لماذا يخشى الرجال الزواج؟

فادية عبود (لقاهرة) 15 سبتمبر 2018

أكدت دراسة حديثة أن 60 في المئة من الرجال يخشون الزواج، ويشبّهونه بزنزانة كبيرة يقضون فيها بقية أعمارهم، والحقيقة أن الكثير من الرجال يهابون الزواج بالفعل، لأسباب اجتماعية ونفسية، لذا تطرح «لها» السؤال وتحقق: لماذا يخشى الرجال الزواج؟

لم يخجل الفنان أحمد عيد من الإجابة بكل صدق، مؤكداً أنه فشل في العديد من العلاقات العاطفية، وأنه يخشى الزواج خوفاً من الفشل فيه بالتبعية، خاصةً أنه فقد الأمل في العثور على شريكة حياته المناسبة.

أما الفنان خالد أبو النجا فكانت أسباب خوفه من الزواج مبنية على تجارب الآخرين، حيث قال إنه يخشى الزواج بسبب عقدته من تجارب المحيطين الفاشلة، والتي آلت الى الانفصال، لذا يفضل أن يبقى عازباً وهو في بداية الخمسين من عمره على أن يكون متزوجاً تعساً أو مطلقاً.

البحث عن الحب

أحمد عبادي، 39 سنة، شاعر، رغم أنه عازب، يُبدي استعداده لتقبّل فكرة الزواج لكن بشرط ألا يكون تقليدياً، ويقول: «في الزواج التقليدي يضع الطرفان أقنعة تجمّل شخصيتيهما، لكن بعد الزواج سرعان ما تسقط الأقنعة وتكثر الخلافات، التي قد تؤدي إلى الطلاق، وفي مصر خسائر الطلاق فادحة على كل الصعد، الاجتماعية والنفسية والمادية، لذا أخشى الزواج الذي لا يكون مبنياً على الحب والمعرفة المسبقة». ويضيف: «بدون الحب، يصبح الزواج زنزانة كبيرة، حيث يضطر الزوج للتخلّي عن حريته، ويُطالَب بالعودة إلى المنزل باكراً حتى يمضي بعض الوقت مع زوجته، وهذا واجب ثقيل إذا لم يكن الزوج يحب زوجته». يعترف عبادي بأنه وقع في الحب سابقاً، ويقول: «لكوني وقعت في الحب من قبل، ولم يشأ القدر أن يُكلل هذا الحب بالزواج، قررت الارتباط على الطريقة التقليدية، لكنني سرعان ما تراجعت بعدما فشلت في حبّها، فالحب أساس العلاقة الزوجية الناجحة».

خوف من الفشل

يؤكد عدنان محمد، 29 عاماً، مصور، أنه لن يتزوج إلا من يحب، ويقول: «رغم أن طريق الزواج بحبيبتي تعترضه صعوبات اجتماعية، حيث إن والدها يرفض زواج الأقارب رفضاً تاماً، لكنني لن أتزوج غيرها من بين كل نساء الأرض. بصراحة، أنا أخشى الزواج التقليدي والارتباط بفتاة لا أعرف عنها شيئاً، ونُفاجأ في النهاية بأن منزلاً واحداً يجمعنا ونحن غريبان عن بعضنا البعض ومختلفان في الطباع والصفات، وهنا يفشل الزواج وينتهي بالطلاق الذي أكرهه». ويتابع: «من أبرز مشاكل الزواج، خلافات الكنّة مع حماتها، وأنا على يقين بأن من تحبني ستعشق أمي، لكن الزوجة التقليدية لا تصبر ولن تحاول التعامل مع حماتها بإنصاف، وهذا ما لمسته في تجارب أصدقائي المتزوجين».

كبت الحريات

أما محمد عبدالمنعم، 32 عاماً، مهندس مدني، فيؤكد أنه يخشى الزواج بسبب كبت الحريات، ويوضح قائلاً: «كبت الحريات لا يعني الالتزام بمواعيد العودة إلى المنزل والتخلي عن جلسة المقهى الليلية مع الأصدقاء فقط، بل يعني أيضاً الحدّ من التعامل مع باقي النساء، وازدياد الشكوك وحدوث خلافات دائمة، وتدخل الزوجة في ما لا يعنيها، فلا تزال المرأة العربية لا تؤمن بمساحة الخصوصية والحرية للطرفين، لذا أرى أن الزواج يشبه الوقوع في الفخ».

فكرة مؤجّلة

علي عمران، 38 عاماً، مدير قسم موارد بشرية، يقول: «أعاني مشاكل مختلفة في اختيار الزوجة المناسبة، ففكرة الزواج ترعبني كثيراً، خصوصاً لافتقار الفتيات الى الثقافة واللباقة في التعامل مع الجنس الآخر، فالمسلسلات التركية شغلت تفكيرهن وحولت حياتهن إلى أحداث درامية، فصرن يبحثن عن المشاكل والنكد تماماً كالمسلسلات التركية. أما المسلسلات والأفلام الهندية فقد ألهبت قلوبهن، وأصبحن يبحثن عن حب خارق مغلّف بالدراما والشقاء. وكرجال، صرنا نبحث عن حكمة أمهاتنا في زوجاتنا، لكننا لم نجد إلا عقولاً أفسدتها المسلسلات».

ويضيف عمران: «الطلاق أيضاً يُخيفني كثيراً، لذا أفكر جيداً وأتأنّى قبل الإقدام على أي خطوة رسمية كي لا تُحسب عليَّ زيجة».

عقد نفسية

محمد الكومي، 32 عاماً، مدير إنتاج، يؤكد أنه مُضرب عن الزواج لأجل غير مسمّى، لأنه في رأيه نظام اجتماعي فاشل، والدليل أن ما من شخص متزوج سعيد في حياته، بل محاط بالمسؤوليات ومكبّل بالقيود. ويقول: «كذلك أرفض الزواج بسبب المغالاة في تكاليفه ومظاهره، فالشاب ذو الدخل المتوسط يحتاج إلى نصف مليون جنيه كي يتزوج، أما أنا فنظراً لكون عائلتي تتحدّر من أصول ريفية، ويعشق أفرادها التباهي والمغالاة، فتكاليف زواجي لن تقل عن مليون جنيه. وفي المقابل، لا يسعى المتزوجون إلى تحسين علاقاتهم ببعضهم البعض، وبالتالي نجد أنفسنا نهيّئ لجيل من الأطفال معظمه مصاب بعقد نفسية، لذا أنا مقتنع بأن من يرغب في الإنجاب، عليه أولاً الاستعداد النفسي والاجتماعي والتربوي والمادي لتكون الخاتمة سعيدة».

خشية الطلاق

أما محمد الشيمي، 32 عاماً، فنان تشكيلي، فيقول عن خوفة من الزواج: «اعتدت على الوحدة منذ كان عمري 14 عاماً، فأبي مدرّس في إحدى جامعات الأردن، وأنا أحب مصر، فاخترت الدراسة والاستقرار فيها، وبالتالي أصبح لديَّ نظام خاص في التعامل مع أدواتي ونظام منزلي. ولتأكدي من أن بنات هذا الجيل فوضويات، نظراً لما أراه في صديقاتي، فأنا على قناعة بأن فكرة الزواج وأن تشاركني زوجة في المنزل هي فكرة فاشلة». ويضيف: «لديّ خوف دائم من المستقبل، فأنا فنان تشكيلي ودخلي ليس ثابتاً شهرياً، وبالتالي تحمّل مسؤولية زوجة وأطفال هو مغامرة بالنسبة إليّ، هذا فضلاً عن مغالاة الأسر المصرية في طلبات الزواج و«الشبكة» والتحضيرات المسبقة من الشاب، إضافة إلى عدم قدرة الفتيات على تحمّل المسؤولية... كل هذا اكتشفته عبر خطوبتين، ولم يتغير في الأمر شيئاً، رغم ادّعاء التحرر الفكري».

أنماط شخصية

في الجانب النفسي، يؤكد الدكتور محمد المهدي، استشاري الطب النفسي، أن هناك أنماط شخصيات تخشى الدخول في تجربة الزواج، أبرزها الشخصيات الاعتمادية والمنطوية والسلبية، حيث إن الزواج يقوم على التفاعل مع الشريك، وهم يفتقدون أدوات التواصل والتفاعل، وبالتالي يرون الزواج مغامرة صعبة لا يمكن تحمّلها.

يرى الدكتور محمد المهدي أن شخصية المرأة القوية أصبحت تخيف الرجل من فكرة الزواج، ويوضح قائلاً: «لم تعد المرأة خاشعة مُطيعة لأوامر الزوج، بل أصبحت مستقلة مادياً وفكرياً، وهذا يُشعر الرجل الشرقي بانتقاص قيمته. وأكثر ما يُشعره بتهديد رجولته أن قوة المرأة وتعلّمها واستقلالها أمور جعلتها تتعامل معه بندّية ولا ترضخ له، وبالتالي يجد نفسه وقد دخل في علاقة تنافسية لا زوجية، وهذا من أهم أسباب الطلاق المبكر أيضاً».

ويتابع: «في مصر عدد كبير من الشبان الذين لا يشعرون بالأمان الوظيفي أو الاقتصادي، فإما يمارس الشاب وظيفة في القطاع الخاص بدون عقد عمل دائم، أو يكون راتبه بالكاد يكفي مصروفاته الشخصية، فيخشى الزواج وتحمل مسؤولية أسرة، كي لا يشعر بالإهانة وتهتز صورته كرجل».

ويضيف استشاري الطب النفسي: «كذلك فإن انشغال الشبان بوسائل الترفيه المختلفة، سواء كانت مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت أو الأفلام الإباحية، أدى الى تراجع رغبتهم بالزواج، بعدما وجدوا بديلاً ترفيهيا له».

طلاق مبكر

أما الدكتورة زينب لاشين، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية، فتؤكد أن ارتفاع نسبة الطلاق المبكر من أهم أسباب خوف الرجال من الزواج، وتقول: «أيضاً، التربية الشرقية للذكور، والتي تعزز لديهم فكرة أنهم الأقوى وأصحاب الأمر والنهي، أصبحت تتعارض حالياً مع استقلال الفتيات فكرياً واقتصادياً، وتغير مفهومهن عن الزواج للمشاركة الوجدانية والاقتصادية، مما ينتقص من حقوق الرجل في التمتع بالحرية الزائدة، فبات يرى الزواج كبتاً للحريات. كما يخشى بعض الرجال الزواج بسبب الملل لوجودهم مع امرأة واحدة طوال العمر، وهؤلاء تربّوا على الدلال وعدم تحمّل المسؤولية».