أماني الوزير: نملك طموحاً جامحاً لتصبح منتجات التراث في كل بيت سعودي

آمنة بدر الدين الحلبي - جدة 18 أغسطس 2018

لمركز سليسلة عبق التاريخ، ورائحة التراث السعودي الذي يفوح في كل قسم من أقسامه، من الفن والرسم والطباعة على القماش، بزخارف إسلامية ونقوش تراثية تحت عنوان «أبو طير»، إلى الصناعات اليدوية من سعف النخيل، والتي تتطلب مهارة وذوقاً رفيعاً وصبراً طويلاً نظراً الى مرور السعف بمراحل عدة قبل العمل بها، من تليين إلى صباغة وتطويع، لتتحول الى أيادي فتيات سعوديات أحببن العمل والتصقن به كونهن تعلّمنه من الأمهات والجدّات. «لها» زارت مركز سليسلة لتطّلع على كيفية صنع الحقائب النسائية من سُعَف النخيل وأغطية المصاحف وعلب المناديل الورقية، وغيرها من الأعمال الفنية التي تعيدنا إلى تراث الأجداد بأسلوب فني متطور وجميل... والتقت مشرفة المركز السيدة أماني الوزير وبعض الفتيات اللواتي يُجدن صنع الحقائب والأعمال الفنية.


- لماذا أُنشئ مركز سليسلة؟

أنشأت الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية في جدّة مركز سليسلة، بهدف تحسين مستوى الوضع الاقتصادي لبعض الفتيات في المدينة من فئة محدودي التعليم، وفئة الصم والبُكم والإعاقة الحركية من خلال ممارسة مهنة الخياطة والتطريز.

- كيف حقق المركز نقلة نوعية في الإنتاج؟

بتغييره الأسلوب التقليدي للأسر المُنتجة إلى أسلوب متطور يواكب العصر، ونقلِه من مستوى التخطيط الفردي إلى العمل والاهتمام بجودة المنتج السعودي بروح تراثية.

- مركز سليسلة، ألا يُعتبر الأول محلياً؟

هو يُعدّ أول مركز يطوّر ويحدّث الحرف السعودية التقليدية التي تمارسها المرأة، مُستخدمةً في ذلك سُعف النخيل والليف والتطريز المحلي بزخارف جميلة ومتنوعة، وتصاميم إسلامية وتراثية مثل زخارف «أبو طير».

- ماذا تعني زخرفة «أبو طير»؟

لكل عام تصاميمه وإبداعاته، حيث أطلقنا «مجموعة العقال» لعام 2017، ولكي نخرج بأسلوب مميز سنطلق «مجموعة أبو طير» لعام 2018، كونها زخرفة حجازية مميزة وعريقة في التصميم والإبداع، وصنعت منها الفتيات تصاميم مختلفة للأزياء والحقائب النسائية وأغلفة القرآن الكريم والسِلال والعلب وبعض الأعمال الفنية.

- ومتى ستُعرض؟

سنطلق المجموعة كلها في أول معرض خذا العام، وسيكون للحقائب النسائية الحظ الأوفر، وسيتم البيع «أون لاين» على نقشة «أبو طير».

- من يُشرف على التصاميم في مركز سليسلة؟

كل التصاميم تُشرف عليها الأميرة فهدة بنت سعود، رئيسة مركز سليسلة. ولكونها فنانة، يغلب على إنتاج المركز فن حضاري بطابع تراثي جميل، وذي جودة عالية، ذلك أن الأميرة فهدة تحمل فكراً مميزاً، وتردّد دائماً: «سأستمر في العمل حتى تصبح منتجات تراثنا العريق في كل بيت سعودي».

- من الذي يسعى إلى الجودة في مركز سليسلة؟

جميع القائمات في المركز، بدءاً من الحِرفيات اللواتي يعملن في ورش سعف النخيل، وصولاً إلى القائمات على الخياطة والتطريز والطباعة والفنون بمختلف أشكالها، وعلى رأسهن الأميرة فهدة، ليخرج المنتج بروح تراثية سعودية.

- لاحظت «لها» فتيات من الصم والبُكم في ورش الطباعة!

هؤلاء الفتيات يشكّلن إحدى الفئات العاملة في مركز سليسلة. وفي الحقيقة، هنّ فتيات ذكيات استطعن التعلّم بسرعة، ويسعَين لتحقيق وجودهن، لأن المركز كان يرعى ذوي الاحتياجات الخاصة من الإعاقة الجسدية، وفي ما بعد تطور أسلوبه وأصبح يتطلع الى تعليم تلك الشريحة لتثبت وجودها في المجتمع، وتدخل سوق العمل.

- صُنِّف مركز سليسلة من واقع مراكز الإنتاج...

أُجريت دراسة خارجية صنّفت المركز من واقع مراكز الإنتاج الحِرَفي السعودي، بأنه من أفضل المراكز في الابتكار، وأن أعماله اليدوية تتميز بالجودة العالية بسبب كفاءة البرامج التدريبية.

- مَن أشرف على تلك البرامج التدريبية؟

مركز سليسلة يهيّئ لتلك البرامج، وقد استمعت «لها» إلى بعض الفتيات اللواتي تولّت تدريبهن سيدات من ماليزيا لتعليمهن أسلوباً آخر من أساليب فن العمل بسعف النخيل. والبرنامج الجديد الذي نعمل عليه من خلال جمعية نهر الأردن، يخوّلنا إعطاء دورات تدريبية في الجودة.

- ما أهمية الجودة لدى سليسلة؟

هناك الكثير من الأعمال الحِرفية التي تفتقر الى الجودة، لكن سليسلة تسعى جاهدةً الى تحقيق الجودة العالية، سواء في الابتكار أو في التنفيذ، لذا يستحوذ هذا الأمر على اهتمامنا.

- بعد تلك السنوات، ألم يحظَ مركز سليسلة بسوق خاصة به؟

لدينا ثلاثة منافذ للبيع، منها مطار الملك عبدالعزيز في الصالة الجنوبية، والمعرض التجاري خلف المركز الطبي، ومركز في البلد، إضافة إلى بعض الفنادق الكبيرة، مع المعارض السنوية، رغم أن سليسلة ومنذ أربع سنوات، لم يُقم أي معرض نظراً الى مشروع انفصاله عن الجمعية الفيصلية لتكون جمعية حِرفية مستقلة بذاتها.

- أين سيكون مبنى سليسلة الجديد؟

نسعى إلى إيجاد مبنى جديد، أو داعم مادي يتبنى مركز سليسلة مدة خمس سنوات على الأقل لنستطيع تحقيق ما نصبو إليه.

- ثمة أقسام عدة في سليسلة، ما أهمها؟

قسم سعف النخيل وتليينه وصبغه، لكن قسم الطباعة بلغ الأهمية نفسها نظراً الى وجود فتيات من الصم البُكم يعملن بنشاط وذكاء، إضافة إلى قسم التطريز والخياطة والفنون بكل أنواعها من رسم وسيراميك وورش العرائس والتول.

- كم هو عدد الفتيات اللواتي تم تدريبهن في مركز سليسلة؟

بلغ عددهن ما يقارب الـ 6148 شابة، وتم تدريبهن على الأشغال اليدوية والحِرفية، وتأهليهن لدخول سوق العمل على مستوى المملكة ومن كل مناطق المملكة.

- من يرعى تلك الدورات؟

آخر دورة كانت مع «البنك الأهلي التجاري»، وهو يُعتبر داعماً استراتيجياً لمركز سليسلة، إذ درّب الفتيات مجاناً، وأمّن لهنّ إقامتهن وحصلن على شهادات في نهاية الدورة. كذلك كانت مؤسسة الوليد بن طلال تدعمنا في الكثير من المعارض، وكل ما نتمناه أن يسمع صوتنا رجال الأعمال ليدعمونا بقوة.

- كيف تقيّمين مبيعات سليسلة؟

بصفتي المُشرفة على المركز، أفتخر بالمبيعات التي يحققها «سليسلة»، والتي تُقدر بـ70 إلى 80 في المئة سنوياً، كوننا نستقبل طلبات كبيرة تعود بالنفع على المركز، وفي هذه الحال نستعين بمن درّبناهنّ، واللواتي يعملن من منازلهن لمساعدتنا في تنفيذ تلك الطلبات وتسليمها في الموعد المحدد، وذلك بعقد اتفاقية بينهن وبين المركز، ما يحقق لهن أرباحاً مادية.

- إلامَ يطمح سليسلة؟

نتمنى أن يملأ اسم سليسلة الدنيا ويشغل الناس ويصبح علامة تجارية عالمية معروفة، بعد أن أصبح علامة وطنية رائدة ذات أثر اجتماعي وثقافي، حيث مثّلنا المملكة في الخارج، سواء في العالم العربي أو الغربي، وقد طلبت بعض السفارات التعرف إلينا وقدمن لها هدايا ثمينة.

- في أي بلد عربي حقق سليسلة مبيعات أكثر؟

عرضنا منتجاتنا في عدد من الدول العربية، منها الإمارات والكويت وقطر، لكن حققنا أعلى المبيعات في دولة الكويت الشقيقة.

- ماذا تحبّين أن تُضيفي؟

أود أن نرتقي بالحِرفيات إلى أعلى المستويات، لأنهن عاشقات لتلك المهنة، وآمل أن يبرز عملهن أكثر في المجتمع، وعلى سبيل المثال، الشابة سعدة الحربي كانت ولا تزال تردّد عبارة: «لا أعمل بغية الكسب المادي، وإنما كي تبقى حرفتي مستمرة»، وأتمنى أن يحصلن على المزيد من الدعم.

- سعدة كانت أكثرهن طلاقة...

في سوق عكاظ لهذا العام، حصلت سعدة على المركزين الأول والثاني، وفازت بجائزة قدرها 25 ألف ريال، ولسعادتها الغامرة سعت إلى تقديم هدية لي، لكن كل ما يمكنني قوله إنني لم أسعَ إلا إلى تقديمها في شكل يليق بها كحِرفية في مركز سليسلة، وأنا فخورة بكل الشابات.

«لها» التقت شابات مركز سليسلة للوقوف على آرائهن 

• تقول سعدة الحربي: «منذ نعومة أحلامي وأنا أعمل بـ «سَفّ السُّعَف»، وفي القِدم كانوا يطلقون عليه «شبشور»، فأصنع السِلال والقُفَف والحقائب للسيدات، وقد تعلمت ذلك من جدّتي وأمي، وهو يجب أن يكون من نخيل التمر، وأقوم بضفره لأصمّم الحقيبة وأخيطها بعد صنع قاعدة لها، شرط أن يبقى السُّعف رطباً ليسهل العمل فيه، لذلك أرشّه بالماء باستمرار، وأصنع حصيراً كبيراً يسمّونه «خصفة»».

وتضيف: «لكوني تدرّبت على أيدي السيدات الماليزيات، فقد تعلمت كيف أشتغل بسعف نخيل الزينة، والذي ينبت في الشوارع حيث يختلف عن نخيل التمر، ومن خلال النول أنسج ما أحب، لأنني أعشق تلك الحِرفة وأتمنى استمرارها، فهي فن رائع وجميل».

• أما فريال الجحدلي فتوضح: «بعد أن تصلني مكتملة من حيث الشكل، آخذ المقاسات وأبدأ بصنع البطانة لها، فجزء يكون للجيوب الداخلية وتكون مقسّمة بالتساوي وبعد ذلك أخيطها، وقبل الانتهاء أُثبّت الأزرار من الأمام ليُصبح الإغلاق مُحكماً، ففي اليوم الواحد أُصنع حقيبتين وأنا في قمة السعادة».

  • وتلفت حنان الجحدلي قائلةً: «أختلف مع أختي في التصميم، وربما أستعين ببعض التصاميم الأخرى، لأضيف الى السعف شيئاً مختلفاً ومميزاً فأنفّذ الحقيبة بدقة متناهية حتى تبدو في شكل جيد، مراعيةً في ذلك الجودة العالية، وأنا سعيدة جداً بعد خمس سنوات أمضيتها في العمل في هذا المجال». 

• وتشير فاطمة المرزوقي بالقول: «أعمل في مركز سليسلة منذ خمسة عشر عاماً، وقد تعلمت أولاً التطريز، لكن منذ ثلاث سنوات بدأت العمل في سَفّ السُّعف في شكل متواصل حتى استطعت إتقان كل المراحل من قصّ السعف إلى غليه مدة ساعتين وتجفيفه، ثم تشريح السعف بآلة لها مسافات واحدة 1سم أو 2 سم، ومن ثم نقع السعف مدة يومين وتركه حتى يجفّ، فإما أن يحتفظ بلونه أو نصبغه بألوان ترابية ثابتة، وبعد درجة غليان الماء يُضاف إليه القليل من الألوان ويُترك في الظل لخمس دقائق فقط حتى يجفّ، لأن حرارة الشمس تُبهت اللون، عندها يصبح جاهزاً للعمل، وأخيراً يتم ترطيبه بالماء ويُفرد بواسطة قطعة خشبية. أنا فخورة بما أُنتج، وسعيدة في هذا العمل لأنني استطعت إتقان كل مراحله وصولاً إلى صنع حقيبة كاملة، وجميلة في الشكل واللون».