عضو البرلمان المصري الدكتورة هبة هجرس: قهرت الإعاقة وحققت إنجازات عملية وشخصية

القاهرة - جمال سالم 13 أكتوبر 2018

الدكتورة هبة هجرس، هي عضو مجلس النواب ووكيل لجنة التضامن والأسرة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومقرر لجنة المرأة ذات الاحتياجات الخاصة في المجلس القومي للمرأة، ورحلتها تؤكد امتلاكها إرادة فولاذية قهرت بها الإعاقة، وحققت إنجازات عملية وشخصية؛ فشل فيها كثير من الأصحاء، كما تقود بنجاح مسيرة الدفاع عن حقوق المعوّقين عامة؛ والمرأة والطفل خاصة. «لها» التقتها؛ لنتعرف منها على مشوارها وكيف قهرت إعاقتها وحققت النجاحات.


- كيف قهرت إعاقتك وحققت النجاحات العملية؟

لم تشعرني أسرتي يوماً بأنني مختلفة عن أي فرد فيها، بل كانت تحيطني بكل وسائل الرعاية والتشجيع، ولم ألحظ يوماً نظرة يأس أو خيبة أمل في عيونهم؛ منذ إصابتي بمرض داء المفاصل في سن التاسعة؛ وفشل الأطباء في الداخل والخارج في علاجي، مما أدى إلى إصابتي بالإعاقة، وكانت والدتي سيدة عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، حيث تعاملت معي بالفطرة السوية؛ رغم أن أحداً لم يعلمها كيفية التعامل معي، كما لم يبخل والدي بالجهد أو المال في علاجي، وباع جزءاً من ممتلكاته لعلاجي، لكن الله لم يأذن بالشفاء، وقد ساهمت هذه النشأة في جعلي إنسانة طبيعية مجتهدة ومتفوقة في دراستي؛ واجتماعية لقناعتي الداخلية بأن الإعاقة ليست نهاية الحياة، بل تولّد في الإنسان إرادة حديدية لإثبات الذات، ولا شك في أن قراءة السير الذاتية لعظماء العالم؛ الذين قهروا الإعاقة، مفيدة لإعطاء الأمل لكل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ودائماً أتذكر المقولة الخالدة للزعيم مصطفى كامل «لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس».

- وكيف كانت مسيرتك التعليمية؟

حصلت على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية، ثم توجهت إلى قسم الاجتماع في الجامعة ذاتها، وتقدّمت بطلب دراسة الماجستير في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، فأكدوا لي أنهم لا يعرفون شيئاً عن مجال الدراسة هذا، لكن من الممكن أن يساعدوني من خلال قسم الاجتماع بمنهجية البحث العلمي، ومطلوب مني الحصول على المادة العلمية بنفسي، وهنا كان التحدي والنجاح فيه، حيث حصلت على الماجستير في موضوع «الإعاقة والنوع الاجتماعي والزواج»، ثم أعددت رسالة الدكتوراه في المجال نفسه بعنوان «تسويق الذين لا يسوّقون... والسياسات الاجتماعية تجاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة»؛ من جامعة ليدز البريطانية، وتناولت فيها قضية تشغيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وكيفية تدريبهم وخلق فرص عمل حقيقية لهم، حتى يكونوا منتجين يعتمدون على أنفسهم.

- تزوجت وأنت طالبة واستطعت القيام بدورك كزوجة وأمٍّ، فكيف كان ذلك؟

أعشق التخطيط والنظام، ولهذا لم يمنعني الزواج من ابن خالتي أثناء دراستي في الجامعة من تحقيق النجاح، وفي تلك المرحلة رُزقت بطفلة، ومع هذا استطعت النجاح في دراستي، لكن من دون إحراز مراكز متقدمة بين زملائي تؤهّلني لتحقيق حلمي، بتعييني معيدة في الجامعة، وفي عام 2007 توفي زوجي، وكان لهذا الحدث الأليم أثر صعب في حياتي وحياة أولادي، فأصبحت مسؤولة عنهم، وفي الوقت نفسه مطلوب مني النجاح في عملي لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف الميادين؛ بشكل تطوعي أو رسمي على حد سواء.

- كيف تحولت إلى شخصية قيادية ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الدولي؟

رغم أنني اجتماعية بطبعي، لكنني لا أحب التحدّث عن نفسي كثيراً، ولهذا كان أول ظهور لي كشخصية من ذوي الاحتياجات الخاصة في برنامج «فرسان الإرادة»، وكنت أتحدث عن كيفية التوفيق في الحياة بين كوني زوجة وأمّاً لطفلين والنجاح في العمل أيضاً، مما أثار إعجاب كثيرين، ممن طلبوا مني أن تكون لي مشاركة أكبر في الدفاع عن حقوق الأشخاص المعوقين، وأن أكون صادقة ومقنعة في عرض مشكلاتهم، ومن هنا كانت الانطلاقة المحلية والدولية.

- كثر من ذوي الاحتياجات الخاصة يسجنون أنفسهم في كلمة «مستحيل»، فماذا تقولين لهم من خلال تجربتك الشخصية؟

شخصياً، لم أشعر يوماً بأنني معوّقة، وكلمة «مستحيل» شطبتها من قاموسي، ولهذا استطعت أن أعيش حياتي بشكل طبيعي جداً مثل باقي البشر، خاصة أنني أؤمن بأن كل إنسان يعاني إعاقة ما، لأن الكمال لله وحده، لكن نوع الإعاقة ودرجتها يختلفان من إنسان لآخر، والإنسان الناجح هو من لا يحبس نفسه في إعاقته، بل يستطيع من خلال إرادته أن يحقق نجاحاً يعجز عنه الأصحاء، فإذا كان الله قد حرم ذوي الاحتياجات الخاصة من شيء، لكنه في المقابل عوّضهم بأشياء غير عادية تساعدهم على التميّز والانطلاق.

- حاربت بقوة حتى أصدر مجلس النواب أخيراً قانوناً يُنصف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فما هي أهم مكاسبه حتى يمكن الاستفادة منها في دول أخرى؟

استطعنا تحقيق 26 مكسباً تضمنتها مواد القانون، وأهمها وضع أول تعريف جامع مانع للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ يكفل ضم كل شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة تحت مظلته، ويمنع أحداً من الاستيلاء على حقوقهم، مع ضمان استخدامهم لكل الخدمات والأنشطة والمرافق العامة ووسائل التعليم، من دون إقصاء أو استبعاد، وتجريم التمييز ضدهم مع ضمان حقوقهم الواردة في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل الحق في الزواج وتأسيس الأسرة، والحق في السلامة الجسدية؛ وتولي المناصب القيادية؛ وإصدار بطاقة موحدة لإثبات الإعاقة والإفادة من التأمين الصحي بموجبها، مع الالتزام بتعليم مدمج في المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية، ومحو أمية من فاتتهم سن التعليم؛ مع ضمان الحق في التعليم العالي والدراسات العليا، وتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من أماكن الإقامة في المدن الجامعية، وإنشاء كليات ومعاهد متخصصة في إعداد وتخريج كوادر للعمل في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، و50% إعفاء من الضريبة على الدخل لذوي الاحتياجات الخاصة ومن يرعاهم فعلياً، وتخفيض ساعات عملهم ساعة يومياً مدفوعة الأجر، والجمع بين معاشين وراتب بدون حد أقصى، وتخفيض بنسبة 50% في جميع وسائل النقل الحكومية، والإعفاء الضريبي والجمركي لسياراتهم، والسجن المشدد لمن يقوم أو يحرض على إخصاء أو تعقيم أو إجهاض غير قانوني للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والحبس ستة أشهر أو غرامة قدرها عشرة آلاف جنيه يُلزم بدفعها كل من انتحل صفة معوق أو ساعد الآخرين على انتحال تلك الصفة، ومعاقبة صاحب العمل الممتنع عن تخصيص نسبة 5% من الوظائف لذوي الاحتياجات الخاصة بالحبس ستة أشهر إلى سنتين وبدفع غرامة تُراوح بين عشرة آلاف جنيه وثلاثين ألف جنيه، وتتعدد الغرامات بتعدد الحالات التي وقعت في شأنها الجريمة؛ مع إنزال أشد العقوبة في كل من شارك في حرمان أي طفل معوّق من التعليم.

- هل عدم معرفة ذوي الاحتياجات الخاصة بحقوقهم هو أحد الأسباب الرئيسة لمشكلاتهم؟

بالفعل، ولذلك حاولت خلال شغلي منصب رئيس لجنة تطوير وتنمية مجال الإعاقة في وزارة التضامن الاجتماعي؛ أن أدرّب العديد من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لتمكينهم من المناداة بقضاياهم بالمفاهيم والطرق الصحيحة، وعملت على تمكين المرأة المعوّقة من صون حقوقها أولاً كامرأة، وثانياً كشخص ذي احتياجات خاصة؛ حتى تكون قادرة على المطالبة بحقوقها كافة.

- ما أهم المناصب التي شغلتها؟

شغلت خلال مسيرتي العديد من المناصب، وكلها تهدف الى خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، فأنا عضو في مجلس النواب منذ عام 2015 حتى الآن، وشغلت منصب الأمين العام لمجلس شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة سابقاً، وأنا حالياً عضو مجلس إدارة المجلس القومي للمرأة والمسؤولة عن لجنة المرأة ذات الاحتياجات الخاصة، ورئيس لجنة تطوير وتنمية مجال ذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة التضامن الاجتماعي، كما أنني استشاري فني في مجال الإعاقة للعديد من الهيئات الدولية، وشاركت في كتابة مسودة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كممثلة للمجتمع المدني العربي، واختارني برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمشاركة في وضع الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لمملكة البحرين، ولي العديد من الأبحاث العلمية في مجال الإعاقة وهي منشورة في كتب ودوريات علمية داخل مصر وخارجها.

- تندّدين دائماً بالعنف ضد المرأة بوجه عام والمرأة المعوّقة بوجه خاص، فهل هناك تزايد في معدلات هذا العنف؟

للأسف الشديد نعم، وقد أكدت الدراسة التي أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ بشأن تعرض امرأة واحدة على الأقل من بين كل ثلاث نساء للعنف الجسدي، أو الإيذاء النفسي، وهذا يدق ناقوس الخطر حول زيادة معدلات العنف ضد المرأة، ولذلك فإنني أطالب البرلمانات العربية بإصدار تشريعات تتعلق بوقف العنف ضد النساء ذوات الاحتياجات الخاصة، خاصة أن هناك خسائر مادية تقع على المجتمع جراء هذا الاعتداء على المرأة وإيذائها، وقد وصل الأمر إلى حرمانها من الحمل خشية انتقال الأمراض الوراثية إلى أولادها، ونسوا أنها إنسانة لديها فطرة أن تكون أمًّا.



CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب