مبادرة لحماية مريضات سرطان الثدي «ذراعي خط أحمر»

القاهرة - أحمد جمال 06 أكتوبر 2019

قد لا تعرف غالبية مريضات سرطان الثدي الكثير عن طبيعة مرضهن أو التدابير والمحاذير التي يجب اتخاذها حيال هذا المرض، وعلى رغم أن هذه الـملحوظات قد تكون بسيطة، إلا أن إهمالها أو الاستهتار بها قد يؤدي إلى نتائج كارثية لن تزول آثارها، حتى بعد زوال المرض الخبيث والتعافي منه. مها نور أطلقت مبادرة «ذراعي خط أحمر»، للتوعية بضرورة الحفاظ على «ذراع» مريضة سرطان الثدي من أي جرح أو أي تعامل طبي قد يؤدي الى مرض أكبر. «لها» التقتها للوقوف على تفاصيل وأهداف المبادرة التي أنشأتها بعد تجربة شخصية لها مع المرض.


- بدايةً، نود التعرف على رحلتك مع مرض سرطان الثدي.

قبل سبع سنوات، لاحظت وجود ورم في الثدي، فذهبت لإجراء التحليل لأكتشف أنني مصابة بورم خبيث في الثدي. وبدأت رحلتي مع السرطان، وأجريت جراحة لاستئصال الورم، بعدها سلكت طريق العلاج الكيمائي الذي لا مفر منه، والذي تسبب في تساقط شعري كله، ثم العلاج الإشعاعي، ثم العلاج الهرموني لمدة خمس سنوات. كذلك، خضعت في شهر شباط (فبراير) الماضي، لعملية جراحية أخرى لإزالة ورم في الرحم، والتي كانت سبباً في إطلاق مبادرتي.

- كيف كانت هذه الجراحة سبباً في التفكير بتلك المبادرة؟

أجريت الجراحة بسبب اشتباه بورم سرطاني في الرحم والمبيض، وعند البدء في التجهيز للعملية جاءت إحدى الممرضات لوضع القُنيّة الطبية أو «الكانيولا» في ذراعي، فصرخت فيها وقلت إنه لا يجوز وضع هذه الإبر في ذراعي المصابة، وبالفعل جاء الطبيب واعتذر لي جداً عن الخطأ الطبي الكارثي الذي كان سيحدث، وأمر الممرضات بالابتعاد عن هذه الذراع تماماً ووضع الكانيولا في الذراع الأخرى. ومن هنا، فكرت في ما سيحدث لو جاءت إحدى المصابات إلى المستشفى فاقدة للوعي مثلاً، حيث من الممكن أن يتعامل الأطباء مع ذراعها بالحقن أو قياس الضغط وتحدث الكارثة، فجاءتني فكرة السوار لمريضات سرطان الثدي، ليتم وضعه في الذراع المصابة حتى يبتعد عنها الأطباء تماماً، ويتم تعميم هذا السوار على مستوى الجمهورية، ويكون موحداً ومعروفاً لجميع الناس للحفاظ على هذه الذراع.

- لماذا ارتبط الحفاظ على الذراع بمريضات سرطان الثدي؟

أولاً، سرطان الثدي ليس مرضاً نسائياً يحدث للسيدات فقط، بل هناك أيضاً رجال يصابون بهذا النوع من الأورام، وعندما يتم استئصال الثديين أو أحدهما يتم أيضا استئصال الغدد الليمفاوية والتي تكون موجودة تحت الإبط، وعندما تُستأصل هذه الغدد تحدث مشكلات في الجسم، بخاصة في الذراع التي أزيلت الغدة الليمفاوية منها، والتي عند استئصالها يتوجب على المرأة الحفاظ على ذراعها، فلا يتم أخذ الحقن فيها أو تتعرّض للجرح أو الحروق أو قياس ضغط الدم أو حمل الأشياء الثقيلة.

- وماذا لو تم التعامل مع الذراع التي تم استئصال الغدة الليمفاوية منها؟

إذا حدث واحد من هذه الأمور، فإن هذه الذراع تتضخم لتصبح شبيهة بالقدم المصابة بداء الفيل، وللأسف فإن هذا التضخم أو التورم سيدوم إلى الأبد، لكن يتم التخفيف منه بالعلاج الطبيعي، وهو يسمى بـ «الوَذَمَة اللِّمفِية» أو «الاستسقاء الليمفاوي».

- ما الذي نحتاجه لنكون أكثر إيجابية في التعامل مع مرضى سرطان الثدي؟

نحتاج إلى التوعية بسرطان الثدي بشكل كبير جداً على مستوى الأسرة والعائلة والعمل، وأن تقوم الصحافة والإعلام والبرامج التلفزيونية بحملات توعية للناس، لأنه عندما علم بعض الناس بأنني مصابة بسرطان الثدي- وكانوا مقربين مني- بدأوا في الابتعاد عني خوفاً من العدوى! فهم لا يعلمون أن السرطان ليس مرضاً معدياً، وأن كثراً من الناس استطاعوا هزمه والعيش بصورة طبيعية بعد ذلك، فأصبح مرضاً مثل كل الأمراض وليس عيباً أو عاراً.

- كيف أثرت إصابتك بسرطان الثدي على حياتك؟

إصابتي بمرض السرطان غيرت حياتي تماماً، فقبل الإصابة كنت إنسانة أقل من عادية، لا أستطيع أن أتخذ قراراتي بنفسي، وكنت حتى لا أستطيع شراء ملابسي بنفسي، واكتملت هذه الصورة بإصابتي بالمرض، فأشعرني الأطباء بأنني لن أستطيع إكمال حياتي كأي إنسانة، وأنني سأكون أنثى بالاسم فقط، وبعد إحدى الجلسات مع الطبيب قررت أن أغير من نفسي، وأن أقاوم هذا المرض وأفعل كل ما أريده، وبدأت من هنا بإصدار مجلة إلكترونية خاصة بي، لأنشر عبرها مبادراتي وأفكاري ومقالاتي، واجتهدت في عملي أكثر فأكثر، كما اتجهت لعمل دراسات عليا في كلية الإعلام، وهذا كله لأقاوم هذا المرض وأنتصر عليه، وأُشعر من حولي بأنني أعيش بصورة طبيعية.

- ما الذي يجب على أسرة مريضة سرطان الثدي فعله حتى تساعدها على محاربة هذا المرض؟

أهم ما تحتاجه مريضة سرطان الثدي، أو السرطان بشكل عام، هو الشعور بدعم من حولها، وأحمد الله أنني وجدت هذا الدعم من زوجي وولديَّ، 16 سنة و13 سنة، فأسرتي داعمة جداً لي وتقف بجانبي، ولم تشعرني أبداً بأنني مريضة، وفي المقابل لم أُشعر ولديّ بأنني مريضة، إذ يجدانني دائماً شعلة نشاط في العمل والدراسة والأعمال المنزلية.

- ما وظيفة الغدة الليمفاوية في الجسم بالنسبة الى الشخص الطبيعي أو المصاب بسرطان الثدي؟

الغدد الليمفاوية وظيفتها مهمة جداً في الجسم، ويمكنني أن أبسط طريقة عملها في مثال، فهي كعامل النظافة الذي يأتي يومياً لأخذ القمامة من المنازل، وفي حال لم يأت هذا العامل لفترات طويلة تصبح رائحة القمامة كريهة جداً وتتسبّب في حدوث الأمراض، وهكذا فإن الغدة الليمفاوية تقوم بتنظيف دوري للمشكلات الصحية التي تحدث في الجسم، وإذا تم استئصالها من الذراع فإنها لن تستطيع تنظيف نفسها وتطهيرها وتتضخم المشكلات.

- كيف علمت بخطورة إزالة الغدد الليمفاوية من الذراع وضرورة الحفاظ عليها؟

أنا لست طبيبة أو مختصة في مرض السرطان، لكن بعد إصابتي به، كنت عائدة إلى المنزل وأحمل بعض الحقائب، فقابلتني بالصدفة إحدى جاراتي التي انزعجت جداً من حملي هذه الحقائب، وقالت لي إنه يجب عليَّ الابتعاد عن حمل الحقائب والأثقال لخطورتها على ذراعي، ومن هنا وجبت التوعية لكل المجتمع بخطورة هذا الأشياء، حتى يتم تحذير المريضات منها.

- هل رأيت قبل ذلك، حالات لسيدات مصابات بتضخم الذراع بسبب إزالة الغدد؟

بالطبع رأيت حالات كثيرة لسيدات مصابات بالاستسقاء الليمفاوي أو تضخّم الذراع بعد السرطان، وكانت المرة الأولى في عيادة الطبيب الذي يعالجني، حيث رأيت سيدة ذراعها متضخمة جداً، وبسؤالها عن سبب هذا التضخم وجدتها لا تعلم السبب، عندها سألت الطبيب عن سبب تضخم ذراع هذه السيدة، فقال لي: «لا تقلقي لن يحدث لك مثلما حدث لها»، من دون أن يقول لي السبب، في وقت يجب على الأطباء توعية المرضى بكل أبعاد أمراضهم، وتنوير المرأة بالمحاذير التي يجب عليها الابتعاد عنها بعد الإصابة بسرطان الثدي.

- ما مواصفات السوار الذي تقوم مبادرتك بتوزيعه على المصابات بسرطان الثدي؟

السوار الذي نوزّعه من خلال المبادرة نحاسي يتم وضعه في ذراع المصابات بسرطان الثدي، ومحفورة عليه كلمات متعارف عليها دولياً، وهي اختصار للكلمات: «ممنوع الحقن، ممنوع قياس الضغط، ممنوع أخذ الدم»، ومدونة عليه أيضاً جملة «ذراعي خط أحمر»، وبعدها رمز المبادرة الموثق لدى الحكومة المصرية وعلامة مرض السرطان، وهناك نوع من السوار مزود بمدخل لبطاقة ذاكرة «ميموري كارد»، يتم وضع بيانات المريض الصحية كافة عليه لمساعدة الأطباء في معرفة أبعاد حالته بسهولة.

- كيف يمكن للسيدات الحصول على السوار؟

نوزّع السوار مجاناً من دون أي مقابل، من خلال التواصل على صفحاتنا على الإنترنت، ونقوم بتوصيله الى من يحتاجه، أو تقوم المريضات باستلامه من أماكننا المخصصة لتوزيعه، وقد قمنا بتوزيع السوار في عدد من الدول العربية مثل تونس والمغرب وليبيا، ونحلم بأن يكون السوار في يد كل امرأة عربية مصابة بسرطان الثدي.

- كيف كانت ردود الفعل على فكرة السوار من قبل المتخصصين بمحاربة السرطان؟

بعد نشر المبادرة، تواصلت معي جهات كثيرة تعمل على محاربة مرض السرطان، مثل مستشفى «بهية» لعلاج سرطان الثدي بالمجان، وأبدت إعجابها بالفكرة، وأسعى أيضاً الى نشر الفكرة من خلال المؤسسات الكبرى التي يكون تأثيرها أكبر بكثير من تأثير الأشخاص، وإلى جانب نشر فكرة السوار النحاسي، أسعى كذلك الى التوعية بمرض الليمفيديما أو الاستسقاء الليمفاوي، الذي قد يحدث للمرأة إذا لم تحافظ على ذراعها، فهو أمر خطير جداً ويجب الانتباه إليه.

- من هي أهم الشخصيات والمؤسسات الداعمة لمبادرتك؟

هناك فنانات كثيرات شُرّفنا بتعاونهن معنا في الحملة، مثل وفاء عامر وصفاء جلال وغيرهما من الفنانات والصحافيات والإعلاميات، وعلى رغم أننا نتلقى دعماً من مؤسسات كبرى كثيرة متخصصة في علاج السرطان، إلا أنني أحلم بأن يتم دعمنا من وزارة الصحة المصرية، وقد حاولت كثيراً التواصل معها لكني لم أستطع توصيل فكرتي بشكل كامل. ونحن الآن في صدد التجهيز لبروتوكول تعاون رسمي مع مؤسسة «بهية» ومع وزارة التضامن الاجتماعي.