'الإقامة في التمهيد'

شاعرة, ديوان شِعري, قصائد, زهرة مروة

07 يناير 2013

الديوان: «الإقامة في التمهيد»

الشاعرة: زهرة مروة

الناشر: «الدار العربية للعلوم ناشرون»،2013


تبدو زهرة مروّة في مجموعتها الثانية «الإقامة في التمهيد» (الدار العربية للعلوم ناشرون) شاعرة تُشبه جيلها. شابة تعيش بداية الثورة (مع التشديد على كلمة بداية) ، مع فارق أنّ ثورتها ذاتية وليست ثورة على الآخرين: «علا صوتي.
صرخة جنّحتني/ وتفرّعت من الشجرة كي أكتشف متعة الفصام». (قصيدة صرخة).

قصائدها تعكس ردّ فعلها على تغيير ما تعيشه، أو بدأت تعيشه. من هنا نرى أنّ الشاعرة اختارت التمهيد مكاناً لإقامتها، ومن هذا التمهيد أو «البداية» تتأتّى قصائدها. بداية الحبّ، بداية الكره، بداية الغربة، بداية التمرّد...

تلمع الحقيقة في قصائد زهرة مروة كومضات مبهرة عبر صور مجازية مبتكرة لا تُشبه إلاّ صاحبتها: صور شابة، نديّة، عميقة... فلا تترك القصائد انطباعاً بأنّ كاتبتها متأثرة بهذا الشاعر أو ذاك، ولا حتى بهذه المدرسة أو تلك، بل إنها مولودة فقط من رحم التأمّل في عالم واسع يختبئ في ذات الشاعرة.
«أنسى مفاتيحي، أنسى الشيفرة التي أدخل بها إلى ذاتي/ ورقة هائمة على الماء، لا علاقة لها/ كأنّي ولدت للتوّ، لم أعرف أصدقاء ولا صديقات، لم يقع ريش عصفور على رأسي، لم يلعب أحد معي لعبة مشبوهة، لم أتشرّد إلاّ وعدت إلى ذاتي، لم أقع يوماً، وما من أحد جملني... لا جلد لي على التنفّس.
أستلقي على ظهري/ أنظر بسذاجة من الشباك إلى الغيوم تعبر بسلام فوق رأسي، وكأني أشاهد الدنيا من كتاب لتعليم الصغار/ السماء صافية، لم أنا بعيدة؟ هل هناك كبسة زر تُعيدني إلى الانطلاق، إلى آخر محطة توقفت عندها؟ هل أشعر بوجودي ان قرصت نفسي؟ كيف السبيل إليّ؟ / أتعامل مع نفسي كفتاة تقول لها أمّها جملاً تشجيعية: «لا تحزني، أنت حلوة وذكية...». لم تعد تؤثّر فيّ. ترمقني جدتي، أتذكّر أني في منزلها، وربما تريد أن تُصلّي، فأنصرف للتوّ». (قصيدة ورقة هائمة).

في هذه القصائد الصغيرة يُمكننا أن نعثر على أكثر من حياة، حياة الشاعرة وحيواتنا نحن. إنها الحياة في لحظة تجلّي أو تأمّل.
وهذه التأملات الوجوية تُسقط على رأس الشاعرة أسئلة غريبة تشطرها نصفين، ويأتي هذا الانشطار النفسي ليضفي إلى القصائد عمقاً وبُعداً إنسانياً قلّما نجده في الشعر «النسائي» العربي الذي غالباً ما يدور حول تيمات باتت متكررة مثل الجنس والجسد والرجل... «أنا في الحياة كضيفة في بيتها/ يُقنعني المضيف بأنّ الوقت جميل/ وبأنّي أحقق في دياره غايتي/ يحمي ضفائري من هواء كافر/ يخشى أن يضيق صدري فأنزح في ليلة عمياء/ ويسمع الجيران قفزي العشوائي على الأدراج.
لذا، كلّما ذرفت دمعة/ نزلت لي عطايا من السماء». (من السماء).

كتابة الشعر هي لحظة الانمساخ أو التحوّل عند زهرة مروة. تنام الأنثى  وتصحو الشاعرة الكامنة فيها لتكتب بمزاجين مختلفين يكرّسان فصامها: «فتاة أخرى تستيقظ نيابة عنّي/ تحلم عنّي وتُغنّي.
تمنيت إلغاء البخار الذي يفصل بيني وبينها، أن أتوحّد أنا وهي. وددت أن أصفعها كي تستيقظ وتتغلّب على هذيانها، وتعود إلى البداية...».

بخلاف شاعرات جيلها وشاعرات الجيل الذي سبقها أيضاً، تقترح زهرة مروّة البُعد حلاّ  للإبقاء على الحبّ وتوهجه: «غداً لن ألقاك/ أنا لا أعرفك/ كنا نتوهج بقدر ما كنّا غرباء» أو في قصيدة أخرى: «أرفضك كما ترفض امرأة مولودها، كما يرفض المطر السماء.
أكرهك وأحبّك» أو في قصيدة أخرى: «الحبّ يأخذ مجده ساعات الفراق، عندما يلاحق القط قطة شاردة هاشلة من مضجعها، محطمة حصون الرغبة على الطقوس/ الحبّ يأخذ مجده في إيماءات اللحظة الفاصلة بين علاقة وعلاقة، في القمر الذي يظهر جزء منه بحياء.
أُحطّم قصورك لأدعّمها، لأعزّز تجذرّك فيّ/ الحب يعود ويُعشّش بين الأعشاب التي تنمو على أرض البعاد...».

ولكنّها لا تنطلق في فكرتها من باب النديّة المعلنة للرجل، بل من اقتناعها بأنّ المسافة التي تُرسم بين الأحبّاء قد تزيد من عشقهم وولهم.
إلاّ انها لا تدعي ما لا تستطيعه، فتعود مروة لتلعن خوفها من تلك الوحدة التي تترصدها وتُحاصرها «كلما حاربت وحدتي، ترصدني من الجهة الأخرى/ ملعونة هي وأسلحتها فتّاكة. ليس ما يكفي من الحلم كي أحاربها».

لا تتحايل زهرة مروّة على اللغة، ولا تتلاعب بها. إنها تكتب بلغة واضحة، غير فجّة، تتواءم وصورها الشعرية التي تمرّ بسلاسة وعذوبة:  «فجأة، ذلك الليل على الطريق، هبّ الهواء. في عزّ الشتاء هواء ربيعي.
وردة حمراء على شجرة الشيخوخة. طقس ساحر يحلو للمرأة معه أن تحبل». (قصيدة يحلو).