خاتون سلمى في 'آخر نزلاء القمر'...

خاتون سلمى, شاعرة, ديوان شِعري, قصائد, دار الجديد

06 فبراير 2012

الديوان: «آخر نزلاء القمر»

الشاعرة: خاتون سلمى

الناشر: دار «الجديد»،2012


القصيدة هنا لا تُفهم إلاّ بكلّيتها... المفردات لا تكتفي بمدلولاتها. والكلمات لا تتقيّد بمعانيها. فالمجرّدات تراها مُشخصّة. والمحسوسات مجرّدة. هكذا هي «قصيدة» خاتون سلمى، وهكذا تُحاول أن تفهمها.

إنّ القصائد في ديوانها الجديد «آخر نزلاء القمر» لا تُخاطب العقل بقدر ما تُخاطب الروح. إحساسٌ بالغربة يعتريك على امتداد القصائد الستّ التي يتضمنها الديوان. إحساس يولّده اغتراب الشاعرة عن عالمها.

هي تبدو منفصلة تماماً عن الحياة التي يُحيط بها: «على قشّ كرسيّ ممزّق/ عند فسحة الغربة وظلّها/ هناك/ دمع أسمر/ بصنّارة الهلع/ يصطاد حواره مع السماء».
هذا الاقتلاع يزيد اللوعة في روح الشاعرة الهائمة في فراغ الأمكنة والأزمنة: «في حديقتها/ اللاشيء/ يوازي كلّ الأشياء/ معادلة هذا الصباح/ المُثقل بغيم/ وأحبّة غرباء/ في عيونهم ما كان لي يوماً».

عبر قصائدها، تحاول خاتون سلمى البحث عن المكان البديل. فلا تجد سوى القمر مسكناً يتّسع لأحلامها وقيمها ومُثلها العليا. هناك تغدو هي آخر «النزلاء». ذاك المكان البعيد الذي هجره الكلّ بعدما غرقوا في الحياة المكبّلة بالمادّة والأقنعة والاجتماعيات.

للقمر دلالته الرومنطيقية التي قلّما نجدها في قصائد اليوم. وفي عودة الشاعرة إلى هذه «الرومانسية» يتجلّى رفضها للواقع الذي لا يحمل تطلعاتها ولا يُجيب عن تساؤلاتها، ما يدفعها إلى أن تُدير ظهرها لهذا الواقع متجهة صوب عالم سامٍ ومتعالٍ يجمع بين «نزلاء» قلائل يُقاسمونها أفكارها وهمومها. عالم يتّسع للأفكار لا الأجساد. عالم تُسمّيه مجازاً «القمر».

في قصيدتها «غفوة المغنوليا» تكتب الشاعرة: «أعدّ المقاعد الفارغة/ لا مكان للروح في هذا الشوق الواهي/ ربيعٌ يتساقط/ أمسح وجهي ببقايا الأخضر/ علّني أعود من جديد». هنا، تبدو سلمى، بالرغم من غربتها، حسّاسة بل واعية للمنعطفات التي يمرّ بها عالمها.

تستعير الربيع للثورات العربية إسماً، والسقوط فعلاً. هي تكشف عن إغماءتها. عن رحيلها. عن موتها المُضمر خلف فعل التمني والترجّي «علّني أعود من جديد».
إنها تتخّذ من هذا الربيع المتساقط كزهر الليمون إكسيراً تمسح به وجهها لتعود بعده إلى الحياة التي لم تكن تُشبهها يوماً. وهذا ما تُكرّسه في هذه الأبيات: «أشتاقني/ أينني؟ بلادٌ تبتسم فيها الثعالب/ وتحسب الطيور أنها طليقة»...

الشاعرة التي تمكنّت من أن تجد لروحها الهائمة قمراً تسكنه لم تفلح في أن تصنع لجسدها مسكناً هناك. فظلّ ترحالها أعرج. روحها تسمو في الأعالي، بينما جسدها مازال حبيساً في هذه الأرض. يُهرول في المطارات.
يهيم في الشوارع والحدائق والمقاهي. يتفاعل مع أُناس لا يفقهون لغته: « ذئبُ منتصف الوهم/ استدار قمره/ هل رأيتم وردة الروح/ وهي تُهرول في أروقة المطارات؟»...

هذا التمزّق بين روح تسكن «القمر» وجسد يسكن «الأرض» ترك لدى الشاعرة نُدبة. ندبة ترجمتها بالشعر. جرحها جعلته قصيدة. قصيدة كتبتها لتهديها إلى كلّ أقرانها الذين تُسمّيهم «آخر نزلاء القمر»: «مُكتسية بي/ أجيد الحياة/ قصيدتي ندبة من ورق/ غرفة نائية/ لآخر نزلاء القمر».