العنف النفسي ضد النساء تحرّش لا يعاقب عليه القانون!

نيرمين طارق (القاهرة) 08 سبتمبر 2018

بعيداً عن العنف البدني واللفظي الذي تتعرض له الكثيرات في مجتمعاتنا، هناك نوع آخر من العنف يمارسه كثر ضد المرأة، ويقف القانون عاجزاً أمامه، إنه العنف النفسي الذي رغم أخطاره ووصوله إلى درجة التحرش ولو بكلمة أو نظرة أو موقف، هناك من يجد له مبررات تحت مظلة العادات والتقاليد.  «لها» التقت عدداً من الفتيات والنساء، للتعرف على أشكال العنف النفسي الذي يمار س ضدهنّ.

في البداية، تقول سلوى صلاح، مدرسة كيمياء: «تعرضت للعديد من أشكال العنف النفسي، منها الضغوط النفسية من الأهل والأصدقاء والزملاء بسبب تأخّر زواجي، ولن أنسى عندما أهداني زميلي في العمل أسطوانة، اعتقدت أن عليها بعض المعلومات المتعلقة بالعمل، لكن فوجئت بأن عليها فيلم «بنتين من مصر» الذي يتناول قضية العنوسة في مصر، كأنه أراد أن يقول لي «يا عانس» بطريقة غير مباشرة».

كلام الناس

أما مي علاء، طالبة في كلية التربية الرياضية، فتقول: «عندما مارست رياضة الوثب، التي كانت هوايتي المفضلة، تعرضت للعديد من الانتقادات والسخرية بسبب خطورة القفز على عذرية البنت، وهذه هي حال أي فتاة تهوى الرياضة، فالتي تمارس الألعاب القتالية مثل الجودو أو التايكواندو تتعرض للسخرية، لأن تلك الألعاب في نظر الناس لا تناسب النساء، وعندما تمارس الاسكواش تتعرض للانتقادات بسبب ملابس الاسكواش، التي لا تتناسب مع العادات والتقاليد، وعندما تمارس السباحة تتعرض للسخرية بسبب ظهور العضلات أو اسمرار بشرتها، فهل يُعقل أن يتم حرمان البنت من ممارسة هوايتها المفضلة بسبب كلام الناس؟ كما تعرضت للكثير من الأسئلة المحرجة عندما خلعت الحجاب، ولا يمكنني ارتداء ما أريد بسبب إقامتي في حي شعبي، فهل يوجد أصعب من اختيار ملابسك بناء على كلام الناس وليس تبعاً لراحتك الشخصية.

كلمة قاسية

تقول آية طارق، 24 سنة: «رغم أن 24 سنة هو سن الشباب، إلا أنني عانس في نظر المجتمع، وعندما قررت فسخ خطوبتي بسبب عدم وجود تفاهم، سمعت كلمة عانس من أقرب المقربين، وهي كلمة جارحة جداً ومؤلمة، لكن مراعاة المشاعر مصطلح غير موجود في قاموس الناس».

توضح منة محمود، 23 سنة: «دائماً ما يشعرني الجيران والأقارب بأنني أقل من المتزوجات، وأن هناك شيئاً ما ينقصني، رغم نجاحي على المستوى المهني بعد تخرجي في كلية التربية الفنية، إلا أنني في نظر الناس لا شيء بسبب عدم زواجي، والعبارات الجارحة تتكرر يومياً مثل «شدي حيلك»، والمقارنات مستمرة بيني وبين المتزوجات».

جرح المشاعر

تروي داليا عبدالتواب، طبيبة أسنان، موقفاً حدث معها شعرت فيه بالعنف النفسي، قائلة: «بعد ولادتي ابنتي الثالثة، قررت الاحتفال بمولدها بحفلة سبوع، فقال لي والد زوجي جملة لن أنساها، وهي «لماذا سبوع للبنت الثالثة أم هي مصاريف والسلام هو كان ولد»، وكأنني ارتكبت جريمة لأنني أنجبت البنت الثالثة.

وقد عرفت في ما بعد، أنه طلب من زوجي الزواج بأخرى لإنجاب ولد، كما لو أنني المسؤولة عن إنجاب ولد أو بنت، فهل يوجد جرح للمشاعر أصعب من رؤية بناتي لجدّهن وهو يأتي بالهدايا لأولاد عمهن ولا يتذكرهنّ بهدية لمجرد أنهن بنات».

خدمة شقيقي

تقول عزيزة اليسارجي، مهندسة اتصالات: «من أشد أنواع العنف النفسي تجاه البنات في الأسر المصرية، إجبار الفتاة على خدمة أخيها لمجرد أنه ذكر، وهذا الأمر موجود في غالبية الأسر المصرية، وعند اعتراض الفتاة يتم اتهامها بالتبجّح، كأنها خُلقت لغسل ملابس أخيها وتحضير الطعام له، بالإضافة إلى أن الفتاة القوية تجد صعوبة في الارتباط، وشخصياً لم أرتبط بالشخص الذي أحببته، لأنه كان يشعر بالقلق تجاه نجاحي وإيماني بأهمية استقلاليتي، والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية».

سفر وأحلام

أما روان يونس، مصممة ديكور، فتقول باختصار: «حلمي الوحيد زيارة إيطاليا ومعي مصاريف الرحلة، لكني ممنوعة من السفر، لأنني بنت، فيوم طلبت من والدي الموافقة على سفري، كان رده: سافري في شهر العسل مع عريسك، وكأن السفر ممنوع لغير المتزوجات.

وبصراحة، أشعر أن موقف والدي نوع من الضغط والعنف النفسي ضدي».

تحكي شروق محمود، مترجمة فورية، ما حدث معها قائلة: «أثناء الجامعة، ارتبطت بزميل لي واتفقنا على الزواج بعد تكوين نفسه، وانتظرته تسع سنوات بعد التخرج، لكن عندما تحسنت أحواله المادية أخبرني أن والدته تعارض زواجه مني، لأن سني اقتربت من الثلاثين وفرصتي في الإنجاب باتت ضعيفة، فارتبط بطالبة اختارتها له أمه، لأن سنها صغيرة وستتمكن من إنجاب أطفال عدة، فهل يوجد عنف نفسي أشد من التلاعب بمشاعر البنات والسخرية منهن بعد تجاوز سن الثلاثين».

وتروي ندى عبدالحليم، ربة منزل: «بعد الزواج، منعني زوجي من الخروج مع صديقاتي أو استقبالهن في منزلي، وتم تأييده من جانب أهلي لأن ابنتي أحق بالوقت الذي قد أمضيه مع صديقاتي، كم أن لا مجال للصديقات في حياة المرأة المتزوجة. أرى أن كبت الحرية والتحكم بالمرأة من أشكال العنف النفسي ضد السيدات، فالزواج لا يجب أن يكون سجناً».

قرار بالمنع

من جانبها، تشير ولاء حسين، 30 سنة: «والدي منعني من العمل لاعتقاده أن عمل الفتيات هو من علامات الفقر والحاجة المادية، ورغم رغبتي في الاستقلال المادي والعمل، لكنه رفض بشكل قاطع، وحالياً أعمل من المنزل عبر الإنترنت بعد سنوات من الاكتئاب والإحباط، عندما تحولت الحياة الى سجن داخل المنزل، علماً أن أهلي رحبوا بالعمل من البيت لأنه لا يتطلب الاختلاط بالرجال.»

أما رباب خيري، 36 سنة، فتقول: «عندما عملت في الإخراج، وجدت فتيات يُمنعن من العمل بسبب تأخرهن بعد الساعة العاشرة. ورغم علم الأسر بأن العمل في مجال الإخراج قد يتطلب تأخيراً أو سهراً، لكن التأخير ممنوع في حياة البنت ومسموح في حياة الشاب، حتى لو كان في سهرة مع الأصدقاء وليس للعمل الذي يعدّ ضرورة. وأعتقد أن ذلك هو عدم تكافؤ للفرص بين الفتاة والشاب، ونوع من العنف النفسي ضدها.

عنف رهيب

مريم عادل، أخصائية تسويق، لها موقف مختلف تحكيه قائلة: «بعد ارتباط دام سبع سنوات، تركني الشخص الذي وثقت به، وأخبرني أنه لم يعد يشعر بالراحة معي، ثم عرفت لاحقاً من بعض الأصدقاء، أنه لا يقبل بأن يتزوج فتاة ارتبطت به لمدة سنوات من دون علم أهلها، فارتبط ببنت عمه. وقتها، شعرت بعنف نفسي رهيب ضدي، وحالياً فرصتي في الزواج لم تعد كبيرة، لأن العريس في مصر يقيّم العروس وفقاً لسنها، والرجل الذي تعدى الأربعين يبحث عن فتاة في العشرين من عمرها».

وتقول دينا طارق، مصورة صحافية: «حصلت على شهادة تقدير ومنحة من إحدى المنظمات الدولية، وعندما أظهرت شهادة التقدير لخالي وكنت في انتظار كلمة مبروك أو بالتوفيق، فوجئت به يقول لي «عقبال خاتم الخطوبة»، كأنه أراد إفهامي أن أي نجاح أو مجهود على المستوى المهني ليست له أي أهمية أو قيمة ما دمت غير متزوجة، وعندما أخبرته أن الشخص المناسب لم يظهر بعد، قال لي: ابحثي عن الشخص المناسب كما تبحثين عن شهادات التقدير والبعثات والمنح، فلم يعد هناك وقت لانتظار الشخص المناسب»، وكأنه لا بد من الزواج لمجرد الزواج، فهل يوجد أصعب من توجيه اللوم إليك لأنك لم تتزوج، كما لو أنك قصرت في القيام ببعض الواجبات؟!».

رحيمة الشريف، صاحبة مبادرة «الست المصرية» التي تهدف إلى الدفاع عن حقوق المرأة، تلفت: «أشد أنواع العنف النفسي الذي تتعرض له النساء يومياً، حرمانها من تحقيق أحلامها، وهذا ما رأيته عند تدريب النساء على الحرف اليدوية، فهناك سيدة تعلمت الخياطة والتطريز، وكانت في طريقها الى العمل كمصممة أزياء، لكن عندما بدأت منتجاتها تظهر بشكل واضح على السوشيال ميديا، وتلقت عرضاً للعمل مع مصممة أزياء مشهورة، منعها زوجها من العمل ووضع أمامها الخيار بين الحياة معه والعمل.

ورغم تميزها، إلا أنها تنازلت عن حلمها وأصيبت بحالة اكتئاب شديدة. كما رأيت عدداً كبيراً من الفتيات اللاتي تعلمن تصميم الجلود، لكنهن مُنعن من ممارسة هذه المهنة، لأنها تتطلب التعامل مع العمال والذهاب إلى ورش التصنيع، فلا يوجد عنف نفسي أشد من حرمان الفتاة من ممارسة هوايتها المفضلة وتحقيق أحلامها».


أشد إيلاماً

يوضح الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة: «هناك أشكال عدة للعنف النفسي في المجتمع المصري، منها الحرمان من الميراث تحت شعار أن أموال العائلة لا يجب أن تذهب الى الغرباء.

وحرمان المرأة من حقها في الميراث لمجرد أنها امرأة، يترتب عليه العديد من النتائج السيئة، مثل كراهيتها لأسرتها أو للرجال أو لنفسها، فهناك مريضة جاءت لي في العيادة وأعلنت عن رغبتها في القيام بعملية تحويل الى ذكر، حتى تتمكن من الحصول على ميراثها.

بالإضافة الى أن محاولات سجن المرأة داخل الأسرة بعد طلاقها يتسبّب في حالة من الكبت، الذي يتحول الى أمراض عضوية مع مرور الوقت، وعلى سبيل المثال هناك فتاة يمنعها شقيقها من التصرف في معاش والدها، فيستولي عليه ويعطيها مصروفاً محدوداً منه، إذ إن بعض الأسر تعتقد أن ليس من حق المرأة أن تتصرف في المال. وغالباً ما تتم ممارسة العنف النفسي تحت شعار عادات المجتمع الشرقي، والذي يمارسه لا يراه عنفاً، وكذلك المجتمع، فهو عنف غير ملموس».

يضيف الدكتور فرويز: «على المرأة أن تقاوم أشكال العنف النفسي ضدها، وعلى الإعلام  بدوره أن يركز عليه بشكل أكبر، وليس فقط على أشكال العنف الجسدي، لأن النفسي يكون أحياناً أشد إيلاماً».

CREDITS

تصوير : محمود أبو الدهب