كتاب 'ما يفوق الوصف'

سوزان عليوان, شاعرة, ديوان شِعري, جائزة الشيخ زايد للكتاب

29 نوفمبر 2010

الكتاب: «ما يفوق الوصف»

الشاعرة: سوزان عليوان

الطبعة: طبعة خاصّة، 2010


في ديوانها الجديد خرجت الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان عن العادة إلى ما يفوق العادة، فهي لم تظهر في «ما يفوق الوصف» بصورة المرأة التي يقتلها الحنين إلى زمن لم تعشه وبلاد لم تطأها وحبيب لم تلتقه وسلام لم تنعم به. فالشاعرة الشابة التي طالما شعرنا بأنّها هاربة من زمان آخر حيث كان للعدل مكانه وللإنسان قيمته وللكلمة سلطتها، بدت في ديوانها الجديد كطفلة شغوفة لا تُشبه إلاّ وجه ذاك الطفل المندهش الذي اعتدنا أن ترسمه لنا، نحن الأصدقاء في إهداءاتها إلينا وكذلك في مرسمها الخاص على موقعها ودفاترها وكتبها.
تكتب سوزان عليوان هذه المرّة بعينيّ الطفلة المفتوحتين على الحياة بحبّ ونهم وارتباك ودهشة... ولا ريب في أن تتحوّل الشاعرة ذات اللغة المُختمرة والصور الناضجة إلى طفلة مندهشة متحمسة منطلقة وهي تكتب عن الحب، عن الحبّ فقط. فبعدما كانت تصوغ أعذب جملها الشعرية على إيقاع «النوستالجيا» الحزين، اختارت أن تكتب في «ما يفوق الوصف» على إيقاع الحبّ الفرِح والحميم: «كيف من الفرح/ قفزت عالياً/ من بين الناس والنراجيل/ لألمس نجمة/ تقترب». هذا وإن كنّا نلتمس الحبّ تارةً ممزوجاً ببعض الحسرة والألم وتارةً أخرى بشيء من الخوف أو الندم.
صاحبة «كراكيب الكلام» و«كلّ الطرق تؤدّي إلى صلاح سالم»، و«مصباح كفيف» وغيرها من المجموعات الشعرية المميزّة في عناوينها الرمزية المكثفة والمبطنّة، اختارت أخيراً عنواناً يقرب في معناه من لغة الأطفال التي تجنح نحو المبالغة والخيال. فالشاعرة الضليعة في شؤون الاستعارات والتشابيه تُعلن منذ البداية عجزها عن وصف تلك الحالة الإنسانية الغريبة التي أوقفتها مندهشة كالأطفال والتي تُسمّى في عُرفنا «الحبّ». كمراهقة عاشقة ترى الشاعرة في التفاصيل الصغيرة الحياة نفسها وتُجسّد لحظات عشق بصور شعرية رقيقة في شكلها وعميقة في معناها: «كيف لدقائق غفوت/ والهاتف على صدري عصفور/ ننتظر صوتك/ لأوّل مرّة».
ولأنّ الحبّ حالة تلغي تلقائياً الفردية وتفترض وجود المزدوج، تلحظ في مجمل قصائد الديوان طغيان صيغة المثنى: «بيننا باب/ لا بيت لنا: سقف عالٍ/ مقعد لعاشقين/ زجاجة مثلجة/ كأسان/ سجّادة قديمة/ بقعة قمر/ سريرٌ من نحاس، مطرٌ ينقر النافذة»، و«ملتصقان/ بكلّ ما في الجلد من دفء/ وموت. ظهري لظهرك: القلب يلامس القلب، الفقرات في فراغ الفقرات، والظلاّن الشقيّان/ طريقان».
وإن كانت القصائد تتفاوت أحياناً في جوّها العام إلاّ أنّ الحبّ يبقى ثيمة الديوان الذي لا يخلو من تأملاّت خطيرة قد تكون سوزان عليوان إحدى أبرز شاعرات جيلها في تكريسها: «لو أرفع يدي قليلاً/ الغيمة قصيدة/ على أطراف أصابعي»...