالبوكر لعام ٢٠١٠.