طالعوا تصحوا.. عندما تصبح الكتب بديلاً عن الأدوية

11 يونيو 2018

نُقش على إحدى مكتبات المعبد القديم لرمسيس مقولة خلّدها الفراعنة القدامى إلى اليوم وهي: "هنا بيت علاج النفس.. هنا علاج الروح". وما لبث أن دارت حركة التاريخ حتى التحق الآشوريون، ومن قبلهم البابليون، ثم اليونان والروم، بركب الحضارات التي أعلت من شأن الأدب والمطالعة كمساحة نفسية مهيأة لتعبئة الطاقة والسلام الداخلي، وهذا جوهر العلاج بالمطالعة.
سيف الدين العامري

يسمى ذلك الأمر "البيبلوثيرابي" La bibliothérapie. لا تبتعد كثيراً في التفكير، فالأمر يتعلق فقط ببعض الروايات والكتب التي تطالعها، فتشفى من بعض الأمراض العصبية، ويعرف هذا العلاج بـ"العلاج بالقراءة".


لنكتشف هذا الأفق الجديد

ورد في كتاب هالة الأبلم "تجربتي في العلاج بالقراءة" أنه في العصر الحديث يُعرف الطبيب النفسي بنيامين روش بأنه أول من أوصى بالقراءة لعلاج المرضى، وكان ذلك في العام 1802. لكن وصيته تعطلت حتى العام 1904 حتى قامت الطبيبة الأميركية كاتلين جونسون، ببرامج ناجحة للعلاج بالقراءة، وكانت أول من فتح الباب عالمياً لجعل "الببليوثيرابيا" ضمن فروع علم المكتبات.

ويذكر أن أستاذ المكتبات في جامعة القاهرة الدكتور شعبان عبد العزيز خليفة، كان من أوائل من انتبهوا عربياً لهذا العلاج، فوضع عنه كتاباً مرجعياً عكف على جمع مادته طيلة عشرين عاماً، بعنوان "العلاج بالقراءة أو الببليوثيرابيا"، وهو الحلقة الثالثة من الببليوغرافيا أو علم الكتاب، وقد صدر في العام 2000 في القاهرة عن "الدار المصرية اللبنانية"، ليكون بذلك أول مرجع باللغة العربية في هذا المجال.

أما الباحث الروسي نيقولاس روباكن فهو المؤسس الحقيقي لما يعرف بـ"علم نفس الكتاب". فقد كرس الرجل حياته الطويلة (84 عاماً) للكتب، قارئاً وناشراً ومؤلفاً لـ 330 كتاباً.

جاء في الموقع الأميركي المتخصص في العلاجات النفسية Tri Be Ca أن العلاج بالقراءة متأسس على مبدأ "التكامل الإنساني"، أي أن الإنسان يجب أن تتكامل لديه الاحتياجات كلها، من جسمانية وعقلية ونفسية، ولذا لا يمكن فصل جانب عن آخر.

وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "الجارديان" أن هناك اتجاهاً طبياً رائجاً يدعو إلى الاستغناء عن الكيماويات والمضادات الحيوية والعودة إلى الطبيعة، باستخدام أدوية طبيعية غير كيماوية، ولهذا السبب حقق برنامج علاجي تحت عنوان "الدخول إلى القراءة" نجاحات مبهرة في علاج الإدمان على المخدرات والكحوليات، بنسبة نجاح وصلت إلى 65 في المئة تقريباً.

وبحسب أستاذ الطب النفسي في جامعة وستمنستر البريطانية، البروفيسور"جان دافيز"، فإنه بصدد تقديم دروس علاجية ترتكز إلى القراءة المكثفة، يتم تطبيقها بدقة على المدمنين والسجناء ومرضى الاكتئاب المزمن، عن طريق تقسيمهم في مجموعات تضم كل مجموعة منها عشرة أشخاص، ويتم إعطاء المشاركين مسرحيات مختارة بدقة، على أن يتم إعادة تفسيرها داخل المجموعة الواحدة، بحيث يكتشف كل واحد من المشاركين كيف قرأ زميله المسرحية نفسها.

ويعد هذا البرنامج تطويراً لأسلوب سبق تجربته في بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية، إذ شاع استعمال روايات جين أوستن خلال جلسات التحليل النفسي للجنود العائدين من الحرب.


نقلاً عن "شبكة حياة الاجتماعية"