Home Page

نبيهة محيدلي.. مؤسِسة 'دار الحدائق' وصاحبة المشروع التربوي الطويل

المرأة العربية / نساء عربيات, كتب الطفل / الأطفال, طفل / أطفال, نشاطات وألعاب الطفل / الأطفال, نبيهة محيدلي

26 أبريل 2010

يقول أحد الفلاسفة الصينيين: «إذا وضعتم مشاريع سنوية فازرعوا القمح. وإذا كانت مشاريعكم لعقد من الزمن فاغرسوا الأشجار. أما إذا كانت مشاريعكم للحياة بكاملها فعليكم أن تثقّفوا وتعلّموا وتُنشئوا أطفالكم»... ولأنّ السيّدة اللبنانية نبيهة محيدلي أرادت أن تكون إمرأة صاحبة مشروع حياة اختارت أن تتوجّه إلى الطفل لإقتناعها بأنّ التغيير الإجتماعي لا يتحقّق إلاّ من خلاله... عن مشروعها التربوي الطويل الذي بدأته من خلال تأسيس «دار الحدائق» المتخصّصة بأدب الطفل وعن إدارتها لمجلتيّ «أحمد» و«توتة» الصادرتين عن الدار، فضلاً عن رصدها للواقع الثقافي الحالي وموقع المرأة في مجتمعاتنا العربية كان هذا اللقاء.

- لنبدأ من الحدث الأخير. نالت قصّة «أنا أحبّ» الجائزة الأولى في الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال الذي عُقد في الشارقة. ما خصائص هذه القصة لتنال جائزة ماديّة ومعنوية بهذا الحجم؟
الكتاب الفائز هو من سلسلة رسمة وكلمة (4 كتب) التي تتوجه إلى المرحلة العمرية الصغيرة (3 سنوات وما فوق)، وتتميز بإضافة رسوم مكان الكلمات لإغناء القاموس اللغوي لدى الأطفال. كما يُعتبر «أنا أحب» كتاباً تفاعلياً مع الطفل يُحفّز ذهنه على اكتشاف الإسم واللون ووضعهما مكان النقاط في المكان المناسب من الصفحة باحثاً عن اللون وربطه بالطبيعة والكون من حوله، ليقدم الكتاب في النهاية خلاصة للإنفتاح على كل الألوان من حولنا من خلال دعوة مازن الذي يحب كل الألوان ولا يتخيل العالم من دون أي لون منها. أمّا الرسوم فأُعدَت بتقنية الكولاج للأستاذة نادين صيداني وقد تكاملت مع النصوص بألوانها الفرحة لتضفي الغنى و الحيوية.

- ما الإضافة التي منحتك إيّاها الجائزة ككاتبة وصاحبة دار نشر؟
 الجائزة أضافت إليّ الكثير على الصعيد الشخصي لكوني كاتبة النص، وأضافت إلى الدار أيضاً لكون الجائزة تُعطى للمرّة الأولى من الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال المعروف بمصداقيته وشفافيته، وكونها نتاج تحكيم دقيق بخبرات متنوعة لا يُستهان بها، وهذا ينم عن نية وتصميم لتفعيل دور النشر وتحريكها وتحسين إنتاجها.

 - ما الفرق بين «جائزة الشارقة» و«جائزة الصحافة العربية» التي سبق أن فزت بها مرتين؟
الجائزتان وإن اختلفتا في طبيعتهما بحيث أنّ الأخيرة عن كتاب والسابقة عن مجلة، هدفهما واحد وهو جائزة عن الأعمال المُقدمة للطفل. وكما هو معلوم فإن المادة المقدمة للطفل، في مجلة تتقاطع إلى حد كبير مع ما يقدم في كتاب، فالشكل هو المختلف. جائزة الشارقة تتكامل مع جائزتي الصحافة العربية لتؤكد الثلاث تميز إنتاجنا للطفل.

- عالمنا العربي يعيش اليوم أزمة ثقافية حادّة تتمثّل بالدرجة الأولى في تراجع نسبة القراءة. طالما أنّ هذه المشكلة مستفحلة في الوسط الثقافي الخاص بالكبار، أليس من الطبيعي أن تكون المشكلة لدى الأطفال أكبر وأعمق؟
هذا صحيح، ولهذا السبب دورنا غرس عادة القراءة لدى الأطفال، شأنها شأن كل الخصال الحميدة. يجب أن نبدأ بها باكراً وفي جو طبيعي قدر الإمكان. وقد افترضنا من خلال عملنا أنّ الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة لم يكونوا قد شكلوا بعد موقفاً من القراءة، بل إنّهم في سنّ البراءة والإقبال على كل ما هو مفرح وكل ما يشكل لهم الخبرة السارة والممتعة. لذا بدأنا التجربة مع الأعمار الصغيرة عبر مجلة «توتة» وبكتب تتوجه لهذه المرحلة ونجحنا، إذ جاء الإقبال مناقضاً لما قد يشاع عن عدم حب الصغار للمطالعة، أو شعورهم بالملل، بل على العكس فقد تعلّقوا بالقصة والرسم والشخصيات. لهذا ركّزنا على تفعيل عملية القراءة والمساهمة في خلق جيل قارئ ومثقف. فكانت مجلة «توتة توتة» المجلة الوحيدة في حقلها بإصدارها الشهري فتُقرأ للصغار أو يقرأونها بأنفسهم فيأنسون بها.

 - كيف تقرأين واقع «أدب الأطفال» كقطاع ثقافي أدبي منفرد؟
نشهد اليوم حركة لا بأس بها إلاّ أنّها لا تفي طبعاً بالمطلوب في مجال النشر للأطفال. ويُعتبر لبنان رائد في هذا المجال، إلاّ أنّ جلّ ما أخشاه هو أن تطال هذه الحركة الشكل وليس المضمون.

- تعتمدون في داركم الطباعة على صفحات كرتونية مضغوطة بدل الورقية، الأمر الذي يجعلها أكثر كلفة. فهل لكم أن تخبرونا عن كيفية تسويقها في ظلّ وفرة الكتب الورقية الرخيصة والتجارية.
إصدار كتب مكلفة مجازفة قد تصطدم بالقدرة الشرائية لدى بعض شرائح المجتمع، ولكن هناك شرائح تطلبها لهذا نطرح جانباً الحس التجاري في هذه الكتب وخاصة في الطبعات الأولى، على أن نعوّض ذلك في بقية الطبعات، كما أننا نعمد في بعض العناوين إلى طرح طبعتين واحدة كرتون (مقوّى) وواحدة ورقية.

 - كيف يُمكن لأدب الطفل أن يتعزّز وينتشر في محيط الأطفال في ظلّ انجذابهم الكبير للمحطات التلفزيونية التي تُقدّم لهم برامج خاصة أكثر جاذبية وحركة وسلاسة؟
 شاشة التلفزيون هي وسيط لا يمكن الحكم عليه بدوره السلبي بالمطلق. والأمر نسبي يعود إلى طريقة الاستخدام، تماماً كأي شيء آخر. وإذا أردنا الحديث عن علاقة نفعية أو ضررية بين الشاشة والقراءة فيمكننا ذلك من حيث الوقت الذي يصرفه الطفل على مشاهدة التلفزيون فمن الطبيعي انه كلما بقي الطفل أمام الشاشة مدة أطول حُرم من ممارسة أمور أخرى. فالمطلوب من الأهل أن يبذلوا مجهوداً لسدّ الثغرات الناتجة عن مشاهدة التلفزيون، منها ما يتصّل بالحياة الأسرية والحياة الاجتماعية ومنها المطالعة والعادات الأخرى. وأوّل ما يُفترض بالأهل الإنتباه إليه هو إشاعة مناخ يحثّ على القراءة وإحاطة الطفل بالكتب الجيدة وتعريفه أماكن الحصول عليها وتعويده الذهاب للمكتبة وإدخال الكتاب في نمط الحياة اليومي، تماماً كما يفعلون بالنسبة لبرامج التلفاز والكومبيوتر...

- هل يُمكن ل«دار الحدائق» أن تُؤسس محطة تلفزيونية خاصة بعد المجلاّت والكتب والأقراص الموسيقية التي تصدر عنها؟
الفكرة واردة ولدينا النية الحتمية لتحضير مواد البرامج، ولكن تبقى الإمكانات المادية هي الأساس.

- سبق اختيار كتاب «ماذا يُريد ياسر أن يقول؟» لينشر ضمن كاتالوغ white ravens في مكتبة الأطفال العالمية في ميونيخ «الغربان البيضاء». والمعروف أنّ ياسر يُمثّل إحدى الشخصيات الثابتة في نصوصك. هل استوحيت شخصيته من ابنك ياسر فعلاً؟ وإلى أي مدى يُمكن أن تُساعدك تجربتك كأمّ في إثراء تجربتك ككاتبة مختصة بأدب الطفل؟
كوني أمّاً لخمسة أولاد ينعكس بشكل مباشر على العمل لأنه يوفر لي فرصة الاحتكاك بالأطفال ومرافقتهم، وهم ينتقلون من مرحلة إلى أخرى، وهذا بالنسبة إليّ خبرة رفدتني بالكثير مما استندت وأستند إليه في فهمي للطفل، وفي كيفية التعامل معه، وبالتالي في الكتابة له. فأنا أتصيّد اللقطات الطفولية من عالمهم وعالم رفاقهم، وأنظر إليها بنظر ثاقب، وحتى اسماؤهم مصدر لشخصيات حكاياتي وقصصي، ومنهم ياسر بطل سلسلة الزيز الملوّن الذي استوحيت منه الاسم. لا يمكن أن نستوحي كل القصة من طفل واحد، وأحياناً تكون مزيجاً من مواصفات عدة نتيجة مشاهدات وتراكمات عديدة.
إن احتكاكي بعالم أولادي يجعل منهم خير ناقد، فأنا أقرأ التعابير على وجوههم وأرى ما إذا كان النص قد انتزع منهم ابتسامة أو فرحة غامرة. كما أننى أسعى إلى التعديل إذا ما لمحت أي شعور بالملل، أو إذا ما ارتسمت على وجوههم علامات غير واضحة حول أي حدث أو فكرة أو عبارة...  

 - تُصدر «دار الحدائق» مجلّة أحمد منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد لاقت المجلّة الكثير من النجاح والإستحسان. فما الهدف من وراء إعادة نشر مجلّة أخرى بعنوان آخر "توتة توتة»؟ وما الفرق بينهما؟
إن نجاح «أحمد» هو الذي دعانا لنخوض غمار مجلة متخصصة للأعمار الصغيرة. أما الفرق بين المجلتين فهو في الفئة العمرية، فمجلة «أحمد» هي لأعمار 8 سنوات وما فوق، أمّا «توتة توتة» فلخمس سنوات وما فوق. كذلك تختلف «توتة» عن «أحمد» من حيث المضمون، إذ يتمحور كل عدد من توتة توتة حول موضوع محدد واحد. وقد عالجت إلى الآن محاور عدة ، تشكل المفاهيم الأساسية في حياة الطفل. ويتم ذلك بالتعاون مع مجموعة من الاختصاصيين ومع من لهم احتكاك يومي بمجموعات الأطفال في هذه المرحلة العمرية.

- أنت إمرأة عاملة وصاحبة مشروع وهذه نقطة تُحسب لك خصوصاً في ظلّ الإحتفالية بيوم المرأة العالمي، ولكن من وحي مناسبة عيد الأم ألا تعتقدين أنّ عملك الذي يتطلّب منك الكثير من الوقت والجهد قد قلّص من دورك كأم؟
بالنسبة إلى الصعاب فهي صعاب الحياة نفسها وصعاب حياة المرأة الأم والعاملة معاً، إذ عليّ التوفيق بين الأمرين، فلا يجعلني العمل المهني أُفرّط بمسؤوليتي أو أن يحرمني المتعة الأساس ألا وهي تربية الأولاد... كذلك الأمر بالنسبة إلى التوفيق بين ذلك وبين تطوير نفسي بمواصلة التعليم أو الكتابة أو التعلّم.

- ألا تعتبرين أنّ الإنهماك في العمل لا بدّ أن يكون على حساب العائلة والأولاد خصوصاً عندما يتطلّب العمل سفراً ومحاضرات ولقاءات إلى جانب الدوام اليومي؟
بالتنسيق وترتيب الأولويات ووضع معايير لطريقة عملك وأسلوب حياتك يمكن أن تحققي خطوات واسعة في مشروعك، والمهم أولاً أن تكوني صاحبة مشروع وقضية تربوية، إنسانية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية.

- عملك يستوجب منك السفر والإختلاط واللقاءات، فهل كان لديك كلّ هذه المساحة من الحريّة لبلوغك مكانتك الحالية؟ وما دور الزوج هنا؟
لا شكّ أنّ المرأة العاملة تحتاج إلى زوج متفهم، كما أنّه يحتاج هو إلى زوجة متفهمة. وطالما أنّ المرأة العاملة قد وضعت لنفسها وعملها معايير معينة، بمعنى أنّها لا تتخطّى الحدود المرسومة من قبل الله عز وجل، بل تسعى لإعمار الأرض بكل خير، فعلى الزوج أن يدعمها ويساعدها وعلى المجتمع أن يسهل لها ذلك.

 - كيف تنظرين إلى واقع المرأة العربية اليوم؟
المرأة العربية أثبتت أنها لا تقل أهمية عن الرجل، إذ تحملت مسؤوليات كبيرة وكانت دائماً قادرة وقوية. ولكن ما نخشاه هو الانفصام في الدور الذي تقوم به المرأة، لأننا نريدها أن تمارس الدور وفق طبيعتها وحاجات مجتمعها، وليس وفق أجندات أو برامجُ تسقط علينا من الخارج دون وعي بطبيعة مجتمعنا ومشكلاته.