العنف ضدّ المرأة... الحكاية من الألف إلى الياء  

فرح جهمي - فرنسا 30 مارس 2019

«أنتِ حديثة العهد هنا. وعليكِ أن تعرفي بأنه لا يُسمح له (في إشارة إلى زوجي) بضربك او إهانتك في المنزل أو الشارع أو في أي مكان. وإن فعل، اتصلي على الرقم 3919 أو 911 لحمايتك وسجنه فوراً». بهذه المعلومة القيّمة استقبلتني الطفلة أناييس، بعد شهر واحد من وصولي للإقامة الدائمة في فرنسا. رغم استغرابي حديثها وطريقة شرحها للقانون، وفق قدرتها على الاستيعاب طبعاً، شعرت بالفخر بأن هذه الطفلة القوية والمدركة هي ابنة شقيقي، المقيم في باريس منذ أكثر من 15 عاماً.


هذه الطفلة التي لا يتجاوز عمرها الـ 6 سنوات، تحفظ عن ظهر قلب حقّها في العيش باحترام أكثر من مئات النساء المعنّفات في بلداننا العربية. رحت أفكر بالتربية الحاضنة في المدارس الغربية، وطريقة إرشادها للطالبات حول قضية العنف الأسري وسبل مكافحته من خلال تعليمهن ودفعهن لمعرفة قيمة أنفسهن أولاً وأخيراً.

وتأتي هذه الخطوات الدقيقة بهدف بناء جيل من الفتيات القادرات على مواجهة العنف بعد التقارير الصحافية التي انتشرت العام الماضي عن تعرّض واحدة من أصل 3 نساء في فرنسا للعنف والاغتصاب من جانب زوجها أو شريكها.

تدعم الحكومة الفرنسية قانون حماية المرأة وترصد أكثر من 66 مليون يورو في العام لتطوير أساليب التبليغ عن أي عنف أسري، وسرعة الردّ والاهتمام بالضحية ومعالجتها نفسياً ودعمها للتقدّم بشكوى ضد معنّفها.

وتعمل وسائل الإعلام من خلال الحملات الإعلانية الضخمة على لفت النظر إلى هذه المشكلة. تحت عنوان «فلنخلّص كلّ اللواتي لا يزلن على قيد الحياة»، أُطلقت حملة مبرمجة ضخمة العام الماضي من خلال المقاطع التمثيلية المنشورة على القنوات الرسمية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تشجيع المرأة المعنّفة على التبليغ بسرعة عن معنّفها، ورفع الشكاوى القضائية لمعاقبة الجُناة.

وتجنّد فرنسا منظمات المجتمع المدني والجمعيات وأطباء النساء والعيادات النفسية ومراكز الشرطة وأيضاً المدّعين العامين بهدف المحاسبة والقضاء على هذه الآفة المستشرية بين المواطنين.

العنف الأسري يطاول النجمات أيضاً

العنف ضد المرأة قضية أزلية لم تسلم منها أيضاً الكثير من النجمات والشخصيات العامة حول العالم. ففي فرنسا أطلقت عشرات النساء الشهيرات من ممثلات ومغنّيات وصحافيات صرخة لمحاربة العنف الأسري بحق النساء. ووجّهت الممثلة الفرنسية موريال روبين بعد تعرضها للعنف الجسدي في منزلها، نداءً عاجلاً الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واقترحت عليه وضع سلسلة من الخطوات السريعة لمواجهة هذه الظاهرة بأسرع وقت، جاء ذلك بعدما أشارت الأرقام الرسمية إلى وفاة 123 امرأة فرنسية عام 2017 نتيجة العنف الممارس ضدّهن من جانب أزواجهنّ. وضجّت الصحافة العالمية بما حصل مع نجمة البوب الأميركية ريهانا قبل سنوات، بعدما وقعت ضحية العنف الذي مارسه عليها صديقها السابق كريس براون قبل حفل توزيع جوائز «الغرامي» عام 2009، إلا أنها نجحت في الحصول على حكم يقضي بسجنه وبعدم تعرّضه لها.

كذلك كشفت النجمة العالمية مادونا في أكثر من مناسبة عن تعرّضها للضرب المبرّح والإساءة من زوجها شون بين، قبل انفصالها عنه في العام 1989، وتمكنت من الحصول على حكم حماية منه بعد اتّهامه بالاعتداء المنزلي المتكرر عليها.

ومن المعروف أن الاعلامية الأشهر في العالم أوبرا وينفري، كانت ضحية للعنف الأسري منذ طفولتها. فقد تعرضت للضرب من جانب والدها، إلى أن هربت من المنزل. وواجهت أيضاً خلال مراهقتها التحرّش الجنسي والاغتصاب من أحد أقاربها. لكن القانون استطاع حمايتها، وهكذا استغلت مركزها وبرنامجها الشهير لفتح ملفات قضايا العنف والترويج لها كبادرة أطلقتها للقضاء على هذه الظاهرة حول العالم.

وقادت النجمة العالمية هالي بيري حملة للتوعية ضد العنف المنزلي وتبرّعت بالمال للضحايا، وذلك بعد تعرّضها لسنوات للضرب المبرّح حتى فقدت ما يقرب من 80 في المئة من حاسة السمع في إحدى أذنيها في تسعينيات القرن الماضي.

وقبل حوالى 10 سنوات، اعترفت المغنية العالمية كريستينا أغيليرا بمعاناتها من العنف المنزلي على يد والدها، إلى أن قطعت علاقتها به نهائياً، ووقف الى جانبها القانون وساندها بمنعه من التعرض لها.

العنف ضد المرأة في عالمنا العربي

كما في فرنسا، تسعى معظم الحكومات في الدول العربية إلى تطوير القوانين والتشريعات الهادفة إلى حماية المرأة من التعنيف، وإلى تفعيل كل السُبل الممكنة للقضاء على هذه الظاهرة. فالسكوت ليس حلاً، وكذلك إخفاء آثار الضرب والاستسلام للأمر الواقع.

وتحت هذه العناوين، بدأت المغرب في العام 2018 بإحداث تغييرات ملحوظة على المستويين التشريعي والمؤسّساتي في مجال حقوق المرأة ومكافحة العنف الذي يطاولها.

وقد أشادت منظمة العفو الدولية بالإنجازات التي حققتها المملكة المغربية في ما يتصل بحقوق المرأة من خلال اعتماد تشريعات ترمي إلى مكافحة العنف الممارس ضدها، وإصدار قانون يجرّم حالات العنف الزوجي أو الأسري من خلال فرض عقوبات قاسية لمحاسبة المعتدين.

كذلك تخطو الدولة اللبنانية خطوات مهمة في هذا الإطار، حيث خصّصت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي خطاً ساخناً (1745) لتلقّي شكاوى العنف الأسري، وتعاونت في هذا الإطار مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة ومنظمة «كفى عنف واستغلال» بهدف تفعيل تطبيق القانون الرقم 293/2014 الخاص بالعنف الأسري.

وسمحت هذه الخطوة للعشرات من النساء بتقديم شكاوى متعددة إلى المفارز القضائية. وشملت تعرّضهن للضرب المبرّح أو الإيذاء أو القدح والذم، إضافة إلى جرائم الاغتصاب أو خطف الأولاد أو حجز الحرية أو التهجّم أو التهديد بالقتل، وصولاً إلى القتل الفعلي.

وتسعى منظمات المجتمع المدني، وفي مقدمها جمعية «كفى» لمناهضة العنف ضد النساء، ويحدث ذلك من خلال حملات التوعية التي تُطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بهدف تعريفهن على الحقوق التي يكفلها لهنّ القانون الرقم 293 المتعلق بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. فقد تبيّن أن ثلثي السكان لا يعرفون فحوى هذا القانون الذي يرمي أيضاً إلى مدّ جسور الثقة بين المرأة والقضاء.

ورغم هذه المحاولات، تبقى مشكلة المرأة اللبنانية في الأساس عالقة في قوانين الأحوال الشخصيّة التي غالباً ما تصدر عنها أحكام تعمل على إسكاتها والتغطية على جرائم تُنفّذ ضدها، وكل ذلك، لا يشجع معظم النساء على الإبلاغ عن حالات العنف داخل منازلهن. فالقوانين لا تزال على حالها، والأمر يحتاج الى منظومة متكاملة لا تأخذ الحقوق بجزئيتها، بل تجتث التمييز من أساسه.

وفي المحصلة، يشمل العنف ضد المرأة أيضاً التمييز الحاصل قانونياً وعملياً، وكذلك استمرار اللامساواة بين الجنسين في غالبية الدول العربية، ولا شك في أن هذا يعيق إحداث تغييرات جذرية سريعة في هذا المجال.

وأمام هذا المشهد المتنوع، يحتفل العالم في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ويصار خلاله إلى تنظيم نشاطات ترمي إلى زيادة الوعي العالمي وتكثيف الجهود وحشد الطاقات من أجل إحداث تغيير حقيقي لمصلحة النساء اللواتي يتعرضن للعنف في جميع أنحاء العالم.