رئيسة المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي: يجب أن نربّي الأولاد على احترام حقوق البنات

القاهرة - جمال سالم 12 أغسطس 2018

رغم أن الدكتورة مايا مرسي خرّيجة الجامعة الأميركية وعملت في العديد من المنظمات الدولية، حيث كانت قبل تولّيها رئاسة المجلس القومي للمرأة، تدير فريق العمل الإقليمي لتمكين المرأة على مستوى الدول العربية، وكانت سابقاً رئيس المكتب الوطني لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلا أنها تشعر بمعاناة المرأة المصرية والعربية، وتوصل الليل بالنهار لرفع الظلم عنها وتشجيعها على تحقيق ذاتها. وتعد مسيرة نجاحها ورحلتها الدراسية والعملية والأسرية نموذجاً يحتذى به، ودليلاً على أن النجاح لا يأتي مصادفة، بل بالتخطيط والعمل الجاد وتنظيم الوقت بين مسؤوليات الأسرة والعمل، فما هي أهم تفاصيل رحلة الدكتورة مايا مرسي حتى استطاعت الوصول إلى القمة لتكون أصغر رئيسة للمجلس القومي للمرأة في مصر؟


- ما هو دور والديك في مشوارك ونجاحك؟

والدتي طبيبة بيطرية، حنون وطيبة، وهذا جعلني أتعامل برفق واحترام مع الآخرين، وأسعى إلى مساعدة الضعفاء والعمل على إسعادهم، فأستمتع بخدمة وطني من خلال دعم من يشكّلون نصف المجتمع، أي النساء اللواتي يقمن بتربية الأجيال ورعايتها، لذا وجدت أن الاهتمام بتعليم المرأة هو أفضل وسيلة لتطور المجتمع. أما والدي فقد تعلّمت منه الاعتماد على النفس، لأنه كان لواء مهندساً في الجيش المصري، فمثلاً زرع الثقة فيّ منذ الصغر، فسمح لي بالسفر وأنا في الرابعة عشرة من عمري من خلال برامج التبادل الطلابي وقتها، كما كان والدي يستشيرني في مختلف الأمور، باعتباري البكر بين بناته الثلاث، وتعزّزت ثقتي في نفسي عندما التحقت بالجامعة الأميركية في سنّ السادسة عشرة، وكنت نشطة جداً، وخضت الانتخابات داخل الجامعة.

- أنتنّ ثلاث شقيقات، لكن ما هي الأسّس التي أعتمدها الأهل في تربيتكنّ؟

نحن ثلاث بنات وُلدن في أسرة متحضّرة تؤمن بالمساواة بين الولد والبنت، ولم نشعر يوماً بأن والدينا كانا يميّزا أخينا المتوفى عنا، بل كانا يؤمنان بأن التربية السليمة للبنت تجعلها مثل الولد، إن لم تكن أفضل، والحمد لله لم نخيّب آمالهما فينا.

- قلت «من أجل أمي احترمت جميع النساء»، فما الذي دفعك لقول هذه العبارة؟

اعترافاً بدور أمي في حياتي وحياة أخواتي، وتعبها في تربيتنا بل ورعاية أولادنا، أقول إنها أغلى إنسانة على قلبي، لأنها ضحّت كثيراً في سبيل إسعادنا، وأؤكد أن علينا أن نربّي أولادنا ونكون قدوة لهم في الحياة، متّبعين في ذلك أسلوب أهلنا في تربيتنا، خاصة الأم إذا كانت موظفة وتتحمل مسؤولياتها كزوجة وأمّ وعاملة.

- ما الطريقة الفضلى في تربية الأم العاملة لأطفالها؟

أن تجعل من الحوار المستمر في ما بينهم أسلوب حياة، لأن النقاش العائلي صحي ومفيد للجميع، ويجعل الأبناء أسوياء نفسياً وقادرين على التعايش بإيجابية مع المجتمع، ابتداءً من المدرسة والأصدقاء، لهذا أنصح كل أم بضرورة محاورة أولادها وأن تعاملهم كأصدقاء، وتُكسبهم من خبراتها في الحياة، وتبتعد عن العنف لأنه يأتي بنتائج عكسية.

- هل تحرصين على التعرف إلى أصدقاء أولادك؟

أنا بالتأكيد أعرف كل أصدقاء أبنائي عن قرب، وعندي معلومات كافية عن كلٍ منهم، لأنهم يؤثرون في سلول أبنائي، ولهذا أحرص دائماً على دعوتهم إلى منزلنا، فأكتشف ما يدور في أذهانهم وأتعرف على طبيعة علاقتهم بأولادي، وأُبدي رأيي أحياناً بما يفعلون.

- كيف تنجح المرأة في جعل زوجها سعيداً بنجاحها في العمل؟

يكون ذلك بالتوفيق بين مهمّاتها في العمل ودورها كزوجة وأمّ، وأن يرزقها الله بزوج متفهم لطبيعة عملها ومحبّ لنجاحها، خاصة إذا كانت تمارس وظيفة عامة أو تشغل منصباً قيادياً، فعندها تكون مسؤولياتها مضاعفة، علماً أن هناك اختلافاً في طبيعة حياة كلٍ من الزوج والزوجة، لأن الرجل عندما يدخل المنزل غالباً ما ينجح في الفصل بين هموم عمله وحياته الشخصية، أما الزوجة والأم العاملة فحين تعود من عملها تجد أعباء منزلية في انتظارها، مما يعرّضها للمزيد من الضغوط النفسية، لذا يتوجب على الزوج مراعاتها في هذه النقطة، فيمدّ لها يد العون ويخفّف عنها همومها، ويشعر بأن نجاحها نجاحه، لأن وراء كل زوجة ناجحة زوجاً عظيماً ومؤمناً بأهمية دورها في الحياة.

- تقولين «يجب أن يتحمل الصغار المسؤولية لأن الدلال الزائد لن يبني شخصية». يرى البعض أن كلامك هذا فيه بعض القسوة، فبمَ تردّين؟

إذا زاد أي شيء عن حدّه انقلب إلى ضده، ولهذا اتفقت مع زوجي على تعليم أولادنا أسس الانضباط والتخطيط لحياتهم، وأن تكون لهم شخصيتهم، لأن هذا يخلق جيلاً يقدّس العمل ويتحمل المسؤولية، وهذا ما يحتاج إليه مجتمعنا المصري والعربي، لأن الإفراط في الدلال يفسد الشخصية منذ الصغر، ويقول المثل «العلم في الصغر كالنقش على الحجر»، ولهذا نحرص على اكتشاف مواهب أولادنا ومهاراتهم الشخصية ونعمل على تنميتها.

- وكيف طبّقت ذلك في حياتك الشخصية؟

رزقني الله بزوج متفهم ويشجعني دائماً، ويتمتع بالصفات التي أحلم بها، ولهذا نعلّم أولادنا أن الأسرة أشبه ببناء يقوم على عمودين متساويين رئيسين هما الأب والأم، ولا بد من أن تتكامل أدوارهما، لأنهما شريكان في أهم مؤسسة إنسانية، ونجاحهما مشترك والعكس صحيح، وقد طبّقت ذلك فعلاً في تربية أولادي.

- كيف تنجح المرأة التي تضطرها الظروف أن تربّي أولادها بمفردها لأي سبب كان؟

بصراحة، كان الله في عونها، وأرفع لها القبعة لأنها تواجه مشكلات الحياة المتزايدة والصعبة بمفردها، وهذا يتطلب مجهوداً نفسياً وبدنياً وأموالاً، لأن مهمتها مزدوجة إذ تقوم بدور الأم والأب معاً، وهذا أمر صعب، ولهذا أدعوها للتحلّي بالصبر ومعرفة أصول التربية السليمة، وأن تُحسن قراءة الواقع وتتعايش مع سن أبنائها، وأن تصادق ليس أولادها فقط، بل أصدقاءهم أيضاً.

- تشعرين بمعاناة أسر الشهداء، وأسّست قبل شهور لجنة لرعاية عوائلهم، فما أهم مهمّاتها؟

في كانون الأول/ديسمبر من عام 2017، استحدثنا اللجنة التي عقدت على الفور أول اجتماع لها بحضور عضواتها، حيث ضمّت ممثلات عن زوجات شهداء الجيش والشرطة وأمهاتهم وبناتهم، وذلك بهدف دمجهن في كل نشاطات المجلس في مختلف المجالات، والتعرف على مشاكلهن ومساندتهن.

- توعية النساء تتصدّر اهتماماتك، فكيف يتم تحقيق ذلك؟

نحن على تواصل دائم مع واعظات وزارة الأوقاف لتكثيف عملهن لنشر الرسالة التنموية الحضارية للدولة المصرية، لنبذ العنف والتطرف، والتواصل المباشر مع النساء في أماكن إقامتهن، لأنه الأكثر تأثيراً، فمثلاً، من خلال حملة «طرق الأبواب» التي أطلقها المجلس في كل أنحاء مصر، زرنا أكثر من 2000 قرية، وتواصلنا مباشرة مع أربعة ملايين سيدة، وما زلنا نحلم بلقاء كل امرأة مصرية، خصوصاً أن رسائل الحملة تتضمن القضية السكانية وارتفاع معدل الإنجاب، ولذلك فتنظيم الأسرة واحترام الآخر وقبول الاختلاف في المجتمع المحيط تبقى الحل الأنجع.

- ما أهم القيم والمبادئ التي تحبّين ترسيخها في الأسرة المصرية والعربية؟

أؤكد أن الأم هي عنصر الأمن القومي في الأسرة، وتغرس قيم العفو والتسامح في نفوس أبنائها وزوجها، والحياة الزوجية عبارة عن حقوق وواجبات، ويجب أن تكون مصلحة الصغار هي العليا عند حلّ الخلافات الأسرية، وأن تتم تربية الأبناء الذكور على احترام حقوق الفتيات وحمايتهن من التحرش، إضافة الى صدور قانون أحوال شخصية متكامل يخفّف من حدة المشاكل بين الزوجين، وأن تتعاون الدولة بكل مؤسساتها والمجتمع لحماية المرأة من العنف ورفع الظلم عنها، مثل زواج القاصرات، ختان الإناث، حرمان المرأة من الميراث، حرمان الفتاة من التعليم، التحرش والعنف الجنسي، عدم توثيق الطلاق...

- كيف تستفيدين من خبرتك الدولية في عملك الحالي؟

نحضُر كل الاجتماعات الدولية ونرفع صوت مصر والعرب عالياً، إضافة إلى الاستفادة من المناسبات الدولية الخاصة بالمرأة، مثل اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، فتعاونّا مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، وعملنا على تمكين المرأة من خلال إطلاق حملة تحمل شعار «كوني»، لنشر التوعية ونبذ العنف ضد المرأة، كذلك تعاونّا مع الوزارات والهيئات المعنية لمحاصرة بعض الظواهر السلبية، مثل ختان الإناث وحرمان المرأة من الميراث وضرب النساء وحرمانهن من حقّهن الإنساني والقانوني في المساواة بسبب بعض الأفكار الذكورية، التي لا تزال مسيطرة على عقول البعض ويحاولون إلباسها رداء الدين ظلماً.

- ما هي طموحاتك التي تسعين الى تحقيقها داخل المجلس القومي للمرأة؟

أطلق المجلس القومي للمرأة خلال آذار/مارس 2017 استراتيجية تمكين المرأة 2030، وهو يسعى لتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، ويؤكد ضرورة مشاركة المرأة في كل مراحل البناء والتنمية، والاهتمام برفع الوعي والتثقيف لتغيير الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع، واقتراح السياسات التي تعالج مشاكل المرأة، وتذليل المعوقات التي تسبب التمييز ضدها، لتمكينها اجتماعياً والوصول بها الى مراكز صنع القرار، وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، كما سنسعى الى تطبيق ما ينص عليه الدستور، حيث جاء فيه: «تلتزم الدولة بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنّة والنساء الأشد احتياجاً».

- ما أهم أهداف استراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030 التي أعدّها المجلس وأطلقها الرئيس المصري كوثيقة تمكين المرأة للأعوام المقبلة؟

في المقام الأول تسعى الاستراتيجية إلى التشديد على التزام مصر بحقوق المرأة ووضعها موضع التنفيذ وفقاً لما أقرّته المواثيق الوطنية، وعلى رأسها دستور 2014، والاتفاقيات والمواثيق والإعلانات الدولية التي التزمت بها مصر. كما تسعى إلى تلبية الاحتياجات الفعلية للمرأة المصرية، خاصة المقيمة في ريف الوجه القبلي، والفقيرة، والمعيلة، والمسنّة، والمعاقة، باعتبارهن الفئات الأَوْلى بالرعاية، عند وضع الخطط التنموية من أجل توفير الحماية الكاملة لهن، والاستفادة الكاملة من الطاقات والموارد البشرية والمادية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، كما نص عليه الدستور.