دينا عبدالقادر فنانة تشكيلية «عراقيلبنانية» ترسم الحب تكتب الطبيعة وتحلّق...

إسماعيل فقيه - (بيروت) 08 يوليو 2018

ثمة حيرة تواجهك وأنت تسألها، من أنت؟ فتبادرك بالقول إنها فنانة تنتمي الى اللون والشكل الواحد. لون المكان والزمان. وعند تكرارنا السؤال للحصول على الإجابة الشافية، تكرر وتقول: أنا فنانة «عراقيلبنانية». وتقصد بالقول: فنانة عراقية ـــ لبنانية، فقد مزجت اسم البلدين في كلمة واحدة، «وطني لبنان ووطني العراق».

فنانة تشكيلية عراقية الأصل لبنانية الجنسية، دينا عبدالقادر حاصلة على شهادة البكالوريوس ــ  فنون جميل من جامعة بغداد، اختصاص في الرسم التشكيلي. ومؤخراً، بدأت باقتحام عالم النحت، ولديها منحوتات عدة تعبّر عن المرأة وعالمها الواسع، عن جمالها ومعاناتها.
قدمت الفنانة أعمالاً كثيرة في العراق ولبنان، وانطلقت بمعرض مشترك في بغداد مع مجموعة من الفنانين العراقيين، فور التخرج من الجامعة. كما قدمت معرضها الشخصي في لبنان. إضافة الى مشاركات عدة في (السمبوزيومات) في لبنان، وفي المعارض المشتركة في بغداد ولبنان ومصر ودبي. حصلت على العديد من الشهادات التقديرية، ولديها 21 سنة من الخبرة في تعليم الرسم في المدارس الخاصة والحكومية اللبنانية.
تتحدث دينا عن أعمالها الفنية. وكيف ولماذا الرسم في  مسيرتها، ومتى وكيف بدأت علاقتها مع  اللون والريشة.
تقول دينا: «الرسم هو الهواء النقي، وهو أيضاً الألم في صدري، وكأنه الحب المستحيل، فلا أستطيع تركه، ذلك أنه متغلغل في شراييني وفي كل حياتي،‎ وهو مرتبط بنشأتي مع والدتي التي تحترم الفن كثيراً، ومن خلال دراستها كانت السباقة الى هذا الفن الراقي. وأنا بدوري، اعتمدت على خبرتها وعلى تربيتنا، كعائلة، على حب الفنون، خصوصاً الرسم. وبسبب طبيعة العراق ومناخه الحار، ومن أجل الحرص على الفتيات، كنا نمضي وقت الفراغ وأيام العطل في البيت، مع توفير أمي جو الثقافة لنا، وعليه كان حبي الأول مع اللون والورقة واللوحة والريشة».
وتضيف دينا: «إن تأثير حياتي الأولى في بغداد لم يظهر في لوحاتي، ذلك أنها كانت غائمة وملبّدة في الذاكرة، أي أنها كانت  مخزونة في الذاكرة وتنتظر التحوّل الى شخوص وأماكن وصور متعددة في لوحاتي».
وتقول دينا إن ذكرياتها وذاكرتها تعتمل في وجهة مختلفة من حياتها: «السبب أن ذكرياتي ليست موجودة في لوحاتي، بل في حركة انتقالي وتنقّلي، خلال أكثر من عشرين سنة، للعيش في لبنان بعد الزواج،  إضافة الى تأثّري بالبحر وبطبيعة لبنان ومناخه، بألوانه المختلفة جداً عن طبيعة بغداد ومناخها».
وعن ألوانها المشرقة في لوحتها، توضح دينا: «صحيح أن ألواني مشرقة دائماً في أعمالي ورسوماتي، لكن لهذا علاقة بثقافتي وحياتي التي عشتها. فقد تأثرت دائماً بالمدرسة الانطباعية والتعبيرية والوحشية، بالإضافة الى تأثري بطبيعة لبنان المشرقة، خصوصاً قرية زوجي «بريقع» في قضاء النبطية ـــ جنوب لبنان، بألوانها الصريحة. فالسماء فيها شديدة الزرقة، والأشجار شديدة الخضرة. وهذا الوصف ينطبق على العديد من قرى لبنان، فلا وجود للألوان الترابية، كطبيعة العراق».
تجاهر دينا بالقول وتعترف: «أنا عراقية المولد من أب وأم عراقيين، وأنا أيضاً لبنانية بسبب زواجي من لبناني، وهذا الخليط من ذكرياتي وحياتي في بغداد وحياتي في لبنان، كان له الأثر الأكبر في معاناتي لمعرفة من أنا... فقد أمضيت نصف عمري في بغداد والنصف الآخر في لبنان... فهل أنا «عراقيلبنانية»؟ إذا كانت هناك هوية مثل هذه فهي أنا».
تسأل دينا وتجيب: «لماذا أرسم اليوم؟ الألوان عندي كالدماء في الشرايين... هي زادي وهوائي ومساحتي الخاصة وساحة طفولتي ولهوي، وأيضاً هي التحدي الذي أفرضه على نفسي، وإرادتي لا تلين لأكسب هذا التحدي أمام نفسي... فقد رجعت إلى الرسم بعد تعب الحياة ومسؤولياتها، فاستقبلتني ريشتي ولوحتي وألواني بصدر رحب وصبر، لأنني كالطفلة ما زلت في أولى خطواتي في عالم الفن».
وبالنسبة الى الغربة وأثرها في لوحاتها، «فهي موجودة بشكل خفي خلف تلك الألوان الزاهية والمشرقة، تختبئ خلفها كطفلة ما زالت تحن الى لمسة أمها».
أما الحب، فهو موجود دائماً في ريشة الفنانة وألوانها. «فلولا الحب لما استطعت أن أمسك ريشة».
الحب هو صورة كبيرة نراقبها ونعيشها ونتظلل بها ــ تقول دينا ــ «الحب يحرك سائر الحياة، فكيف للفن ألا يتحرك بمشيئة هذا الحب؟ ثم إن للحب لغة، وللحب مساحة لونية (ألوان) لا يمكن حصرها، ألوان مفتوحة الى ما لا نهاية، واللوحة حين تمتد تحت ضربات الريشة لتستقبل لون الحب وتستوعبه، فهي أيضاً حالة مفتوحة على حالات لا تنتهي. وبالنسبة إلي، فإنني أرى أن لون الحب في اللوحة هو كل الألوان، وكل الأشكال. حتى لو كانت اللوحة تخاطب الصعوبة والقسوة وما شابه، فهي تحمل في بذور تشكلها، غذاء الفرح. يكمن الحب في كل التفاصيل اللونية والأشكال. وإذا كان الحب هو كل هذا النشاط الذي ينتج الحياة وجمالها، فإن للوحة والريشة دوراً في هذا الحضور العظيم».
الطبيعة والإنسان والأشياء والأرض والسماء، البهجة والنظرة الواسعة... كلها حاضرة في لوحة دينا: «لأن الحياة مليئة بكل أسباب اللون، بكل أشكال التعبير. وكي تكون فاعلاً معبراً في لوحتك، عليك سلوك خطوات نظراتك، تتبعها كيف تمشي وكيف تحلق وتطير في فضاء الحياة».