كوستروما: لؤلؤة الفولغا وعاصمة الصياغة الروسية

جولي صليبا 23 سبتمبر 2018

عندما نقول روسيا، تخطر في بالنا فوراً أسماء المدن الكبيرة المعروفة عالمياً، مثل موسكو وسان بطرسبرغ ونوفوسيبيرسك... إلا أننا قررنا استكشاف عدد من المدن الروسية الأخرى، ووقع الخيار على مدينة كوستروما هذه المرة، إحدى أجمل المدن الروسية على ضفة الفولغا!

يطلق اسم كوستروما على مدينة رائعة تقع على بعد 350 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة الروسية موسكو. إنها لؤلؤة فريدة على طريق الطوق الذهبي، وقد تأسّست عند التقاء نهر كوستروما بنهر الفولغا. بالفعل، شيّد مؤسّس موسكو، يوري دولغوروكي، المدينة عام 1152 بهدف تأمين الحماية للجزء الشمالي الشرقي من إمارة روستوف –كوستروما.

تاريخ غني

تعرضت مدينة كوستروما للتدمير الكامل مرات عدة، بحيث تم إحراقها في بداية القرن الثالث عشر بسبب مشاجرة وقعت بين عدد من الأمراء الروس الذين لم يتمكنوا من تقسيم البلاد. وفي العام 1238، غزا التتار المدينة وسرقوها، ومن ثم نهب أمراء موسكو كوستروما مرة أخرى عام 1318. بعد ذلك، تعرضت المدينة للغزو من جانب قراصنة النهر الذين أتوا من نوفغورود وسرقوا كوستروما بالكامل في العام 1375.

وفي نهاية القرن السابع عشر، تحولت كوستروما إلى ثالث أكبر المدن الروسية، وجاءت بعد موسكو وياروسلافل. واللافت أن أهميتها لم تقتصر على كونها حصناً ضرورياً لحماية المنطقة، وإنما أصبحت مركزاً ثقافياً وتجارياً مهماً، وهي من أولى المدن التي بدأت العمل في صناعة الأقمشة والبياضات لتزويد الأسطول الروسي بها.

قبل نهاية القرن الثامن عشر، تكوّن مركز كوستروما بشكل رئيس من المنازل والمباني الخشبية التي تعرضت للحرائق عام 1773 وتركت المدينة مدمّرة بالكامل. لذلك، أصدرت الإمبراطورة الروسية إيكاترينا الثانية عام 1781 مرسوماً يقضي بإعادة بناء كوستروما وترميمها. واستغرقت عمليات ترميم المدينة وبنائها أكثر من عقد من الزمن، تم خلالها بناء الكنائس الجديدة والمنازل الجميلة والأسواق التجارية.

واليوم، تتخذ كوستروما من ضفاف نهر الفولغا الخلاّبة عرشاً لملكها، حيث حافظت على تراثها التاريخي العريق، وتطورت وأصبحت من المدن الصناعية التي تركز على صناعة الآلات والمنسوجات، إلى جانب الصناعات الحرجية.

لؤلؤة على الطوق الذهبي

لا شك في أن كوستروما هي واحدة من أجمل مدن ضفاف حوض الفولغا، ومن أقدم المراكز الثقافية في روسيا. تشتهر المدينة بطبيعتها الخلابة، ومنسوجاتها الكتّانية، ومأكولاتها الروسية الأصيلة، إضافة طبعاً إلى معالمها الأثرية القديمة مثل دير القديس إيباتوفسكي الذي شُيّد في القرن الرابع عشر، وأدى دوراً مهماً في تاريخ روسيا، وخرجت منه أسرة رومانوف إلى العرش الروسي معلنةً نهاية زمن الفتنة. واللافت أن كل قيصر جديد كان يزور ذلك الدير للتبرّك. وهذا ما حصل أيضاً مع الرئيس الروسي السابق مدفيديف الذي زار الدير مباشرةً بعد تسلّمه زمام السلطة. بالفعل، جرت العادة منذ القرن التاسع عشر أن يزور دير إيباتوفسكي الأباطرة مرتين: قبل توليهم السلطة وبعدها. وقد تمت تنصيب ميخائيل رومانوف قيصراً على روسيا في ذلك الدير تحديداً.

كما تمتاز كاستروما عن غيرها من المدن الروسية بكنائسها القديمة ومتحف الفن المعماري الخشبي الموجود في الهواء الطلق.

دير باغايافلنسكي

يعتبر دير باغايافلنسكي من الكنائس الروسية التقليدية التي بُنيت في القرن السادس عشر وتتميز بقبابها الخمس المذهلة. يقع الدير بين ساحة سوزانينسكايا وشارع سيمونايكافا، وتم تشييده في النصف الأول من القرن الخامس عشر على يد أحد الرهبان القادمين من دير الثالوث المقدّس في سيرجيوس في مدينة سرغاييف بوساد.

واليوم، يعتبر الدير مقر الإقامة الرسمي لمطران كوستروما. تشتهر الكنيسة الرئيسة بكاتدرائية باغايافلنسكي وقد بنيت بين العامين 1559 و1565 وكانت أول بناء يتم تشييده من الحجارة في كوستروما. تضمّ الكنيسة في الداخل أيقونة فيدوروفسكي بوغوماتر المقدّسة التي يعود تاريخها الى أكثر من 800 عام. وبحسب الأسطورة فإن الأمير فاسيلي ياروسلافوفيتش وجد هذه الأيقونة الثمينة في أثناء رحلة صيد، حيث رآها معلّقة على أحد أغصان شجرة الدردار.

عاصمة الصياغة الروسية

تشتهر كوستروما بكونها عاصمة الصياغة الروسية، وهي تشغل اليوم المركز الأول في روسيا لناحية إنتاج المصنوعات الفضية، والمركز الثالث في إنتاج المصنوعات الذهبية.

يستخدم الصاغة في كوستروما تقنية قديمة أشرفت على الاندثار، بحيث يجب أن تمرّ عملية تصنيع المعادن الثمينة بمراحل عدة تتطلب زمناً طويلاً ووسائل مختلفة.

ميدان سوزانينا

أُطلق الاسم على هذه الساحة تيمّناً بأحد الأبطال المحليين، واسمه إيفان سوزانين. كان إيفان فلاّحاً بسيطاً من كوستروما أنقذ القيصر الروسي ميخائيل رومانوف من الغزاة البولنديين والليتوانيين بحيث وجّه مجموعة من الجنود البولنديين إلى مستنقع وعر. وعندما أدرك أولئك الجنود أن سوزانين قادهم إلى حتفهم، قتلوه، ولم يتمكنوا في النهاية من العثور على طريق النجاة وقضوا في المستنقع. لتكريم ذلك البطل، تم تشييد نصب تذكاري لإيفان في وسط تلك الساحة عام 1967، وقد نحته أحد الفنانين الروس المبدعين. واللافت أن التمثال لا يمثّل تضحية سوزانين فقط، وإنما يجسد أيضاً تضحيات الشعب الروسي الذي بقي مستعداً للموت طوال الحروب الكثيرة التي عانت منها روسيا.

إنها الساحة الرئيسة في المدينة، وتتزيّن بالمباني ذات الهندسة المعمارية المدهشة التي تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.

يمكن الوصول إلى الساحة عبر شارع سوفتسكايا، وينتشر حولها الكثير من المباني الجميلة والمثيرة للاهتمام مثل برج النار الذي يبلغ ارتفاعه حوالى 35 متراً، وتم بناؤه بين عامي 1823 -1827. وكان البرج يحتوي على غرف لخزّانات المياه، وغرفة معيشة يمضي فيها رجال الإطفاء أوقاتهم، إلى جانب منصّة للمراقبة في أعلى البرج. أما اليوم فيضم البرج متحفاً يروي تاريخ قسم الإطفاء في المدينة.

وفي اتجاه عقارب الساعة بالقرب من برج النار، يقع المبنى الذي كان مقراً للحراسة العسكرية “غاوبتفاختا”، والذي يتميز بجدرانه ذات الديكورات المكرّسة لتجسيد النصر على نابوليون عام 1812. تحول المبنى حالياً إلى متحف للأدب يعرض بعض الكتب الروسية القديمة، المطبوعة والمكتوبة بخط اليد. كما يضم المتحف معرضاً مخصّصاً للكتّاب الذين ينتمون إلى منطقة كوستروما، ويستقبل زوّاره يومياً من الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً.

معلومات مهمة عن كوستروما

الموقع الجغرافي: ملتقى نهر كوستروما مع نهر الفولغا

المناخ: بارد شتاءً ومعتدل صيفاً

اللغة: الروسية

العملة: روبل روسي

فارق التوقيت بين كوستروما والإمارات: ساعة واحدة