'البحر وردة الرؤيا'

ديوان شِعري, قصائد, المدرسة, كتابة شعرية, جوزيف دعبول

22 أغسطس 2011

الديوان: 'البحر وردة الرؤيا'

الشاعر: جوزيف دعبول

الناشر:
'دار النهضة العربية'،2011


في ديوانه الأخير 'البحر وردة الرؤيا'يدعوك الشاعر جوزيف دعبول لدخول عالم شعري جديد فيه من الصعوبة والغموض ما يجعلك تعيش تحدياً لغوياً وشعرياً قلّما تجده في الدواوين التي يكتبها الجيل الحالي من الشعراء الشباب.
قصائده فيها من النضج والتمرّد ما يُشعرك بأنّ حلم الشاعر هو حلم الجماعة ومعاناته هي معاناتهم جميعاً.

انتقى الشاعر لغة صاخبة مدويّة تقبض على العقل كما القلب، حتى يغدو الديوان وكأنّه قصيدة واحدة تكثر فيها الرموز والصور والثنائيات الضديّة التي تتحرّك بينها القصائد. اختار 'الصورة'لا ليُعبّر فيها عن العالم الخارجي بل عن العوالم الذاتية التي تُكوّنه. إنّه شاعرٌ متألّم تقتله أسئلته الوجودية التي لا يملك إجاباتها، فيختار الهدم سلاحه ولغته. هو لا يتقيّد بتقنية ولا مدرسة ولا مذهب بل يعمد إلى مُصاهرة الكلمات المتباعدة لتقديم صور صادمة وغير متوقعة: 'أنا المذبوح من الوريد/ من الشمس إلى القمر'.
وبأسلوب أرتور رامبو الذي استخدم في 'إضاءاته'الصور الجامعة بين الأشياء المتباينة للكشف عن طموحاته الشعرية، ارتأى دعبول التعبير عن نفسه بتلك الصور الغريبة واللغة الهادمة التي لا يستخدمها انتقاصاً من قيمة اللغة وإنما إيماناً منه بأنّ الهدم هو السبيل للمزيد من الكشف والإضاءة على جمالية تجربته الشعرية التي تبتكر الرموز والمعاني الغزيرة.

جوزيف دعبول الشاعر المعبّأ بالمآسي والأحزان في هذا الديوان لا يهرب من العالم لينزوي في 'أناه'أو داخله ولكنّه اختار أن يُخرج لاوعيه وداخله ليخلق واقعاً شعرياً جديداً لا تحكمه النواميس والقوانين الشعرية بل يُعيد الاعتبار إلى العبثية والهذيان: 'وحطّ الطائر الصغير على غصن وردة وبكى/ اجتاز جبالاً وأنهاراً وصنع من وريده ناياً/ لم يدم عيشه كثيراً/ لم يدم موته كثيراً/ هبّ من الرماد إلى الرماد/ ونسج غيوماً من لحمه/ وفَتَق مطراً من دمه'. 

ولعلّ ذروة عبثيته تتجلّى في أجمل قصائد الديوان 'الشاعر الذي ظنّ أنّه شاعر'والتي يسخر فيها من نفسه أولاً كشاعر: 'أنا ذئب الشعر اللعين'، وساخراً من الصورة السوريالية التي يرسمها الشعراء عن أنفسهم وطقوسهم وتفوقهم: 'يرتدي معطفه الأزرق/ يضع على عينيه نظارتيه الزرقاوين/ يرى الورقة التي يودّ الكتابة عليها/ سماء زرقاء مرصعة بالنجوم'.

جوزيف دعبول يرى الإنسان 'جثّة حيّة'، إلاّ أنّه كشاعر متمرّد يحثّ تلك الجثّة أو ذاك الإنسان المُكابد المدفون حيًّاً بأحزانه إلى التمرّد والسفر والإبحار والتعبير والحبّ بحريّة: 'افرد جناحيك/ لا شيء أمامك/ لا شيء وراءك/ البحر وردة الرؤيا/ حطّ على موجة/ على نجمة بيضاء/ اسلس قيادها نحو القلب/ اسلس قيادها نحو القلب/ نافذة حمراء من ضوء الحب من رهز جسدها'.