حملة تعلن الحرب على الختان والرجل شريك فيها!

أحمد جمال (القاهرة) 30 يونيو 2018

رغم كل الجهود المبذولة للقضاء على عادة الختان، إلا أن النتائج مخزية والعادة مستمرة، والفتاة هي من يدفع الثمن. لذلك، تحرك مركز «تدوين» لدراسات النوع الاجتماعي، ليطلق حملة بعنوان «ما ينفعش»، معلناً الحرب على الختان بمشاركة الرجل نفسه، وباستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. «لها» ترصد فكرة الحملة وكيفية عملها وأهدافها.


في البداية، تقول أمل فهمي، المدير التنفيذي لمركز «تدوين»: «نولي اهتماماً كبيراً لقضية ختان الإناث تحديداً، فهي مشكلة قديمة في مصر، ولا يحدث فيها أي حراك، رغم أن هناك ملفات وقضايا كثيرة تخص المرأة في مصر، شهدت تطورات وتم إيجاد الحلول لها مع مرور الزمن. لكن بالنسبة الى ملف الختان تحديداً، فإن إحراز النتائج فيه بطيء جداً، وأكاد أقول إن نتائج هذه الجهود مخزية. وبالتالي، كمنظمة مجتمع مدني، وجدنا أن عملنا الفردي على هذه القضية لن يكون مجدياً، فأنشأنا مجموعة العمل الخاصة بختان الإناث، وهي تتكون من أكثر من 12 جمعية أهلية ومنظمات مجتمع مدني، وتعمل مع بعضها البعض كقوة واحدة لمناهضة ختان الإناث».
وتضيف فهمي: «بالتزامن مع العمل مع منظمات المجتمع المدني، أطلقنا في مركز «تدوين»، في اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث، حملة «ما ينفعش»، وهي تركز على أهمية دور الرجل في اتخاذ قرار عدم إخضاع بناته للختان، وتلقي الضوء على التغييرات البسيطة التي حدثت في ملف الختان. كما نطرح حلولاً وتوصيات بالاستعانة بشخصيات عامة ومؤثرة في المجتمع، لكي نشجب الختان من خلالها».
وعن دور القوانين المصرية في الحد من ختان الإناث، توضح فهمي: «القوانين والتشريعات ضد ختان الإناث موجودة، لكن للأسف لا يتم تفعيلها، لذلك نرجو العمل بشكل أكبر وأكثر فاعلية للتصدي لهذه الظاهرة، فبداية العمل الحقيقي ضد ختان الإناث كانت في عام 1993، وإلى يومنا هذا تعمل منظمات المجتمع المدني والحكومة على توعية السيدات، وتتعاون معهن على مناهضة الختان، وكأن قرار الختان «قرار نسائي فقط!». وبعد هذه السنوات الطويلة، وجدنا أن هذا العمل أثّر فعلاً في عقلية السيدات بشكل ما، لكن لم يتم العمل أبداً على تفكير الرجل وثقافته، وبالتالي إذا قررت الأم التخلي عن ختان الصغيرات، فإن الأب يعارضها ويأخذ بمفرده القرار. وفي أحد الأبحاث التي أجرتها الأمم المتحدة في مصر، تبين أن 70 في المئة من الرجال يؤيدون الختان، وأن عدد السيدات المؤيدات لهذه العملية انخفض إلى 56 في المئة، وهذا ما يثبت ضرورة العمل على توعية الرجل في الفترة المقبلة، وهو ما تهدف إليه حملة «#ما ينفعش».


مواقع التواصل الاجتماعي
وعن اختيار اسم الحملة، تلفت فهمي: «تم اختيار اسم #ما ينفعش ليكون عنواناً للحملة، لأنه يعبّر عن أمور كثيرة، أسهلها أنه «لا ينفع أن تستمر ممارسة ختان الإناث في مصر الى اليوم». وتعمل الحملة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لسبب مهم جداً، وهو أننا نريد استهداف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و29 سنة، أي الأزواج والآباء المستقبليين وأصحاب القرار في هذه العملية، فمعظم هؤلاء الشباب أو كلهم يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ويزورونها بصورة يومية، ووفق الإحصاءات، فإن «فايسبوك» هو أكثر الوسائل المستخدمة في مصر، وبالتالي أطلقنا حملتنا على الإنترنت، ونقوم عبرها بنشر المعلومات والرسائل. والمفاجأة، أن معظم المتفاعلين مع الحملة يعتقدون أن عادة الختان انتهت منذ زمن بعيد، وأنها لا تطبّق إلا في صعيد مصر، مما يثبت عدم وعيهم بوجود ظاهرة الختان وانتشارها، وبالتالي جهلهم لخطورة الأمر وتأثيره في حياة الفتيات الصحية والنفسية والاجتماعية، لذا كنا حريصين على طرح هذه المعلومات في الحملة من خلال الاستعانة بشخصيات مألوفة للشباب».
وعن مدى انتشار ظاهرة الختان في مصر، تشير فهمي إلى أن «كثراً من الناس وللأسف، يعتقدون أن عادة الختان انتهت تماماً مع مرور الزمن، ومع تطور ثقافة المجتمع وتغيرها، لكن الأرقام تُثبت عكس ذلك، حيث لفت مسح ديموغرافي قامت به وزارة الصحة المصرية في عام 1995، لقياس أشياء كثيرة في المجتمع من ضمنها ختان الإناث، الى أن هناك 98 في المئة من السيدات المتزوجات «مختونات». وفي آخر مسح للجهة نفسها، والتي قامت به في عام 2016، تبين أن نسبة «المختونات» بعد مرور 20 عاماً هي نحو 92 في المئة، ما يثبت أن العمل الحكومي والأهلي ضد الختان طوال هذه الفترة لم يحقق نجاحاً يذكر، فهذه النسبة مخزية جداً مقارنةً بالجهود والأموال المبذولة، وبالتالي حان الوقت لتغيير الطرق والأساليب لمواجهة هذه الظاهرة».


أضرار صحية
عن الأضرار الصحية للختان، يقول الدكتور جمال أبو السرور، أستاذ النساء والتوليد والعميد السابق لطب الأزهر: «ترتبط أخطار ختان الإناث بالعديد من العوامل، أهمها مدى البتر ومهارة القائم بالختان وتعقيم آلاته ونظافة البيئة المحيطة، فضلاً عن الحالة الصحية للطفلة. وأكثر أنواع الختان خطورةً، ما يطلق عليه «الختان الفرعوني»، لأنه قد يؤدي إلى أضرار فورية، مثل النزيف الذي قد لا يمكن السيطرة عليه، بخاصة إذا كانت الطفلة مصابة بمرض سيلان الدم الوراثي، فتنزف باستمرار إلى أن تفارق الحياة».
ويشير الدكتور أبو السرور إلى أن الختان يؤدي إلى صدمة عصبية تنتج منها أضرار عضوية، بسبب الانخفاض الشديد في ضغط الدم وحدوث إغماء، ولا يتم الإنعاش إلا بنقل الدم. ولا يقتصر الضرر على منطقة الختان، بل قد يمتد الى الأعضاء المجاورة بسبب ردود فعل الفتاة وحركاتها اللاإرادية الناجمة عن الخوف والألم الشديدين.
ويؤكد الدكتور أبو السرور أن الختان قد يؤدي إلى احتباس البول نتيجة تهيج الأنسجة المصابة وتورمها، وتصاحب ذلك آلام شديدة جداً أسفل البطن، وكذلك التهاب في المثانة والحالبين والكليتين، بل وتشويه العضو الذي يتعرض للختان.


ميراث اجتماعي
عن الآثار الاجتماعية للختان، تشير الدكتورة علياء شكري، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، إلى أن الختان موروث اجتماعي عمره آلاف السنين، ولهذا يستغرق وقتاً في تغيير المعتقدات الاجتماعية عنه، بخاصة ما يرتبط منها بالمعتقدات الدينية. وتسجل المنظمات الدولية أن هناك 30 دولة أفريقية تُمارَس فيها هذه العادة، إضافة إلى مجتمعات المهاجرين في باقي قارات العالم القديم والجديد، لأنها عادات راسخة في ذهنهم الاجتماعي، ولا تتغير بسهولة لأنها متوارثة عبر الأجيال، الى درجة أن هناك قرابة المئتي مليون امرأة مختونات.
وتطالب الدكتورة علياء بتغيير ثقافة الأسر المصرية ونشر الوعي لديها من جانب، وسَنّ تشريعات رادعة من جانب آخر، بحبس من يقوم بهذه الجريمة مكتملة الأركان وتغريمه. كذلك، تطالب الدكتورة علياء بتغيير المفاهيم الخاطئة عن الختان، كربطه بالعفة وانخراط الفتيات في عالم النساء العفيفات، ودمجهن اجتماعياً، وأنه يسرّع نمو الطفلة إلى الأنوثة الكاملة، ويزيد من فرصها في الزواج، وتنفير الرجال من الزواج بغير المختونة، وأن الختان ضمان للبكارة، وقد وصل الاعتقاد بأن الختان يمنع الخيانة الزوجية لأسباب غير معقولة.


تدمير نفسي
أما عن الأضرار النفسية للختان، فيؤكد الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، أن ما تتعرض له الفتاة الصغيرة من عملية أشبه ما تكون بـ«المجزرة»، يترك آثاراً نفسية مدمرة عليها طوال حياتها، وقد تصل إلى الأمراض النفسية الموقتة أو الدائمة، والتي قد تكون لها انعكاسات عضوية يصعب علاجها، لعدم إمكانية زوال آثار الختان، بخاصة إذا حدثت أخطاء إجرائية تترك تشوّهات في منطقة الختان والأعضاء المجاورة، مما يسبب لها عقداً نفسية قد تدفعها إلى التفكير في الانتحار.
ويشير الدكتور عيد إلى أن الختان يدمّر الزوجة المختونة نفسياً، ويجعل تجاوبها ضعيفاً خلال العلاقة الزوجية، مما يُخجلها من الحديث عنه في مجتمعاتنا الشرقية، التي ما زالت الزوجة فيها تتصف بالحياء لدى تحدّثها عن مشكلاتها الخاصة.
ويطالب الدكتور عيد بالعلاج والتأهيل النفسي لمن تعرضت للختان، وفي الوقت نفسه لا بد من التأهيل والوعي النفسي لدى الأسر، بأن لا علاقة بين الختان وما يُطلق عليه «الشرف» أو «العفة».