تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

أول مهندسة لحام تحت الماء في الوطن العربي بسنت البستاوي: تقدمت للعمل في شركات كثيرة فرُفضت لمجرد أنني فتاة

هناك العديد من المهن التي يُكتب عليها «للرجال فقط» وتُحرم منها النساء، بزعم أنهن صاحبات أيدٍ ناعمة ولا يستطعن العمل مثل الرجال، لكن هناك نساء كثيرات في عالمنا العربي استطعن الانتصار على هذه المعتقدات.

بسنت البستاوي واحدة من هؤلاء، حيث استطاعت «الإسكندرانية» الشابة، العمل في مجال جديد لم يسبقها أحد من النساء إليه. التقتها «لها» للتعرف على أهم محطات حياتها، وتفاصيل التحاقها للعمل بمجال الغوص واللحام تحت الماء، لتصبح أول مهندسة لحام تحت الماء في الوطن العربي.


- بداية نود التعرف عليك..
أنا بسنت بدر البستاوي 25 عاماً، تخرجت في كلية هندسة البترول والتعدين - جامعة السويس عام ٢٠١٤، قسم هندسة الفلزات والمواد، وكنت الطالبة المثالية في الجامعة لعامين متتاليين، وحالياً أدرس الماجستير في علوم المواد بجامعة الإسكندرية، ومجال عملي بالتحديد هو لحام المعادن تحت المياه، والتفتيش الهندسي للخطوط البترولية في الأعماق الكبيرة، وقد عملت في أكثر من شركة في التدريب على اللحام تحت المياه وفي الغوص السياحي والتجاري.

- اخترت مجالات مميزة في الدراسة وفي العمل، ما الدافع وراء هذه الاختيارات؟
منذ صغري وأنا لا أفعل شيئاً سوى ما أكون مقتنعة به، ولديَّ الشجاعة الكاملة لاختيار أشياء غير مسبوقة، وانطبق ذلك على الكثير من اختياراتي، في حياتي عموماً وفي الدراسة خصوصاً، فقد اخترت الدراسة في مجال هندسة البترول، وتحديداً قسم هندسة الفلزات والمواد، لأنه يقرّبني من المجال الذي أحبه، باعتباره العمل الأقرب الى مجال اللحام، كما اخترت مجال العمل في البحار وفي الغوص التجاري والسياحي بالذات، لأن هذا المجال مميز جداً ومشوّق إلى أبعد الحدود، كما أنني أعتبره فريداً من نوعه في مصر، وقد استطعت الربط بين مجال دراستي وبين هوايتي، فأمر مهم جداً أن يحدد الإنسان أهدافه ويتأنى في اختياراته.

- لديك ألقاب كثيرة في مجال الغوص وفي مجالات أخرى، ما أبرز هذه الألقاب؟
حصلت خلال دراستي وعملي، على الكثير من الدورات التدريبية. بعد ذلك، استطعت تحقيق بعض النجاحات، فأنا مثلاً أول مهندسة ومدربة لحام تحت الماء وغوص تجاري على مستوى الشرق الأوسط، معتمدة من منظمة «الإيدسا» الدولية، والفتاة الأولى والوحيدة كقائد وفني للغواصات الآلية معتمدة من منظمة الإيمكا الدولية «AMCA»، وهي من أقوى المنظمات على مستوى العالم في مجال الغواصات، ومدربة تفتيش هندسي بالطرق غير الإتلافية معتمدة من الـ»ASNT»، ومدربة غوص سياحي معتمدة من منظمتي «بادي» الإنكليزية و«سيماس» الفرنسية.

- نريد التعرف أكثر على مجال اللحام تحت الماء.
نقوم بعمل اللحامات المعدنية لخطوط أنابيب البترول وللمعدات البحرية والسفن الكبيرة والكابلات الموجودة تحت الماء، وأمارس هذا النوع بشكل مكثف جداً، حيث أنني أقوم بتدريب العمال والفنيين، ويكون التدريب عملياً تحت الماء، وفي الوقت نفسه أمارس عملي، وللمناسبة أنا لا أعمل في شركة محددة، بل في الكثير من الشركات.

- هناك أنواع عدة من اللحامات، لماذا اخترت اللحام تحت الماء تحديداً؟
أنا من مدينة الإسكندرية، عروس البحر الأبيض المتوسط، وكنت متعلقة بالمياه وبالبحر منذ صغري. وبالفعل، كانت هناك أنواع عدة من اللحامات، معظمها برية، لكنني اخترت اللحام تحت الماء، وكنت في البداية أتدرب على هذا المجال كثيراً، لكن بعدما تخرجت في الجامعة، اتجهت أكثر للحصول على دورات تدريبية، إلى أن أصبحت مؤهلة لتدريب الطلاب، كما عملت قبل ذلك في الغوص واللحام في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وفي قناة السويس.

- بالطبع كنت تمارسين رياضة الغوص قبل العمل فيها، هل مارست رياضات وهوايات أخرى؟
كنت أتدرب على السباحة أولاً، ثم اتجهت إلى الغوص، وكنت أواظب على تدريبات الغوص إلى جانب رياضات أخرى استطعت تحقيق إنجازات فيها، فقد حصلت على بطولة الجمهورية خمس مرات في الكونغ فو والجمباز الأرضي.

- تواجه فتيات كثيرات صعوبات عندما تكون مجالات عملهن غير تقليدية، هل واجهك بعض من هذه العقبات؟
في الحقيقة، ما زلت أواجه هذه الصعوبات حتى الآن، ورغم أن الأهل كانوا يشجعونني على العمل والتطور ولم يبدوا أي استغراب أو تحفظ، مع علمهم بصعوبة هذا المجال وخطورته، إلا أن بداية عملي كانت صعبة، لكن لم يحدث أن عارضني أحد أبداً، بالعكس كانوا يحفزونني دائماً ويساندونني على تخطّي الصعوبات. وعلى مستوى المجتمع، كانت هناك انتقادات كثيرة من بعض الناس، بحجة أن هذا المجال جديد على الفتيات، ومن غير التقليدي أن يعملن فيه أصلاً، سواء تحت المياه أو في البر، بخاصة أن مجال اللحام إلى حد ما صعب، ويعتبره كثر من المهن الخطرة. لكن مع مرور الوقت وخروجي إلى ميدان العمل باستمرار، تغيرت هذه الأفكار إلى حد ما، إلى أن أصبح هناك من يرى أنني لا بد أن أفخر بأنني فتاة أعمل في هذا المجال وأقوم بتدريب الرجال. وفي النهاية، أرى أن كل إنسان يتعامل مع الأشخاص وفق مستواه الفكري والثقافي.

- هل واجهت صعوبات على المستوى المهني؟
بالطبع كانت هناك مشكلات عملية، من أبرزها أنني تقدمت مراراً للعمل في كبرى الشركات التي أحلم بها طوال حياتي، وكنت أواجَه بالرفض لمجرد أنني فتاة فقط، وهذه مشكلة تواجه الفتيات في مصر، إذ نرى أن الفتاة تقوم بتحقيق إنجاز غير مسبوق قد لا يحققه نظراؤها من الرجال في عشرات السنوات، ومع ذلك يتم رفضها لمجرد أنها فتاة، وأن المجال الذي تريد العمل فيه يحتله الرجال، وهذا غير موجود إلا في مجتمعاتنا للأسف، ففي الدول الأوروبية، لا يوجد مثل هذه العقليات والأفكار أبداً. وأريد أن أقول لمثل هذه الشركات إن الفتاة إذا كان لديها طموح وهدف، فإنها تستطيع تحمُّل ما لا يتحمله كثر من الرجال، ومن المثير للعجب أن كثراً من الشباب المهندسين ممن تدربوا على يدي وجدوا عملاً وتم تعيينهم في الشركات الكبرى لمجرد أنهم رجال!

- هل لاقيت الاهتمام المتوقع بعدما استطعت تحقيق إنجازات في مجالك؟
بالنسبة الى الجهات الرسمية، لم ألق وللأسف أي اهتمام أو دعم في مجالي، الى درجة أنني فكرت أكثر من مرة في السفر للعمل في الخارج، فهذا المجال منتشر بصورة أكبر في دول أوروبا، ولا توجد أي مشكلة بالطبع في عمل الفتيات. في المقابل، أتلقى اهتماماً معنوياً من أساتذتي في الجامعة، حيث يتواصل معي كثر منهم بصورة مستمرة كمشجعين ومحفزين لما وصلت إليه، ويدعونني إلى أن ألقي محاضرات لطلبة الكلية في مجال اللحام تحت الماء، لإعطائهم فكرة عن المجال وعن العمل فيه، كما دعمني بعض المنظمات المصرية بشكل قوي لتطوير دراستي وعملي، من أهمها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية، وهي من كبرى المنظمات التعليمية المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وتتبع لجامعة الدول العربية.

- نلاحظ أن سنك صغيرة إلى حد ما ولديك الكثير من الخبرات، فما السر في ذلك؟
السر الأول والأساسي هو دعم أسرتي لي في كل المجالات، إضافة الى أنني أردت منذ صغري أن أحقق النجاح والإنجاز والتفرد، وذلك قبل أن أبلغ الثلاثين من عمري.

- ما أكثر المواقف التشجيعية التي أثرت فيك وجعلتك تصرّين على الاستمرار؟
في أحد الأيام، قدمت دولة الإمارات منحة للتدريب في مجال اللحام، فأبلغتني إحدى زميلاتي بها وقالت لي إنها تريد أن تلتحق بها أيضاً، لكنها كانت متأكدة من أننا لن نستطيع ذلك لأننا «بنات»، وبالفعل ذهبنا إلى مقر الأكاديمية العربية للتسجيل في الدورة، وقد حدث ما توقعناه، إذ قوبلنا بالرفض بحجة أن المجال صعب على الفتيات، وأننا لن نتمكن من تنفيذ ما سندرسه في المنحة، فأصررنا على مقابلة أحد المسؤولين واستطعنا إقناعه بمستوانا في العمل، وبأن لدينا القدرة على تقديم ما يقدمه الرجال، وبالفعل اقتنع وسمح لنا بحضور الدورة التدريبية، وكان هذا الموقف حافزاً كبيراً لي.

- ما أبرز طموحاتك المستقبلية على المستوى العملي؟
أطمح الى تأسيس أكبر شركة خدمات بترولية ومدرسة لتعليم الغوص التجاري، وتكون متميزة في الشرق الأوسط وتنافس الشركات العالمية.

- ما هي نصيحتك للفتيات في مجتمعاتنا ممن اخترن العمل في مجالات غير تقليدية؟
أنصح جميع الفتيات بأن يحاربن من أجل حلمهن، وأن تكون لديهن قناعة بأن اختيارهن مجالاً جديداً ومتفرداً هو التميز بعينه، حتى وإن لم يواجَه هذا التميز بالتقدير والاهتمام المطلوبين، فعليهن أن يزدن في تميزهن إلى أقصى درجة، حتى يظهر هذا التميز ويجبر الناس على الإشادة والاهتمام به، بدلاً من دفن أحلامهن بالاستسلام والخضوع.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077