شروط استشارة إختصاصي علم نفس الطفل

ديانا حدّارة 15 يوليو 2018

«ربما علينا استشارة اختصاصي نفسي». باتت هذه العبارة متداولة بين الأهل المعاصرين عندما يواجهون مشكلة مع أبنائهم وبناتهم، ولا سيّما أولئك الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن مساعدة ابنهم (أو ابنتهم) فيغرقون في الشعور بالذنب.
فماذا ينتظر الأهل من الاختصاصي النفسي؟ ومتى عليهم استشارته؟ بدايةً، يجب أن يدرك الأهل ويقتنعوا بأنهم المعالج الأول لأبنائهم. فحبهم لهم والاهتمام بهم والاستماع إليهم ومنحهم شعور الأمان واحتواؤهم هي الطريقة الأولى والمثلى للعلاج النفسي. فالطفل ليس كائنًا من كوكب آخر، بل هو كيان إنساني، وشخص معرّض للنجاح والفشل ولديه هموم وقلق ومخاوف. كل هذه المشاعر طبيعية، فهي جزء من الحياة ومن التكوين النفسي للإنسان عمومًا.

- لماذا يحتاج الطفل إلى زيارة اختصاصي نفسي؟

من غير المجدي ومن المستحيل سرد كل الأسباب التي تستدعي  التفكير في استشارة نفسية للطفل. فالأساس هو استماع الوالدين وتنبّههما إلى أي أعراض أو سلوك غير طبيعي أو مزعج للطفل. فالعلامات الأولى لمعاناة الأطفال والمراهقين يمكن أن تكون تافهة (اضطرابات النوم،والتهيج...) ولكن أيضًا مزعجة للغاية (اضطرابات الأكل، والحزن، والعزلة...). في الواقع، بمجرد أن يواجه الطفل صعوبة لا يستطيع حلّها بمفرده أو بمساعدة والديه، عندها عليهما التفكير في استشارة اختصاصي.
ولمساعدة الوالدين على فهم أسباب الاستشارة، هذه بعض الأعراض الأكثر شيوعًا بحسب سن الطفل:
 الأطفال دون سن الثالثة، غالبًا ما يحدث تأخر في النمو واضطرابات في النوم (كوابيس، أرق...).
  مع الدخول إلى المدرسة، يجد بعض الأطفال صعوبة في الانفصال عن والديهم أو يجدون صعوبة في التركيز و / أو التنشئة الاجتماعية. مشاكل النظافة يمكن أن تظهر أيضًا.
  في الصفوف الابتدائية، تظهر بعض المشاكل، مثل صعوبات التعلم، وعسر القراءة أو فرط النشاط بشكل ملحوظ. بعض الأطفال يعانون آلامًا جسدية (الصداع، آلام المعدة، الأكزيما...) وهذه أعراض مرضية تخفي معاناة أعمق.
  في سن المراهقة في المرحلة الثانوية، تبرز مخاوف أخرى: التعنيف والتهميش من جانب المراهقين الآخرين، وصعوبة القيام بالواجبات المنزلية، وسوء التكيف مع منهج المدرسة، والمشاكل المتعلقة بالمراهقة (فقدان الشهية، الشره المرضي...).  وأخيرًا، فإن الوصول إلى المدرسة الثانوية يسبب أحيانًا صعوبات في اختيار التوجه الأكاديمي، أو معارضة للوالدين بشكل غير مألوف.

- متى يحتاج الطفل إلى اختصاصي نفسي؟

قبل كل شيء، على الوالدين اتباع غريزتهما! فهما أول طبيب نفسي لطفلهما، وعندما يلاحظان علامات تغيير في السلوك، فإن أفضل شيء هو التواصل معه. فيسألانه مثلاً عن حياته في المدرسة ومشاعره، ويحاولان فتح الحوار لمساعدته على تفريغ مكنوناته وتعزيز الثقة بنفسه. هذه هي أول خطوة حقيقية لمساعدته على التحسن.

إليك الأعراض التي يجب التنبّه إليها وتستدعي استشارة اختصاصي نفسي.
 تغير كبير في التصرّف. إذا أصبح الطفل فجأة أكثر هدوءًا بينما كان في السابق كثير الحركة، أو العكس، وإذا أصبح يتصرف بشكل عنيف، وإذا تدنت علاماته المدرسية بشكل مفاجئ، فهذه إشارات لأعراض اضطراب نفسي.
 اضطرابات غذائية: مهما كانت سن الطفل فإن رفض الطعام أو التهامه بشكل مبالغ فيه، مؤشر لاضطراب نفسي لا يجوز التهاون به.
 إذا شعر الأهل بأن التواصل مع طفلهم أصبح منقطعًا، والثقة بينهم وبينه لم تعد موجودة، عليهم استشارة شخص حيادي وقادر على مراقبة أفعاله.

- من في إمكانه إرشاد الأهل إلى الاختصاصي النفسي المناسب؟

عندما يلاحظ الوالدان صعوبة نفسية يمر بها طفلهما، يمكنهما سؤال طبيب العائلة أو طبيب الأطفال. فهو قادر على إرشاد الأهل إلى الاختصاصي النفسي المناسب لسن الطفل. كما يمكن الوالدين سؤال أصدقائهما أو المحيطين بهما، لأن من المؤكد أنهما ليسا وحدهما من يتعرّض أبناؤهما لصعاب نفسية. كما يستطيع الوالدان أن يسألا المسؤولة الاجتماعية في المدرسة، علمًا أن معظم المدارس يتوافر فيها اليوم اختصاصي نفسي يتابع أحوال التلامذة النفسية ومشكلاتهم.

- كيف يمكن التطرق إلى موضوع الاختصاصي النفسي مع الطفل؟

قبل جلسة الطفل الأولى، يتمثل دور الوالدين في الشرح للطفل عن الاجتماع وطمأنته. كأن يخبراه أنه سيقابل شخصًا معتادًا على العمل مع الأطفال وسيضطر إلى الرسم واللعب والتحدث مع هذا الشخص. فتخفيف وطأة فكرة استشارة اختصاصي نفسي تجعل الاستشارة تمر بهدوء ومن دون صعوبات. في حين لا يكون إقناع المراهق بهذا الأمر سهلاً، خصوصًا إذا طلبه منه الأهل. فمن المعلوم أن المراهقة هي المرحلة التي يميل خلالها المراهق إلى الاستقلالية، وغالبًا يرفض كل ما يطلبه منه أهله، خصوصًا إذا كان يمر بفترة صراع معهم. لذا قد يرفض فكرة الذهاب إلى معالج نفسي لأنها فقط اقتراح من والديه. لذا من الضروري التفسير للمراهق أن المعالج النفسي هو شخص حيادي، ولا يبوح بأسرار العمل لأي كان، وبأنه معالجه الشخصي، وليس متواطئًا مع والديه. وعندما يصرُّ المراهق على رفضه الذهاب إلى اختصاصي نفسي، يمكن الأهل الطلب من أحد أفراد العائلة أو أحد أصدقاء ابنهم إقناعه بذلك.

- ما المدة التي تستغرقها المتابعة النفسية؟

تختلف مدة المتابعة باختلاف حالة الطفل والمشكلة التي يجب معالجتها. بالنسبة إلى البعض تُحلّ المشكلة في نهاية الجلسة الأولى، في حين قد تستغرق المتابعة النفسية أكثر من عام بالنسبة إلى بعضهم الآخر، ولكن هناك شيء واحد مؤكد، فكلما كان العلاج يتعلق بطفل صغير، كانت المدة أقصر لأن صعوباته تكون في بداياتها.

- ما هو دور الأهل في العلاج النفسي؟

للأهل دور بالغ الأهمية. فالعلاج النفسي يقوم على معرفة أسباب المشكلة وتحديدها والعمل على حلّها بمساعدة الأهل. فلكي يكبر الطفل في صحة جيدة يحتاج إلى حماية أهله ودعمهم وإلى أن يكونوا مرجعه، وإلى حدود ونقاط محددة، فهذا يساعده في بناء شخصيته وتكوين هويته، وبالتالي في أن يصبح راشدًا سويًّا. فإذا كان الطفل يعيش وسط أهل تخلوا عن وظيفتهم الأبوية، أي يتصرّفون كما لو أن ابنهم هو المسؤول عنهم أو يطلبون رأيه في أخذ القرارات المصيرية أو كانوا مترددّين في كل ما يقومون به، فإن الطفل يشعر بالإرهاق وينتابه الكثير من القلق وبالتالي يعاني اضطرابات نفسية. لذا على الأهل أن يضطلعوا بدورهم الحقيقي بتوفير الحب والحنان والشعور بالأمان لأبنائهم. فلكي ينجح العلاج، يجب أن يشعر جميع أفراد العائلة بأنهم معنيون بالمساعدة.

- كيف يمكن الأهل معرفة الاختصاصي المناسب لعلاج ابنهم المراهق؟

من الضروري أن يشعر المراهق بالثقة بمعالجه النفسي عندما يلتقيه، فإذا لم يشعر بالراحة معه لا داعي لإكمال العلاج عنده، وينبغي البحث فورًا عن معالج آخر يستطيع التقرّب من المراهق، ويسترعي انتباهه، ويبدأ العمل معه بشكل سريع.
وفي المقابل، على الأهل أن يدركوا أن المعالج النفسي هو لابنهم، فعيادة المعالج هي مكان خاص به. ولكن هذا لا يمنع أن يكون الأهل على دراية بالتقدّم الذي يحرزه المراهق في علاجه النفسي. وعليهم الاحتفاظ بتدخلهم وأسئلتهم إلى ما بعد انتهاء الجلسة. قد يصعب على الأهل تقبّل ذلك، ولكن وقت الانفصال ربما حان، فالمراهق أصبح سيّد نفسه.