'أنا، هي والأخريات'

نساء, جائزة الشيخ زايد للكتاب, قصص, جنى فواز الحسن

11 سبتمبر 2012

الكتاب: «أنا، هي والأخريات»

الكاتبة: جنى فواز الحسن

الناشر: «الدار العربية للعلوم ناشرون»،2012


عالمٌ واحد تتقاسمه نساء متشابهات...

«أنا، هي والأخريات» عنوان أنثوي يشي بجوهر الرواية التي تقتحم عالم النساء الذاتي والاجتماعي. الرواية، كعنوانها، لا تفصل بين امرأة وغيرها.
وهذا ما أرادت الكاتبة جنى فواز حسن ترجمته من خلال عنوان روايتها الصادرة حديثاً عن «الدار العربية للعلوم ناشرون».

«أنا» الراوية الأنثى و«هي» المرأة المروي عنها و»الأخريات»، يتصلّن جميعهن عبر «واو» العطف التي تضعهن في خانة واحدة.
لا فرق بين النساء اللواتي يعشن في هذه المنطقة من العالم. مشاكل المرأة ذاتها، وإن تغيّرت النساء وتبدلّت عوالمهن واختلفت ظروفهن.

«سحر» هي التي تسرد سيرة حياتها كامرأة لنكتشف بعد ذلك أنها تسرد حياة كلّ امرأة. تعيش الراوية حالة انفصال كلّي عن واقعها الذي لم تشعر يوماً بأنها تنتمي إليه. «لطالما وقفت على مسافة من حياتي وتركتها تحدث. لعبت دور المتفرج فيها.
انفصلت، بشكل أو آخر، عن الواقع، كأنّه لا يعنيني، وكأنّ هذه الأنا التي تعيش فعلاً، تقابلها «أنا» أخرى تراقب الأحداث وتُسجلّها.
كنت في حالة انتظار دائمة لذاتي التي كانت تهرب مني إلى البعيد، ثم تعود وتبدأ بسرد أحداث خيالية، وقصص أروع من التي تخبرها الجدّات لأحفادهن».
العقدة الأساسية تكمن في داخل البطلة... في ذاتها المشروخة بين الباطن والخارج. بين الفرد والجماعة. بين الأنا والكلّ.
«سحر» التي تربّت في كنف أب شيوعي غارق في خيباته وأم تقليدية، فاختارت أن تهرب من واقعها بالزواج من رجل لا يُشبه والدها (قريب من البيئة الإسلامية) على أن تكون زوجة لا تُشبه والدتها بشيء.
إلاّ أنّ قدر النساء العربيات يدفعهن جميعاً بالاتجاه نفسه، فتجد سحر نفسها أمام رجل غيّور يُعنّفها ويضربها وبصورة تجعلها على هيئة أمها أكثر من تلك التي أرادت أن تكونها.
تتحمّل الزوج ونوبات جنونه الكثيرة من أجل بيتها وطفليها وتُبرّر له تصرفاته العنيفة باعتبار أنها نابعة من غيرته ومحبته لها. إلاّ أنّ الصراع بين «أحلامها» و«واقعها» يدفعها إلى اقتراف ما لم تتوقعه يوماً: «الخيانة».
وبين حبيب لا يُريد أن يُظهر «عشيقته» إلى العلن وزوج عنيف لا يُوفّر مناسبة كي يلوّن جسد زوجته بالأزرق، وبين حبّها لطفليها وحلمها بالتخلّص من ثقل منزلها الزوجي وخوفها من المجتمع وكلام الناس تغرق سحر في صراع داخلي بسوقها نحو متاهة اليأس والانهيار.

أمّا «هالة»، فتُمثّل القرين للشخصية الرئيسة سحر. ذلك لأنّ هالة هي المرأة الحرّة التي طالما حلمت سحر بأن تكونها. «وربما كان الشبه الذي يجمع بين هالة وإحدى نسائي المُتخيلاّت، ما دفعني إلى الاقتراب منها» (ص86).

هالة لا تُعاني مشكلة سحر في صراعها بين ذاتها الفردية والجماعية، وإنما تكتشف بعد حين أنّه لدى هالة صراع من نوع آخر: «كانت هالة، النحلة التي تنتقل من زهرة إلى زهرة، تبدو حزينة.
حزنها المستتر وراء مظهرها الصارخ لم يكن يخفى عني، أنا التي أبيت أن أعترف بحزني حتى لنفسي، وكنت أطمئن نفسي بأنّ الجحيم الذي أعيش فيه نعيم يجب أن أُحسد عليه».

سحر تريد أن تكون هالة وهالة تريد أن تكون فرح وفرح لا ندري من تريد أن تكون... وإنما الأكيد أنّ العالم الذي رسمته الكاتبة جنى فواز الحسن في عملها الأخير «أنا،هي والأخريات» ليس سوى فضاء تتقاسمه نساء كثيرات يتشابهن في أحزانهن وخيباتهن وأحلامهن في أن يكنّ «إمرأة» أخرى...