كتب وقصص الأطفال في السعودية اهتمام متزايد لمستقبل واعد

عزيزة نوفل (جدة ) 07 يونيو 2018

عندما يحلّ المساء وتُطفأ الأضواء وتتراقص ظلال ألعابنا مع صوت همس الأمهات، يحين وقت سرد قصة ما قبل النوم التي لم تكن تدغدغ عيوننا لتغفو بقدر ما دغدغت عقولنا لتستيقظ وتنشط، وتخرج من الشبابيك لتحلّق في الخيال والأحلام في بلاد «أليس العجائب» أو حتى لتعيش يوماً مع «الأقزام السبعة»... قصص أعطتنا الأمل من حذاء «سندريلا»، وجعلتنا نحلم بالذي حوّل القش إلى ذهب في قصة «جعيدان»، وعلّمتنا فن الحيلة من «القط صاحب الجزمة».
ولا يسع أحدنا إلا تذكّر صوت والدته الحنون وصور الصفحات التي تقلّبها ليشتاق إلى إحياء تلك الذكريات كل ليلة مع أطفاله، بقصص صيغت بلغتنا وتحكي عن حضارتنا بمزيج من الخيال وزرع القيم، محركةً فضول العقول الصغيرة نحو السؤال والتعلّم. في هذا التحقيق يسرد لنا كتّاب قصصٍ للأطفال في المملكة حكاياتهم في عالم الطفل.

        
النظرة القاصرة والمجحفة في حق كتب الأطفال تقلّل من أهمية الحكاية في حياة الطفل
لا يمكننا مناقشة موضوع قصص الأطفال في المملكة من دون ذكر اسم الكاتبة أروى داود خميس، المتصدّرة قائمة الكتّاب، والتي شكّلت الكتابة جانباً مهماً في حياتها بعد حصولها على شهادة الدكتوراه في تاريخ الأزياء، وعملها كأستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز سابقاً وجامعة جدّة حالياً.
فأروى، وهي أم لثلاثة أبناء وجدت خيالات كتاباتها وقصصها في عيون الأطفال، وكانت باكورة إصداراتها في عام 2003، لتتابع مسيرة نجاحها وتصدر ما يقرب من 23 كتاباً، حصل بعضها على جوائز وتقديرات عربية وعالمية، ومن كُتبها الناجحة: «الأرنب والسلحفاة، «أنا رومي»، «حفلة الشاي» وغيرها الكثير... توّجت أروى مسيرة نجاحها بإنشاء دار نشر «أروى» بمساعدة زوجها فهد الدغستاني في عام 2013، لتواصل مسيرتها في نشر كتبها وكتب الآخرين، وتنتقد بشدة النظرة القاصرة والمجحفة التي تضع كتب الأطفال في إطار يحكمه نص قصير وصور ملونة ووعظ أخلاقي صريح، فذلك في رأيها يقلّل من أهمية الحكاية في حياة الطفل ودورها كرافد من روافد الأدب والثقافة في المجتمع.
وتؤكد أروى خميس أن كتابة نصوص قصص الأطفال أمر معقّد ويحتاج الى مجهود من الكاتب بحيث يعيش مع الأطفال ويعرف تصرفاتهم وردود فعلهم وحركاتهم ليقترب من فكرهم، ولا بد من أن تترافق النصوص مع صور لمزيد من الثراء البصري والفلسفي والفني، ولذلك تحرص أروى في كتابة قصصها على التعاون مع رسّامين بأنماط مختلفة ومتنوعة، هي التي أطلقت أخيراً مبادرتها «كان يا مكان... في وحش وأميرة... وشويّة ألوان... وخيال وكلمات وكتاب فنان»، وتتمحور فكرة هذه المبادرة حول ربط نص القصة برسم يعبّر عنها بهدف اكتشاف مواهب جديدة في الرسم وتنميتها.
وعلى الرغم من هذه المجهودات والإنجازات، فإن العقبة الأولى في رأي خميس تتمثل في ضعف الوعي وعدم اهتمام الأهل والمدارس بكتب الأطفال، فضلاً عن الحاجة إلى مزيد من المبادرات والمكتبات ونقاط البيع لتحفيز صناعة كتب الأطفال محلياً.

الوعي بأهمية كتاب الطفل يزداد يوماً بعد يوم
تدفّقت مشاعر الطفولة في قلم الكاتبة والمدرّبة المعتمدة في مهارات تطوير الذات مها الوابل من كونها أمّاً هدفها وطموحها في الحياة الاستثمار في أبنائها، فابنتها البكر «نورة» كانت السبب في انجرافها في تيار عالم الأطفال، على الرغم من ابتعاد كتاباتها عن هذا المجال وتخصّصها بعمل البحوث وكتابة المقالات في زاويتها الخاصة في جريدة «اليوم».
فـ«نورة» كانت تملّ من سماع القصص المعتادة وتلحّ على والدتها كي تسرد لها قصة جديدة، ومن هنا انطلق خيال الكاتبة مها ليرسم قصصاً ويلوّنها بألوان من المرح بهدف تعديل سلوكيات خاطئة وسط أحداث حقيقية ويومية، لتمزج لابنتها كل يوم خليطاً من الثقافة والوعي والترفيه في قصة من بنات أفكارها.
كما أن إعداد مها الوابل فقرات إذاعية للطفل قد مكّنها من الاندماج أكثر فأكثر مع الأطفال، وشجّعها على إصدار مجموعة متنوعة من كتب الأطفال بعنوان «سلسلة المها» في عام 2011، وهي تتضمن قصصاً عدة باللغتين العربية والإنكليزية مرفقةً بدفتر ألوان للأطفال. وترى الوابل أن الوعي في الأعوام الثلاثة الأخيرة أصبح أفضل من ذي قبل لناحية اهتمام دور النشر بكتب الأطفال وتشجيع الطلبة والطالبات على القراءة وكتابة القصص، وكل ذلك يعود الى جهود «مسك الخيرية» في المملكة.
وفي حديثها عن اللغة، تشير الوابل إلى أن اللغة العربية التي تعدّ من أهم اللغات في العالم، يجب تقويتها من خلال الكتب والقصص المُصاغة بلغة فصحى بمصطلحات سلسة في الوقت نفسه لئلا ينفر الطفل منها. ومما لا شك فيه، لا بد من أن تتضمن قصص الأطفال مفاهيم مهمة مثل الوطنية وحسن الأدب والسلوك والأخلاق الحميدة، إضافة الى ضرورة دعمها للقيم الإنسانية ونشر ثقافة التعايش وتقبّل الآخرين. وفي سبيل نشر الوعي، قامت الوابل بعدد من الخطوات من خلال تبرّعها بقصصها للمدارس ومراكز علاج السرطان.

الفارق بين الإنتاج المحلي والعالمي لكتب الأطفال لا يكمن في العدد فقط بل بالمضمون أيضاً
أحبّت الكتابة فنشرت مقالاتها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وتابعت دراستها في اللغة العربية لتحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الملك فيصل في الأحساء، وتزامن حبّها للغة العربية والكتابة مع عشقها للأطفال وتعليمهم، لتتابع رحلتها الأكاديمية وتحصل على الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية في مجال مناهج وطرق تدريس وإعداد المعلمات.
هي الدكتورة أماني سعد الناجم التي ترجمت شغفها للغة بالتواصل مع الأطفال وتعليمهم وفق خصائص نموهم، فقدّمت الكثير في مجال تدريب المعلّمات على استراتيجيات القراءة في مرحلة الطفولة المبكرة، وكتبت النص المسرحي الخاص بالأطفال «لا أحب سماع كلمة لا» في لجنة تواصل الخيرية، وقصة الأطفال «أحب سجادة أمي» التي ستصدر قريباً عن دار العلم للملايين. وتعود نقطة بداية اهتمام الدكتورة أماني بكتب الأطفال الى محاكاتها الفروقات بين مجتمعنا العربي والمجتمع في الولايات المتحدة الأميركية، بحيث لمست من خلال معايشتها لهم اهتمامهم البالغ بالكتاب والقراءة في كل الأوقات والأماكن، وأحبّت التسهيلات والمميزات التي تُمنح للطفل لكي تشجعه على القراءة من خلال انتشار المكتبات الحكومية في مختلف الأحياء، والحسومات التي يحصل عليها الأطفال لقراءة الكتب... كل هذا نقل العدوى الى أطفال الدكتورة أماني فأقبلوا على القراءة وتحديداً الكتب الأجنبية، لما تتميز به تلك الكتب من نهايات سعيدة ومحبّبة إلى قلوب الأطفال.
وترى الناجم أن بعض القصص الأجنبية التي تُرجمت حرفياً إلى العربية، فقدت جزءاً كبيراً من رونقها، لكنها بذلك لا تنفي وجود قصص عربية للأطفال تحمل بصمة مميزة، والتي منها «خرفان عمّي خلفان» للكاتبة ميثاء خياط، التي تؤكد الناجم أنها خطفت أنفاس الأطفال حين قرأتها لهم.
وعلى الرغم من الوعي المتزايد والاهتمام الكبير بتأليف كتب الأطفال ووجود دور نشر مميزة، ترى الناجم أننا لا نزال بحاجة الى المزيد محلياً وعربياً.
فوفقاً لتقرير اليونيسكو، أنتجت الدول العربية 6500 كتاب عام 1991 بالمقارنة مع 102000 كتاب في أميركا الشمالية فقط. وتعتقد الناجم أن سبب المنافسة الحقيقي لا يكمن في فارق العدد بين الكتب العربية وتلك الأجنبية للأطفال، بل يعود الى المضامين الممتعة والمفيدة التي تزخر بها الكتب والقصص الأجنبية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الطباعة في البلدان العربية، مما يرفع سعر كتب الأطفال محلياً ويؤدي الى عرضها بطريقة تقليدية غير جذابة.
وإن زاد وعي الأهالي بأهمية القراءة لأطفالهم، إلا أنه لا يمكن الطفل أن يقرأ إذا لم يجد أبويه وأفراد عائلته يقرأون، فالقراءة أسلوب حياة وممارسة يومية وحكاية عشق لا تنتهي أبداً.

تعلّم الأطفال في مدارس أجنبية لا يؤثر في حبّهم لقرأة الكتب العربية
يؤكد الكاتب والباحث في مجال أدب وإعلام الطفل فرج الظفيري، رئيس تحرير مجلة «باسم» سابقاً، والكاتب في مجلة «ماجد» للأطفال حالياً، وصاحب عدد من الإصدارات الموجّهة الى الطفل، أن الكتابة للطفل فن بحاجة الى الضوابط والمعايير، التي تستلزم في بداية الأمر معرفة المستوى اللغوي للطفل، وتوظيف اللغة بشكل سلس ومتنوع الأساليب مع إضافة عنصر الخيال. ويقول إن من المهم ألا تنفصل أهمية المضمون عن الشكل، سواء من ناحية رسومات الغلاف أو الصفحات الداخلية، فكاتب قصص الأطفال يختلف عن الكاتب العادي من ناحية سرد اللغة التي تكون أقرب الى الطفل وتغطيته لجوانب تربوية بنّاءه في كتابته.
ويعتقد الظفيري أن أساس النمو اللغوي للأطفال هو القراءة، فبها يتعلم الطفل المفردات ويتعرف على دلالاتها، ومن ثم يوظّفها في جملة لترسخ في قاموسه اللغوي ويتفنن بها بلاغياً في مراحل لاحقة تتضح من خلال حصص التعبير في المدارس، والتي يجب أن تُمنح أهمية أكبر من السابق.
ولا يظن الظفيري أن التطور التكنولوجي سبب في عزوف الأطفال عن القراءة في الكتب بقدر ما أن طبيعة الأسرة وسلوكيات أفرادها تجاه القراءة تشكل الدافع الأساس لترغيب الطفل بتصفّح الكتب. كما يعتقد أن التعلّم في مدارس أجنبية لا يمكن أن يكون سبباً في ابتعاد الأطفال عن قراءة الكتب العربية، بل على العكس قد يكون مفيداً لهم إن وجِّه بطريقة جيدة، تتيح لهم مراجعة القواميس والتعرف على مزيد من المفردات. والخطوة الأهم في رأيي الظفيري ليست في إنتاج أكبر عدد من الكتب، بل في الاهتمام بمضمونها وطريقة طرحها.

بعض دور النشر تُعنى بالإقبال الشرائي أكثر من اهتمامها بقيمة الكتاب العلمية
وبفكرة فريدة وغير مألوفة عربياً ومحلياً، دخلت الكاتبة بلقيس البوعلي عالم الأطفال من خلال إصدارها الأول «وجدتها» عام 2015، والذي يحتوي على تجارب علمية للأطفال، لتجمع بين شغف دراستها في علم الأحياء وحبها للمجال التربوي والتعليمي للأطفال، وفي بداية مشوارها وجدت ردود فعل محبِطة من بعض دور النشر التي رأت أن كتابها الذي يتضمن مادة علمية لن يشهد إقبالاً من الناحية الشرائية، وعلى الرغم من ذلك أصرت على نشر الكتاب ليكون النجاح حليفها، ويلقى الكتاب رواجاً واسعاً لدرجة نفاد طبعته الثانية وعملها حالياً على طبعته الثالثة.
وتكمن فلسفة الكتابة للطفل بالنسبة إلى البوعلي في إدراكها وخبرتها في عالم الأطفال ومعرفتها بخصائص مراحلهم العمرية، وتلبية احتياجاتهم وميولهم بأسلوب جذاب، وانتقاء المواضيع النادرة وغير المألوفة، إيماناً منها بأن التعلّم في الصغر كالنقش في الحجر، وأن مضامين الكتب الثرية هي جذور لبناء مستقبل واعد للأجيال، ومن هذا المنطلق أصدرت بلقيس في عام 2017 كتابها الثاني بعنوان «قروش وهلولة»، ويتناول مضمونه الذكاء المالي أو الاقتصادي. وتشدّد البوعلي على ضرورة استخدام اللغة العربية في كتب الأطفال، لأنها توثّق علاقة الطفل بلغته وتعزّز ثقته في نفسه وتُطلعه على حضارته وتُغني إرثه الثقافي.

نوع القصص ووقت قرأتها والأسلوب الذي تُحكى به... تؤثر في جذب الطفل والاستحواذ على تركيزة وتفاعله
وفي سياق مختلف، تلفت السيدة هاجر محمد البّلي أمينة مكتبة للأطفال في مدينة الرياض، الى تغير نمو وعي الطفل العربي وانفتاحه على الثقافات وبحثه عن طرق المعرفة المختلفة، ليساهم بشجاعة في تأليف القصص وكتابتها من خلال المسابقات الثقافية.
فمن خلال عمل هاجر في المكتبه، رأت في عيون الأطفال شغفاً وعشقاً للكتاب في أثناء سردها القصص، وهي تؤكد أن الساحة المحلية والعربية تزدحم بدور النشر المميزة التي تقدم للطفل العربي كل ما هو مفيد، والتي منها: دار الكلمات في الشارقة، دارأصالة في بيروت، ودار العالم العربي في دبي، والكثير غيرها.
وتشير هاجر الى أن القراءة لا بد من أن تبدأ مع مرحلة التكوين في رحم الأم، وفق ما أثبتته دراسات عدة، كما أن من المناسب قراءة قصة ذات جمل قصيرة لمدة دقيقة أو دقيقتين للأطفال الرضّع، وتطول هذه المدة عندما يصبح الطفل في سنّ الثالثة.
وكأمينة مكتبة، تنوّه هاجر بأن اهتمامات الأطفال تختلف باختلاف أعمارهم، فغالباً ما يفضّل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسابعة القصص ذات الطابع الأسري والتي تقلّ فيها الشخصيات وتمتزج فيها الأغاني والأناشيد وتكون نهاياتها سعيدة وعادلة.
وفي حين يتميّز الأطفال ما بين عمر الثامنة والعاشرة بحبّهم للقصص الخيالية والمغامرات، يتهافت الأطفال الذين تخطّوا سنّ الحادية عشرة على القصص الواقعية.
وتسلّط هاجر الضوء على نقطة مهمة تتعلق بوقت القراءة الذي يجب أن يُحدّد تماشياً مع المرحلة العمرية للطفل، مع أهمية اتباع أسلوب معين في قراءة القصة، ومن هذه الأساليب أسلوب «الحكواتي» والذي لا تتم فيه الاستعانة بأي وسائل أو أجهزة ويعتمد اعتماداً كلياً على الإلقاء والإيماءات، وذلك بخلاف رواية القصة التي يُستعان فيها بصور الكتاب.
أما بالنسبة الى طريقة «كاميشيباي» اليابانية فتُستخدم فيها بطاقات كبيرة تحتوي على صور وفي الخلفية نص القصة، وكل تلك الأساليب والطرق تستلزم التحضير الجيد للقصة والإجادة في طريقة سردها ولفظ كلماتها بوضوح مع الإيماءات المناسبة والتدرّب عليها ليحظى الراوي بتفاعل الأطفال المحيطين واهتمامهم.