أنيسة حسونة النائب البرلمانية «قاهرة السرطان»: الدعم الأسري والنفسي لا يقل أهمية عن العلاج

القاهرة - نيرمين طارق 07 أكتوبر 2018

«بدون سابق إنذار»، هو الكتاب الذي حقق أعلى نسبة مبيعات في الأسواق المصرية مع بداية عام 2018، وترك بصمة رائعة في قلوب كل من تصفّحه، ليس لأن كاتبته واحدة من أعضاء البرلمان المصري أو لأنها واحدة من ضمن أقوى 100 امرأة عربية على مستوى العالم، وفقاً لمجلة «أرابيان بيزنس» عام 2014، بل لأنه يحتوي على قصة كفاح مع مرض السرطان الذي هاجم جسدها عام 2016 من دون سابق إنذار، فأصبح انتصارها على المرض حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي. «لها» التقت بالنائب أنيسة حسونة للتعرف إلى رحلتها في الانتصار على المرض اللعين.


- ما الرسالة التي تسعين الى إيصالها للقراء من خلال كتابك «بدون سابق إنذار»؟

الكتاب هو رسالة امتنان وشكر لعائلتي، لأنهم ساعدوني على تجاوز المحنة، وكانوا مصدر الدعم النفسي لي، فزوجي سافر معي إلى ألمانيا لإجراء العملية الجراحية لاستئصال الورم الذي انتشر في أكثر من جزء في جسمي، وعندما عدت إلى القاهرة كان يقوم بتنظيف الجرح لي بنفسه بدقة وعناية شديدتين، ورفض أن تقوم بهذه المهمة أي ممرضة، خوفاً من عدم التزامها بالقدوم في الموعد المحدد، ومعرفته الشديدة بتفاصيل حالتي جعلت البعض يظن أنه طبيب، رغم أنه لم يدرس سوى إدارة الأعمال، كما وجدت من ابنتيَّ مها وسلمى المزيد من الحب أثناء رحلة علاجي في الخارج، فتركتا زوجيهما وأطفالهما وأصرتا على مرافقتي للتخفيف من أوجاعي. كذلك، ثمة رسالة أخرى من إصدار الكتاب، وهي تحذير من الضغوط النفسية، فقد هاجمني السرطان بعد إقالتي من مؤسسة القلب، التي كنت أعمل بها في أسوان كمدير تنفيذي عقب قرار تعييني في مجلس النواب، وشعرت بالحزن الشديد لأنني لم أقصر في تأدية واجبي، وكنت مؤمنة بما أقوم به تجاه المرضى، فالتمادي في الحزن قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الحالة الصحية، كما حدث لي. كما يحمل الكتاب رسالة توعية، فنحن نمارس الكثير من العادات الصحية الخاطئة مثل تناول اللحوم المصنعة والتوقف عن ممارسة الرياضة، وأردت أن أؤكد أن التواصل والدعم الأسري لا يقلان أهمية عن الأدوية والعمليات الجراحية.

- بعد تجربتك مع السرطان، هل هناك مشروع قانون تسعين الى طرحه في البرلمان لمساعدة مرضى السرطان؟

نعم، فقد طالبت، وما زلت أطالب، بتوفير الفحص المجاني للنساء في مصر على الأقل مرة واحدة سنوياً، لأن هناك سيدات متن بالسرطان من دون أن يعلمن، لأن ليست لديهن الإمكانية المادية للفحص الطبي. كما أعمل على مطالبة رجال الأعمال والقائمين على العمل الخيري ببناء مستشفيات متخصصة في علاج السرطان، الذي يهاجم النساء فقط، فمصر لا يوجد فيها مستشفى متخصص لعلاج السرطان الذي يصيب النساء، سوى مستشفى بهية لعلاج سرطان الثدي، ولا بد من توافر مستشفيات لعلاج سرطان الرحم، لأن هناك حالات تنتظر على قائمة الانتظار حتى تتمكن من دخول معهد الأورام، وحتى أتمكن من السفر لإجراء العملية الجراحية في ألمانيا، بعت الشقة التي ورثتها عن والدي، لكن هناك من لا يملك ثمن العلاج، ولا بد من توفير عدد أكبر من المستشفيات حتى تتّسع لعدد المصابين بالمرض.

- ما الفرق الملحوظ بين المنظومة الطبية في مصر ومنظومة العلاج في ألمانيا؟

الأطباء في ألمانيا وإنكلترا أثنوا على تشخيص الأطباء في مصر، لكن المستشفيات في ألمانيا تتميز بالدقة الشديدة، فلا يوجد هاتف محمول مع الممرضات أو مع أي طبيب على الإطلاق، حتى ينعم المرضى بالهدوء الكامل، والطبيب الألماني لا يخجل من كلمة «لا أعرف»، فهو ليس تخصصياً، لأن طب الأورام مقسّم الى تخصصات، فهناك أطباء متخصصون في سرطان المعدة، وأطباء متخصصون في سرطان الرئة، وهذا ما نفتقده في مصر، كما أن التمريض مقسم إلى تخصصات، فالممرضة التي كانت تسحب عينة الدم غير الممرضة التي كانت تساعدني على غسل وجهي وتساعدني أثناء الاستحمام، ولا يوجد أي ممرضة تقبل أي هدية أو أي مبلغ نقدي من المريض، على عكس ما هو موجود في مصر، لأن الممرضة في أوروبا تحصل على راتب كبير، لذلك ففي الفترة المقبلة، سأعمل على زيادة رواتب الممرضات في المستشفيات المصرية. لكني وجدت في الطبيب المصري ما يفتقده الطبيب الأجنبي، فهو يمنح الأمل، لكن الأطباء في ألمانيا يقولون الحقيقة المؤلمة بكل وضوح، فعندما سألت الطبيب الألماني عما إذا كان هناك أمل في الحياة لسنوات مقبلة، قال لي: لا أعرف فأنا لا أملك بلورة سحرية. ولن أنسى الطبيب الإنكليزي الذي قال لي عندما ذهبت إلى لندن، إن نسبة الشفاء لا تتجاوز 20 في المئة، وإن المرضى في غالبيتهم لا يعيشون أكثر من خمس سنوات، فشعرت بإحباط شديد.

- ما هو سبب رفضك مقاضاة المستشفى الألماني، عندما حدث خطأ طبي وتم تركيب الدنقلة في غير موضعها؟

زوجي كان يصر على اللجوء الى القضاء، لكني أخبرته أن حالتي النفسية لا تحتمل المشاكل القضائية والقانونية، وكنت مكتفية بالمشاكل الصحية، فبعد إجراء الجراحة سيطرت عليّ حالة من الاكتئاب، فرفضت تناول الطعام وفقدت الشهية بسبب كثرة الأدوية والمضادات الحيوية، بالإضافة إلى الوجع الذي كان يمنعني من الحركة، وقد خفف من ارتكاب الخطأ أن الأطباء اعترفوا بوجوده، وأعادوا التدخل الجراحي مرة أخرى لتركيب الدنقلة في المكان الصحيح.

- ما هو أصعب موقف واجهك أثناء رحلة العلاج والمرض؟

أشد المواقف صعوبة كان بعد خروجي من المستشفى في ألمانيا، حيث لم أستطع ركوب السيارة التي استأجرتها ابنتي لتوصيلنا إلى المطار، فحملني زوجي بمساعدة السائق، كما شعرت بالإحراج الشديد عندما تكرر الغثيان في الطائرة أثناء عودتنا إلى مصر، ورغم سوء حالتي الصحية والنفسية في هذا الوقت، إلا أنني قمت بتنظيف دورة المياه في الطائرة بنفسي، وعند تأخري بالداخل شعرت ابنتي التي كانت تنتظرني أمام الباب بالقلق، لكن لم أقبل أن أترك المكان غير نظيف، فشعرت بالحرج من طاقم الطائرة وركابها.

- تم في الكتاب ذكر العديد من المواقف الطريفة أثناء العلاج، فما أبرزها؟

رغم وجود لحظات صعبة جعلتني أتمنى أن يقوم الأطباء باللجوء الى القتل الرحيم من شدة ما شعرت به من وجع، لكن الدعم النفسي من العائلة كان مبهجاً الى درجة كبيرة، بخاصة عندما أصرت ابنتي على وضع طلاء الأظافر لي بعد العملية الجراحية، في محاولة منها لرسم البسمة على وجهي، لأن الاكتئاب سيطر على حالتي النفسية نتيجة التغيرات الهرمونية التي تنتج من إزالة الرحم، ولن أنسى الأطفال الألمان الذين حضروا إلى المستشفى لغناء أغاني عيد الميلاد للمرضى، لأن ما لاحظته هناك أن غالبية المرضى في المستشفى يكونون بمفردهم، وكانت هناك حالة من الاندهاش من قبل الأطباء وطاقم الممرضات، بوجود زوجي وبناتي معي باستمرار. ومن الأشياء التي أسعدتني هو حديث أحد الأطباء الألمان عن حبه لمصر ورغبته في زيارة معالمها التاريخية، كما أن هناك حدثاً أفرحني عندما عدت من ألمانيا، وهو ولادة حفيدتي الأخيرة التي سعدت بقدومها، لأنها البنت الوحيدة بعد ثلاثة أحفاد ذكور، وحمدت الله الذي منحني القوة لحضور ولادة ابنتي ودخول غرفة العمليات معها، فشعرت بأن هناك حياة جديدة تنتظرني، وهي حياة حفيدتي الجديدة، كما كنت أبتسم عندما كان يقوم زوجي بوضع قطرات من العسل الأبيض على الجرح أثناء تنظيفه، لأن العسل يحارب البكتيريا، ثم يتناول ما تبقى من عسل على الملعقة، وغيره من المواقف المؤثرة، مثل تقبيل شقيقاتي ليدي عند وصولي مطار القاهرة، وهو شيء لم يكن اعتيادياً بيننا، إلا مع الوالد والوالدة، ومحاولة ابنتيَّ للتخفيف عني عندما قالتا لي إنه لا بد من النظر إلى نصف الكوب الممتلئ، ففقداني وزني بعد العملية كان حلم الرشاقة الذي حلمت به كثيراً قبل رحلة المعاناة مع المرض، كما ضحكت كثيراً عندما قال لي الطبيب الألماني إنه لا بد من الاعتماد على زيت الزيتون في الطعام والإكثار من تناول السمك، فقالت لي ابنتي سلمى: ولماذا لا يطبق هذه النصيحة على نفسه؟ لأنه كان ضخماً وذا وزن كبير، وعندما قالت لي ابنتي مها: لا بد من الحفاظ على ما تبقى من جسمك، فالموجود أقل مما تمت إزالته، لأنه أثناء الجراحة تم استئصال الرحم والزائدة الدودية والغشاء البريتوني.

- كيف تعملين على خلق التوازن بين حياتك الأسرية وعملك في البرلمان والكتابة في مطبوعات ورقية عدة؟

الأسرة هي الأساس، والعمل هو إضافة، فرغم أن يوم الجمعة هو إجازتي الأسبوعية الوحيدة، لكني أحرص على الذهاب مع حفيدي إلى التدريب كل جمعة، كما أن فخر زوجي شريف ناجي وابنتيَّ بما أحققه من نجاح، يساعدني دائماً على التوفيق بين مسؤولياتي.

- ما هي نصيحتك لكل مريضة بالسرطان؟

الأمل موجود، والشفاء وارد جداً، فلماذا لا تكونين من المحظوظات اللاتي تنطبق عليهن نسبة الشفاء، حتى لو كانت 20 في المئة؟ فلا بد من التمسك بالأمل والاستمتاع باللحظات التي تمر من دون وجع، فغداً لا يعلمه إلا الله.

- من وجهة نظرك، ما هو سبب تحقيق الكتاب نسبة مرتفعة من المبيعات؟

السبب هو أن الناس اعتادوا أن تكتب الشخصيات العامة عن حياتها وتجاربها المهنية، لكن الكتاب يحمل تجربة شخصية وعائلية لشخصية عامة.

- ما هو سبب اختيارك من قبل مجلة «أرابيان بيزنس» كواحدة من أقوى مئة امرأة عربية على مستوى العالم؟

السبب هو مساهمتي في العمل الاجتماعي، علماً أنني لم أكن أخطط للفوز بأي لقب، وعندما جاءني البريد الإلكتروني الذي يؤكد اختياري من ضمن أقوى مئة امرأة عربية، اعتقدت أنه أُرسل بالخطأ، لكني سعدت كثيراً وشعرت بالفخر.


CREDITS

تصوير : تصوير - إسلام جمع